محاولات متزايدة للهجرة من مناطق النظام السوري

تشهد مناطق سيطرة الحكومة السورية ظاهرة لافتة منذ فترة؛ إذ يُسجّل فيها تزايد كبير في محاولات الهجرة إلى خارج البلاد في ظل وضع معيشي صعب. ويأتي ذلك في وقت بدأت فيه موسكو ودمشق اجتماعاً جديداً لمناقشة «عودة اللاجئين والمهجرين» السوريين؛ وهو ما عدّه معارضون محاولة التفاف على هذا الملف لإسقاطه من التداول الأممي والدولي كما حصل في ملف المعتقلين.
ورصدت «الشرق الأوسط» خلال جولات قامت بها في دمشق على مدى أسابيع، أن الحديث الأبرز لكثير من المواطنين، وخاصة الشباب منهم، كان عن الهجرة والسبل الكفيلة بإنجاحها بشتى الطرق ومهما كلفت مادياً، وذلك مع استمرار تفاقم تردي الوضع المعيشي للعائلات.
في حي يقع غرب العاصمة دمشق، تقوم سيدة في العقد الرابع من العمر منذ نحو الشهر بجولات مستمرة على المكاتب العقارية تعرض خلالها منزلها للبيع؛ بهدف الحصول على أفضل سعر ممكن لتأمين تكاليف هجرة ابنها. قالت لـ«الشرق الأوسط»، إنها تريد بيع المنزل من أجل «تسفير ابني الوحيد إلى أوروبا للخلاص من المأساة التي نعيشها». أشارت السيدة إلى أن أصحاب المكاتب العقارية يدفعون لها أسعاراً بخسة، مستغلين حاجتها الماسة إلى البيع. لكنها أكدت، أنها مستعدة على رغم ذلك لبيع المنزل وكل محتوياته، إضافة إلى قطع مصاغ تملكها من أجل هجرة ابنها. أضافت «لماذا نبقى هنا؟ لنأكل وجبة طعام كل يوم؟ لنلهث وراء رغيف الخبز والباصات وجرّة الغاز؟ (...) سأسفّره وألحق به مهما كلف الأمر».
وفي ورشة لصناعة الأحذية في دمشق أيضاً، أوضح شاب، أن راتبه الشهري يبلغ 300 ألف ليرة سورية (الدولار الأميركي يساوي نحو 4 آلاف ليرة)، وأنه بات كل شهر يستدين بمقدار مرتبه لكي يكفي نفسه فقط. أضاف لـ«الشرق الأوسط»: «هذا حالي وأنا أعزب، فكيف إذا تزوجت؟ من أين سأدفع إيجار المنزل؟ كيف سأشتري الأثاث؟ وإذا تدبرت ذلك، فمن أين سأصرف على العائلة؟». ورأى الشاب، أن «المستقبل قاتم. لا مستقبل لنا هنا. فمصروف الشاب الشهري ما بين سجائر ومواصلات وساندويتش وعلبة عصير يصل إلى أكثر من مليون ليرة، والعائلة تحتاج من 2– 3 ملايين في الشهر، بينما أفضل موظف هنا لا يتعدى راتبه 125 ألفاً». أضاف «الحل بالهجرة. العيش في أسوأ البلدان أفضل من هنا». وأوضح، أنه على اتصال مع أقارب وأصدقاء في مصر بشكل شبه يومي لمساعدته في إتمام هجرته.
وتتحدث بعض المصادر عن أن تكلفة الهجرة إلى مصر تصل ما بين 1500 و2000 دولار أميركي، في حين تبلغ تكلفتها إلى بلد أوروبي عن طريق التهريب ما بين 15 و20 ألف دولار.
وتطغى على أحاديث كثير من العائلات في دمشق عبارات «الرفاهية» التي يتمتع بها اللاجئون السوريون في الدول الأوروبية ومصر، في حين تتحسر أسر لأنها لم تهاجر أو ترسل أبناءها إلى الخارج منذ بداية الحرب في البلاد قبل أكثر من 11 عاماً. ومن العبارات التي يتم ترديدها في أحاديث المواطنين، أن «الناس مكيّفة (تعيش مرتاحة) في أوروبا... عقبال ما نخْلصْ نحن من هذا القرفْ!»، بينما يردد آخرون المثل الشعبي «يلي ضرب ضرب... ويلي ما ضرب راحت عليه»، في إشارة إلى صعوبة الهجرة حالياً.
ومع تزايد توجه المواطنين للهجرة، انطلقت أمس في «قصر المؤتمرات» على طريق مطار دمشق الدولية، أعمال «الاجتماع الرابع السوري - الروسي المشترك لمتابعة المؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين والمهجّرين السوريين»، حسب ما ذكرت وكالة «سانا» السورية الرسمية.
وعُقد «المؤتمر الدولي حول عودة اللاجئين والمهجرين السوريين» قبل أكثر من عام ونصف العام في المكان ذاته. وذكرت موسكو ودمشق في الاجتماعات اللاحقة، أن أعداد العائدين بلغت مليونين و326 ألفاً، منهم أكثر من مليون و373 ألف نازح داخل سوريا، و952 ألف لاجئ في الخارج.
لكن متابعين لملف اللاجئين أكدوا لـ«الشرق الأوسط» بشرط عدم ذكر أسمائهم، أن الأرقام التي أعلنت عنها موسكو ودمشق للاجئين الذين عادوا إلى البلاد «غير صحيحة». وبعدما قال أحدهم، إن «هؤلاء (أي اللاجئين) ليسوا مجانين حتى يعودوا»، تساءل «لماذا يعودون؟ ماذا يوجد هنا لكي يعودوا؟ الواقع يظهر عكس ما تقوله الحكومة وروسيا. فاللاجئون السوريون في دول اتخذت قرارات أو إجراءات بترحيل بعضهم يبذلون قصارى جهدهم من أجل عدم ترحليهم».
ورأى متابع آخر، أن حديث موسكو ودمشق عن عودة آلاف اللاجئين السوريين يندرج في سياق «الترويج بأن البلاد آمنة وفيها استقرار، والهدف من وراء ذلك إسقاط ملف اللاجئين السوريين من التداول الأممي والدولي كما حصل في ملف المعتقلين بعد العفو الرئاسي الأخير، حيث حظي بإشادة المبعوث الدولي غير بيدرسن وغاب الحديث عن الملف على الرغم من أن من تم الإفراج عنهم بموجبه هم نحو 1200 معتقل، بينما بقي مصير أكثر 125 ألف معتقل غير معروف».
وخلّفت الأحداث السورية أكبر أزمة للاجئين في العالم منذ الحرب العالمية الثانية. ووفقاً لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بلغ إجمالي عدد اللاجئين السوريين المسجلين الذين فروا منذ 2011، والذين يعيشون في الخارج 5689538 شخصاً حتى 31 يناير (كانون الثاني) 2022. ويعيش غالبية السوريين الفارين من سوريا في بلدان مجاورة (تركيا 3.7 مليون شخص، لبنان 839.788، الأردن 673.188، العراق 256.006). بالإضافة إلى ذلك، يوجد في سوريا 6.2 مليون نازح داخلي. وبالتالي، فمن بين 23 مليون شخص كانوا يعيشون في سوريا قبل الحرب، بقي 9 إلى 10 ملايين فقط في بلدهم الأصلي.