في عصر ما بعد الآيديولوجيا... ما الآيديولوجيا؟

كتب تُرمى على دبابة كجزء من تركيب فني تفاعلي بعنوان «الثقافة فقط يمكنها إيقاف الحرب» في ساحة «ريال» بميلانو في 23 أبريل (أ.ف.ب)
كتب تُرمى على دبابة كجزء من تركيب فني تفاعلي بعنوان «الثقافة فقط يمكنها إيقاف الحرب» في ساحة «ريال» بميلانو في 23 أبريل (أ.ف.ب)
TT

في عصر ما بعد الآيديولوجيا... ما الآيديولوجيا؟

كتب تُرمى على دبابة كجزء من تركيب فني تفاعلي بعنوان «الثقافة فقط يمكنها إيقاف الحرب» في ساحة «ريال» بميلانو في 23 أبريل (أ.ف.ب)
كتب تُرمى على دبابة كجزء من تركيب فني تفاعلي بعنوان «الثقافة فقط يمكنها إيقاف الحرب» في ساحة «ريال» بميلانو في 23 أبريل (أ.ف.ب)

كثيرة هي الدراسات والأبحاث التي تناولت الآيديولوجيا بتعريفاتها وأنواعها المختلفة، والتحليلات التي حللت طبيعتها المرجعية والسلطوية والغائية؛ خصوصاً بعد سقوط عدد من الآيديولوجيات التي سادت القرن المنصرم مع انهيار السرديات الكبرى وسقوطها في مأزق الحداثة. وهذا جعل الآيديولوجيا مفهوماً مستهلكاً وقديماً، وساهم في ظهور ما يُسمى بالسرديات الصغرى، التي يُزعَم أنها تتمحور حول الفرد ولا تحمل طابعاً شمولياً، وفي التحوّل نحو مفهوم الهوية والخصوصية الثقافية.
غير أنه عبر النظر في صراعات القرن العشرين الآيديولوجية يجد المرء أنها لم تخلُ من سرديات صغرى وصراعات حول الهوية، وعبر النظر في صراعات الهوية بمكوناتها الثقافية المختلفة اليوم يجد المرء أنها لا تخلو من آيديولوجيات «فاقعة» وسرديات كبرى أيضاً، بل إنها تستند أيضاً إليها. وعليه، يكون الفصل الحاد بين مفهومي الآيديولوجيا والهوية مضلّلاً، ويكون الحسم في انهيار السرديات الكبرى عارياً تماماً من الصحة.
لقد غلب الطابع التحليلي على معظم الدراسات والنظريات التي تناولت مفهوم الآيديولوجيا في محاولة لتفكيكها والكشف عن زيفها، فراحت الدراسات تصنّف الآيديولوجيا إلى أنواع، وتحلّل كل نوع على حِدة، بين آيديولوجيات احتوائية وأخرى إقصائية، ووجودية وأخرى سياسية ثقافية، ومركزية وأخرى هامشية، وركّزت عموماً على سلطة المعاني التي يتضمنها الخطاب وعلاقة اللغة بالواقع، وكذلك على سلطة نظام المعنى الذي ترتكز إليه الآيديولوجيا، أي المعايير الضمنية السائدة التي تُحدّد ما هو خيّر وصحيح وما هو غير ذلك. غير أن هذه النظريات والدراسات، على أهميتها البالِغة، لم تُحقّق الغاية المرجوة منها والمتمثّلة في محاولة إيقاف الآلة الآيديولوجية أو إحباطها، وإن كان ذلك على مستوى الوعي فحسب. والسبب غياب السؤال الأهم عن هذه النظريات المعنية بفهم الآيديولوجيا؛ كيف تفعل الآيديولوجيا فَعلتها؟ كيف تسيطر على الذات فتقع الذات في قبضتها؟ كيف تعتمل في النفس بعد استبطانها من الخارج؟ وفي محاولة للإجابة عن أسئلة كهذه، لا يُكتفى بالتحليل الثقافي السياسي للآيديولوجيا، بل ينبغي دراستها كظاهرة والتطرق إلى التحليل النفسي السياسي، وهو الذي يتناول البُعد السياسي الأصيل من النفس، قبل تَجَسُّد هذا البُعد في الواقع في شكل سياسة وعلوم وتحليلات وصراعات سياسية. وعليه، سنقف سريعاً وباقتضاب على بعض المحدِّدات النفسية الأساسية للآيديولوجيا التي تشرح بدرجة معيّنة آلية عملها.
تسعى الذات عموماً، وخصوصاً في حالات الفوضى الشديدة، إلى شيء من القانون والتنظيم لتخفيف حدة الفوضى والتمزق اللذين قد يخترقان نسيجاً اجتماعياً معيناً، أو تسعى الذات، في مجتمعات يسودها القمع والتهديد والسيطرة، إلى الثورة والحرية والعدالة للخروج من حالة الخضوع والاستعباد. وما يدفع هذا السعي إلى الأمام في المستوى النفسي، بمعزل عن الحاجة الحقيقية والصادقة للخروج من الفوضى والقمع، هو خيال معين، هو صورة معينة عن الذات والمجتمع تطمح الذات إلى بلوغها، وتكون هذه الصورة كاملة لا تشوبها شائبة.
ينبثق الخطاب السياسي الآيديولوجي مستخدماً هذه الكلمات التي تتوق إليها الذات، دون أن يعرّف هذه الكلمات، فهي في الأساس غير مؤطّرة المعنى، تماماً بسبب طبيعة اللغة نفسها، أي أنها «دوال بلا مدلولات»، فيراهن الخطاب على النفس وقدرتها على تعبئة الكلمات وإكمال النقص في الصورة المتخيّلة. هنا تماماً؛ حيث تُخفق الذات في إدراك الطبيعة الهشّة وغير الثابتة لهذه الصورة المتخيَّلة الوضعية، وفي إدراك أن الخطاب يَستخدم دوالاً بلا مدلولات، تكمنُ اللحظة الآيديولوجية النقية التي تُعرَّف بأنها تلك اللحظة التي تقع الذات فيها في شباك وهم «الإغلاق» الذي لا يكون إلا إيمان الذات بوجود حلّ مكتمل، مغلق من الجوانب كافة، فتنغلق الذات على هذا الحلّ مصدّقة به ومصادقة عليه.
