تغييرات في الموقف الميداني ـ السياسي لموسكو تمهد لـ«سوريا من دون الأسد»

موقف صادم لمسؤول أمني روسي في اجتماع أوروبي: همنا مصالحنا والأقليات ومحاربة الإرهاب

تغييرات في الموقف الميداني ـ السياسي لموسكو تمهد لـ«سوريا من دون الأسد»
TT

تغييرات في الموقف الميداني ـ السياسي لموسكو تمهد لـ«سوريا من دون الأسد»

تغييرات في الموقف الميداني ـ السياسي لموسكو تمهد لـ«سوريا من دون الأسد»

في اجتماع لرؤساء أجهزة أمن غربية عقد الشهر الماضي في عاصمة أوروبية، خُصص لبحث موضوع «مكافحة الإرهاب»، سئل رئيس الوفد الروسي عن نظرة موسكو لمستقبل سوريا في مرحلة ما بعد الأسد، فأتى الجواب الصادم: «إن ما يهمّ روسيا هو الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية وضمان مستقبل الأقليات ووحدة سوريا ومحاربة المتطرفين».
وكشفت مصادر خليجية رفيعة المستوى لـ»الشرق الأوسط» أن المسار العام لتطوّر الموقف الروسي من الأزمة السورية، والتقارب المتنامي بين واشنطن وموسكو، يُؤشّران إلى متغيرات كبيرة مقبلة في الأزمة السورية. وأكدت المصادر على أن الاتصالات الخليجية الروسية، واهتمام موسكو بمعالجة تداعيات العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها نتيجة الحرب في أوكرانيا، كلها عناصر تخدم تليين موقف الكرملين حيال الأزمة الروسية، وتعزيز قوة الدفع الدولية للبدء بمرحلة انتقالية جدية تمهد لخروج بشار الأسد.
وأبلغت مصادر دبلوماسية غربية «الشرق الأوسط» بأن الحضور فوجئوا بهذا الجواب، مما استدعى مغادرة أكثر من عضو من أعضاء الوفد لإجراء اتصالات مع المسؤولين في بلادهم. وأشارت المصادر إلى أن هذا الكلام هو الأول من نوعه الذي يصدر من قيادي روسي بعد زمن طويل كان فيه الخطاب الرسمي الروسي يتحدث عن أنه لا بديل للأسد.
ويعتقد المعارضون السوريون على نطاق واسع أن ثمة تغييرا جوهريا بدأ يظهر في الموقف الروسي الداعم للأسد. وقالت مصادر سورية معارضة، لـ«الشرق الأوسط»، أمس، أن الروس أخلو 100 من كبار موظفيهم من سوريا عبر مطار اللاذقية. وأوضحت المصادر أنه كان لافتا أن هؤلاء اصطحبوا معهم عائلاتهم، كما أن طائرة روسية نقلت هؤلاء من مطار اللاذقية إلى موسكو بعدما كانت قد جاءت حاملة مساعدات غذائية وطبية للنازحين السوريين. وأكدت المصادر السورية أنه من بين هؤلاء خبراء كانوا يعملون في غرفة عمليات دمشق التي تضم خبراء روسا وإيرانيين ومن «حزب الله». وأشارت إلى أنه لم يجر إرسال بدلاء لهؤلاء بعد.
أيضا ذكرت مصادر معارضة أن عدد العاملين في سفارة موسكو في دمشق تقلّص خلال الأشهر الثلاثة الماضية إلى حد كبير حتى كاد يقتصر على الموظفين الأساسيين فقط. كما أشارت إلى أن الروس لم يفوا بعقود صيانة لطائرات «السوخوي» السورية، مما استدعى مغادرة وزير الدفاع السوري إلى طهران طلبا لتدخلها لدى الروس، وطلبا لذخائر.
ومن ثم، أشارت المصادر إلى أن المعارضين «لم يرصدوا منذ 90 يوما وصول أي حمولات من ذخائر وأسلحة روسية إلى النظام»، وأن المعارضين الذين يراقبون حركة مطار حماه العسكري، بالذات، لم يلحظوا منذ فترة طويلة وصول طائرات روسية كان وصولها إلى المطار معتادا في أوقات سابقة، مشيرة إلى اقتصار الحركة على طائرات إيرانية وأخرى تابعة للنظام فقط.
وفي السياق نفسه، لاحظ لؤي المقداد، رئيس مركز «مسارات» السوري المعارض، أنه منذ قرابة شهرين لم يصدر عن أي مسؤول روسي أي تصريح يتعلق بسوريا ودعم بشار الأسد، بعدما كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يخرج بتصريحين يوميا. وأكد المعارض السوري أن معلومات المعارضة تقول إن نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد زار السفارة الروسية في دمشق، واجتمع بالسفير الروسي لطلب توضيحات حول أسباب «الصعوبة في التواصل مع المسؤولين الروس». وأفاد بأن «شخصيات مقرّبة من النظام حاولت التواصل مع نواب من الدوما (البرلمان) الروسي لفتح قنوات اتصال إضافية ولكن من دون تحقيق نتائج مبشرة». وأوضح المقداد أنه تواصل شخصيا مع نائب روسي وسأله عما إذا كانت روسيا بدأت تشعر بأنها راهنت على حصان خاسر في سوريا، فأتي الرد: «إنه أقل من حصان بكثير.. لكنه خاسر بالتأكيد».
