«أنيسي» لسينما الرسوم يختتم دورة ناجحة

بين أفلام البراءة والنوايا السياسية

«نيكولا الصغير»
«نيكولا الصغير»
TT

«أنيسي» لسينما الرسوم يختتم دورة ناجحة

«نيكولا الصغير»
«نيكولا الصغير»

منذ إطلاقه أول مرّة سنة 1960. ومهرجان أنيسي للرسوم المتحركة، ينطلق كل سنة في مواكبة مع كل ما يمكن أن يدخل في عداد فن «الأنيميشن» كتقنيات عمل ومواضيع وأساليب أيضاً.
ومنذ 30 سنة تطوّر المهرجان ليصبح أهم مهرجان لهذه السينما في العالم. بحسبان أن هناك أكثر من 120 مهرجاناً لسينما الأنيميشن حول العالم، فإن احتلال المركز الأول بينها والبقاء على القمّة طوال هذه السنوات ليس بالشيء الذي يمكن تجاهله.
في كل عام هناك ما يُضاف إلى قيمته سواء أكان ذلك في نوعية الأفلام المشاركة، أو نوعية الفائز من بينها بجوائزه، أو لناحية تعدد الأفكار التي يطرحها فن الرسم المتحرك، أو الأساليب التي يلجأ إليها مبدعون من كل أنحاء العالم، يحاول كل منهم إيصال فكرته بطريقته الخاصة.

«الجزيرة»

- سوق مُحتكَرة
أقيم المهرجان هذا العام ما بين 13 و18 من الشهر الماضي يونيو (حزيران)، وتمتّع جمهوره (المحتشد دوماً في قاعة قلّ مثيلها في عواصم عديدة) بأفلام لا تتوفر في المهرجانات الدولية الأخرى إلا لُماماً. الحال، أن «برلين»، و«كان»، و«فينيسيا»، و«لوكارنو»، و«صندانس» وسواها من مهرجانات الصف الأول، ليست متخصصة بهذا النوع من الأفلام وإذا ما عرضت أحدها التزمت بمبدأ أن يكون الإنتاج كبيراً وتابعاً لمؤسسة من حجم ووزن يونيفرسال أو ديزني.
هذا ما يترك المجال مفتوحاً أمام «أنبسي» لعرض أفلام لا (والغالب أنها لن) تصل إلى الجمهور العريض إلا إذا تمتع بعضها بتوزيع كافٍ. هذا لا يحدث على النحو المطلوب عادة، لأن الفيلم الكولومبي، أو المجري، أو الفنلندي، عموماً لا يشهد عروضاً خارج دولته حتى ولو كان من الأفلام «الحيّة»، فما البال بفيلم رسوم؟ سوق أفلام «الأنيميشن»، من هذا المنطلق، محتكر من قبل الولايات المتحدة تليها اليابان وفرنسا. الباقي ينتج ويعرض ضمن احتمالات أقواها عروض مهرجانات متخصصة، كـ«أنيسي»، تتبعه عروض محلية غالباً.
ما لوحظ على نحو لافت هذا العام ارتفاع عدد الأفلام الأميركية المنتجة من استوديوهات هوليوود مثل «بيكسار»، «وديزني» و«نتفليكس». هذا لم يحدث بهذا الحجم من قبل. ولا نجد أن إدارة المهرجان تمانع في تمديد مجالات اختيارها لتشمل أفلاماً مثل «Entergatactic»، و«Sea Beast» من «نتفليكس»؛ أو «Rock‪، ‬ Paper‪، ‬ Scissors»، من نيكولوديون؛ و«Strange World»، من ديزني. هذا مع استبعاد دخولها المسابقات المختلفة التي يحتويها المهرجان.‬‬
الفكرة هي الاحتواء وليس الاستبعاد، خصوصاً أن بعض هذه الأفلام اقتصرت على دقائق ترويجية وليس على الأفلام كاملة. كذلك فإن الجمهور الذي يداوم الحضور على هذا المهرجان الفرنسي، وهو جمهور أوروبي غالباً، ليس هنا لمشاهدة أفلام أميركية ستعرض لمن يشاء في صالات السينما، بل لمشاهدة ابتكارات وفنون وأفكار مختلفة مترجمة إلى خيالات سوريالية متباينة ومتعددة التقنيات والأساليب.
نجوم هذه العروض هي الأفلام وليس طواقم ممثليها. لن تجد توم كروز، أو آن هاذاواي، أو ميريل ستريب، أو كنيث برانا، على عتبات الصالة وحولهم مئات المصوّرين. ليس هناك من مقالات عمن ارتدت ماذا من فساتين السهرة، ولا ما قاله الممثل في مؤتمره الصحافي، مما أزعج الموجودين أو أثار ضحكهم. المسألة أكثر جدية بطبيعة حالها، وهذا يكفي، والمهرجان لا يكترث لأكثر من ذلك.

