تحديثات «إنستغرام» لحماية صحة المراهقين النفسية قيد الاختبار

ما زال الحديث عن التأثيرات السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية للمراهقين يشغل الجمهور والخبراء، خصوصاً في أعقاب إعلان «إنستغرام» عن إطلاق تحديثات جديدة تدعم سلطة الآباء لمراقبة حسابات أبنائهم، في محاولة للحد من التأثيرات السلبية للتطبيق على المراهقين.
وفي حين يرى خبراء أن هذه الخطوات تأتي استجابة لمطالب الجمهور، وتساهم بشكل أو بآخر في تقليل الضرر، فإنهم يطالبون مواقع التواصل الاجتماعي باستخدام الخوارزميات وتقنيات الذكاء الصناعي في مواجهة المواد الخطرة والضارة، وحظر أو تقليل ظهورها للمراهقين.
تطبيق «إنستغرام» كان قد أعلن أخيراً عن مجموعة جديدة من التحديثات لدعم وصاية الآباء على المراهقين، تتيح للآباء أدوات تساعدهم في ضبط كيفية استخدام أبنائهم للتطبيق، مثل وضع توقيتات للحد من مدة تعرض أبنائهم لمحتوى التطبيق.
وذكرت إدارة «إنستغرام» في بيان لها أنها ستواصل «العمل على إضافة تحديثات تحسن من طريقة إدارة المراهقين لحساباتهم، والوقت الذي يمضونه في متابعة المنشورات على إنستغرام مثل ميزة (خذ راحة) Take a Break». وأوضح «إنستغرام» أنه باشر في «وضع أدوات للإشراف الأبوي، التي من خلالها سيكون بمقدار الأهل منح الإذن لأبنائهم بتحميل مضمون معين من عدمه، كذلك سيتوجب على من هم دون الثالثة عشر عاما إرسال طلب للأهل للموافقة على إتمام عمليات شراء عبر التطبيق، ويتيسر للأهل حظر بعض التطبيقات والحسابات غير الملائمة لأبنائهم، ومراجعة جميع الحسابات والتطبيقات التي يشاهدونها، ومعرفة الوقت الذي أمضوه على إنستغرام». ووفقاً للتطبيق أيضاً فإن «هذه التحديثات متاحة الآن بالفعل في الولايات المتحدة، وسيبدأ العمل بها هذا الشهر في بريطانيا واليابان وأستراليا وآيرلندا وكندا وفرنسا وألمانيا، مع وجود خطط لنشرها عالميا قبل نهاية العام الجاري».
مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، قال خلال لقاء مع «الشرق الأوسط» معلقاً: «تحديثات إنستغرام تعد خطوة مهمة لحماية الأطفال... في وقت باتت وسائل التواصل الاجتماعي غير محصنة من المحتوى غير المناسب أو غير اللائق». وأردف أن «المراهقين لا يستطيعون دائماً التمييز بين الخطأ والصواب، ووفقا لما أعلنته إنستغرام فإن التحديث الجديد سيمنع من هم دون الثالثة عشر عاما من إتمام أي عمليات شراء». ثم أضاف أن «هذه الخطوة هي مجرد نقطة انطلاق، وستستمر منصات التواصل الاجتماعي في ابتكار أدوات للرقابة، وتطوير أدوات الإشراف الأبوي بشكل أفضل بمرور الوقت».
بدوره يرى فادي رمزي، خبير الإعلام الرقمي المصري، أن «هذه خطوة ضرورية وتأتي نتاجا لدراسات فيسبوك التي جرى تسريبها أخيراً، والتي تتحدث عن التأثيرات السلبية لموقع إنستغرام على الصحة النفسية للمراهقات». وأشار رمزي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «معظم المراهقات غير راضيات عن شكلهن، وعن طريقة أكلهن بسبب منشورات إنستغرام... وإنستغرام يحاول من خلال التحديث إعطاء فرصة للأهل للتحكم فيما يراه أولادهم على التطبيق، وفي تعاملاتهم مع السوشيال ميديا، أملاً في تقليل الأضرار النفسية عليهم».
وتابع رمزي «هناك اتجاه من جانب مواقع التواصل الاجتماعي لمنح نوع من الرقابة الأسرية على الأولاد، كما حدث في غوغل فاميلي منذ مدة، حيث تعطي التطبيقات الأب والأم أدوات للتحكم فيما يشاهده الأبناء. وهو الإجراء الذي لقي نجاحاً كبيراً، وبالتالي، دفع إنستغرام لتقليده، عله يلاقي مردوداً إيجابيا مماثلا».
