كردستان العراق يؤسس شركتين للنفط وسط زيادة التوتر مع بغداد

مقتل 4 من حزب العمال الكردستاني في قصف طائرات مسيّرة تركية

حقل طق طق النفطي في إقليم كردستان (رويترز)
حقل طق طق النفطي في إقليم كردستان (رويترز)
TT

كردستان العراق يؤسس شركتين للنفط وسط زيادة التوتر مع بغداد

حقل طق طق النفطي في إقليم كردستان (رويترز)
حقل طق طق النفطي في إقليم كردستان (رويترز)

قال متحدث باسم حكومة إقليم كردستان أمس (الجمعة)، إن حكومة الإقليم تعمل على تأسيس شركتين للنفط، في أحدث خطوة في المعركة بين أربيل وبغداد للسيطرة على قطاع النفط في الإقليم.
وستكون الشركة الأولى «كروك» مختصة باستكشاف النفط، بينما ستركز الشركة الثانية «كومو» على تصدير وتسويق الخام من الإقليم شبه المستقل.
وذكر المتحدث في بيان أن حكومة الإقليم عرضت الفكرة وناقشتها مع الحكومة الاتحادية في بغداد في الآونة الأخيرة. ويأتي البيان بعد خلافات على مدى أشهر بين أربيل وبغداد في أعقاب حكمٍ لمحكمة اتحادية في فبراير (شباط) عدّ الأسس القانونية لقطاع النفط والغاز في إقليم كردستان غير دستورية. وقامت وزارة النفط في بغداد منذ ذلك الحين بمحاولات جديدة للسيطرة على إيرادات إقليم كردستان، وشمل ذلك استدعاء سبع شركات تعمل هناك إلى محكمة تجارية في 19 مايو (أيار). والشركات هي: «أداكس» و«دي.إن.أو» و«جينيل»، و«غلف كيستون»، و«إتش.كيه.إن»، و«شاماران»، و«وسترن زاغروس».
وقالت عدة مصادر لوكالة «رويترز» للأنباء إن جلسة المحكمة التجارية تأجلت مرتين لأن بعض ممثلي شركات النفط الدولية لم يكن لديهم توكيل رسمي لتمثيل هذه الشركات قانونياً. ومن المقرر استئناف جلسات المحكمة يوم الاثنين 20 يونيو (حزيران). وبالإضافة إلى الإعلان عن خطط لتأسيس شركة نفط خاصة بها في إقليم كردستان، أمرت وزارة النفط العراقية المقاولين الدوليين الرئيسيين ومقاولي الباطن من خلال شركة نفط البصرة وشركة النفط الوطنية العراقية بالتعهد بعدم العمل في مشاريع هناك.
ومن خلال رسائل في السابع والثاني عشر من يونيو الجاري، تم منح الشركات مهلة ثلاثة أشهر لإنهاء العقود أو المشاريع القائمة في قطاع النفط في كردستان وإلا أُدرجت في القائمة السوداء، وفقاً لمصدرين مطلعين. وتستخدم وزارة النفط شركتي محاماة هما «فينسنت آند إلكينز» و«كليري جوتليب ستين آند هاميلتون»، للمساعدة في السيطرة على قطاع النفط في إقليم كردستان، وفقاً لمصدرين.
ورفضت حكومة كردستان مراراً حكم المحكمة الاتحادية. وفي الخامس من الشهر الحالي، رفعت وزارة الموارد الطبيعية في حكومة الإقليم دعوى مدنية ضد وزير النفط العراقي، إحسان إسماعيل، لإرساله رسائل بريد إلكتروني وخطابات لتخويف شركات النفط العاملة في كردستان وتدخله في الحقوق التعاقدية لهذه الشركات وحكومة الإقليم، وفق ما جاء في بيان صدر في 13 من يونيو الحالي. وفي الخامس من الشهر ذاته قضت محكمة تحقيق أربيل بضرورة إحالة جلسات المحكمة التجارية ضد شركات النفط العالمية إلى محكمة أربيل. وعلى مدى سنوات حاولت الحكومة الاتحادية السيطرة على إيرادات حكومة إقليم كردستان، وشمل ذلك أحكاماً لمحاكم محلية وتهديدات بالتحكيم الدولي.
على صعيد آخر، قُتل أربعة «مقاتلين» من حزب العمال الكردستاني التركي المعارض في قصف نفّذته أمس، «طائرات مسيّرة تركية» في كردستان العراق، وفقاً لحكومة الإقليم الذي يتمتع بحكم ذاتي في شمال البلاد. وقال منشور على صفحة جهاز مكافحة الإرهاب في الإقليم على «فيسبوك»، إن «طائرات من دون طيار للجيش التركي استهدفت عربة لمقاتلي حزب العمال الكردستاني في كلار». وأضاف أن الهجوم أسفر عن «مقتل أربعة أشخاص وإصابة آخر». وكان مصدر طبي في مستشفى «كلار» قد تحدث عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة رابع بجروح بليغة.
في الوقت نفسه، ذكرت وزارة الدفاع التركية في تغريدة أمس، أنه تم «تحييد ستة من إرهابيي حزب العمال الكردستاني في شمال العراق»، موضحةً أن ذلك يندرج في إطار عملية «(قفل المخلب) التي تنفذها» في هذه المنطقة. ولم يشر البيان إلى موقع العملية. لكنّ ناطقاً باسم الوزارة قال لوكالة الصحافة الفرنسية إن «كلار تقع في مكان أبعد جنوباً». ويأتي الهجوم بعد يومين على قصف تركي مماثل استهدف «مركزاً لحزب العمّال الكردستاني كان يجتمع فيه قادة كبار» من الحزب يقع في سنجار بشمال العراق.