- من وإلى...
أحد أفضل ما شوهد من أعمال في دورة العام الحالي من «أنيسي»، فيلم «لا كلاب ولا إيطاليين مسموح لهم” (No Dogs or Italians Allowed). موضوع الهجرة من أوروبا إلى أوروبا في نهاية القرن التاسع عشر، إبّان الحرب العالمية الأولى. الفيلم قصّة شخصية إلى حد، فالمخرج الفرنسي لويجي أوغيتو من أصل إيطالي. عائلته نزحت من قريتها الشمالية (اسمها أوغيتيرا) إلى فرنسا سيراً على الأقدام فوق ثلوج جبال فيسو. لم تتألف العائلة من فردين أو ثلاثة ولا حتى أربعة أو خمسة، بل من الأب والأم و11 ولداً. يقص المخرج من خلال فيلمه مآسي النزوح ومآسي التموضع ومن ثَم التطبّع والاعتياد على القبول هنا والرفض هناك. وهو فيلم يأتي على ذكر الاحتلال الإيطالي لليبيا وبداية الحرب العالمية الأولى. بذلك هو فيلم قاسٍ حين يصوّر الأجواء، وحميمي عندما يسرد حكايات العائلة ومصائرها.
بدوره يُثير فيلم «الجزيرة» نوعاً آخر من الرحيل. إنه رحيل كامل من عالم واقعي إلى خيالي. مخرجته الرومانية أنكا داميان وجدت في طيّات رواية «روبنسون كروزو»، أكثر مما وجد المؤلف دانيال دافو (الذي وضع الرواية سنة 1719).
الحكاية المعروفة هي وصول ذلك الأوروبي إلى الجزيرة بعد حطام السفينة التي كان يستقلها. بعد فترة من الوحدة يلتقي بمواطن اسمه فرايداي وكلاهما يمنح الآخر شيئاً من فكره وثقافته وذاته. هذا الخط لا يزال هنا مضافاً إليه شخصيات جديدة منها ما هو آدمي، ومنها ما هو مترجم إلى أشكال غير ذلك. من الإضافات المهمّة هو أن كروزو الآن، وقد التقى بمن التقى من شخصيات الجزيرة ينطلق في بحث عن الجنّة أو عن العالم المثالي الذي يتجاوز عقدة لون البشرة أو الثقافة الوطنية أو تلك الآتية من بعيد.
الصفة البصرية الأولى لهذا الفيلم هي أن المخرجة صاغت عالماً سلساً في انتقاله من مشهد لآخر. غزير في أفكاره، ومتلاحق في حكايته، وثري بألوانه المختارة كما بالأفكار الإنسانية التي يعرضها.
على نحو أقل إتقاناً، يأتي الفيلم الإيطالي «يايا وليني - الحرية السائرة» (Yaya and Lennie‪ - ‬ The Walking Liberty). هنا ينقلنا المخرج أليساندرو راك إلى زمن مستقبلي لا يُغادر الأرض، لكن أحداثه تقع بعد أن تغيّرت شروط الحياة عليها. في منطقة نابولي أدّت نهاية الحضارة كما نعرفها، إلى انتشار كثيف لأدغال استوائية في إيطاليا وعلى الفتاة يايا والعملاق ليني (شخصيتان متناقضتان إلا في فهمهما ضرورة مواجهة الأشرار معاً)، أن يواجها متاعب تلك الحياة التي تسعى السلطات إلى السيطرة على كل مقاديرها ومواطنيها سيطرة تصل إلى حد العبودية (على غرار يذكّر بتوقعات جورج أوروَل).‬
منهج المخرج راك عثرة في سبيل قبول الفيلم خارج نطاق فكرته. لقطاته مؤسسة كما لو كان المرء يُشاهد فيلماً حيّاً ركيك الأسلوب. القطع متوال وكثيف والتركيز على خلق حالة مفاجئة في كل مشهد حتى ولو لم يكن هناك ما هو مفاجئ.
من بين العشرين فيلماً التي عرضت في المسابقة شاهدنا كذلك «نايولا» للبرتغالي جوزيه ميغيل ربييرو. هذا أول فيلم له وأسلوب عمله ليس مبهراً، بل يعكس متاعب في كيف يمكن للفيلم وحكايته الانتقال من حالة إلى أخرى بتلقائية أفضل. تنطلق الأحداث في أنغولا سنة 1995 من ثَم تنتقل إلى الزمن الحالي. في الزمن الأول صراع سلطة خلال حرب أهلية، وفي الزمن الحاضر هناك بحث لامرأة عن زوجها الذي اختفى منذ ذلك الحين.

