مقاربات دولية: التطورات اليمنية غير مسبوقة... والالتزامات ليست تنازلات

«الشرق الأوسط» تحدثت مع غروندبرغ وليندركينغ حول الهدنة وتداعياتها

المبعوثان الأميركي والأممي لدى لقائهما في واشنطن (الخارجية الأميركية)
المبعوثان الأميركي والأممي لدى لقائهما في واشنطن (الخارجية الأميركية)
TT

مقاربات دولية: التطورات اليمنية غير مسبوقة... والالتزامات ليست تنازلات

المبعوثان الأميركي والأممي لدى لقائهما في واشنطن (الخارجية الأميركية)
المبعوثان الأميركي والأممي لدى لقائهما في واشنطن (الخارجية الأميركية)

كيف يقرأ المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ بنود الهدنة التي رعتها الأمم المتحدة في اليمن؟ كان هذا هاجساً لدى كثير من المراقبين للشأن اليمني. ويشكل الحديث مع المبعوثين الأميركي ليندركينغ والأممي غروندبرغ جانباً من القراءة الدولية للأزمة اليمنية، التي تلخص التطورات التي يشهدها ملف الأزمة بـ«غير المسبوقة»، وأن الالتزامات ليست تنازلات للأطراف بقدر ما هي للشعب.
عندما بدأت الهدنة في أبريل (نيسان) 2022 وبالتوازي مع مشاورات الرياض برعاية خليجية، لم يكن المبعوث الأممي زار صنعاء بعد. لكن الهدنة كانت بمثابة الميسر السياسي لإحداث اختراق والالتقاء بقيادات الحوثيين.
ولأن التمديد الذي طال الهدنة حتى أغسطس (آب) المقبل، أوجد مساحة للمبعوث واللاعبين الإقليميين والدوليين أن يتحركوا لتثبيتها، لم يخف غروندبرغ اندهاش بعض من تفاجأ بصمود الهدنة.
يقول غروندبرغ في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «فضلاً عن حقيقة أن الهدنة مؤقتة، فهي موجهة لشعب اليمن وليس للأطراف. لذلك؛ عندما يفي أحد الطرفين بالتزاماته، فهذا ليس تنازلاً للطرف الآخر، إنه تنازل لشعب اليمن، وأعتقد أن كلا الجانبين يقدر ويفهم ذلك».
كما تحدث غروندبرغ عن فوائد التزامات الطرفين (الحكومة اليمنية والحوثيين). ويرى بأنه «عندما يظهر الأطراف التزاماً، فإنهم يظهرون أيضاً الثقة؛ ولهذا فهو من المهم أن نرى تقدماً في جميع عناصر الهدنة»، في إشارة إلى قضية فتح المعابر وخصوصاً تعز. وعند سؤاله عن الرسالة التي يريد إيصالها، قال المبعوث «لقد شهدنا تطوراً غير مسبوق، ولدينا جميعاً مسؤولية مشتركة، وعلينا التأكد من أننا ندرك ذلك والاستفادة من ذلك. ولدينا جميعاً، لدى كل فرد مسؤولية، الأطراف، المنطقة، المجتمع الدولي، وأنا كممثل (للأمم المتحدة)، أنت كمسؤول إعلامياً، واليمنيون أنفسهم، يمكننا جميعاً المشاركة في الرحلة التي بدأناها».
- تثبيت الهدنة
بدأت الهدنة اليمنية بأربعة محاور مطلع أبريل وتم تمديدها حتى شهر بداية أغسطس. وشملت أربعة بنود تمثلت في وقف شامل لإطلاق النار، وتيسير دخول 18 سفينة تحمل الوقود إلى موانئ الحديدة، والسماح برحلتين جويتين من وإلى مطار صنعاء كل أسبوع. كما تتضمن البنود أيضاً عقد اجتماع بين الأطراف للاتفاق على فتح الطرق في تعز، وغيرها من المحافظات لتحسين حرية حركة الأفراد داخل اليمن».
وتقول الحكومة اليمنية، إن الحوثيين خرقوا الهدنة بمحافظات الحديدة وتعز والضالع وحجة والجوف ومأرب، وفي ظل تبادل الاتهامات جرى رصد قتلى في تعز وتتهم الميليشيات الحوثية بارتكابها. سفن الوقود تدفقت إلى ميناء الحديدة بانسيابية، ومطار صنعاء شهد تحديات أظهرت خلالها الحكومة اليمنية مرونة عالية انتهت بانطلاق الرحلات من وإلى الأردن ومصر.
ملف فتح المعابر وخصوصاً تعز شهد جولتي مفاوضات، وسافر المبعوث الأممي إلى صنعاء لتسليم مقترحه الذي كان يتضمن أربع طرق على الأقل في تعز، وما زال ينتظر الرد من الحوثيين وفق ما أعلن في إحاطة لمجلس الأمن.
ومن خلال الحديث مع مسؤولين غربيين، يبدو أن الأمم المتحدة ماضية نحو تمديد آخر قبل أغسطس.
ويقول مسؤول غربي مطلع لـ«الشرق الأوسط»، من الواضح أن كلا الجانبين يريد التأكد من أن الهدنة تفي بوعودها. لكن لا يجب أن ينتهي المطاف بأن تصبح تلك شروطا. وحول تمديد الهدنة، يشدد ليندركينغ على مساعي تثبيتها، ويقول «بكل تأكيد؛ نأمل تثبيت هذه الهدنة الحالية التي تم تمديدها حتى 2 أغسطس مرة أخرى. ومن المهم جداً أن يلتزم الطرفان ببنود الهدنة التي سبق أن اتفقا على القيام بها...».
