معالجة مسرحية جديدة لـ«حب في زمن الكوليرا» تنتصر لقيم الوفاء

يقدمها ممثلون مصريون يومياً على خشبة «الطليعة» في القاهرة

المسرحية المصرية تحافظ على روح النص الأصلي لماركيز
المسرحية المصرية تحافظ على روح النص الأصلي لماركيز
TT

معالجة مسرحية جديدة لـ«حب في زمن الكوليرا» تنتصر لقيم الوفاء

المسرحية المصرية تحافظ على روح النص الأصلي لماركيز
المسرحية المصرية تحافظ على روح النص الأصلي لماركيز

«لقد عاشا معاً ما يكفي ليعرفا أن الحب هو أن نحب في أي وقت وفي أي مكان، وأن الحب يكون أكثر زخماً كلما اقتربنا من الموت».
بهذه العبارة يصف الأديب الكولومبي غابرييل غارثيا ماركيز «1927 - 2014» والحائز على جائزة نوبل حال بطلي روايته «حب في زمن الكوليرا» التي تعد واحدة من روائع الأدب العالمي نظراً لما تتضمنه من قصة غرائبية مشحونة بالحرارة والعواطف الجياشة وتصوير بارع لخفايا النفس الإنسانية مع خلفية تاريخية ممتازة لحروب منطقة الكاريبي وأوبئة منتصف القرن التاسع عشر حتى البدايات الأولى للقرن العشرين.
وفي المعالجة المسرحية التي يقدمها مينا بباوي لهذا الرواية الشهيرة على مسرح «الطليعة» يومياً بحي العتبة بالقاهرة، لا يتم الالتزام بجميع خطوط الرواية بطبيعة الحال، مكتفياً باستلهام روح العمل وحكمته الخالدة التي يمكن تجسيدها كمفارقة على النحو التالي: «إن يموت الحب في العشرين ثم يحيا في السبعين».
«فلورنتينو أريتا» عامل تلغراف شاب، حالم ورومانسي، لا شيء يميز حياته البسيطة سوى وقوعه في غرام «فيرمينا دازا» الفتاة الثرية الجميلة، يتعهد العاشقان على أن يكونا لبعضهما البعض حتى يفرق بينهما الموت وهما عجائز، لكن الحياة تمضي بهما في مسار آخر. يرفض والد فيرمينا زواجها من العامل الفقير ويجبرها بدلاً من ذلك على الزواج من طبيب ميسور الحال له مستقبل.
يغرق «فلورنتينو» في علاقات مع الجنس الآخر لعله يداوي جرحه العاطفي كما يصمم على النجاح وتكوين اسم لامع له عبر تأسيسه شركة للنقل البحري. يمضى قطار العمر سريعاً، ويسمع البطل بوفاة زوج حبيبته القديمة فيسارع لتجديد عرضه القديم بالزواج فتنهره بشدة لأنه لم يراع ما تمر به من ظروف الحداد. يعتذر العاشق الذي صار عجوزاً ويبدأ في إرسال خطابات لها بشكل منتظم تساعدها على تقبل الشيخوخة واكتشاف مواطن الجمال ثم تدريجياً يصفو قلب الحبيبة وتستعيد مشاعر الصبا وتنتهي الرواية وهي بصحبة حبيبها على متن سفينته الخاصة التي ترفع راية صفراء بزعم وجود إصابة كوليرا حتى تخلو لهما الأجواء وهما يروحان ويجيئان ذهابا وإيابا في أحد أنهار كولومبيا!
يعتمد العرض المسرحي المصري بشكل أساسي على مجموعة من الممثلين الشبان منهم دينا أحمد، ومحمد فريد، وشمس الشرقاوي، ونسمة عادل، ودينا السواح. ومن الواضح أن مصممة الأزياء مها عبد الرحمن بذلت جهداً حتى تأتي ملابس الفنانين مناسبة لتلك الحقبة الزمنية، فيما جاء الديكور الذي صممه مينا رضا بسيطاً يخلو من التعقيد والزخارف.
ويؤكد سعيد المنسي، مخرج العرض أن استعادة قيمة الحب التي غابت عنا في العصر الحديث كانت المحرك الأساسي له وهو ينخرط في تقديم نص مأخوذ عن هذه الرواية، مشيراً في تصريح إلى «الشرق الأوسط» إلى أنه يركز هنا على الحب باعتباره تجسيداً للإخلاص والمثابرة والوفاء وليست تلك المشاعر المجانية السريعة التي تطفو على سطح مواقع التواصل وكأنها إحدى وجبات الـ«تيك أواي».
وينفي المنسي خوفه من المقارنة بالفيلم الشهير المأخوذ عن الرواية بالاسم نفسه، الذي تم إنتاجه عام 2007، إخراج مايك نويل، وبطولة خافيير باردم وجيوفانا ميزوجيورنو وبنجامين برات، معتبراً أن الخوف مضاد لروح المغامرة وجرأة الاختيار، مضيفاً أن هذا لا يمنع أنه شعر بالمسؤولية الكبيرة إزاء تقديم عمل يحمل اسم ماركيز بما يعني أهمية الحفاظ على مبدأ الواقعية السحرية الذي ينتظم العديد من أعمال هذا الكاتب العالمي.
ورغم وجود أربعة أغانٍ ممتزجة بالعديد من الاستعراضات في المسرحية، فإن مخرج العمل يرفض تصنيفه ضمن المسرح الغنائي الاستعراضي، مؤكداً من ناحية أخرى أنه لم يراهن على شهرة العمل الأصلي ضماناً للوصول إلى نجاح سهل وسريع، فالنجاح الحقيقي يعتمد على كيفية المعالجة وحساسية الرؤية الجديدة التي تعيد تقديم العمل الأصلي في ثوب جديد.