وأشار لؤي المقداد إلى أنه ثمة حالة اعتراض واسعة لدى مؤيدي النظام على التصرفات الروسية التي يرون فيها ملامح صفقة على حساب النظام، مما حدا بهم إلى محاولة فتح قنوات اتصال مباشرة مع قيادات روسية مقربة من الكرملين. ومن ثم أعرب عن اقتناعه بأن الروس باتوا يدركون أن النظام لم يعد قادرا على الصمود طويلا، مشيرا إلى أن الجبهات الوحيدة الصامدة «هي تلك التي يقاتل فيها حلفاء إيران، في حين تنهار خطوط الجيش النظامي سريعا». ورأى أن الروس باتوا يدركون أن الأسد لم يعد لاعبا على الأرض، وبالتالي لا بد من درس الخيارات البديلة.
وأوضح لؤي المقداد أيضا أن ثمة معلومات عن تواصل روسي مع قيادات عربية خليجية، وأن الأميركيين أبلغوا المعارضة بشكل مباشر بأن ثمة أزمة بين النظام والروس، وعليه من الضرورة بمكان استغلال هذا الواقع وفتح قنوات اتصال مع الروس. وتطرّق المقداد إلى الكلام الأخير لوزير الخارجية الروسي، وقوله إن ثمة تقاربا في وجهات النظر مع الأميركيين حيال الأزمة السورية، فقال «وزير الخارجية الأميركي كرر بعد اللقاء أنه لا مكان للأسد في مستقبل سوريا. الأميركيون إذا لم يتغيروا، فمن الذي تغير موقفه؟».
ولكن في المقابل، يؤكد الدكتور قدري جميل، نائب رئيس الوزراء السوري السابق الموجود في روسيا منذ نحو سنتين، أنه «لم يلحظ تغييرا في الوقف الروسي». وقال جميل في اتصال مع «الشرق الأوسط» إن ما تغير ليس الموقف الروسي، بل مواقف الآخرين. وأردف: «الموقف الروسي استند دائما إلى الإصرار على الحل السياسي ومن دون شروط مسبقة، والذي تغير هو أن الآخرين بدأوا الآن يتحدثون عن الحل السياسي، وبدأنا نرى مؤتمرات تعقد للمعارضين لبحث مرحلة الحل». وأشار جميل إلى أن «عقلية جديدة بدأت تظهر في أوساط القوى التي كانت تراهن على الحل العسكري»، واستطرد «أنا في قيادة تيار معارض قديم قدم سوريا، والآن تحديدا أمين حزب الإرادة الشعبية ومن قيادة جبهة التغيير والتحرير التي تضم 12 تشكيلا أي حزبا وتيارا معترضا، وقدمنا عشرات الشهداء ومئات المعتقلين، وإذا كنا ضد عسكرة المعارضة فلا يعني هذا أننا لسنا معارضة جذرية حقيقية، فقد رأينا إلى أين أوصلنا الاحتكام للسلاح».
وشدد جميل على أن «الروس ليسوا مع النظام وليسوا مع المعارضة، فقد كان هناك تشويه لموقفهم، بل هم مع سوريا كمؤسسات ودولة». وردا على سؤال عن مدى واقعية هذا الكلام في ظل الدعم الروسي العسكري والسياسي للنظام، أجاب «هم يتعاطون مع الدولة السورية، على أساس القانون الدولي». وشدّد على أن الروس لم يتدخلوا، بل منعوا التدخل المخالف للقانون الدولي، وإذا كان (الفيتو) تدخلا فليت كل التدخلات تكون مثله بما يسمح للشعب السوري بأن يقرر مصيره». وتابع جميل كلامه فقال «لقد كلّ لسان الروس وهم يقولون إنهم ليسوا مصرّين على أحد، وإنهم يريدون للسوريين أن يقرّروا مصيرهم.. ولو ترك الروس الأمور تسير دون تدخل لرأينا في سوريا ما رأيناه في ليبيا، وعلى الأقل هناك في سوريا الآن بقايا دولة وبقايا جيش».
تعليقا على هذا الوضع، اعتبر السفير اللبناني السابق لدى الولايات المتحدة الأميركية الدكتور رياض طبارة أنّه «وبعدما أصبحت الأزمة السورية خارجة عن سيطرة المجتمع الدولي، وبالتحديد واشنطن وموسكو، قرر الطرفان تناسي مشاكلهما وخلافاتهما والاجتماع بمسعى لاستعادة السيطرة الفعلية على الأرض السورية، حيث تنشط الحركات المتطرفة التي لا تنضوي تحت جناحي المجتمع الدولي». وأشار في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «في أي حل مقبل سيأخذ كل طرف منهما حصته باعتبار أن روسيا كانت حصتها 4 دول في المنطقة أيام الاتحاد السوفياتي أما اليوم فلا موطئ قدم لها على البحر المتوسط إلا عبر سوريا»، مضيفا «من هنا موسكو لن تتنازل بسهولة عنها إلا بعد حصولها على تأكيدات لجهة أن النظام الذي سيخلف نظام الأسد سيؤمن مصالحها».
ورأى طبارة أن تقدم قوى المعارضة السوري ميدانيا خلال الأشهر الماضية بعكس ما قد يعتقد البعض يتيح فرصة إيجاد حل سياسي للأزمة على أساس «جنيف 1»، معتبرا «اننا نتجه إلى (جنيف 3) ولكن ليس بخطوات سريعة باعتبار أننا لا نزال في أول الطريق». واستدرك «لكن لا شك أن (جنيف 3) سيكون هذه المرة أكثر فعالية من (جنيف 1)، ولن يتم عقده قبل التوصل لاتفاقات مبدئية حول الرؤية العامة للحلحلة».
كذلك، أشار طبارة إلى أن «التوصل لإقرار هذه الرؤية لن يكون سهلا على الإطلاق خاصة أنّه وحتى الساعة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا يسعى لتمضية الوقت ما دامت ليست هناك حلول عملية وخطة واضحة لكيفية التصدي للمجموعات المتطرفة بعد الاتفاق على تغيير النظام السوري الحالي».



