انقسام ليبي حول طلب التمديد للقوات التركية

انقسم سياسيون وأكاديميون ليبيون حول اعتزام تركيا التمديد لبقاء قواتها في ليبيا 18 شهراً إضافية، ففيما حذر البعض من هذا الوجود العسكري في البلاد، وتأثيره على زيادة الاستقطاب، اعتبره آخرون ضمانة لعدم العودة للاقتتال.
وتقدمت الحكومة التركية إلى البرلمان، منتصف الأسبوع الماضي، بمذكرة تطلب فيها تمديد مهام قواتها في ليبيا لمدة 18 شهراً إضافياً، تبدأ من الثاني من يوليو (تموز) المقبل.
وربط عضو مجلس النواب الليبي، محمد الهاشمي، تزامن هذا التحرك مع ما تشهده ليبيا من انعكاس للصراع الراهن في أوكرانيا، معبراً عن أسفه لـ«وجود قوات أجنبية في بلاده تمثل أطرافاً رئيسية في الصراع المحتدم».
ورأى الهاشمي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن تمديد تركيا لقواتها في ليبيا «ينذر بتكرار الأمر من دول أخرى، مما يبقي الأوضاع على ما هي عليه في البلاد»، مستكملاً: «وجود قوات أجنبية من أي دولة في بلادنا مرفوض، كما أنه مقلق للجميع وليس للنخبة السياسية فقط».
وتابع: «الأتراك ينسقون مع تشكيلات مسلحة محلية ما يعزز نفوذ تلك الجماعات، وهذا يتعارض مع كافة المخرجات الأممية الداعية لنزع سلاح تلك التشكيلات وإعادة دمجهم في المؤسسات الأمنية والمدنية».
بينما دافع زميل أول بمعهد الدراسات الدولية في جامعة «جونز هوبكنز» الليبي حافظ الغويل، عن الوجود التركي في ليبيا، واعتبره «ضرورياً لضمان عدم العودة للحرب».
ورغم إقراره بتوظيف تركيا لليبيا ورقة ضغط لتحقيق مصالحها الخاصة، يرى الغويل أن هذا «التوظيف لم يكن حكراً على تركيا، ولكن تم من قبل أغلب الدول المتدخلة بالمشهد الليبي»، متابعاً: «إلا أنه يحسب لأنقرة كونها الدولة الوحيدة التي حالت دون سقوط العاصمة طرابلس في يد قوات متحالفة مع مرتزقة (فاغنر)».
أما عضو المؤتمر الوطني العام السابق (المنتهية ولايته)، عبد المنعم اليسير، فتوقع قيام تركيا بـ«توظيف وجودها في ليبيا لتحقيق أكبر قدر من المكاسب على هامش الصراع الراهن بين الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا».
وقال اليسير في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، «ينتظر ليرى نتيجة الحرب العسكرية الروسية على أوكرانيا، فهو يهادن موسكو مؤقتاً لتقاطع مصالحه معها في مواقع أخرى، ولكن لو انتصرت واشنطن وحلفاؤها، فسيسارع بالتنسيق معهم».
ورأى أن ليبيا باتت «نقطة انطلاق لإعادة تشكيل واستعادة (الإمبراطورية العثمانية)، ولن يخرج منها، لكونها تشكل مجالاً حيوياً مهماً لسياساته الخارجية والأمنية والاقتصادية».
ولفت اليسير إلى «توظيف تركيا لوجودها في الغرب الليبي لإحداث نزاع بشأن التنقيب عن النفط والغاز بشرق المتوسط، فضلاً عن نزاعاتها مع الاتحاد الأوروبي واليونان».
على الصعيد السياسي، فتوقع اليسير استمرار أنقرة في التلاعب بكل من رئيسي الحكومتين المتصارعين فتحي باشاغا، وعبد الحميد الدبيبة، حتى بعد «انتهاء شرعية الأخير» بانقضاء خريطة الطريق الأممية، وزاد: «تركيا عمقت وجودها في ليبيا بفضل تحالفها مع تنظيم (الإخوان) والانتهازيين من السياسيين وقادة التشكيلات المسلحة، وهذا أوجد لها أذرعاً في كل قطاع ومؤسسة، وبالتالي أياً كان الفائز من الرجلين أو تم استحضار شخصية ثالثة سيكون لديها أعوان أقوياء بفريقه». ودعا أستاذ القانون والعلاقات الدولية التركي، الدكتور سمير صالحة، الجميع، لضرورة الانتباه إلى أن التدخل العسكري التركي جاء من البداية بناء على طلب تقدمت به حكومة «الوفاق الوطني» التي كان معترفاً بها دولياً حينذاك، وتم تنظيم الأمر باتفاقيات رسمية معلنة بين الدولتين، وهو ما يجعل المقارنة بين القوات التركية وبين قوات أجنبية توجد على الأراضي الليبية «مجحفة»!
وأشار صالحة في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «الذي يتم هو الالتزام بالاتفاقيات والعقود طالما لا يوجد اعتراض من قبل أي طرف على النص الموقع، فهذه الاتفاقية سارية المفعول».
وذهب صالحة إلى أن هناك قدراً من التنسيق والتوافق بين بلاده وبين كل من مصر والإمارات العربية المتحدة في دعم جهود الأمم المتحدة في تلبية تطلعات الشعب الليبية لإجراء الانتخابات، معتبراً أن مثل هذا التنسيق يعد «إحدى الركائز الداعمة للحفاظ على التهدئة بالداخل الليبي، والداعم للأفرقاء الليبيين للمضي قدماً لاستكمال مسار الحوار والحل السياسي وتجنب العودة للحرب مهما كانت الضغوط».
وإلى جانب تأكيده على أن بلاده باتت منفتحة على الأطراف الليبية كافة، دعا أستاذ العلاقات الدولية التركي، «لضرورة رصد ومراعاة التحولات بالمشهد الداخلي الليبي خلال العام الأخير، وقدر التغيير بالتحالفات بين فرقاء من قوى سياسية وعسكرية، وكيف يجهض هذا حديث البعض عن حصرية صناعة القرار بيد اللاعبين الإقليميين».