مقالات ذات صلة

مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

ثقافة وفنون مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

صدر حديثاً عن دائرة الثقافة في الشارقة العدد 62 لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 من مجلة «المسرح»، وضمَّ مجموعة من المقالات والحوارات والمتابعات حول الشأن المسرح

«الشرق الأوسط» (الشارقة)
يوميات الشرق برنامج «حركة ونغم» يهدف لتمكين الموهوبين في مجال الرقص المسرحي (هيئة المسرح والفنون الأدائية)

«حركة ونغم» يعود بالتعاون مع «كركلا» لتطوير الرقص المسرحي بجدة

أطلقت هيئة المسرح والفنون الأدائية برنامج «حركة ونغم» بنسخته الثانية بالتعاون مع معهد «كركلا» الشهير في المسرح الغنائي الراقص في مدينة جدة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق أشرف عبد الباقي خلال عرض مسرحيته «البنك سرقوه» ضمن مهرجان العلمين (فيسبوك)

«سوكسيه»... مشروع مسرحي مصري في حضرة نجيب الريحاني

يستهد المشروع دعم الفرق المستقلّة والمواهب الشابة من خلال إعادة تقديم عروضهم التي حقّقت نجاحاً في السابق، ليُشاهدها قطاع أكبر من الجمهور على مسرح نجيب الريحاني.

انتصار دردير (القاهرة )
الاقتصاد أمسية اقتصاد المسرح شهدت مشاركة واسعة لمهتمين بقطاع المسرح في السعودية (الشرق الأوسط)

الأنشطة الثقافية والترفيهية بالسعودية تسهم بنسبة 5 % من ناتجها غير النفطي

تشير التقديرات إلى أن الأنشطة الثقافية والفنية، بما فيها المسرح والفنون الأدائية، تسهم بنسبة تتراوح بين 3 و5 في المائة من الناتج المحلي غير النفطي بالسعودية.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوائز بقيمة 3 ملايين ريال سعودي تنتظر الفائزين في مسابقة «المسرح المدرسي» (موقع هيئة المسرح والفنون الأدائية)

انطلاق مسابقة «المسرح المدرسي» بالسعودية... وترقب النتائج في نوفمبر

انطلقت مسابقة «مبادرة المسرح المدرسي» التي تشارك فيها ألف مسرحية قصيرة من إعداد الطلاب والطالبات من جميع المدارس التابعة لإدارات التعليم على مستوى السعودية بعد…

أسماء الغابري (جدة)