«لا كلاب ولا إيطاليين مسموح لهم»

- تركيا ـ أرمينيا
الكثير مما يعرضه الفيلم هو نتيجة دمج الدراما الشخصية مع الخلفية الاجتماعية والسياسية، وهذا أفضل ما لديه من نتائج. شخصية المرأة نايولا الباحثة عن زوجها ليست الوحيدة التي يسردها الفيلم، بل تؤازرها شخصيتان نسائيتان أخريان هما ابنة نايولا وأمها. بذلك لدى الفيلم غاية عرض ثلاثة أجيال تتهادى في عالم قاسٍ وصعب.
هذا المنحى السياسي متكرر في أكثر من فيلم آخر، من بينها «شروق أورورا» لمخرجته الأرمينية إينا ساهاكيان. هو إنتاج ألماني - أرميني يتناول ما تعرّض له الأرمن على أيدي العثمانيين في العقد الثاني من القرن الماضي. وهو في الوقت نفسه، يحمل أسلوب الفيلم التسجيلي لأنه لا يريد تحويل الفاجعة إلى حكاية تُروى. أخرجته ساهاكيان عن الناجية الوحيدة من بين أفراد عائلتها واسمها أورورا.
يوفّر الفيلم حكاية بطلته منذ أن كانت في الـ14 من العمر. هي في بعض أنحاء تركيا تتعرّض لتحرّشات الأتراك والألمان قبل أن يبدأ ما يصفه الفيلم بالتطهير العرقي. من حسن حظ أورورا أنها فازت، بعد سنوات قليلة، بمنحة من مؤسسة مسيحية للسفر إلى الولايات المتحدة حيث بقيت هناك.
النصف الثاني من الفيلم يتابع حياتها في مستقرّها الجديد حيث لم تتوقف عن محاولة لفت الأنظار إلى المأساة الأرمينية. وهو من حقائق الأمور أنها قادت بطولة فيلم صامت عن هذا الموضوع سنة 1919 عنوانه «مزاد من الأرواح» (Auction of Souls) أخرجه أوسكار أبفل.
ليس غريباً الموقف الذي يتّخذه الفيلم سياسياً من موضوعه والسعي إلى تكثيفه باتخاذ أسلوب تسجيلي مستبعداً الرواية. لكن هذا السعي لا يتحقق على النحو المنشود كون اللغة العاطفة هي التي يتعامل بها الفيلم مع مشاهديه.
الفيلم الذي خطف إحدى الجوائز الأولى هو «نيكولا الصغير‪:‬ سعيد قدر الإمكان» (Little Nicolas‪:‬ As Happy as Can Be)، الذي حمل بالفرنسية عنواناً مختلفاً هو نيكولا الصغير، ما الذي تنتظره لتكون سعيداً؟».‬‬
بالمقارنة مع سواه مما شُوهد، هو فيلم منفّذ بأسلوب سهل خالٍ من التعقيدات ومحاولات تغليب البصريات على المواضيع نفسها كشأن «نايولا» أو «يايا وليني». هو عن كاتب يطبع على آلته الكاتبة حكاية بطله نيكولا ونشاهد في تلك الحكايات التي ينصرف الفيلم لسردها.
ينتقل المخرجان أماندين فريدو، وبنجامين ماسوبري بين الكاتب وصوته معلّقاً خلال كتابته (يؤديه ألان شابات) وبين حكايات بطله (سيمون فاليو) بسهولة وبمعالجة متناسقة وملهمة.
ليس أن الفيلم ملهاة للصغار. فهناك ما ينضح به من مشاعر إنسانية. هناك ألم الوحدة وألم الحياة العائلية حين تتعرّض لمشاكل كل يوم. ومن ثَم هو عن علاقة حميمة بين الكاتب وشخصيته مجسّدة جيداً لتعبّر عن وجهة نظر الكاتب داخل الفيلم نقلها المخرجان على نحو سلس.