مقالات ذات صلة

بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

المشرق العربي بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

بارزاني: ملتزمون قرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل

أكد رئيس إقليم كردستان العراق نيجرفان بارزاني، أمس الخميس، أن الإقليم ملتزم بقرار عدم وجود علاقات بين العراق وإسرائيل، مشيراً إلى أن العلاقات مع الحكومة المركزية في بغداد، في أفضل حالاتها، إلا أنه «يجب على بغداد حل مشكلة رواتب موظفي إقليم كردستان». وأوضح، في تصريحات بمنتدى «العراق من أجل الاستقرار والازدهار»، أمس الخميس، أن الاتفاق النفطي بين أربيل وبغداد «اتفاق جيد، ومطمئنون بأنه لا توجد عوائق سياسية في تنفيذ هذا الاتفاق، وهناك فريق فني موحد من الحكومة العراقية والإقليم لتنفيذ هذا الاتفاق».

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي أربيل تتكبد 850 مليون دولار شهرياً

أربيل تتكبد 850 مليون دولار شهرياً

كشف مصدر مسؤول في وزارة المالية بإقليم كردستان العراق، أن «الإقليم تكبد خسارة تقدر بنحو 850 مليون دولار» بعد مرور شهر واحد على إيقاف صادرات نفطه، وسط مخاوف رسمية من تعرضه «للإفلاس». وقال المصدر الذي فضل عدم الإشارة إلى اسمه لـ«الشرق الأوسط»: إن «قرار الإيقاف الذي كسبته الحكومة الاتحادية نتيجة دعوى قضائية أمام محكمة التحكيم الدولية، انعكس سلبا على أوضاع الإقليم الاقتصادية رغم اتفاق الإقليم مع بغداد على استئناف تصدير النفط».

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي استنكار عراقي لـ«قصف تركي» لمطار السليمانية

استنكار عراقي لـ«قصف تركي» لمطار السليمانية

فيما نفت تركيا مسؤوليتها عن هجوم ورد أنه كان بـ«مسيّرة» استهدف مطار السليمانية بإقليم كردستان العراق، أول من أمس، من دون وقوع ضحايا، وجهت السلطات والفعاليات السياسية في العراق أصبع الاتهام إلى أنقرة. وقال الرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد، في بيان، «نؤكد عدم وجود مبرر قانوني يخول للقوات التركية الاستمرار على نهجها في ترويع المدنيين الآمنين بذريعة وجود قوات مناوئة لها على الأراضي العراقية».