غير أن الآيديولوجيا لم تعد تعمل في عصر ما بعد الآيديولوجيا كما كانت سابقاً. فالصورة التي ترسمها اليوم للعالم ليست مثالية أو وردية، بل إن المثالية هنا تكمن في تصوير العالم بوصفه غير مثالي، وبتقديم حلول تعيد إنتاجه بصورة جديدة، إلا أن هذه الصورة تكون غير مختلفة كثيراً عن الصورة الحالية. بكلمات أخرى، بينما كانت الآيديولوجيا تعمل كعملية إيجابية تبعث الأمل في النفس، أصبحت تعمل اليوم كعملية سلبية تنتزع الأمل. يقول الفيلسوف الفرنسي آلان باديو: «إن وظيفة الآيديولوجيا اليوم هي قتل الأمل وإقناعنا بأن العالم سيئ». فالفرد نفسه لم يعد يؤمن بوجود حقيقة واحدة موضوعية، وهنا تكمن المشكلة، فرفض وجود حقيقة موضوعية يُبقي العقل في حالة من التذبذب وينفي عنه قدرته على التفكير والحكم. ولعلّ أولى آيديولوجيات عصر ما بعد الآيديولوجيا التي تعمل بالسلب هي الزعم بأن العصر الذي نعيشه هو عصر بعد آيديولوجي. فعبر هذا الزعم، لا يُجرَّد المرء من الأمل النفسي فحسب، بل أيضاً من أدواته المعرفية التي تساعده على إدراك الآيديولوجيا، وبالتالي رفضها.
وعلى عكس ما يُعتقد حول تماهي المرء مع الآيديولوجيا، فما يتماهى المرء معه في الخطاب الآيديولوجي هو الضعف وليس القوة، النقص وليس المثال، ويعدّ هذا التماهي القانون الأول لعملية الأدلجة. ما تبحث عنه الذات في الآيديولوجيا، في البدء، ليس صورة بطل، وليس مثالاً تستمد منه قوة أو قدرة، بل تبحث عن ضعفها الذي تشرّع من خلاله وجودها وتكتسب قواماً وكثافة. ولعلّ المثال الأفصح هو الخطاب الشعبوي الذي لا يني يهزأ بالقوة والعقل والمنطق والتحليل، حتى بالتعلّم والتعليم، ويستخدم المقاربات التبسيطية لإخماد العقل وتنشيط «حسّ سليم» غير سليم، لدى العامة، وتفعيل التماهي مع الخطاب الآيديولوجي، والحصول على الموافقة والقبول.
وفي محاولة للتفريق بين الآيديولوجيا الكلاسيكية والآيديولوجيا في عصر ما بعد الآيديولوجيا، تجدر الإشارة إلى أن الآيديولوجيا لم تعد تدلّ على غياب الوعي أو زيفه كما كان يُعتقد سابقاً حين سُمّيت بـ«الوعي الزائف». ليست مشكلة الآيديولوجيا الحديثة في الوعي، فغالباً ما يكون الوعي والمنطق حاضرَين بقوة وقادرَين على تمييز الصواب من الخطأ، بل تكمن في فجوة معينة تفصل بين الوعي والفعل، ما يجعلنا نتساءل؛ ما الذي يجعل شخصاً أخلاقياً واعياً (أي مثلاً غير عنصري أو غير طائفي في وعيه) يتصرّف بطريقة مؤدلجة عنصرية أو طائفية؟ تأخذنا محاولة الإجابة إلى فجوة أعمق بين الفكرة الواعية التي يقتنع بها المرء ويتبناها والرغبات الداخلية اللاواعية ذات المنشأ الثقافي - اللغوي، بحيث يصبح لدينا، كما يرى الفيلسوف النمساوي روبرت بفالر «رغبات لاواعية (فجوة) فكرة واعية (فجوة) فعل»، وتصبح الفكرة الواعية مجرد عائق يحول دون تأثير الرغبات اللاواعية على الأفعال بشكل مباشر، فيحلّ الفعل محلّ الدافع اللاواعي المكبوت تالياً ويصبح قهرياً مفعِّلاً للآيديولوجيا. ما يحاول بفالر قوله أن الأدلجة لا تنشأ عن الأفكار الواعية التي يحملها المرء، بل قد لا تتدخل الأفكار الواعية إطلاقاً في عملية تنشيط الآيديولوجيا حتى إحباطها، وما يستحق الانتباه له والتنقيب فيه هو الرغبات غير الواعية التي ترسَّخت بفعل ما يُسمى في التحليل النفسي بالنظام الرمزي، أي الخطابات الأخرى السابقة على الخطاب الآيديولوجي.
إن الدراسات السياسية أو دراسات الخطاب لم تعد كافية لدراسة خطاب آيديولوجي معين أو الكشف عن تأثيره. فالمشكلة لا تكمن في نظام المعاني الذي ينطوي عليه الخطاب فحسب، بل في الذات السياسية بقدر ما هي في الخطاب نفسه. والمنطق الذي تبنّته هذه الدراسات إنما عمل في مستوى الوعي، فلم يتمكن إلا من تخفيف شدة قبضة الآيديولوجيا. غير أن التصدي الفعلي لهذه القبضة يتطلب النظر في الثقافة التي قد تكون شخصية فردية أو جماعية مشتركة، والتي تشكّل التهويمات Fanatsies الضمنية للمرء في مستوى اللاوعي. ويتطلب أيضاً محاولة تحديد ما يسمّيه الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجيك، الموضوعات السامية Sublime Objects غير السياسية المقبولة والموجودة في ثقافة المرء. هذه الموضوعات تشبه الأفكار العليا أو القيم (هوية، أمة، حرية، فردية، أسلوب حياة، حب، إيمان، إلخ)، لكنها ليست هي تماماً، وهي تجعل المرء يقع في شراك التهويمات، فيُسقط المرء على العالم خصائص هذه الموضوعات، ويتماهى مع هذه الإسقاطات التي تحقق له المتعة، فتتحقق الأدلجة. بكلمات أخرى، للتصدي لقبضة الآيديولوجيا، لا يكفي النظر في العلاقات الاجتماعية أو الخطابات السياسية فحسب، بل ينبغي النظر في العلاقات اللاواعية بين الذات وهذه الموضوعات السامية، فهذه العلاقات هي الأعمق وهي المسؤولة عن تشكيل علاقاتنا الاجتماعية السياسية، السليمة منها وغير السليمة، كما في العنصرية والذكورية والطائفية وغيرها.
* كاتبة ومترجمة سورية



تركيا على الخط السريع للتصادم بين اللاجئين والمجتمعات المضيفة

TT

تركيا على الخط السريع للتصادم بين اللاجئين والمجتمعات المضيفة

متظاهر سوري يرشق نقطة عسكرية تركية عبر الشريط الشائك عند معبر ابن سمعان شمال حلب (أ.ف.ب)
متظاهر سوري يرشق نقطة عسكرية تركية عبر الشريط الشائك عند معبر ابن سمعان شمال حلب (أ.ف.ب)

يصعبُ وضع خط زمني واضح للتطورات المتلاحقة التي قادت إلى حوادث العنف الأخيرة ضد اللاجئين السوريين في تركيا، وما ترتب عنها من مظاهرات ضد الوجود التركي ضمن مناطق سيطرة المعارضة السورية في مناطق الشمال السوري.

في تلك الحوادث يتبدل موقع السوريين بين كونهم ضحايا لموجات العنصرية في تركيا، وضحايا التهميش في مناطق سيطرة المعارضة. ولولا الزمن الفاصل بين تلك الحوادث وأسبقية وقوع إحداها قبل الأخرى وإن بأيام معدودة أو ساعات أحياناً، لأمكن اعتبار أي منها سبباً لما بعدها أو نتيجة لما قبلها. لكن الواقع المعاش ليس بهذا الوضوح.

