منذ أسابيع تلاحق المستشار الألماني أولاف شولتس اتهامات بعدم تقديمه الدعم الكافي لأوكرانيا، عسكرياً أو حتى سياسياً. ورغم أن شولتس ينفي ذلك، ويعتبر أن زيارته أخيراً إلى كييف إلى جانب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دليل على دعم ألمانيا غير المحدود لأوكرانيا، فقد كشفت تصريحات أدلى بها كبير مستشاريه عن طريقة تفكير شولتس تجاه الأزمة في أوكرانيا، أو على الأقل، طريقة تفكير أكثر مستشاريه تأثيراً. ومع أن يانس بلوتنر، المستشار السياسي لشولتس، نادر الكلام والظهور، فإن ما خرج عنه خلال مشاركته بندوة نظمها «المعهد الألماني للعلاقات الخارجية» في برلين، تسبب بضجة كبيرة وجدل أكبر. ورفض بلوتنر خلال الندوة المسجلة والتي نشرت على موقع المعهد، الانتقادات الموجهة من أوكرانيا، خاصة لألمانيا بأنها تتردد في تزويدها بالأسلحة التي تحتاج إليها. وتابع منتقداً الصحافة في ألمانيا قائلاً «يمكنك أن تملأ الكثير من صفحات الجرائد بالحديث عن (20 ماردر)، ولكن هناك عدداً أقل بكثير من المواضيع عن كيف ستكون علاقتنا مع روسيا في المستقبل». ودبابات ماردر هي ألمانية الصنع تطالب كييف برلين بتزويدها بها، ولكن الحكومة الألمانية ترفض بحجة أن الجيش الأوكراني ليس لديه خبرة بتشغيل الدبابات، وأنه لا يمكن إرسال أسلحة إليها تكون عاجزة عن تشغيلها.
وفي مطلع أبريل (نيسان) الماضي، انتقد السفير الأوكراني في برلين أندريس ملينك، بلوتنر شخصياً واتهمه بعرقلة إيصال الأسلحة إلى أوكرانيا. وفي مقابلة أدلى بها لصحيفة «تاغس شبيغل» البرلينية، اتهم ملنيك الرئيس الألماني الحالي فرانك فالتر شتاينماير الذي لعب دوراً أساسياً في رسم سياسية التقارب مع روسيا عندما كان وزيراً للخارجية في حكومة غيرهارد شرورد، بـ«خلق شبكة اتصالات عنكبوتية مع روسيا لعقود»، مضيفاً أن «الكثير من الأشخاص المتورطين بذلك هم الآن في مواقع مسؤولة في الحكومة، مثل السيد بلوتنز في المستشارية... وسفراء مهمين». وكانت أوكرانيا رفضت استقبال الرئيس الألماني شتاينماير في كييف مطلع أبريل الماضي، لارتباطاته بموسكو؛ ما تسبب باستياء واسع داخل الحكومة الألمانية.
ونقلت صحيفة «بيلد» الأكثر انتشاراً في ألمانيا، عن دبلوماسي أوكرانيا قبل بضعة أسابيع قوله إن بلوتنر «أوقف كل شيء ممكن وفقط تحرك عندما وصل الضغط إلى الحد الأقصى».
وعلق بلوتنر كذلك خلال الندوة التي استمرت ساعة ونصف الساعة تقريباً، على طلب أوكرانيا العضوية من الاتحاد الأوروبي وهو ما تناقشه دول الاتحاد في بروكسل هذا الأسبوع، مشيراً إلى أنه لا يمكن لأوكرانيا أن تتوقع معاملة خاصة «فقط لأنها تعرضت لاعتداء روسي». وقال «فقط لأنك تعرضت لاعتداء لا يعني بأنك دولة أفضل تحت حكم القانون بشكل أوتوماتيكي». ويوم أمس تحدث المستشار الألماني عن الموضوع نفسه في كلمة أمام البرلمان الألماني، أكد فيها دعمه طلب أوكرانيا العضوية من الاتحاد الأوروبي ولكنه تابع مؤكداً التحفظات التي تحدث عنها بلوتنر «المفوضية أوضحت بأن هناك أسئلة يجب على أوكرانيا أن تجيب عنها تتعلق بالقانون ومحاربة الفساد وحماية الأقليات وتأهيل النظام العدلي، الطريق للاتحاد الأوروبي مليئة بالمتطلبات الأساسية والعقبات، ولكن الأوكرانيين يعرفون ذلك». وتسببت تصريحاته الأخيرة عن أوكرانيا بجدل واسع داخل ألمانيا، ليس فقط لدى أحزاب المعارضة ولكن أيضاً من أحد الأحزاب المشاركة في الحكومة. وقال رئيس لجنة الدفاع في البرلمان ماري إغنيس شتراك - تزيمرمان التي تنتمي للحزب الليبرالي المشارك في الحكومة، إن تصريحات بلوتنر «تكشف عن التفكير الذي أوصل بنا إلى هذا الوضع الفظيع طوال العقود الماضية». وأضاف في تغريدة على «تويتر»: «الآن ليس وقت التفكير بمحبة في روسيا، بل وقت مساعدة أوكرانيا».
وعلق رئيس الحزب المسيحي الديمقراطي المعارض الذي تنتمي إليه المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، بالقول إنه «منزعج جداً» من كلام بلوتنر عن روسيا، وأنه «يظهر تفهماً لروسيا لا أشاركه فيه»، مضيفاً أن كلامه «يمكن أن يفسر موقف شولتس المتحفظ تجاه أوكرانيا». وبلوتنر كان مسؤول القسم السياسي في الخارجية الألمانية في الحكومة السابقة عندما كان هايكو ماس وزيراً للخارجية، ومثل ألمانيا في المفاوضات النووية التي جرت في فيينا مع إيران. وبعد فوز شولتس بمنصب المستشار، منح بلوتنر ترقية ونقله إلى مقر المستشارية ليصبح مسؤولاً عن هندسة السياسات الخارجية للمستشار الألماني.
وترأس بلوتنر المفاوضات التي توسطت فيها ألمانيا قبيل الحرب في أوكرانيا، بين موسكو وكييف، في محاولة لإعادة إحياء اتفاقية مينسك. وفشلت الجولة الثانية من المفاوضات التي استضافتها برلين قبل أسبوعين فقط من بدء الغزو الروسي. واتهم دبلوماسيون أوكرانيون بلوتنر آنذاك بالتحيز لصالح الوفد الروسي. وعندما سافر شولتس إلى كييف الأسبوع الماضي كان بلوتنر إلى جانبه. ورغم أن الدبلوماسي البالغ من العمر 54 عاماً، يعدّ نفسه لا ينتمي لأي حزب؛ فهو تسلق سلم الدبلوماسية بفرص منحها مسؤولون من الحزب الاشتراكي الديمقراطي بدءاً بشتاينماير عندما كان وزيراً للخارجية، وكان بلوتنر مستشاراً له عمل منذ ذلك الحين على تقوية العلاقات الروسية الألمانية.
مصارف لبنان لـ«صندوق النقد»: خطة التعافي المالي غير دستورية
مصارف لبنان لـ«صندوق النقد»: خطة التعافي المالي غير دستورية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة