الأنشطة البشرية تُهدّد الحشرات وتُغيّر موائلها

الأنشطة البشرية تُهدّد الحشرات وتُغيّر موائلها
TT

الأنشطة البشرية تُهدّد الحشرات وتُغيّر موائلها

الأنشطة البشرية تُهدّد الحشرات وتُغيّر موائلها

قضت مؤخراً محكمة في ولاية كاليفورنيا بتطبيق تشريعات الولاية بشأن الأنواع المهددة بالانقراض على اللافقاريات، بما فيها الحشرات. ويعني هذا القرار أن حشرات، مثل الفراشة الملكية وأربعة أنواع من النحل الطنّان المستوطن في الولاية، ستتلقى أقصى درجات الحماية بموجب أحكام قانون الأنواع المهددة بالانقراض في كاليفورنيا.
ووفقاً لهذا القانون، تشمل الحماية إلزام المؤسسات الحكومية بعدم منح الموافقات على المشاريع التي من شأنها تعريض وجود الحشرات المهددة للخطر، أو تعديل بيئتها بصورة سلبية. كما تشمل الحماية منع إزالتها من البرية أو قتلها. ويواجه 28 في المائة من أنواع النحل الطنّان في أميركا الشمالية خطر الانقراض، ما قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على النظم البيئية والمحاصيل، إذ يعتمد ثلث إنتاج الغذاء على الملقِّحات مثل النحل. ولذلك يُعد قرار المحكمة الأميركية، على غرابته، أمراً بالغ الأهمية في حماية الإمدادات الغذائية.
خدمات تساوي تريليونات الدولارات
تقدم الحشرات خدمات جمّة للنظام البيئي، فهي تسهم في تحسين بنية التربة وتعزز خصوبتها وخواصها الفيزيائية والكيميائية، وهي أيضاً عنصر حاسم في الحفاظ على التنوع الحيوي وشبكات الغذاء. كما توفّر أنواع كثيرة من الحشرات منتجات طبية وصناعية عالية القيمة والمردود. وعلى الصعيد العالمي، يتم استهلاك أكثر من 2000 نوع من الحشرات كغذاء.
وفي النظم البيئية الزراعية، تؤدي الحشرات كثيراً من الوظائف المتنوعة. فإلى جانب تلقيح الأزهار، تعمل الحشرات على تدوير المغذيّات والطاقة، وتوقف انتشار الآفات الزراعية، وتنقل البذور وتقوم بنشرها، وتحلِّل المواد العضوية ومخلفات الحيوانات. ويستخدم القطاع الزراعي على نطاق واسع المكافحة الحيوية باستخدام الأعداء الطبيعيين لوقف الآفات الحشرية. وتقدّر إحدى الدراسات القيمة العالمية للخدمات التي تقدمها الحشرات بنحو 33 تريليون دولار سنوياً.
وكانت دراسة بحثية، نشرتها دورية «نيتشر» خلال شهر أبريل (نيسان) الماضي، خلصت إلى أن تغيُّر المناخ والاستخدام المكثّف للأراضي الزراعية مسؤولان عن انخفاض أعداد الحشرات بنحو النصف في الأجزاء الأكثر تضرراً من العالم. وتسلّط الدراسة الضوء على الحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات عاجلة من أجل الحفاظ على الموائل الطبيعية، وإبطاء التوسع في الزراعات المكثّفة، وخفض الانبعاثات للتخفيف من تغيُّر المناخ.
واعتمدت الدراسة على تحليل مجموعة بيانات كبيرة عن وفرة الحشرات وثراء أنواعها في مناطق مختلفة حول العالم، بما في ذلك ثلاثة أرباع مليون سجل لما يقرب من 20 ألف نوع من الحشرات. ووجدت الدراسة أنه في المناطق ذات الكثافة الزراعية المرتفعة والاحترار المناخي الكبير كان عدد الحشرات أقل بنسبة 49 في المائة عن أكثر الموائل الطبيعية التي لا يوجد فيها احترار ملحوظ. وشهدت المناطق المدارية أكبر انخفاض في التنوع البيولوجي للحشرات المرتبط باستخدام الأراضي وتغيُّر المناخ.
ويقول الباحثون إن انخفاض أعداد الحشرات بسبب التأثيرات البشرية قد يكون أكبر مما توحي به النتائج التي توصلوا إليها، لأن كثيراً من المناطق التي لديها تاريخ طويل من التأثيرات البشرية شهدت بالفعل خسائر في التنوع البيولوجي قبل بدء الدراسة، ولم تأخذ الدراسة في الحسبان أثر العوامل البشرية الأخرى.
البشر مسؤولون عن تناقص الحشرات
يؤكد علماء الأحياء مسؤولية النشاط البشري عن جميع حالات انخفاض أعداد الحشرات وانقراضها تقريباً. وتؤدي الأنشطة البشرية، لا سيما إزالة الغابات والتوسع الحضري ونمو الأراضي الزراعية وأعمال التعدين، إلى فقدان الموائل وتجزئتها. ومع تغيُّر المناخ، يصبح التواصل بين الموائل ذا أهمية متزايدة لجميع الحشرات من أجل البقاء على قيد الحياة، لأن تحولات نطاق الحشرات غالباً ما تكون مقيّدة في الموائل الممزقة.
ويُعد التلوث الناتج عن استخدام المبيدات الحشرية من العوامل الرئيسية لانخفاض أعداد الحشرات. كما تؤثر الأسمدة، المستخدمة على نطاق واسع في الزراعة، على أعداد الحشرات بشكل غير مباشر نتيجة التغيُّرات في تكوين أو جودة الموارد النباتية. ويتسبب التلوث الصناعي، بما في ذلك الانبعاثات والمنصرفات الكيميائية، في خفض أعداد الحشرات. وقد تتعرض أنواع من الحشرات المهمة اقتصادياً للتهديد من خلال التعرّض المزمن للملوثات.
ويتداخل التلوث الضوئي الناتج عن الإنارة الصناعية مع الضوء الطبيعي من القمر أو النجوم الذي تستخدمه بعض الحشرات كإشارات توجيه للملاحة وللتواصل مع حشرات أخرى توظّف إشارات الضياء الحيوي، مثل اليراعات. ويؤدي هذا التلوث إلى إلغاء مزامنة الأنشطة المرتبطة بدورات الضوء الطبيعي مثل التغذية ووضع البيض.
وتترك الأنواع الغازية، التي يُدخِلها البشر إلى مواقع خارج نطاق انتشارها الطبيعي، آثارها البيئية والاجتماعية والاقتصادية الظاهرة للعيان. وقد تكون تداخلاتها مباشرة على أنواع الحشرات المحلية من خلال الافتراس والمنافسة على الموئل والغذاء ونقل الأمراض، أو غير مباشرة من خلال انقراض الحيوانات العاشبة أو الطفيليات المضيفة، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى فقدان محلي للحشرات المستوطنة.
ويُعدّ النمل الغازي، مثل النمل الأرجنتيني، أفضل مثال على الأنواع الغازية التي تتحدى الحشرات المحلية نظراً لأعداده الكبيرة وسلوكه المفترس. ويمكن أن تؤدي المسببات المرضية الغازية إلى انقراض محلي في الحشرات، وذلك كما في حالة السلالات الأوروبية لأحد العوامل الممرضة الفطرية التي تسببت في انهيار واسع النطاق للنحل الطنّان في أميركا الشمالية.
ويشكّل تغيُّر المناخ تهديداً للحشرات والنظم البيئية التي تعتمد عليها. ويتجاوز تعقيد تغيُّر المناخ العالمي مسألة زيادة درجة الحرارة إلى مجموعة متنوعة من الاستجابات البيئية، كالتحولات في نطاقات توزع الأنواع الحية، واستجابة الحشرات المرتبطة بتغيُّر الظواهر الطبيعية (الفينولوجيا)، والتفاعلات الجديدة بين الأنواع المعزولة سابقاً، والتأثيرات المتتالية الأخرى التي لا يمكن التنبؤ بها.
على سبيل المثال، تظهر بعض الفراشات البريطانية في وقت أبكر مما تم تسجيله سابقاً، وفي بعض الحالات قبل أن تزهر نباتات الرحيق. ويُطلق على اليعسوب لقب «طيور الكناري المناخية»، لأن مجتمعاته أكثر حساسية بثلاث مرات لمتغيّرات المناخ من مجتمعات اللافقاريات الكبيرة.
وتخلص دراسة، نشرت نتائجها مؤخراً جامعة ميونيخ التقنية، إلى أن تغيُّر المناخ يلعب دوراً تفضيلياً لصالح الحشرات المحبّة للحرارة على حساب الحشرات التي تفضل الأجواء الباردة. وعلى سبيل المثال، لاحظت الدراسة أن اليعسوب القرمزي، الذي كان أكثر شيوعاً في منطقة البحر المتوسط الدافئة، ظهر لأول مرة في بافاريا الألمانية بأوائل التسعينات، وأصبح الآن واسع الانتشار في المنطقة.
إن الإدارة الحذرة للمناطق الزراعية، مثل الحفاظ على الموائل الطبيعية بالقرب من الأراضي الزراعية وتجنب استخدام مبيدات الآفات الضارّة، تساعد في ضمان استمرارية أنواع الحشرات المهمة. وتشمل الحلول المتاحة أيضاً تجنب الزراعات المكثّفة، وزراعة مجموعة واسعة من المحاصيل، ووقف أضرار الأنواع الغازية، والحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.



المواد البلاستيكية الدقيقة منتشرة بقوة في التربة الزراعية الفرنسية

حقل قمح في أوساس سوهير بجنوب غربي فرنسا (أ.ف.ب)
حقل قمح في أوساس سوهير بجنوب غربي فرنسا (أ.ف.ب)
TT

المواد البلاستيكية الدقيقة منتشرة بقوة في التربة الزراعية الفرنسية

حقل قمح في أوساس سوهير بجنوب غربي فرنسا (أ.ف.ب)
حقل قمح في أوساس سوهير بجنوب غربي فرنسا (أ.ف.ب)

كشفت دراسة نشرت نتائجها «الوكالة الفرنسية للتحول البيئي» الخميس عن وجود شبه منهجي للمواد البلاستيكية الدقيقة في التربة الزراعية في فرنسا، ما يسلط للمرة الأولى الضوء على حجم هذا التلوث.

ومن بين 33 عينة مأخوذة من مواقع متنوعة بينها غابات ومروج وكروم عنب وبساتين أو من مناطق تضم محاصيل كبيرة منتشرة عبر أراضي فرنسا الرئيسة بأكملها، احتوت 25 (أي 76 في المائة) على مواد بلاستيكية دقيقة.

في المعدل، تحتوي التربة التي شملتها التحاليل على 15 جزيئة بلاستيكية دقيقة لكل كيلوغرام من التربة الجافة.

وأشارت «وكالة التحول البيئي» في بيان إلى أن البيانات التي جُمعت لم تتح تحديد مصدر المواد البلاستيكية الدقيقة، لكن المنظمة «تفترض أنه بالنسبة للتربة المخصصة للأنشطة الزراعية، فإن جزءاً من أصلها يأتي من الممارسات الزراعية المعتمدة».

تنتج المواد البلاستيكية الدقيقة عن تحلل المواد البلاستيكية التي تتراكم في مطامر النفايات أو في البيئة الطبيعية، وهي عبارة عن جزيئات يقل حجمها عن 5 مليمترات.

وقد نظرت دراسات سابقة عدة في التلوث الذي تولّده هذه المواد في المحيطات، لكن تلوث التربة ليس معروفاً جداً وكان موضوع القليل من البحوث في فرنسا.

وأكد معدو الدراسة أن هذا البحث «هو الأول الذي يحدد حجم هذا التلوث على نطاق البر الرئيس الفرنسي، على التربة الخاضعة لاستخدامات زراعية مختلفة والتي لم تتلق كميات مباشرة من البلاستيك» عن طريق التدخل البشري.

كشفت التحاليل التي أجريت عن وجود تلوث بالجسيمات البلاستيكية الدقيقة في جميع تربة المروج (4 من أصل 4 عينات)، وفي أكثر من ثلاثة أرباع تربة محاصيل الحقول (17 من أصل 21)، وفي ثلاث من أربع عينات من مزارع الكروم والبساتين، وفي واحدة فقط من أربع عينات من تربة الغابات.

واحتوت عينات التربة بشكل رئيس على البولي إيثيلين والبولي بروبيلين، وهي بوليمرات موجودة بشكل رئيس في العبوات البلاستيكية.

لاحظ الباحثون أن «هذا الوجود المنهجي تقريباً للجسيمات البلاستيكية الدقيقة في التربة التي تمت دراستها يُظهر أنه من الملحّ مواصلة هذه الدراسات من أجل توفير بيانات مراقبة للجسيمات البلاستيكية الدقيقة في التربة»، من خلال توسيع النطاق ليشمل المناطق الحضرية والخارجية.