العريش.. ممر جيوش حورس الذي خضبه الدم

4 انفجارات متتالية اليوم.. ودائرة الاستهداف تتسع

العريش.. ممر جيوش حورس الذي خضبه الدم
TT

العريش.. ممر جيوش حورس الذي خضبه الدم

العريش.. ممر جيوش حورس الذي خضبه الدم

عقب ثورة 30 يونيو (حزيران)، التي أسقطت نظام الرئيس المعزول محمد مرسي، زاد استهداف الجماعات الإرهابية للأماكن الحيوية بالبلاد ولعناصر من الشرطة والجيش في مختلف مناطق مصر، وخصوصا في سيناء.. وهو ما أودى بحياة العشرات من الجنود والضباط والمدنيين. وكان آخر هذه الأحداث ما حدث فجر اليوم (الأربعاء)، حيث انفجرت أربع عبوات ناسفة بالتتابع بمناطق مختلفة بمدينة العريش بشمال سيناء.
وأكد مصدر أمني مصري لوكالة الأنباء الألمانية، أن انفجارا كبيرا استهدف مدرعة تابعة لقوات الشرطة أثناء عملية تمشيط في منطقة الصفا ما أسفر عن إصابة شرطيين بجروح متوسطة وتم نقلهما إلى المستشفى العسكري للعلاج، مشيرا إلى تمشيط قوات الشرطة محيط منطقة الانفجار وإطلاق النيران التحذيرية في الهواء عقب الحادث. ويعد هذا هو رابع انفجار يستهدف مدرعات مصرية اليوم (الأربعاء)، حيث سبق ذلك استهداف ثلاث مدرعات للجيش دون وقوع إصابات، حيث إن عبوة انفجرت قرب مقابر العريش جنوب المدينة، وأخرى أثناء مرور حملة تمشيط أمنية بمنطقة حي الصفا جنوب مدينة العريش، بينما انفجرت الثالثة بالقرب من الطريق الدائري.
وتأتي تلك الاستهدافات في وقت تستمر فيه الحملة الأمنية التي يقوم بها الجيش والشرطة، وأسفرت حملة أمنية جنوب العريش والشيخ زويد ورفح اليوم عن القبض على 39 مشتبها فيهم، إلى جانب تدمير عدد من البؤر الإرهابية و10 عبوات ناسفة.
يأتي هذا بينما تواصل السلطات المصرية فتح معبر رفح البرى مع قطاع غزة لليوم الثاني على التوالي لعبور العالقين في الجانب المصري، بينما تواصل قوات الجيش تدمير الأنفاق الحدودية مع قطاع غزة.. والتي تقول السلطات المصرية إنها أحد منافذ دخول المتطرفين والأسلحة إلى سيناء.
ولم تقتصر الهجمات الإرهابية على جنود الجيش والشرطة، حيث طالت الكثير من أبناء القبائل بدعوى تعاونهم مع السلطات المصرية للإرشاد عن عناصر الإرهاب، كما طالت حديثا رجال القضاء.. ففي يوم 16 مايو (أيار) الماضي، قام مسلحون بالهجوم على حافلة صغيرة في مدينة العريش وقتل ثلاثة قضاة مصريين كانوا يستقلونها، وذلك بالتزامن مع إحالة محكمة مصرية أوراق الرئيس السابق محمد مرسي و106 آخرين إلى المفتي لاستطلاع رأيه بشأن الحكم بإعدامهم في قضية عرفت إعلاميا بقضية اقتحام السجون.
بالإضافة إلى ذلك، دعت جماعة أنصار بيت المقدس المرتبطة بتنظيم داعش الأربعاء الماضي، أتباعها إلى مهاجمة القضاة في مصر. ودعا قائد الجماعة إلى استخدام العنف ضد القضاة، والترصد لهم وإباحة دمائهم، في تسجيل صوتي نشر على موقع مرتبط بالمتشددين.
وسبق أن أعلن التنظيم، الذي يتخذ من شمال سيناء مركزا لعملياته، مسؤوليته عن معظم الهجمات الإرهابية الكبرى، خاصة تلك التي تتم في مدن رفح والشيخ زويد والعريش.
وكان من بين أعنف عمليات تنظيم أنصار بيت المقدس العملية التي استهدفت مقار عسكرية في شمال سيناء نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، وأوقعت عشرات القتلى في صفوف الجيش المصري. ورد الجيش والأجهزة الأمنية بحملات عسكرية وأمنية شملت تدمير مئات المنازل برفح قرب الحدود مع قطاع غزة، فضلا عن تدمير مزيد من الأنفاق.
وفي شهر فبراير (شباط) الماضي، رصد مؤشر القاهرة، التابع للمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية لقياس حالة الاستقرار الأمني بمصر، عدد ضحايا العنف المسلح من قوات الجيش والشرطة منذ ثورة 30 يونيو، وبلغ عددهم نحو 522 ضحية، منهم نحو 203 ضحايا من الجيش بنسبة 39 في المائة من إجمالي الضحايا و319 من الشرطة بنسبة 61 في المائة.
وتحتل العريش أهمية خاصة منذ القدم، حيث كانت ميناء هامًا منذ أقدم العصور، كما كانت موقعا استراتيجيًا علي الطريق الحربي الكبير (طريق حورس) وكانت تمر بها الجيوش دائمًا.
وفي العصور الوسطي، احتلت العريش أهمية خاصة خلال فتح العرب لمصر وفى الوقت الحاضر مدينة العريش مركز النشاط الثقافي والاجتماعي في شمال سيناء.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.