خطورة تسريب البيانات

في الأيام القليلة الماضية، تراجعت حدة الصدامات المباشرة على خلفية أحداث قيصري، لكن بعض المؤشرات المقلقة بقيت تظهر بين الحين والآخر، سواء على شكل مزيد من «الأحداث الفردية» كاعتداء في مطعم هنا أو حديقة عامة هناك، إلى أن جاء تسريب بيانات أكثر من 3 ملايين سوري مقيم في تركيا عبر حساب على منصة «تلغرام» باسم «انتفاضة تركيا» ليدق ناقوس خطر من نوع جديد. فقد تضمنت البيانات، معلومات حساسة، مثل الأرقام الوطنية للأشخاص السوريين دون سواهم من المقيمين الأجانب، واسم الأب والأم، ومكان وتاريخ الولادة، وعنوان السكن ورقم الهاتف. وهذه قواعد بيانات شخصية يفترض أنها محفوظة لدى دوائر الهجرة بالدرجة الأولى بالاضافة إلى الجهات المختصة الأخرى، ويأتي تسريبها ليضع مزيداً من الضغوط على السوريين؛ لأنه يعرّض سلامتهم للخطر. فليس سراً أن هجمات في قيصري قبل 3 أيام فقط على هذا التسريب، ترافقت مع تداول المهاجمين معلومات محددة عن أماكن السوريين وأرزاقهم؛ ما يشكل تنبيهاً خطيراً لما قد يحدث مع انكشاف هذه البيانات وإمكانية استخدامها للملاحقة والترهيب.

اللافت، كان تعامل السلطات التركية مع المسألة وكأنها مجرد خطأ تقني؛ إذ أعلنت دائرة الهجرة أن المعلومات الواردة في البيانات «قديمة نسبياً»، ثم قامت بحذف القناة عن «تلغرام»، في حين سارعت وزارة الداخلية بإعلان أن المسؤول عن التسريب هو طفل يبلغ من العمر 14 عاماً. وأضاف بيان الداخلية أنه «سيتم القبض على جميع الذين يحاولون خلق الفوضى، ومن يستخدمون الأطفال في استفزازاتهم».

أب وأطفاله يعبرون أمام محال مغلقة لسوريين في ولاية بورصة التركية (أ.ب)

ليلة الرعب في قيصري

قبل حادثة تسريب البيانات كانت الشرارة التي أطلقت موجة العنف الأقوى ضد اللاجئين السوريين في تركيا، وما لحقها من رد فعل سوري على الرموز والمؤسسات التركية في الشمال السوري وأدت إلى اشتباكات مباشرة أودت بحياة 11 سورياً على يد القوات التركية في مناطق الشمال السوري.

فقد انتشر مقطع فيديو في وسائل التواصل الاجتماعي لشاب يتحرش جنسياً بطفلة في مدينة قيصري التركية مع إشاعة أنباء مغلوطة بأن الرجل سوري والطفلة تركية. خلال ساعات، كانت مجموعات تركية شبه منظمة بدأت في تنفيذ هجمات استهدفت بالحرق والتكسير سيارات ومحال تجارية ومساكن للسوريين في قيصري، وكل من يشتبه بأنهم سوريون في الشوارع. وعلى رغم تأكيد ولاية قيصري بأن الرجل سوري، وقد جرى اعتقاله، وأن الطفلة سورية وتم نقلها إلى أحد مراكز الحماية التابعة لوزارة الأسرة، فإن الهجمات ضد السوريين لم تتوقف، بل توسعت إلى أكثر من مدينة تركية واستمرت بضعة أيام تعرّض خلالها حتى السياح في مدينة كإسطنبول لهجمات ومضايقات.

هذا الجو دفع مئات الآلاف من اللاجئين إلى ملازمة منازلهم، وإسدال الستائر والاعتماد على خدمات التوصيل والحرص على الهدوء والتحدث بالتركية في المواصلات العامة عند ضرورة الانتقال أو الامتناع عن التحدث مطلقاً في الشوارع أو الأماكن العامة. الحدائق والشوارع في المدن ذات الكثافة السورية خلت تماماً من العائلات وأُغلقت المحال التجارية ولم يعاد فتحها حتى وقت الكتابة. أما الذين يملكون سيارات خاصة واضطروا إلى الخروج في هذه الفترة، فقد ركنوا سياراتهم خوفاً، واعتمدوا على المواصلات لكون سيارات الأجانب في تركيا تحمل رمزاً خاصاً يبدأ بحرف M أو MP وبالتالي يمكن تمييزها بسهولة في الشوارع.

ولعل أكثر المتضررين كانوا أصحاب المحال التجارية وعمال المياومة في مصانع الألبسة أو القطاع الزراعي الذين لم يخرجوا للعمل منذ نحو أسبوع تقريباً، وهم الحلقة الأضعف بشكل عام، ولا سيما في أوقات كهذه. فلحظة اللقاء النادرة بين الأحزاب السياسية المتخاصمة، هي لدى تحميل اللجوء السوري مسؤولية الأزمات في البلاد، وخصوصاً الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها تركيا منذ أكثر من سنتين، بما في ذلك التضخم الذي بات يتجاوز 70 في المائة.