المشرق العربي نجاة مظلوم عبدي من محاولة اغتيال في السليمانية

نجاة مظلوم عبدي من محاولة اغتيال في السليمانية

نجا قائد «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، مظلوم عبدي، مساء أمس، من محاولة اغتيال استهدفته في مطار السليمانية بكردستان العراق. وتحدث مصدر مطلع في السليمانية لـ «الشرق الأوسط» عن قصف بصاروخ أُطلق من طائرة مسيّرة وأصاب سور المطار.

المشرق العربي الحزبان الكرديان يتبادلان الاتهامات بعد قصف مطار السليمانية

الحزبان الكرديان يتبادلان الاتهامات بعد قصف مطار السليمانية

يبدو أن الانقسام الحاد بين الحزبين الكرديين الرئيسيين «الاتحاد الوطني» و«الديمقراطي» المتواصل منذ سنوات طويلة، يظهر وبقوة إلى العلن مع كل حادث أو قضية تقع في إقليم كردستان، بغض النظر عن شكلها وطبيعتها، وهذا ما أحدثه بالضبط الهجوم الذي استهدف مطار السليمانية، معقل حزب الاتحاد الوطني، مساء الجمعة.

فاضل النشمي (بغداد)

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
TT

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)

يتعامل الأردن مع تحديات أمنية وسياسية خطِرة على حدوده الشمالية مع سوريا، والشرقية مع العراق، والغربية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. ومع التحدّي الأخير يتعامل الأردن بحذر شديد مع مخطّطات الحكومة اليمينية المتطرفة في تل أبيب، ودعوات تهجير الفلسطينيين التي عدّتها عمّان «إعلان حرب عليها»، لتتعاظم هواجس داخلية تفرض نفسها على صنّاع القرار بقوة.

ومع بدء الدورة الأولى من عمر مجلس النواب العشرين الذي انتخب في العاشر من سبتمبر (أيلول) الماضي، بدأ الشحن الداخلي في معادلة الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في ظل وجود كتلة معارضة «حرجة» تملك 31 مقعداً قابلة للزيادة تمثلها كتلة «جبهة العمل الإسلامي»، الذراع الحزبية لجماعة الإخوان المسلمين غير المرخّصة في البلاد.

الملك عبد الله الثاني يستعرض حرس الشرف قبل افتتاح أعمال البرلمان الأردني (أ.ف.ب)

قياس شرعية الانتخابات

بدأت القصة الجديدة بين السلطة الأردنية والحركة الإسلامية من قياس «شرعية» الانتخابات الأخيرة، بعد مشاركة نواب الحركة حصولهم على قرابة نصف مليون صوت على مستوى البلاد كافة، من أصل نحو مليون و600 ألف مقترع شاركوا في الانتخابات، إلى جانب حصدهم أيضاً مقاعد مُخصّصة للمرأة والشركس والشيشان في عدد من الدوائر المحلية، على مستوى المحافظات.

وباعتراف الحزب المعارض بنزاهة الانتخابات، تكون المعايير التي سعى الإسلاميون إلى تكريسها مرتبطة فقط بعدد المقاعد التي يحصلون عليها، مستندين إلى سيطرتهم على وعي الرأي العام، من خلال امتلاكهم منابر دينية وإعلامية غير متوافرة لخصومهم.

كانت ثمة تحذيرات جاءت على ألسنة شخصيات سياسية وازنة وخبرات قانونية، من أن قانون الانتخاب الذي توافقت عليه لجنة ملكية، ومنح صوتين للناخب أحدهما لدائرته المحلية والآخر للدائرة العامة المخصصة مقاعدها الـ41 للأحزاب، أبرزها أن الصوت الثاني سيكون «صوتاً مجانياً» مُعطىً لمرشحي الحركة الإسلامية، لكن هذه التحذيرات قوبلت بالسخرية.