تأتي هذه التحديثات في أعقاب الجدل الذي أثاره «إنستغرام» نهاية العام الماضي، بعد سلسلة من المواضيع الصحافية التي نشرتها صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، تضمنت تسريبات لدراسات أجراها «فيسبوك» على مدار السنوات الثلاث الماضية. وتبين أن تطبيق «إنستغرام» يضر بالصحة العقلية للمستخدمين، وبخاصة المراهقات، وأن بعض المشاكل المتعلقة بالصحة العقلية للمراهقين كانت بسبب الصور التي ينشرها التطبيق، والتي تجعلهم غير راضيين عن شكل أجسامهم وطريقة حياتهم. ومن ثم، أدت هذه التسريبات إلى فتح تحقيقات مع شركة ميتا (فيسبوك سابقا) المالكة للتطبيق.
هذه ليست المرة الأولى التي تصدر فيها دراسات حول تأثير «إنستغرام» على الصحة العقلية، وإن كانت المرة الأولى التي تكون فيها التحذيرات نابعة من الشركة نفسها. ففي مايو (أيار) عام 2017 أظهر استطلاع رأي «الجمعية الملكية للصحة العامة» في بريطانيا أن إنستغرام هو الأسوأ بين منصات التواصل الاجتماعية من حيث تأثيره على الصحة النفسية للشباب.
وعودة إلى مهران كيالي، الذي شدد على أنه «لو التزمت مواقع التواصل الاجتماعي بالقوانين التي أصدرتها الأمم المتحدة وجماعات حقوق الأطفال، عندها كنا سنصل إلى نتيجة ممتازة من حماية الأطفال من أخطار هذه التطبيقات». وطالب بالتالي مواقع التواصل الاجتماعي «بالتعاون بشكل فعلي مع مصنعي الهواتف الذكية للوصول إلى درجة أكبر من الذكاء لمنع الأطفال من الدخول إلى هذه التطبيقات، إضافة إلى استخدام الذكاء الاصطناعي الذي تستخدمه هذه المنصات في توجيه الإعلانات للمستخدمين، في الحد من المنشورات التي يشاهدها الأطفال والمراهقون، والوقت الذي يمضونه على هذه التطبيقات».
وهنا يدلي رمزي بدلوه شارحاً «المسألة تعتمد على توقيت إدخال مثل هذه التحديثات. فلو كان كل شيء متاحا أمام الطفل أو المراهق، ثم قررنا فجأة التحكم فيما يشاهده، ستكون هناك مقاومة... أما لو بدأ هذا التقنين من البداية سيكون أمراً طبيعيا بالنسبة للطفل، والأمر بالطبع يتطلب قدراً من التوعية والتوجيه بمخاطر الإنترنت».
وحسب رمزي «هناك آليات كثيرة لمواجهة المحتوى الخطر على مواقع التواصل، حيث يمكن استخدام الخوارزميات في تقليل ترشيح مثل هذه المواد للمراهقين والأطفال، أو وضع علامات تحذيرية عليها».
وحقاً، لدعم المراهقين على «إنستغرام» أفاد التطبيق بأنه «ستُرسل تنبيهات إلى المستخدمين في بعض البلدان تحثهم على الانتقال إلى محتوى أو موضوع آخر، بهدف تشجيعهم على اكتشاف شيء جديد واستبعاد مواضيع معينة قد تكون مرتبطة بمقارنة المظهر». وأيضاً أفاد «إنستغرام» بأن «الأبحاث التي أجراها تقول إن التنبيهات يمكن أن تكون فعالة لمساعدة الأشخاص - خصوصاً المراهقين - على أن يكونوا أكثر وعيا بكيفية استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي في الوقت الحالي». وأوضح أنه «في دراسة عن آثار التنبيهات على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وافق 58.2 في المائة من المشاركين على أن التنبيهات جعلت تجربتهم على وسائل التواصل أفضل من خلال مساعدتهم على أن يصبحوا أكثر وعياً بوقتهم. وخلال فترة اختبار مدتها أسبوع واحد، تحول واحد من كل خمسة مراهقين ممن شاهدوا تنبيهات إنستغرام الجديدة إلى موضوع مختلف. وتحظى خطوات «إنستغرام» الآن بتأييد وتشجيع المراقبين الذين يعتقدون أن «التحديثات الخاصة بفرض الرقابة الأسرية ستزيد في الفترة المقبلة».