«مهرجان البحر الأحمر» بانوراما للسينما العربية والعالمية

الفيلم السعودي القصير «ملكة» (البحر الأحمر)
الفيلم السعودي القصير «ملكة» (البحر الأحمر)
TT

«مهرجان البحر الأحمر» بانوراما للسينما العربية والعالمية

الفيلم السعودي القصير «ملكة» (البحر الأحمر)
الفيلم السعودي القصير «ملكة» (البحر الأحمر)

تشهد الدورة المقبلة لـ«مهرجان البحر الأحمر» في جدة، بالمملكة العربية السعودية، تطوّراً إيجابياً مهمّاً في عداد تحويل المهرجان إلى بيت للسينما العربية ومحطة أساسية لسواها في المنطقة.

الدورة الرابعة التي ستُقام ما بين الخامس والرابع عشر من ديسمبر (كانون الأول) هذا العام تحتوي على عشرات الأفلام العربية أو ذات الإنتاجات العالمية التي قام سينمائيون عرب بتحقيقها.

هذا ما يجعل المهرجان ثرياً بتلك الإنجازات العربية (أو العربية المشتركة فيما بينها أو مع دول غربية) التي باتت تهدف لأن تشترك في المهرجان السعودي سواء داخل المسابقة أو خارجها.

نافذة عريضة

في المسابقة الأولى وحدها هناك تسعة أفلام عربية الإخراج من أصل 20 فيلماً يتنافسون على الجوائز الأولى. لجانبها أفلام من الهند ومنغوليا والولايات المتحدة وهولندا والنمسا وفرنسا وسويسرا وكثير منها، بدوره، إنتاجات أوروبية مشتركة بات من الصعب التفرقة بينها على أساس الحصص المالية التي وفّرتها كل دولة، مما يحد من جدوى التصنيف.

أفلام المسابقة نافذة بانورامية على ما قامت لجنة الاختيار بانتخابه ليدخل هذا القسم المهم من أقسام المهرجان (كلها في الواقع ذات أهمية لكن يبقى لهذا القسم رونقه الخاص).

يتطرق الفيلم السعودي «صيفي» للمخرج وائل أبو منصور إلى أحداث تقع في عام 2000 حول رجل تثقل عليه الديون فيعتمد للحيلة لسدّها دون نجاح.

من الفيلم السعودي الطويل «صيفي» (البحر الأحمر)

اللبناني مهدي فليفل يشترك في فيلمه «إلى عالم مجهول»، الذي يتناول مصائر لبنانيين وسوريين في المهجر يخططون للوصول، بأي طريقة ممكنة، إلى ألمانيا.

فيلمان مصريان لافتان هما «سنو وايت» لتغريد أبو الحسن و«البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» لخالد منصور. فيلم جزائري مضاف إلى هذه التشكيلة بعنوان «بين وبين» لمحمد لخضر تاتي وفيلمان تونسيان هما «عائشة» لمهدي م. برصاوي و«الذراري الحمر» للطفي عاشور.

المخرج عدي رشيد يقدّم باسم العراق فيلمه الجديد «أناشيد آدم» وهو من الأفلام التي شاركت السعودية المتعددة في إنتاجها هذا العام.

من الفيلم المصري «سنو وايت» (البحر الأحمر)

أفلام قصيرة ملهمة

لا يجب أن تلهينا كل هذه الأفلام الطويلة (والعديد سواها) عما رصفه مهرجان «البحر الأحمر» في مجال مسابقة الفيلم القصير الذي يحتوي على 26 فيلماً متنوّعاً آتية من مضارب مختلفة.

فمن المبكر جداً معرفة ما يكفي حولها وعما قد يكون أفضلها، فإن التنويعة الواردة في ملخصات تلك الأفلام تشي باختيارات لمواضيع حرّة ومنفتحة توظف الفيلم القصير لاكتشاف الهوية الفنية الطموحة كما تتبدّى كتمهيد للنقلة الموعودة صوب الفيلم الطويل، بالنسبة لكثيرين على الأقل.

فيلم «ملكة» فيلم سعودي عن العلاقة الخاصة بين فتاة صغيرة اسمها سلمى وجدتها التي تقوم بسرد حكايات تأخذ الفتاة إلى عالم خيالي رحب. أحد تلك الحكايات ستؤدي لانطلاق الفتاة بحثاً عن دواء شافٍ لجدتها.