كان «عرّابو» القانون يسخرون من التحذيرات، وسط ثقة مُفرطة بأنفسهم، بينما سعى «طباخو» القانون إلى تشكيل أحزاب سياسية قيل إنها ستنافس الحركة الإسلامية، بل ستقلّص عدد مقاعدهم. لكن الحقيقة جاءت بعكس توقعات استطلاعات الرأي السرّية، بل إن تلك التوقعات جاءت بمبالغات لا صلة لها بالواقع.

استناداً إلى ما سبق، ونتيجة لمراجعات مراكز قرار و«جرد الحسابات»، أُقيل ضباط كبار في جهاز الاستخبارات العامة، وسياسياً أعيد تموضُع شخصيات في مواقع متقدمة في الديوان الملكي، وتحييد آخرين، مع إلزام الحكومة الجديدة بتدوير الزوايا الاقتصادية الحادة في موازنة العام المقبل، واختصار تصريحاتها بالشأن السياسي. ومن المتوقع أن تطال التغييرات مواقع متقدِّمة، أمنية وسياسية قبل نهاية العام.

وحسب مخضرمين سياسيين، كان من السهل الطعن بدستورية قانون الانتخاب النافذ، خصوصاً في ظل التعارض الواضح في نصوص احتساب درجة الحسم (العتبة) التي جاءت نتيجتها بمضاعفة عدد مقاعد الحركة الإسلامية على الأقل.

وقد استند هؤلاء إلى نصّين متعارضين في حسابات الفوز والخسارة في الانتخابات، ثم إنه رغم التحذيرات أدّى الإصرار على الخطأ لنتائج غير متوقعة، وسقوط استطلاعات الرأي المسكوت عنها، والتي «أُجريت بطرق غير علمية»، كما وصفها مطّلعون تحدثت معهم «الشرق الأوسط».

العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال افتتاح أعمال دورة جديدة للبرلمان (رويترز)

خطاب العرش... بين السطور

في الثامن عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي انطلقت أعمال الدورة العادية من عُمر مجلس النواب العشرين، بعد إلقاء العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خطاب العرش. وحمل الخطاب بين سطوره «مفاتيح» لسياسة الأردن، في ظل تحوّلات كبيرة، لعل أهمها إدارة العلاقات الأردنية مع الحليف الأميركي بعد فوز دونالد ترمب بفترة رئاسية جديدة، والمفاجآت التي قد تحملها سياساته، عطفاً على سياساته وقراراته في دورته السابقة، ومدى الحرج الذي قد يتسبّب به الرجل في لقاءاته الرسمية وتصرفاته الشخصية.

لم يأخذ الكلام الملكي المساحة اللازمة من التحليل وقراءة ما بين السطور، واكتفى المحللون بإبراز فقرات من الخطاب تتعلق بالشأن الداخلي، إثر قول الملك إن مستقبل بلاده «لن يكون خاضعاً لسياسات لا تلبّي مصالحه أو تخرج عن مبادئه»، واصفاً الأردن بـ«الدولة الراسخة الهوية، التي لا تغامر في مستقبلها».

ولم يتطرّق المحلّلون إلى سقوط عبارة «حل الدولتين» من الخطاب والاكتفاء بالإشارة إلى «السلام العادل والمشرّف هو السبيل لرفع الظلم التاريخي عن الأشقاء الفلسطينيين»، مع تمسّك الأردن بأولوية إعادة «كامل الحقوق لأصحابها ومنح الأمن للجميع، رغم كل العقبات وتطرّف الذين لا يؤمنون بالسلام».

قراءة في سلوك «الإسلاميين»

بعد الرسائل الملكية تلك، دخل النواب في منافسة محمومة على مقاعد الرئاسة وانتخاب أعضاء المكتب الدائم للمجلس. وجاءت النتيجة حاسمة لصالح الرئيس الأسبق أحمد الصفدي الذي نافسه النائب صالح العرموطي (الإسلامي)، الآتي محمولاً على أكتاف أعلى الأصوات على مستوى الدوائر المحلية.

