شكوك في تخليق «كورونا» مختبرياً بعد تغيّر بروتينه الرئيسي

عالمان أميركيان يعتقدان أن التكنولوجيا الحيوية ساعدت في تطويره

شكوك في تخليق «كورونا» مختبرياً بعد تغيّر بروتينه الرئيسي
TT

شكوك في تخليق «كورونا» مختبرياً بعد تغيّر بروتينه الرئيسي

شكوك في تخليق «كورونا» مختبرياً بعد تغيّر بروتينه الرئيسي

لم يعد غريبا على المتابع لتطورات جائحة «كوفيد - 19»، سماع بعض الكلمات مثل «بروتين سبايك» أو الذي يحلو للبعض أن يسميه بـ«بروتين الأشواك»، ولم يعد كاتبو التقارير العلمية بحاجة إلى شرح ما تعنيه هذه الكلمة لأنها تكررت كثيرا، وبات الجميع يعلم أنها «البروتين الرئيسي للفيروس المسبب للمرض، والذي يسهل من دخوله إلى الخلايا البشرية».

- شكوك علمية
ورغم انشغال العالم قليلا بعيدا عن جائحة «كوفيد - 19» بسبب تفشي «جدري القردة»، إلا أن هناك تطورات جديدة تتعلق بالجائحة، ربما ستفرض مصطلحات جديدة سيتم تكرارها كثيرا خلال الأيام المقبلة، ومنها مصطلح يعرف باسم «موقع انشقاق الفورين» furin cleavage site أو الذي يعرف اختصاراً باسم (FCS).
هذا المصطلح ليس ببعيد عن بروتين «سبايك»، فهو يشير إلى الأحماض الأمينية المحددة في البروتين والتي تسهل من دخول الفيروس الخلية، وتدور معظم شكوك التخليق البيولوجي حول هذه الأحماض الأمينية.
وأثيرت هذه الشكوك منذ بداية الوباء، غير أنها سرعان ما كانت تتلاشى بعد تأكيدات من منظمة الصحة العالمية والمؤسسات الصحية في أميركا. غير أن دراسة فرنسية نشرت في سبتمبر (أيلول) العام الماضي بدورية «نيتشر» أعادت إثارتها، ثم جاء مقال نشره عالمان أميركيان في 27 مايو (أيار) الماضي بموقع «بروجيكت سنديكيت»، ليؤكداها من جديد، وفي الدراسة والمقال، كان الحديث دائرا وبقوة حول «موقع انشقاق الفورين».
وتضع هذه الدراسة أساسا علميا للاتهامات المتعلقة بتخليق الفيروس، إذ نجح خلالها باحثو معهد باستور الفرنسي، بالتعاون مع جامعة لاوس جنوب شرقي آسيا، في العثور على فيروسات كورونا مشابهة للفيروس، الذي يسبب مرض «كوفيد - 19»، بين مئات الخفافيش من سلالة «حدوة الحصان» في لاوس، غير أن أيا من هذه الفيروسات لم تحتو على ما يسمى بـ«موقع انشقاق الفورين» في بروتين سبايك الذي يسهل دخول الخلية، وهو إحدى السمات الرئيسية لفيروس «كورونا المستجد»، وهو ما دفع بعض العلماء ممن علقوا على هذه الدراسة لتبني نظرية تصنيع الأخير داخل مختبر.
ويفسر المقال الذي نشره العالمان بجامعة كولومبيا «نيل هاريسون» Neil L. Harrison و«جيفري ساكس» Jeffrey D. Sachs بموقع «بروجيكت سنديكيت»، لماذا ذهب العلماء الذين علقوا على هذه الدراسة إلى تبني هذه النظرية.
- فيروس بميزة جديدة
واستفاض العالمان في الحديث عن تفاصيل التحقيقات الاستخباراتية التي أجريت بشأن احتمالية التخليق البيولوجي للفيروس، وكان من بين الحقائق الخطيرة، التي يعترف العالمان بأنهم مدينون بمعرفتها إلى قانون «حرية المعلومات» المعمول به في أميركا، هي أن وكالة مشاريع البحوث الدفاعية المتقدمة الأميركية (DARPA)، استقبلت في مارس (آذار) 2018، طلبا من شركة «إيكو هيلث إيلانس» الأميركية، ومن باحثين من معهد ووهان لعلم الفيروسات بالصين، وجامعة نورث كارولينا، للحصول على منحة بغية دراسة فيروسات الخفافيش التاجية. وشرح هؤلاء الباحثون في طلبهم، كيف أنهم يعتزمون تغيير الشفرة الجينية لفيروسات الخفافيش التاجية لإدخال الميزة التي تعد بالضبط الجزء الأكثر غرابة في فيروس كورونا المستجد، وهو «موقع انشقاق الفورين».