تحريض عفوي - منظّم

أشارت صحيفة «يني شفق» التركية إلى أن المشاركين بأعمال العنف ضد السوريين كانوا يتواصلون عبر 4 مجموعات في «واتساب» كانت تُستخدم سابقاً للتهرب من عمليات الشرطة الروتينية، وتضم كل منها نحو 500 شخص.

اللافت، أن هذه المجموعات انقلبت فجأة للتحريض ضد السوريين، ومشاركة مواقعهم، وتخطيط وتنظيم الهجمات عليهم وعلى أرزاقهم. وكالة «الأناضول» الرسمية التركية، نقلت في اليوم التالي لأحداث قيصري عن وزير الداخلية التركي علي يرلي قايا، خبر توقيف 1065 شخصاً في أنحاء البلاد، وحبس 28 منهم، وصدور أمر فرض الرقابة القضائية بحق 187 شخصاً. الوزير أوضح أن قوات الأمن التركية أوقفت 855 شخصاً في ولاية قيصري وحدها، تبين أن 468 منهم لديهم سوابق جنائية.

ويقول المحامي السوري والناشط المدني محمد الصطوف إن هذه الخلفيات للموقوفين تعطي صورة عن الشبكات المسؤولة عن الهجمات المنظمة وطريقة عملها، لكنها لا تفسر المشاركة العفوية لمئات الأتراك العاديين، في الاعتداء على المنازل والأشخاص.

تفسير الحكومة بحسب الصطوف، وهو يحمل الجنسية التركية أيضاً، ينكر وجود مشكلة في تركيا، تتعلق بكراهية الأجانب عموماً وبينهم السوريون. فطول أمد اللجوء السوري، والاحتكاكات اليومية والثقافية، ساهمت مع مرور الوقت في تسهيل لوم الأتراك العاديين للسوريين وتحميلهم مسؤولية تردي الظروف المعيشية خلال السنوات الأخيرة.

وتكشف أحداث قيصري، عن درجة الاحتقان ضد الأجانب، وإمكانية انفجاره في أي لحظة وأي مكان، لأسباب قد تكون مصطنعة، ولأهداف تسعى أطراف ثالثة لاستغلالها وتوجيهها. وفي الوقت الذي لا يمكن فيه الاكتفاء بتضخيم النزعة القومية التركية، ورهاب الغرباء، وخطاب الكراهية المنتشر اليوم في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، لتفسير ما يحدث، فإن الخطاب المضاد الساعي للتهدئة قد يكون مبالغاً في تبسيطه أيضاً.

فالقول إن الاحتجاجات هي اعتداء على «الأخوة التي تربط بين الشعبين التركي والسوري»، كما قالت هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات (İHH) التركية في بيان لها يبدو أقرب لإغماض العيون عن الوقائع والاستماع للأمنيات. كما أن التراشق السياسي اليومي بين صانعي القرار والمعارضة في تركيا، والإعلان الأخير عن تقارب بين أنقرة ودمشق ثم عن لقاء مرتقب بين الرئيسين التركي رجب الطيب أردوغان والسوري بشار الأسد، بغرض إعادة السوريين إلى بلادهم بمعزل عن أمنهم، يضع اللاجئين، في موقع ضعيف ومكشوف، ولا يمنحهم أي احساس بالاستقرار والأمان.

متاجر سورية تعرضت للاقتحام والتكسير في أيار الماضي (الشرق الأوسط)

من يدفع أثمان اللجوء؟

بحسب بيانات دائرة الهجرة التركية، هناك 3 ملايين و114 ألفاً و99 سورياً يحملون بطاقات الحماية المؤقتة مقابل مليون و125 ألفاً و623 شخصاً يحملون تصاريح إقامة تترواح بين إقامات «سياحية» وأذونات عمل، وهذا لا شك رقم كبير للغاية في أي مجتمع مُضيف.

«لكن اللجوء السوري الطويل في تركيا ليس سبباً لتعثر الاقتصاد التركي في قطاعات كثيرة كالعقارات والصناعة وتداولات البورصة، ولا يتحمل مسؤولية التضخم المالي»، يقول الباحث الاقتصادي والأستاذ في جامعة لوزان جوزيف ضاهر لـ«الشرق الأوسط». ويضيف ضاهر: «على العكس من ذلك، ساهم اللجوء السوري في رفد سوق العمل التركية باليد العاملة الرخيصة، في قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات؛ ما أدى إلى مزيد من تراكم رأس المال والأرباح لرجال الأعمال الأتراك». وبالتالي «لم يكن اللجوء سبباً في زيادة نسب البطالة الكلية ولا في تجويع الأتراك، كما تدعي عديد من الجهات الفاعلة السياسية التركية ذات التوجهات القومية والعنصرية». ويوضح ضاهر أن اللجوء السوري في تركيا، «ساهم في بدايته، بحدوث نمو في الاقتصاد التركي، مع هجرة كثير من الصناعيين ذوي الملاءة المالية الصغيرة والمتوسطة، من حلب وريفها ليفتتحوا ورشاتهم ومصانعهم جنوب تركيا».