أراد «الإسلاميون» في المجلس إيصال «مظلوميتهم» إلى الشارع، فبعد إعلان خمس كتل حزبية تحالفها في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، كانت منافسة كتلة حزب «جبهة العمل الإسلامي» غير مُجدية؛ نظراً لقرارهم بعزل أنفسهم عن أي تحالفات حتى مع المستقلين من أعضاء المجلس، ولم ينجحوا إلا في استقطاب 6 نواب من خارج كتلتهم (الـ31 نائباً)، على الرغم من وجود 23 نائباً مستقلاً، مع توزّع 115 من النواب على 12 حزباً فازوا بمقاعد بعد تجاوز درجة الحسم في الانتخابات النيابية الأخيرة.

هؤلاء، بالإضافة إلى حزب «جبهة العمل الإسلامي»، جاؤوا على التوالي: حزب «الميثاق»، و«إرادة»، و«الوطني الإسلامي»، و«تقدّم»، و«الاتحاد»، و«الأرض المباركة»، وحزب «عزم»، وحزب «العمل»، وحزب «العمال»، و«المدني الديمقراطي»، وحزب «نماء».

ويُدرك الإسلاميون صعوبة التحالف، وكانوا قد ضيّعوا فرصة قدّمها قبل انتخابات الرئاسة وقتها المرشح الصفدي؛ إذ ضمن لهم مقعدين في المكتب الدائم هما مقعد النائب الثاني للرئيس، وأحد مقعدي المساعدين للرئيس، ورئاسة بعض اللجان. غير أنهم آثروا الانعزال ورفض التفاوض، فكانت فكرتهم المركزية - كما وصفها مقربون منهم في حوارات مع «الشرق الأوسط» - أنهم يريدون «إيصال رسائل» تُفيد بتعرّضهم لحصار ومحاربة من قبل الأحزاب الرسمية، وبذلك يحصدون المزيد من الشعبية أمام الشارع الأردني، وهذا ما حصل فعلاً.

وبالفعل، تابع الإسلاميون خطتهم في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، وسعوا للترشح عن مقعدي النائب الأول والثاني للرئيس. وبعد استعراضات تحت القبة، انسحب مرشحو الحركة في رسالة أرادوا منها التذكير بقدرتهم على المشاغبة في مواجهة توزيع المواقع القيادية في المجلس.

إلا أن ما استقرت عليه خطة المواجهة معهم تحت القبة سيحرمهم أيضاً فرص الفوز برئاسة اللجان النيابية الدائمة، وعلى رأس هذه اللجان: المالية، فلسطين، التوجيه الوطني، الاقتصاد والاستثمار، الشؤون الخارجية، والحريات العامة، وفق مصادر تحدثت إلى «الشرق الأوسط».

إقرار الموازنة المالية أبرز تحدٍّ يواجه الحكومة الأردنية مع بدء مناقشة القانون في البرلمان (بترا)

مواجهة مرتقبة

يُدرك صنّاع القرار في الأردن اليوم مدى خطورة وجود كتلة «حرجة» بحجم كتلة «جبهة العمل الإسلامي» تحت قبة المجلس، لا سيما أنه عُرف عنهم التزامهم في حضور الجلسات التشريعية، وبراعتهم في اختيار مداخلاتهم في الجلسات الرقابية، في ظل احتكارهم لعبة النصاب في التصويت على قرارات المجلس.

ثم إن للإسلاميين صدقيتهم في الإعلام المحلي، وهم الذين استخدموا التواصل الاجتماعي بفاعلية في إيصال صوتهم. ولذا فهم يستخدمون لعبة شحن الشارع بمظلوميتهم وكشفهم عن خفايا التصويت على القرارات في المجلس.

وبرأي متابعين، فإن الحصيلة الشعبية لحزب «جبهة العمل الإسلامي» قابلة للارتفاع في ظل ضعف حجة من يواجههم في العمل العام.