ورغم أن وكالة مشاريع البحوث الدفاعية المتقدمة الأميركية لم توافق على هذه المنحة، فقد يكون العمل تم على أي حال، كما يزعم العالمان، وهو ما يؤكده الواقع، حيث إن كورونا المستجد، هو الفيروس الوحيد في عائلة الفيروسات الشبيهة بالسارس (فيروسات ساربيك) المعروف بأنها تملك «موقع انشقاق الفورين».
وقال العالمان في مقالهما «من المثير للاهتمام، أن الشكل المحدد لـ(موقع انشقاق الفورين) الموجود في الفيروس (ثمانية أحماض أمينية مشفرة بواسطة 24 نيوكليوتيد) يتم مشاركته مع قناة صوديوم بشرية تمت دراستها في مختبرات الولايات المتحدة».
والسؤال الذي تدعم إجابته شكوك التخليق البيولوجي هو: لماذا التركيز على «موقع انشقاق الفورين»؟ يقول العالمان إن «موقع انشقاق الفورين، كان هدفا للأبحاث منذ عام 2006، بعد ظهور فيروس «سارس» في 2003 - 2004، حيث أدرك العلماء حينها أنه يحمل مفتاح العدوى والفسيولوجيا المرضية لهذه الفيروسات، وهو ما دفع الفريق الثلاثي من شركة (إيكو هيلث إيلانس) ومعهد ووهان لعلم الفيروسات وجامعة نورث كارولينا، إلى تقديم اقتراح إلى حكومة الولايات المتحدة في 2018 لدراسة تأثير إدخاله في الفيروسات الموجودة في الخفافيش التي تشبه كورونا».
- أبحاث بتكنولوجيا حيوية
وكشف العالمان عن مفاجأة، وهي أن نفس الفريق الثلاثي الذي تم رفض طلبه في 2018، أجرى «تجارب اكتساب وظيفة» مماثلة على فيروس كورونا آخر، وهو الفيروس الذي يسبب متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس)، بدعم من المعاهد الوطنية للصحة بأميركا. وتجارب اكتساب الوظيفة، هي مصطلح يستخدم لوصف أي مجال من مجالات البحث الطبي يغير الكائن الحي أو المرض بطريقة تزيد من التسبب في المرض، أو قابلية الانتقال، أو نطاق المضيف (أنواع العوائل التي يمكن أن تصيبها الكائنات الدقيقة)، ويكون بهدف التنبؤ بشكل أفضل بالأمراض المعدية المستجدة وتطوير اللقاحات والعلاجات.
ويضيف العالمان «مثل هذه التجارب دائما ما تثير الجدل، بسبب المخاوف من أنها قد تؤدي إلى تفشي عرضي، أو أن تقنيات إنشاء فيروسات جديدة قد ينتهي بها الأمر إلى اليد الخطأ، ومن المعقول التساؤل الآن عما إذا كان فيروس (كورونا المستجد) مدينا بقدراته الواسعة على العدوى والانتشار إلى هذا الجهد البحثي».
وخلص العالمان، إلى أنه إذا كانت الولايات المتحدة وجهت منذ بداية الوباء أوائل عام 2020، أصابع الاتهام إلى الصين، على خلفية أن أول حالات تمت ملاحظتها كانت في ووهان، فإن القصة الكاملة لتفشي المرض قد تتضمن دور أميركا في البحث عن فيروسات كورونا وفي مشاركة التكنولوجيا الحيوية الخاصة بها مع الآخرين في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الصين، بدليل التعاون الثلاثي الذي أشاره له العالمان، والذي يضم باحثين من معهد ووهان لعلم الفيروسات.
ولكن هل يدعم ما ذهب له العالمان الأميركيان في مقالهما «نظرية المؤامرة»، التي يحلو للبعض ترديدها عند الحديث عن التخليق المختبري للفيروس؟ حرص العالمان الأميركيان على التأكيد أنهما لا يميلان لـ«نظرية مؤامرة»، وقالا «لنكن واضحين تماماً، فإذا كان الفيروس مصدره المختبر، فمن المؤكد أن ذلك حدث بشكل عرضي في المسار الطبيعي للبحث، وربما لم يتم اكتشافه عبر العدوى بدون أعراض».
وأضافا «إذا كان الفيروس نتج بالفعل عن الأبحاث والتجارب المختبرية، فمن شبه المؤكد أنه تم إنشاؤه باستخدام التكنولوجيا الحيوية الأميركية، والدراية الفنية التي تم توفيرها لباحثين في الصين».