وهؤلاء استثمروا أموالهم في الاقتصاد التركي واستعانوا بيد عاملة سورية وتركية على السواء ضمن شروط الاستثمار الاجنبي المعمول بها حتى الآن والتي تفرض توظيف 5 أتراك مقابل كل عامل أو موظف أجنبي أياً كانت جنسيته. لكن هنا أيضاً وبسبب التضييق الحكومي والمجتمعي وغياب أي آليات ناظمة واضحة اضطر كبار الصناعيين والمستثمرين السوريين، لا سيما في قطاعات صناعة النسيج والقطن والألبسة، بالإضافة إلى الصناعات الغذائية، إلى نقل مصانعهم وأعمالهم إلى مصر.

وفي 2014 بدأ تدفق أموال من نوع آخر إلى تركيا، وهي أموال المانحين الدوليين لدعم اللاجئين السوريين والمجتمعات المضيفة لهم. ولعل السبب الفعلي كان وقف قوافل الهجرة غير الشرعية براً وبحراً إلى أوروبا فيما عرف حينها بـ«أكبر أزمة لجوء» في التاريخ الحديث، لكن تركيا لم توفر جهداً في «استخدام قضية اللاجئين السوريين للضغط على الاتحاد الأوروبي، لتقديم تنازلات سياسية لتركيا، وأيضاً للحصول على مزيد من التمويل» بحسبما يقول ضاهر، مضيفاً: «كان لتركيا حصة وازنة في المساعدات الدولية بوصفها إحدى كبريات الدول المضيفة للسوريين».

وبحسب الأرقام المتوفرة على موقع المفوضية الأوروبية لشؤون اللاجئين، وصل إجمالي مساعدات الاتحاد الأوروبي المخصصة لتركيا منذ عام 2011 ما يقارب 10 مليارات يورو. بينها 6 مليارات يورو بين عامي 2016 و2019، و535 مليون يورو في تمويل الجسر الإنساني عام 2020، و3 مليارات يورو كتمويل إضافي للفترة بين 2021 و2023.

لكن الحرب الروسية ضد أوكرانيا، بحسب ضاهر، «غيّرت أولويات المانح الأوروبي، وأدت إلى ما بات يعرف بـ(تعب الممول)؛ ما تسبب بتراجع كبير في عدد المنظمات المدنية العاملة مع السوريين في تركيا والمعتمدة في تمويلها على المساعدات الأوروبية».

وعلى رغم تراجع الاهتمام الغربي بدعم اللاجئين السوريين في دول الجوار وبينهم تركيا، فإن ذلك «لا يفسر فعلياً الأجواء المشحونة بالعنصرية الموجهة ضدهم في المجتمع التركي. إذ بالأصل، نسبة كبيرة من السوريين في تركيا لا يقيمون في المخيمات، ولا يتلقون دعماً مالياً مباشراً، بل يعتمدون على أنفسهم في العمل، وبالتالي في توليد دخل يتم ضخه في الاقتصاد التركي»، كما يذهب ضاهر.

عودة طوعية وترحيل ممنهج

في السنوات القليلة الماضية تبنت أحزاب المعارضة التركية وحتى الحكومة التركية بمختلف تياراتها الشعبوية، خطاباً ولغة وسياسة أكثر تشدداً ضد اللاجئين السوريين، تبخر معها الكثير من آثار التضامن السابقة. وخلال السنة الأخيرة وحدها، أُعيد إلى مناطق سيطرة المعارضة السورية شمال غربي سوريا، نحو نصف مليون لاجئ، ضمن سياسة ترحيل ممنهج تسمى «العودة الطوعية»، ولكنها تجمع بين الترغيب والإجبار، والملاحقة والتضييق، والحملات المباغتة لاعتقال وتوقيف المخالفين لقواعد الحماية المؤقتة.

سوريون ينتظرون العبور إلى سوريا من تركيا عند معبر بالقرب من مدينة أنطاكيا فبراير 2023 (أ.ب)

وإن كان كل ذلك مفهوماً في معرض التراشق السياسي، إلا أنه يعجز عن تفسير بيان صادر عن 41 منظمة غير حكومية تركية في مدينة غازي عينتاب التركية، في 17 يونيو (حزيران) الماضي، يُحذّرُ من «تحولات ديموغرافية واجتماعية واقتصادية تهدد هوية المدينة ومستقبلها، وسط حياة لم تعد تُطاق تحت وطأة تدفق اللاجئين السوريين».