لكن ما غاب عن حسابات المطبخ السياسي لـ«جبهة العمل الإسلامي» (وحاضنته الأم جماعة الإخوان المسلمين غير المرخصة)، أنهم قد يكونون الأداة الأهم في التحذير من مخاطر أمن واستقرار المملكة في ظل استمرار نشاطهم السياسي الذي يعرف استخدام الشارع وعاطفته في الاشتباك مع مؤسسات الدولة؛ إذ بمجرد وجود الإسلاميين في المجالس المنتخبة سيوزّع رسائل إلى عدة جهات، أهمّها تحكم اليمين الإسلامي في دولة عُرفت بالاعتدال... وهذا قد يقلب الطاولة على أحلام الحركة في السيطرة والسلطة.

بداية مُقلقة لعلاقة متوترة

أمام السلطتين التشريعية والتنفيذية حزمة استحقاقات صعبة. وستكون البداية بـ«حفلة» البيان الوزاري وبدء «ماراثون» مناقشة النواب لمضامينه، وهنا سيستغل نواب الحركة الإسلامية المنبر البرلماني لشن هجمات على الحكومة، وتشويه صورتها، منتصرين بذلك أمام الشارع بعد حجبهم الثقة.

وبعد طيّ صفحة الثقة المضمونة للحكومة، سيدخل استحقاق مشروع قانون الموازنة والوحدات المستقلة لسنة 2025. وتكراراً سيصعد نواب الحركة إلى المنبر ليضاعفوا حصّتهم في الشارع، ولن تنتهي الدورة البرلمانية العادية قبل أن يكون لـ«جبهة العمل الإسلامي» الحصّة الأكبر من معركة الرأي العام.

في المقابل، ما يمكن أن تشهده الدورة الحالية في ملف ساخن قد يعيد المشهد لما قبل عام 2011، هو القرار المُرتقب في حل نقابة المعلمين مطلع ربيع العام المقبل. هذا الملف قد يعيد «تسخين» المشهد المحلي على «صفيح» قضية المعلمين وعودتهم إلى الحراك. وللعلم، كان آخر نقيب للمعلمين قبل قرار قضائي جمّد أعمال النقابة وأغلق أبوابها، نائب جاء عن قائمة الحزب الإخواني التي ترشحت على مقاعد الدائرة الحزبية العامة.

رئيس الوزراء الأردني جعفر حسان (أ.ف.ب)

نقاط ضعف الحكومة وقوتها

مرتكز القوة لحكومة جعفر حسّان التي أقسمت اليمين مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، هو شخصية رئيسها. فحسّان يتمتع بصفات الاستقامة والنزاهة، ورفض الاستجابة للضغوط من مختلف القوى والجهات، وقدرته على العمل تحت الضغط بعيداً عن الأضواء. لكن إذا كانت هذه الصفات تصلح لمهمة من نوع إدارة مكتب الملك الخاص، فإنها قد لا تكون مطلوبة تماماً في شخصية رئيس الحكومة.

وحسّان أدار مكتب الملك في حقبتين مختلفتين، وفي عودته للمرة الثانية خلال السنوات الخمس الماضية استطاع الرجل الانفتاح على الآراء، مستفيداً من تنوع ناصحيه ومحبيه، إلا أن مزايا الرئيس نفسه لا تنسحب بالضرورة على بقية فريقه الحكومي؛ إذ بين اختياراته الوزارية مَن قد يدخل الحكومة كاملة في أزمات متعددة.

وأيضاً، بين وزراء حسّان أشخاص لم يسبق لهم تجربة العمل العام، ناهيك بأن ضمن فريقه طامحين في موقع حسّان نفسه، وبينهم من سبق له العمل البرلماني، بل عُرف عن هؤلاء قدرتهم على استفزاز مجالس النواب ومحاولة التذاكي على التشريعات، قبل كشف الأخطاء التي ارتكبت، ومنها أخطاء قانوني الانتخاب والأحزاب.

في هذا السياق، يحقّ عُرفاً لرئيس الوزراء إجراء أول تعديل وزاري على فريقه الحكومي مباشرةً بعد نيل الحكومة الثقة من مجلس النواب، مع توفير مظلة مشاورات «شكلية» لصالح فرص توزير شخصيات من أحزاب لها أذرع نيابية في المجلس الذي بدأت أعماله رسمياً منذ 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.