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

استراتيجيات علمية لتبني الذكاء الاصطناعي في الدول النامية

الذكاء الاصطناعي يحتل مكانة بارزة في النقاشات العالمية (رويترز)
الذكاء الاصطناعي يحتل مكانة بارزة في النقاشات العالمية (رويترز)
TT

استراتيجيات علمية لتبني الذكاء الاصطناعي في الدول النامية

الذكاء الاصطناعي يحتل مكانة بارزة في النقاشات العالمية (رويترز)
الذكاء الاصطناعي يحتل مكانة بارزة في النقاشات العالمية (رويترز)

يحتل الذكاء الاصطناعي حالياً مكانة بارزة في النقاشات العالمية؛ حيث يتم استكشاف مدى اعتماده وتأثيره الواسع على المنظمات والأعمال والمجتمع. ووفق تقرير صادر عن شركة «آي بي إم»، بلغ معدل تبني الذكاء الاصطناعي عالمياً 35 في المائة عام 2022، مسجلاً بذلك زيادة ملحوظة بمقدار 4 نقاط عن العام السابق.

تخلف الدول النامية

ورغم الإمكانات الهائلة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي لتحسين الخدمات الصحية، وتعزيز التعليم، ودعم أنظمة الطاقة، ورفع كفاءة الحوكمة، فإن البلدان ذات الدخل المنخفض لا تزال تعاني من نقص الأبحاث والتطبيقات المتاحة في هذا المجال.

وفي هذا السياق، سعى باحثون من الولايات المتحدة واليابان إلى وضع استراتيجيات تتيح لهذه الدول دمج الذكاء الاصطناعي بفاعلية في قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم والطاقة والحوكمة، مؤكدين أهمية تقليص الفجوة الرقمية لضمان وصول فوائد الذكاء الاصطناعي للجميع.

وأشار الباحثون، في دراستهم المنشورة بعدد 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2024 بدورية «Humanities and Social Sciences Communications» إلى العقبات الأساسية التي تواجه البلدان ذات الدخل المنخفض في الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، التي تشمل محدودية الوصول إلى التكنولوجيا، وضعف البنية التحتية، وقلة الكوادر المتخصصة، مشددين على أن هذه التحديات تعيق قدرة هذه الدول على توظيف الذكاء الاصطناعي بفاعلية لدعم التنمية المستدامة، ما يستدعي استراتيجيات تكاملية لمعالجة هذه الثغرات وتحقيق الاستفادة القصوى من إمكانات الذكاء الاصطناعي.