وتختلف الحكومة اليمنية مع الحوثيين؛ رغم اجتماعهم في جولتي مفاوضات حول الطرق المراد فتحها؛ إذ تصر الحكومة على فتح طريق رئيسية في الحوبان (شمال غربي المحافظة) وتريدها واضحة لكي تسهم في وصول الناس والحركة التجارية، ولكي تكون أي محاولة حوثية لإغلاقها لاحقاً بارزة للعيان، في حين يتذرع الحوثيون بمخاوف أمنية.
يقول المبعوث الأميركي «نعتقد أنها مسؤولية الحوثيين، وعليهم تطبيق الهدنة، وهناك ضرورة إنسانية واضحة للغاية؛ فثالثة كبرى مدن اليمن مقسمة قسمين. أهالي تعز يعيشون في ظروف شبيهة بالحصار؛ العائلات منقسمة، والخدمات الطبية والموارد الطبية أيضاً منقسمة. وبالتالي؛ نشعر بقوة بأن الاعتبارات الإنسانية لفتح هذه الطرق الرئيسية يجب أن تكون أولوية خلال الأسابيع القليلة المقبلة».
- «بايدن مسرور»
يتفاءل اليمنيون وأصدقاء اليمن الإقليميون والدوليون بالزيارة الأميركية المرتقبة إلى السعودية، وثمار نتائجها على الملف اليمني.
وقال المبعوث الأميركي لـ«الشرق الأوسط»: «نحن متحمسون جداً؛ لأن الرئيس بايدن سيتوجه إلى السعودية. أعتقد أنه انعكاس لحقيقة أن هناك قدراً كبيراً من الأهمية المعلقة على العلاقات الأميركية - السعودية أولاً وقبل كل شيء. لكن من دون أدنى شك؛ أعتقد أن التقدم الذي يشهده اليمن يسهل مثل هذه الزيارة في هذا الوقت بالذات... وإذا قرأت الإعلان العام للزيارة فستلاحظ أن اليمن يحتل موقعاً بارزاً في جميع التصريحات المرتبطة. لذا؛ أعتقد أنها ستكون مناقشات بناءة للغاية حول اليمن خلال هذه الزيارة».
وبسؤاله «هل هناك أي مفاجآت؟»؛ أجاب المبعوث «أعتقد أن التفاصيل ستكون أوضح كلما اقتربت الزيارة، وأعتقد أن الرئيس مسرور جداً لرؤية أن هناك هدنة في اليمن تعود بفوائد ملموسة على الشعب اليمني. وأن الدبلوماسية الأميركية دعمت بقوة العملية التي تقودها الأمم المتحدة»... وأكمل قائلاً «بالطبع نحن نقدّر الخطوات التي اتخذتها الحكومة السعودية والحكومة اليمنية لدعم الهدنة وتنفيذ بنودها. وسيود الرئيس أن يعرب عن تقديره لذلك. وبالمثل مع حكومات دول مجلس التعاون الخليجي؛ وذلك لإظهار دعمها هذا الأمر. وأعتقد أن هذا التجمع سيكون مهماً للغاية؛ لملفات متعددة».
- إنقاذ «صافر»
يشكل خزان «صافر»؛ الذي تقول الحكومة اليمنية، إن الحوثيين يتعاملون معه كرهينة، تحدياً أمام الأمم المتحدة التي تقود نقاشات حول إنقاذ وتحييد خطر ناقلة النفط العائمة والمتهالكة، والتي تربض قبالة الحديدة منذ عام 2015 وتحمل ما يربو على مليون برميل نفط وقد يؤدي تآكلها المتزايد إلى كارثة بيئة كبرى.
وبسؤال ليندركينغ عن آخر التطورات، قال المبعوث «لقد تعهدت السعودية حديثاً بتقديم 10 ملايين دولار، كما تعهدت الولايات المتحدة بتقديم 10 ملايين دولار، إضافة إلى تعهدات أخرى من الاتحاد الأوروبي وأيضاً قطر، وتعتقد الأمم المتحدة أنها تمكنت من توفير 60 مليون دولار؛ مما يعني أننا نقترب من تحقيق الهدف المنشود وهو 80 مليون دولار».
ويعتقد الدبلوماسي الأميركي، أنه إذا ما تقدمت دول أخرى في المنطقة وأيضاً القطاع الخاص «فسنكون اقتربنا من المبلغ المنشود، وبالتالي البدء في تفريغ الناقلة ونقل السفينة إلى منطقة أكثر أماناً، وبذلك سوف نمنع الكارثة البيئية التي أعتقد أنها تفزعنا جميعاً».
«من سيبيع النفط؟»، يجيب ليندركينغ «هذه خطة للأمم المتحدة؛ كما تعلم. قادت الأمم المتحدة المفاوضات بشأن هذا المشروع حتى الآن؛ مما أدى إلى توقيع مذكرة تفاهم في مارس (آذار) من العام الحالي... لم تتم معالجة كيفية التخلص من الخطر حول الناقلة، وسيتم تحديد ذلك لاحقاً، لكننا إذا لم نتحرك بسرعة؛ فإن كل هذا النفط يتجه إلى البحر الأحمر، وسيؤدي إلى انتكاسة التجارة العالمية، وصيد الأسماك، والسياحة، ولن يكون هناك نقاش حول ما سيحدث للنفط. لذا؛ نحن في حاجة إلى العمل الآن لمعالجة هذا الوضع العاجل».