فيلمان لبنانيان في هذا البرنامج هما «فزر» لراني نصر. هنا رجلان صديقان لكن كل منهما لديه وجهة نظر سياسية مختلفة. أولهما عصام الذي غضب أهل القرية عليه عندما قام بمهاجمة محافظ البلدة لأن هذا قتل قطته. الآخر يشاركه الشعور لكنه لن يتخلى عن موقفه الخاص.

الفيلم الثاني من مخرج برهن عن موهبته هو كريم الرحباني. الفيلم بعنوان «آخر واحد» والموضوع يطرق باب وحدة رجل حزين يحاول اكتشاف لذّة الحياة من جديد ويفشل.

في «القرية» للتونسي أنيس بن دالي موضوع صعب نأمل إن يكون اجتاز صعوبته بسلام: قرية لا يسكنها إلا الأولاد اليتامى أو الذين تخلى عنهم أولياؤهم وكيف أن أحدهم يكتشف في شخصه مشاعر الأبوّة.

وهناك موضوع آخر يميل إلى الغرابة آت من الكويت وعنوانه «الإشارة» حول ذلك الرجل الواقف عند الإشارة الكهربائية وعيناه تتطلعان إلى السماء. تمر الدقائق ثم الساعات وهو ما زال في مكانه بلا حراك، مما يثير الجدل ليس من حوله فقط، بل المتاعب من قِبل من لم يتعود أن يرى شخصاً يبحلق في السماء طويلاً.

تطوّر مشهود

خارج هذا السرب... من الأفلام هناك فيلم مصري ثالث في قسم «اختيارات عالمية» بعنوان «الفستان الأزرق» لجيلان عوف (من إنتاج محمد حفظي الذي يكاد أن يكون فارس السينما المستقلة الوحيد في مصر منذ سنوات).

في برنامج «روائع عربية» هناك مزيد من الأفلام السعودية من بينها «هوبال» لعبد العزيز الشلاحي و«ليل نهار» لعبد العزيز المزيني و«سلمى وقمر» لعهد كامل (إنتاج سعودي - بريطاني مشترك). إلى ذلك يوجد فيلم سعودي - جزائري (التعاون الثاني في عامين بعد فيلم «الملكة الأخيرة» لعديلة بن ديمراد وداميان عنواري).

عنوانه «الصف الأول» وهو الفيلم الجديد من المخرج الجزائري مرزاق علواش الذي يصوّر أفلامه ما بين فرنسا والجزائر في وقت ازدادت فيه هجرة السينمائيين المغاربة إلى الدول الأوروبية كما اتضح من خلال الإنتاجات الكثيرة التي غمرت المهرجانات العربية والدولية.

هذا واحد من بضعة أمور يضعها المهرجان السعودي موضع بحث لمن يرغب في المزيد عن معرفة اتجاهات السوق العربية. من الأمور الأخرى، اختيارات المخرجين من المواضيع التي كثيراً ما تتنوّع، وكثيراً ما تصب في الغاية ذاتها، وهي خطف جوائز أولى في أي من المهرجانات التي تعرض فيها.

مسألة تقييم هذه الإنتاجات بميزان واحد فيه نوع من التعسّف ولو أن هناك منها عدداً لا بأس به من تلك التي تجاري سياسات السوق التجارية التي يطلبها الشريك الأوروبي.

الأمر الأهم في كل ذلك، أن السعودية تمد يدها للمشاركة في تمويل أفلام عربية (مصرية، عراقية، أردنية، لبنانية ومغاربية... إلخ) في الوقت الذي تنجح في بناء سينماها الخاصّة، وهو ما يؤكد أن السينما السعودية كسبت معركتها مع السوق المحلية فقط، بل في المهرجانات الدولية («مندوب الليل» للمخرج السعودي علي كلثمي المعروض حالياً في مهرجان Asia World Film Festival في لوس أنجليس) أيضاً.

إلى ذلك، أكّدت أن هناك من المواهب من سيواصل النهوض بهذه السينما إلى مصافات أعلى في هذه البيئة الفنية الملائمة التي تشهدها المملكة.