في هذا السياق، يقول الصطوف لـ«الشرق الأوسط»: «إن البيان شكّل صدمة للمشتغلين في العمل الإنساني. ولكن، حتى المنظمات المدنية، يمكن لها تحت ظروف شحن سياسية خانقة كما هو الوضع اليوم، أن تخضع لضغط الشارع ومزاجه، بما لا يستقيم مع أهدافها في العمل المدني. الأمر ذاته، تمكن ملاحظته معكوساً، في صمت المنظمات السورية غير الحكومية العاملة في تركيا، من تصاعد موجة العداء للاجئين السوريين، التي تخشى من سحب ترخيصها أو إيقافها عن العمل أو ملاحقة أعضائها».

احتجاجات الشمال وعقدة المعابر

وسط الأجواء المشحونة والقلق الذي يعيشه السوريون في تركيا، جاء الحديث عن محاولة تقارب جديدة بين أنقرة ودمشق، بمبادرة عراقية ورعاية روسية ليؤجج مزيداً من المخاوف والتكهنات، لا سيما في الشمال السوري الخاضع لسيطرة تركية.

فاندلعت مظاهرات حاشدة في ريف حلب الشمالي منددة بالوجود التركي، نتيجة عدم التزامه بدوره كضامن للمعارضة في اتفاق آستانة، ومتهمة إياه بالتخلي عن مناطق المعارضة في الشمال الغربي لصالح النظام.

جنود أتراك عند نقطة عسكرية داخل الحدود مع سوريا في شمال حلب (أ.ف.ب)

الجانب التركي رد بإغلاق المعابر الحدودية، وقطع الإنترنت والاتصالات عن مناطق المعارضة. المظاهرات الغاضبة، تحولت بسرعة محاولاتٍ لاقتحام بعض المعابر مع تركيا، وأحداث عنف وتكسير لشاحنات تحمل لوحات تركية في ريف حلب الشرقي، وتمزيق للأعلام التركية. تصاعد لم يتوقف إلا بعد هجوم على قاعدة عسكرية تركية في مدينة عفرين شمال غربي حلب، ردّ جنودها بإطلاق نار مباشر تسبب بمقتل 4 من المهاجمين وإصابة العشرات.

كذلك، تخشى أوساط المعارضة في شمال غربي سوريا أن يكون أي تقارب على حساب هذه المناطق التي يقطن فيها نحو 6 ملايين سوري أكثر من نصفهم من النازحين والمهجّرين قسرياً من مناطق النظام. فبالنسبة إليهم، يبقى الوضع القائم على مساوئه وعلاته، أفضل من العودة إلى سيطرة النظام العسكرية والأمنية وإمساكه بالمعابر التي تعدّ شريان الحياة هناك.

وكانت محاولة التقارب السابقة بين النظام السوري وتركيا، تسببت بموجة احتجاجات في مناطق المعارضة، قبل أن تتوقف المحاولة في 2021؛ نتيجة إصرار النظام على انسحاب تام للقوات التركية من الأراضي السورية.

وفيما فُسّر كخطوة جديدة ضمن مسار التطبيع السريع، عودة الحديث عن إمكانية افتتاح معبر أبو الزندين الذي يربط مناطق الحكومة المؤقتة (المدعومة تركياً) بمناطق النظام، أمام الحركة التجارية، علماً أن أبو الزندين هو المعبر الوحيد الذي لا يزال مغلقاً منذ مارس (آذار) 2020 نتيجة انهيار محاولة التقارب حينها بين أنقرة ودمشق.

وسرعان ما تحولت قضية المعبر أزمةَ ثقة بين مناطق المعارضة والوجود التركي فيها، تدخلت فيها أطراف متعددة لغايات متناقضة، وتطورت إلى اشتباكات مسلحة، للمرة الأولى بين الطرفين.

وتشكّل المعابر، الشرعية وغير الشرعية، بين مناطق النظام والمعارضة، عقدة مركبة، تتداخل فيها عوامل محلية تتعلق بنزاعات بين فصائل المعارضة المسلحة المنضوية تحت راية الجيش الوطني المدعوم تركياً، للسيطرة على إيرادات المعابر المالية، وما يسببه ذلك من فوضى أمنية وعدم استقرار عسكري.

كذلك، هناك عامل يتعلق برغبة روسيّة في استعادة الحركة على الطريق الدولية حلب - اللاذقية M4، وفتح المعابر بين مناطق المعارضة ومناطق النظام، كخطوة أولى لأي تطبيع محتمل. وبحسب صحيفة «الوطن» السورية شبه الرسمية، سيعود ذلك بالانتعاش الاقتصادي لمناطق النظام، وإعادة فتح طريق ترانزيت بين غازي عنتاب التركية مروراً بأعزاز في ريف حلب، إلى معبر نصيب عند الحدود الأردنية. ويتيح ذلك إمكانية تدفق البضائع التركية إلى الخليج العربي براً عبر سوريا، بعد انقطاع استمر 13 عاماً.