مقالات ذات صلة

هوس قادة الحوثيين بالشهادات العليا يفاقم انهيار التعليم الجامعي

العالم العربي الجماعة الحوثية منحت مهدي المشاط رئيس مجلس حكمها شهادة الماجستير (إعلام حوثي)

هوس قادة الحوثيين بالشهادات العليا يفاقم انهيار التعليم الجامعي

يتعرض طلاب الدراسات العليا في الجامعات اليمنية لابتزاز قادة حوثيين لإعداد رسائلهم للماجستير، والدكتوراه، في حين يجري إغراق التعليم الجامعي بممارسات كسب الولاء

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي طائرة أميركية مسيرة من طراز «إم كيو - 9» (أرشيفية - أ.ب)

اليمن: مقتل قيادي بارز بـ«القاعدة» بغارة أميركية في مأرب

أكد مصدر أمني يمني، مساء السبت، مقتل قيادي بارز في تنظيم «القاعدة»، في ضربة بطائرة أميركية من دون طيار في محافظة مأرب، شرق البلاد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي عناصر حوثيون أمام شاشة كبيرة تنقل صوراً لهجمات نفَّذتها الجماعة في البحر الأحمر (غيتي)

سباق الظلام… الحوثيون يحاولون تجاوز اختراقهم من إسرائيل

لجأ الحوثيون لتشديد إجراءاتهم الأمنية لحماية قياداتهم من الاستهداف الإسرائيلي، كتعطيل كاميرات المراقبة وتغيير هوياتهم يومياً وتنويع وسائل تنقلهم وتمويه تحركاتهم

وضاح الجليل (عدن)
خاص باتريك سيمونيه رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لدى اليمن (تصوير: صالح الغنام)

خاص الاتحاد الأوروبي لـ«الشرق الأوسط»: لا تساهل مع الحوثيين... وهدفنا عودة اليمنيين للمفاوضات