مقالات ذات صلة

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

يوميات الشرق مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

يندر أن يتعلق الجمهور السعودي بفيلم محلي إلى الحد الذي يجعله يحاكي شخصياته وتفاصيله، إلا أن هذا ما حدث مع «هوبال» الذي بدأ عرضه في صالات السينما قبل أسبوع واحد.

إيمان الخطاف (الدمام)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سينما صُناع فيلم «إيميليا بيريز» في حفل «غولدن غلوب» (رويترز)

«ذا بروتاليست» و«إيميليا بيريز» يهيمنان... القائمة الكاملة للفائزين بجوائز «غولدن غلوب»

فاز فيلم «ذا بروتاليست» للمخرج برادي كوربيت الذي يمتد لـ215 دقيقة بجائزة أفضل فيلم درامي في حفل توزيع جوائز «غولدن غلوب».

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
يوميات الشرق عصام عمر خلال العرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك)

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

قال الفنان المصري عصام عمر إن فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» يجمع بين المتعة والفن ويعبر عن الناس.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)

«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربية

ينطلق عرض فيلم «السيّد أزنافور» خلال هذا الشهر في الصالات العربية. ويسرد العمل سيرة الفنان الأرمني الفرنسي شارل أزنافور، من عثرات البدايات إلى الأمجاد التي تلت.

كريستين حبيب (بيروت)

البحرية الأميركية تهدي توم كروز أعلى وسام مدني

توم كروز مع الجائزة (أ.ب)
توم كروز مع الجائزة (أ.ب)
TT

البحرية الأميركية تهدي توم كروز أعلى وسام مدني

توم كروز مع الجائزة (أ.ب)
توم كروز مع الجائزة (أ.ب)

حصل الممثل توم كروز على أعلى وسام مدني من البحرية الأميركية، اليوم الثلاثاء، عن «مساهماته الفنية المتميزة في البحرية ومشاة البحرية» في فيلم «Top Gun» وأفلام أخرى.

ووفقاً لـ«رويترز»، حصل كروز، في أثناء عمله بالمملكة المتحدة، على جائزة الخدمة العامة المتميزة من وزير البحرية الأميركي كارلوس ديل تورو في حفل أقيم في استوديوهات لونغ كروس بالقرب من لندن.

وقال الممثل البالغ من العمر 62 عاماً إنه فخور بتلقي «التقدير الاستثنائي» الذي جاء مع ميدالية وشهادة.

وقال كروز: «أنا معجب بكل العسكريين... أعرف أن القيادة تعني الخدمة، وأرى ذلك في العسكريين».

ومن جهتها، قالت البحرية إن كروز «زاد من الوعي العام والتقدير لأفرادنا المدربين تدريباً عالياً والتضحيات التي يقدمونها في أثناء ارتداء الزي العسكري».

لقد حقق فيلم «Top Gun» الذي صدر عام 1986 نجاحاً كبيراً، وهو يدور حول أبطال الطيران في أثناء الحرب الباردة وجعل من كروز نجماً، كما أدى إلى زيادة كبيرة في أعداد الملتحقين بالجيش.

تجدد الاهتمام بالفيلم عام 2022 «Top Gun: Maverick»، حيث قام كروز بإلهام جيل جديد من الطيارين النخبة.

وقالت البحرية إن الفيلم التكميلي «أعاد الحنين إلى الجماهير الأكبر سناً فيما استهدف بشكل كبير اهتمام الجمهور الأصغر سناً بالمهارات والفرص التي يمكن أن توفرها البحرية».