يقول الدكتور محمد سالار خان، أستاذ السياسات العامة في معهد روتشستر للتكنولوجيا بنيويورك، إن المضي قدماً في مجال الذكاء الاصطناعي ليس خياراً، بل ضرورة لهذه البلدان. ومن خلال تعزيز البنية الرقمية، وتدريب الكوادر البشرية، وتبني سياسات فعّالة؛ يمكن لهذه الدول الاستفادة من القدرات التحويلية للذكاء الاصطناعي لتحسين جودة الحياة لمواطنيها.

ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «على صانعي السياسات إدراك الدور المحوري للذكاء الاصطناعي في تحقيق التنمية العادلة، وإعطاء الأولوية للمبادرات التي تدعم دمجه في هذه البلدان، ومن خلال الجهود التعاونية، يمكن للمجتمع الدولي ضمان ألا تتخلف البلدان منخفضة الدخل عن ثورة الذكاء الاصطناعي».

استراتيجيات فعالة

تواجه الدول ذات الدخل المنخفض تحديات فريدة في اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي، ما يستدعي اقتراح استراتيجيات تتماشى مع احتياجاتها الخاصة. وفقاً لأستاذ السياسات العامة في معهد روتشستر للتكنولوجيا بنيويورك، يتطلب دمج الذكاء الاصطناعي في القطاعات الحيوية نهجاً متعدد الجوانب.

ووفق خان، تتمثل إحدى التوصيات الأساسية في تعزيز البحث والتطوير، من خلال دعم الجامعات والمؤسسات المحلية في إجراء أبحاث الذكاء الاصطناعي الموجهة إلى التحديات المحلية، وإنشاء مراكز ابتكار تركز على تطوير تقنيات مناسبة للصناعات المحلية. كما يُنصح بتوفير التمويل والموارد للشركات الناشئة المحلية المتخصصة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

وتشمل التوصيات أيضاً بناء أنظمة ذكاء اصطناعي متكاملة، عبر تطوير استراتيجية وطنية لتعزيز القدرات في هذا المجال، وإنشاء شبكات تعاونية بين الكيانات المحلية والمنظمات الدولية.

ونبه خان إلى ضرورة تشجيع مشاركة القطاع الخاص في استثمار تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تعالج القضايا المحلية، خاصة في مجالات الصحة والتعليم، وتنفيذ مشاريع تجريبية تُظهر التطبيقات العملية للذكاء الاصطناعي.

تقنيات تتناسب مع السياقات المحلية

وشدد خان على ضرورة ضمان وصول عادل للتكنولوجيا، مع التركيز على المساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات في هذا المجال، وتعزيز الاستقلال التكنولوجي عبر تطوير تقنيات تتناسب مع السياقات المحلية.

وأوصى خان بضرورة التعاون مع الدول المتقدمة للحصول على دعم في مجال نقل التكنولوجيا؛ حيث يمكن للبلدان ذات الاقتصاديات المتقدمة والمنظمات الدولية ذات الصلة مثل اليونيسكو، ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، والوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، والبنك الدولي؛ دعم هذه الدول في مساعيها من خلال نقل التكنولوجيا، وتقديم المنح، والمساعدات.

ونصح خان بضرورة تحسين الأطر السياسية من خلال وضع إرشادات تنظيمية واضحة، وإشراك جميع أصحاب المصلحة في عملية صنع القرار، لضمان وضع المبادئ التوجيهية واللوائح الأخلاقية التي تضمن تطوير ونشر الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول وعادل.

ومن خلال تنفيذ هذه التوصيات، يمكن للدول ذات الدخل المنخفض دمج الذكاء الاصطناعي بفاعلية، ما يعزز التنمية ويقلل الفجوات الحالية في اعتماد التكنولوجيا، على حد قول خان.