تؤكد بروكسل أنها لا تتساهل مع الحوثيين، وكل جهودها تنصب لإعادة الأطراف لطاولة المفاوضات وتطبيق خريطة السلام التي تقودها الأمم المتحدة.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي الرئيس رشاد العليمي يستقبل الوزير البريطاني في عدن (سبأ)

وزير بريطاني: شراكتنا مع اليمن «ركيزة أساسية» لاستقرار البلاد وأمن المنطقة والعالم

وصف وزير شؤون الشرق الأوسط البريطاني هيمش فولكنر الشراكة مع اليمن بأنها «ركيزة أساسية» لاستقرار البلاد وأمن المنطقة والعالم.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
TT

الخارجية الفلسطينية ترحب بموافقة الأمم المتحدة على تمديد ولاية «الأونروا»

رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)
رجل يعلق علماً فلسطينياً على هوائي في مبنى شبه مدمّر كان يضم عيادة لـ«الأونروا» في مخيم جباليا بغزة (أ.ف.ب)

رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، الجمعة، بتبني الجمعية العامة بأغلبية ساحقة خمسة قرارات لصالح الشعب الفلسطيني، من بينها تجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

وقالت الوزارة، في بيان، إن هذه القرارات «تعكس تضامناً واسعاً من جميع أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتمثل إقراراً بمسؤولية المجتمع الدولي في دعم الاحتياجات السياسية والإنسانية، بما فيها حق لاجئي فلسطين».

وأضافت أن هذا التضامن يؤكد دعم العالم لوكالة «الأونروا» سياسياً ومالياً، ولحماية حقوق اللاجئين وممتلكاتهم وإدانة الاستيطان الإسرائيلي.

وأشارت الخارجية الفلسطينية إلى أن هذا التصويت «تعبير إضافي عن رفض المجتمع الدولي للضم والاستيطان والتهجير القسري والعقاب الجماعي والتدمير الواسع للبنية التحتية في الأرض الفلسطينية المحتلة، والإبادة في قطاع غزة».


حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

حديث ترمب عن تعديل المرحلة الثانية... هل يُفعل «البند 17» بـ«اتفاق غزة»؟

يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
يملأ فلسطينيون حاوياتهم بالمياه في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

حديث عابر للرئيس الأميركي دونالد ترمب عن «تعديل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة» دون أن يوضح تفاصيل ذلك التعديل، أثار تساؤلات بشأن تنفيذ ذلك.

هذا الحديث الغامض من ترمب، يفسره خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيكون تغييراً في تنفيذ بنود الاتفاق، فبدلاً من الذهاب لانسحاب إسرائيلي من القطاع الذي يسيطر فيه على نسبة 55 في المائة، ونزع سلاح «حماس»، سيتم الذهاب إلى «البند 17» المعني بتطبيق منفرد لخطة السلام دون النظر لترتيباتها، وتوقعوا أن «المرحلة الثانية لن يتم الوصول إليها بسهولة في ظل عدم إنهاء ملفات عديدة أهمها تشكيل مجلس السلام ولجنة إدارة غزة ونشر قوات الاستقرار».

و«البند 17» في اتفاق وقف إطلاق النار بغزة الذي دخل حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ينص على أنه «في حال أخّرت (حماس) أو رفضت هذا المقترح، فإنّ العناصر المذكورة أعلاه، بما في ذلك عملية المساعدات الموسّعة، ستنفّذ في المناطق الخالية من الإرهاب التي يسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية».

و«وثيقة السلام» التي وُقعت في أكتوبر الماضي بين «حماس» وإسرائيل تناولت فقط النقاط المتعلقة بما يسمى «المرحلة الأولى»، وتشمل الهدنة الأولية وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي، وشروط تبادل الأسرى والمحتجزين، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية، فيما لم يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بشأن «المرحلة الثانية» المتعلقة بإدارة غزة بعد الحرب.

وأعلن ترمب في تصريحات نقلت، الخميس، أن المرحلة الثانية من خطته للسلام في غزة «ستخضع للتعديل قريباً جداً»، وسط تصاعد القلق من تعثرها وعدم إحرازها تقدماً ملموساً في التنفيذ، دون توضيح ماهية تلك التعديلات.

المحلل في الشأن الإسرائيلي بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن التعديل الذي يمكن أن يرتكز عليه ترمب للحيلولة دون انهيار الاتفاق كما يعتقد هو اللجوء لـ«البند 17» الذي يرسخ لتقسيم غزة، لغزة قديمة وجديدة، وهذا ما كان يطرحه المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف الشهر الماضي في عدد من لقاءاته.