جهاد يازجي، باحث مختص بالاقتصاد السوري، قلل في حديثه لـ«الشرق الأوسط» من التوقعات الاقتصادية المتفائلة لفتح المعبر أمام الحركة التجارية وقال: «انتقال البضائع لم يتوقف بين الطرفين، حتى مع إغلاق المعابر الرسمية، والتبادل التجاري لم ينقطع، إما عبر المعابر غير الشرعية أو عبر طرق طويلة تمر بمناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)»، موضحاً أن «أهمية افتتاح المعبر، ليست اقتصادية في هذه المرحلة، وإنما سياسية لأن المتضرر الفعلي هي شبكات التهريب التي تنشط في المنطقة، والحواجز الأمنية والعسكرية». وبالتالي، إذا صدقت الوعود التركية حول إنشاء إدارة مدنية بالكامل لإدارة المعبر، فالمستفيد بالدرجة الأولى بحسب يازجي هم «منتجو البضائع المحليون؛ لأن ذلك يسرع من حركة نقل البضائع، ويخفف من تكلفتها».

لكن الاحتجاجات المناهضة لمسار التطبيع بين أنقرة ودمشق التي شهدتها مدينتا الباب وأعزاز بريف حلب كشفت الأطراف المشاركة.

متظاهر سوري أمام شاحنة تركية محترقة عند الحدود السورية - التركية (أ.ف.ب)

فالتشكيلات المدنية شاركت في المظاهرات لأسباب سياسية وتضامنية مع اللاجئين في تركيا، في حين أن أكثر من عارض افتتاح المعبر بشكل مباشر هي الشبكات المرتبطة بفصائل الجيش الوطني خشية خسارة مزدوجة؛ نقل إدارة المعبر لجهة مدنية، وانخفاض مردود عمليات التهريب نتيجة افتتاحه. وبالفعل، هاجمت مجموعة من القوى العسكرية المنظمة، المحسوبة على فصائل الجيش الوطني، المعبر، وعطّلت العمل به، بحسبما قال مصدر عسكري مطلع لـ«الشرق الأوسط».

ويوضح المصدر أن «تلك الفصائل سواء كانت من عشائر دير الزور في المنطقة الشرقية، أو من ريف حلب، فهي متجذرة في المنطقة، ولها هرمية واضحة وعصبة تنظيمية، وقادرة على الدفاع عن مصالحها». وبالتالي، فإن «مهاجمة المعبر تدخل ضمن محاولة الضغط على الجانب التركي وفرض حصتها أو مصالحها».

وعلى أثر ذلك، تدخلت الشرطة العسكرية التابعة للجيش الوطني (المدعوم من تركيا)، واعتقلت بعض المشاركين في الهجوم على المعبر وتعهدت بملاحقة «من تسوّل له نفسه فعل ذلك مجدداً»، وسط أنباء بإعادة المعبر إلى رعاية مباشرة من أنقرة؛ لضمان خط التقارب مع دمشق برعاية روسية.

مسلحون من فصائل المعارضة السورية في منطقة الباب التي شهدت احتجاجات ضد الوجود التركي (أ.ف.ب)

طريق سريع إلى باب موصد

خلال أقل من عشرة أيام، اندلعت موجات متعاقبة من الفوضى والعنف في مجتمعات محلية تقطن مناطق مختلفة على طرفي الحدود السورية - التركية، وانقلبت معها حياة مئات الآلاف وتعرّضت للخطر. الاكتفاء بتوصيف الأتراك بالعنصرية، كالاكتفاء بتوصيف السوريين بالضحايا، لن يقود إلى أي إمكانية لتجاوز المحنة الراهنة، وذلك كالإغراق بإنكار الوقائع والتغني بالأخوة بين الشعوب.

تراجع الاقتصاد التركي، وإن كان اللاجئون السوريون لا يتحملون مسؤوليته، إلا أنهم ضحاياه الاجتماعيين، بوصفهم الحلقة الأضعف. كما أن تصاعد العنصرية ضدهم، ليس سمّة خاصة بشعب ما؛ إذ يكفي النظر في ما يتلقاه اللاجئون في بقية دول الجوار، لمعرفة أن الحال من بعضه.

كذلك، فإن الفساد المستشري شمال غربي سوريا، وفشل تشكيلات المعارضة في إنتاج بدائل حوكمة تداولية، ليس ذنباً تركياً خالصاً وإن كان الأتراك يتحملون مسؤولية كبيرة في تغليب المحسوبية والاستزلام في علاقاتهم مع السوريين. فشل المعارضة في إقامة نموذج للحكم العادل في مناطقها، يقطع مع إرث النظام السوري في العنف والفساد، أمر ليس ثانوياً، ويجب أن يتحمل السوريون مسؤوليتهم عما آلت إليه أحوالهم.

وإن كانت الحملة العنيفة الأخيرة ضد اللاجئين تم احتواؤها اليوم، فلا يمكن التنبؤ بموعد ومكان موجتها المقبلة، في غياب أي حل عملي على الأرض، يقي مجتمع اللاجئين والمجتمعات المضيفة، خطر الصدام مجدداً.

* صحافي وباحث سوري