مصر: مقتل طالب يثير قلقاً من انتشار «العنف» بالمدارس

وزير التربية والتعليم يتابع انتظام العملية التعليمية بمدارس محافظة القليوبية (وزارة التربية والتعليم)
وزير التربية والتعليم يتابع انتظام العملية التعليمية بمدارس محافظة القليوبية (وزارة التربية والتعليم)
TT

مصر: مقتل طالب يثير قلقاً من انتشار «العنف» بالمدارس

وزير التربية والتعليم يتابع انتظام العملية التعليمية بمدارس محافظة القليوبية (وزارة التربية والتعليم)
وزير التربية والتعليم يتابع انتظام العملية التعليمية بمدارس محافظة القليوبية (وزارة التربية والتعليم)

تجدد الحديث عن وقائع العنف بين طلاب المدارس في مصر، مع حادثة مقتل طالب في محافظة بورسعيد طعناً على يد زميله، ما أثار مخاوف من انتشاره، في ظل وقوع حوادث مماثلة بوقت سابق في محافظات مختلفة.

وشغلت المصريين خلال الساعات الماضية واقعة شهدتها مدرسة بورسعيد الثانوية الميكانيكية بمحافظة بورسعيد في مصر، الأحد، بعدما تداول مدونون «اتهامات عن تعدي طالب على آخر بسلاح أبيض ما أصابه بطعنة نافذة في القلب، أدت إلى وفاته».

وكشف وزارة الداخلية المصرية، الاثنين، ملابسات الحادث، مشيرة، في بيان، إلى أن عملية الطعن جاءت على خلفية مشاجرة نشبت بين الطالبين في فناء المدرسة، و«أنه بالانتقال وسؤال شهود الواقعة أفادوا بقيام طالب بالتعدي على المجني عليه بسلاح أبيض (مطواة) كانت بحوزته، فأحدث إصابته، ولاذ بالهرب بالقفز من أعلى سور المدرسة».

وعقب تقنين الإجراءات، وفق البيان، تم «ضبط مرتكب الواقعة بمكان اختبائه بالقاهرة، كما تم ضبط السلاح المستخدم في ارتكاب الواقعة».

وجاء التعقيب سريعاً من وزارة التعليم، حيث أكد الوزير محمد عبد اللطيف، أن «الوزارة لن تتهاون في اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لضمان حماية أبنائها الطلاب، وتوفير بيئة تعليمية آمنة، وسلامة سير العملية التعليمية في جميع محافظات الجمهورية».