وأشار إلى أن هذا التعديل هو المتاح خاصة أن الاتفاق أقر في مجلس الأمن الشهر الماضي، ويمكن أن يعاد تفعيل ذلك البند تحت ذرائع عدم استجابة «حماس» لنزع السلاح أو ما شابه، متوقعاً أن يقود هذا الوضع لحالة لا سلم ولا حرب حال تم ذلك التعديل.

رد فعل فلسطينية على مقتل أحد أقربائها في غارة إسرائيلية بخان يونس (أ.ف.ب)

ويرجح المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه في ظل عدم توضيح ماهية تعديلات ترمب بشأن المرحلة الثانية، فإن «هناك مخاوف من ترسيخ تقسيم غزة يمكن أن نراها في التعديل مع رغبة إسرائيلية في استمرار بقائها في القطاع، تطبيقاً لما يتداول بأن هذا غزة جديدة وأخرى قديمة».

ووسط ذلك الغموض بشأن التعديل، أفاد موقع «أكسيوس» بأن ترمب يعتزم إعلان انتقال عملية السلام في غزة إلى مرحلتها الثانية، والكشف عن هيكل الحكم الجديد في القطاع قبل 25 ديسمبر (كانون الأول) الجاري. ونقل الموقع، الخميس، عن مسؤولَين أميركيين قولهما إن «تشكيل القوة الدولية وهيكل الحكم الجديد لغزة في مراحله الأخيرة»، متوقعين أن يعقد الرئيس الأميركي اجتماعاً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو قبل نهاية ديسمبر الجاري لمناقشة هذه الخطوات.

غير أن الرقب يرى أن المرحلة الثانية أمامها عقبات تتمثل في «عدم تشكيل مجلس السلام وحكومة التكنوقراط، وعدم تشكيل الشرطة التي ستتولى مهامها وقوة الاستقرار، وأن أي تحركات لن ترى النور قبل يناير (كانون الثاني) المقبل».

ولا يرى عكاشة في المستقبل القريب سوى اتساع احتلال إسرائيل للمناطق التي تقع تحت سيطرتها في القطاع لتصل إلى 60 في المائة مع استمرار تعثر تنفيذ الاتفاق دون تصعيد كبير على نحو ما يحدث في جنوب لبنان من جانب إسرائيل.

فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا (أ.ف.ب)

وقبل أيام، تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أن هناك خطة إسرائيلية لإعادة توطين نحو مليوني فلسطيني في مناطق جديدة خاضعة لإسرائيل شرق الخط الأصفر، وتفريغ المناطق الخاضعة لسيطرة «حماس» من المدنيين بالكامل، وملاحقة عناصر حركة «حماس» في هذه المناطق تدريجياً. كما نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية، عن دبلوماسيين غربيين أن الخطة الأميركية بشأن غزة تنطوي على خطر تقسيم القطاع إلى جزأين للأبد، ما يؤسّس لوجود قوات الاحتلال بشكل دائم في القطاع المنكوب.

وقبل نحو أسبوع، أكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في لقاء ببرشلونة مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، على وحدة الأراضي الفلسطينية بين الضفة الغربية وقطاع غزة ورفض مصر أي إجراءات من شأنها تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وغزة أو تقويض فرص حل الدولتين على الأرض.

وأعاد عبد العاطي، التأكيد على ذلك في تصريحات، الأربعاء، قائلاً إنه «لا مجال للحديث عن تقسيم غزة، فغزة هي وحدة إقليمية متكاملة، وجزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية القادمة، جنباً إلى جنب مع الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وهذه هي قرارات الشرعية الدولية وبالتأكيد يتعين الالتزام بذلك»، مؤكداً أنه إلى الآن يجرى التشاور بشأن لجنة إدارة قطاع غزة مع الأطراف المعنية، حتى تتولى هذه اللجنة الإدارية من التكنوقراط مهام العمل على الأرض. وأشار عكاشة إلى أن الجهود المصرية ستتواصل لمنع حدوث تقسيم في قطاع غزة أو حدوث تعديل يؤثر على الاتفاق، لافتاً إلى أن السيناريوهات مفتوحة بشأن التطورات المرتبطة بخطة ترمب.


«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.