وشدد في بيان، الاثنين، على أنه «لن يتم القبول بتكرار مثل هذا الحادث، أو أي تجاوزات من قبل الطلاب أو المعلمين أو أي مسؤول، وأي تجاوز ستتعامل معه الوزارة بإجراءات صارمة وحازمة».

وكانت الوزارة، في أول رد فعل عقب الحادث، اتخذت إجراءات عاجلة ومشددة تضمنت إلغاء تكليف مديرة المدرسة، وتحويل جميع المسؤولين في المدرسة إلى الشؤون القانونية.

ويدرس نحو 25 مليون طالب وطالبة في مرحلة التعليم الأساسي في مصر، تضمهم 60 ألف مدرسة، بحسب بيانات وزارة التربية والتعليم.

الواقعة أثارت تفاعلاً، وأعادت الحديث عن جرائم مشابهة، منها ما شهدته محافظة سوهاج (صعيد مصر)، قبل أيام، من إصابة طالب بالصف الأول الثانوي بجرح قطعي بالرقبة إثر تعدي زميله عليه بسلاح أبيض «كتر» إثر مشادة كلامية لوجود خلافات سابقة بينهما، بحسب وسائل إعلام محلية.

وزارة التعليم المصرية تسعى لحماية الطلاب وتطبيق أسس وقواعد التربية السليمة (الشرق الأوسط)

وخلال يوليو (تموز) الماضي، أقدم طالب بالثانوية العامة في محافظة بورسعيد أيضاً، على طعن زميله داخل إحدى لجان امتحانات الثانوية العامة، بدعوى عدم السماح له بالغش منه. وتكررت الواقعة للسبب نفسه خلال شهر أبريل (نيسان) الماضي، عندما طعن طالب ثانوي بالإسكندرية زميله بآلة حادة عقب الخروج من لجنة الامتحان لعدم تمكينه من الغش، حيث استشاط غضباً لعدم مساعدته.

ومن قبلها في شهر مارس (آذار)، قُتل طالب على يد زميله بسلاح أبيض «كتر» أمام مدرسة ثانوية بمحافظة القليوبية، بسبب معاكسة فتاة.

الخبير التربوي المصري، الدكتور حسن شحاتة، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، يرجع مثل هذه الوقائع إلى «السلوك العدواني، الذي يكتسبه الطلاب من البيئة والمجتمع خارج المدرسة، من خلال مشاهدة التلفزيون وأفلام العنف، والألعاب العنيفة، وبالتالي ينقلونه إلى داخل المدرسة».

ولفت إلى أن «وقف هذا العنف مسؤولية مشتركة، فالأسرة عليها مهمة تجنيب الأبناء صور وأشكال السلوك العدواني، إلى جانب إفهام الطالب الخطأ من الصواب داخل المدرسة، والقوانين المنظمة للدراسة، والتشديد على الالتزام الأخلاقي داخل المؤسسة الدراسية، وكيف أنها مكان مقدس مثل دور العبادة».

ولا تمثل هذه الوقائع ظاهرة، وفق شحاتة، فهي «حوادث معدودة في ظل وجود 25 مليون طالب في مصر»، مبيناً أنه «مع ارتفاع كثافة الفصول، وعدم وجود أنشطة مدرسية مناسبة للتلاميذ، مما يؤدي إلى عدم تفريغ الشحنات الانفعالية لهم، وهنا يأتي دور المدرسة في إيجاد أنشطة في المدرسة رياضية وموسيقية وفنية، يمارسها الطلاب لتهذيبهم، مع وجود دور للمُعلم في تعليمهم السلوك السوي مع بعضهم البعض».

ويوضح الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة المصرية اليابانية، لـ«الشرق الأوسط»، أن هذه الحوادث تعد «أعراضاً لتراجع النظام التعليمي»، وغياب «القيم التربوية».

ويلفت «صادق» إلى أن هذه الحوادث تعد امتداداً لإرث معروف بين الأسر تنصح به أطفالها، مثل عبارات: «لو حد ضربك في المدرسة اضربه» أو «خد حقك»، الذي معه «يقرر الطالب الاعتماد على نفسه في الحصول على حقه»، بينما الطبيعي، وفق صادق، عند تعرض الطالب لعنف أو تنمر «يشتكي للمعلم، ويرفع الأمر للإدارة لأخذ موقف ومعاقبة الطالب المعتدي؛ لكن مع غياب المعلم المؤهل وضعف إدارات المدارس، يغيب ذلك العقاب، وبالتالي نجد هذا العنف».