«عندما أخبرت أصدقائي وزملائي في المكتب أني مُتوجه إلى الكويت في رحلة سريعة استغربوا بشدة. كان أول سؤال وجهوه لي: كيف، ولماذا الكويت؟». هذا ما قاله عمران أميد خلال مؤتمر «عود فاشن توكس» الذي شهدته الكويت مؤخراً في محاولة جريئة منها لاستعادة مكانتها كأول عاصمة خليجية احتضنت الموضة العالمية.
كانت ردة فعل أصدقاء عمران، المؤسس والرئيس التنفيذي لـ«Fashion of The Business» مفهومة لحد كبير، لأن من لا يعرف تاريخ الكويت في مجال الموضة، إما سيستغرب وإما سيرد مبادرتها هذه إلى مجرد رغبة في دخول المنافسة أسوة بجاراتها دبي والسعودية وقطر. لكن الحقيقة «أعمق وأكبر من ذلك بكثير» حسب قول زينب عبد الرزاق، مؤسسة موقع «عود دوت كوم» وصاحبة فكرة المؤتمر. برأيها فإن الوقت آن لتصحيح الوضع ونفض الغبار عن علاقة يعود تاريخها إلى تسعينات القرن الماضي بين الكويت والموضة.
صورة تجمع عمران أميد مع إيلي صعب جونيور وزينب عبد الرزاق وكريستينا مراد صعب
كان المؤتمر أول حدث من نوعه في مجال الموضة. ويمكن القول إنه محاولة جادة لكي تستعيد الكويت مكانتها كبلد مُتذوق للموضة من منظورها الفني وليس كمجرد أداة لاستعراض أسماء عالمية، الأمر الذي أكده حضور الندوات وحفلات العشاء التي أُقيمت بالمناسبة. كانت الأزياء خالية من أي «لوغو» وزخرفات مبالغ فيها. في المقابل كانت في غاية الحداثة والأناقة التي تعبّر عن ذوق خاص توارثته البنات عن الأمهات والجدات، ولا يتبع إملاءات الموضة بشكل أعمى. فهنا دخلت إلى منطقة الخليج العربي، ولأول مرة، ماركات لم تكن معروفة في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي وجريئة في تصاميمها مثل «كوم دي غارسون» اليابانية ويوجي ماماموتو وغيرهما. الفضل يعود إلى تمتُّع رواد مثل نجلاء معتوق مؤسِّسة محلات «الأسطورة» برؤية مستقبلية وواثقة تستشعر الموضة الرفيعة والمتميزة حتى قبل أن يشتهر اسم المصمم في أوروبا وأميركا. لكن مع مرور الوقت، تحولت الكويت إلى مجرد مشاهد يتابع النهضة التي تشهدها جاراتها في مجال هي بدأته ولا تزال تعشقه، من دون أن تكون فاعلة فيه، وفي عيون الغرب لا تتعدى كونها قوة شرائية هائلة. كل هذا سيتغير حسب قول زينب، مضيفة أن «الغرض في هذه المرحلة من المحادثات والندوات التي شهدتها الدورة الأولى من فعالية (عود فاشن توكس OUD FASHION TALKS) هو تسليط الضوء على تاريخ غني بالأناقة وربط جسر بين مصمميها الشباب والعالم». فالمؤتمر بالنسبة لها ما هو إلا بداية لتحقيق طموحات كبيرة تستهدف كخطوة أولية «الاستثمار في المبدعين المحليين على أمل التعريف بهم عالمياً بالإضافة إلى وضع حجر الأساس لبنية تحتية مستدامة». تبدو زينب واثقة وهي تقول إن الكويت أصبحت جاهزة للاستثمار في هذا المجال. دليلها أنها عندما عرضت مشروعها على الشركات الممولة لم تتردد أي واحدة منها عن تقديم الدعم، بدءاً من «مجموعة التمدين» و«مجموعة زين» و«بنك الخليج» و«علي الغانم وأولاده»، هذا عدا عن تلقيها تسهيلات لا تقدّر بثمن منها توفير «مركز جابر الأحمد الثقافي» لاحتضان هذه الفعالية من دون مقابل.
حقائب بخامات مستدامة من المصممة هيا العبد الكريم
في هذا المركز، وكمن يكتشفون كنزاً مطموراً تتوضح معالمه مع كل متحدث ونقاش، جلس الحضور وهم يستمعون لسلسلة من الندوات تناولت مواضيع الاستدامة والأهداف المستقبلية لمشاريع بعيدة المدى، وأيضاً لتجارب رواد شكّلوا مشهد الموضة في العالم وفي المنطقة على حد سواء، مثل عمران أميد، ونجلاء معتوق مؤسسة محلات «الأسطورة»، ورشاد طبيعات مؤسس محلات «العثمان»، إلى جانب إيلي صعب جونيور الذي تحدث عن أهمية السوق الكويتية والتطورات التي تشهدها دار «إيلي صعب» ومجموعة «شلهوب» التي تتبنى الاستدامة في استراتيجياتها وأقسامها المختلفة.
ما يُحسب للمشرفين على الفعالية إدراكهم أن المنافسة شرسة، لهذا لجأوا إلى عمران أميد كسلاح قوي لإيصال رسالة يعلنون فيها للعالم مدى جديتهم في بناء نظام موضة متماسك ومُستدام. لم يُفكروا بخلق فرقعة إعلامية آنيّة بدعوة مشاهير، سواء كانوا نجوماً أو عارضات أزياء. كانوا أذكى من ذلك بكثير بدعوتهم لعمران أميد، كضيف رئيسي. فهو شخصية أينما توجهت وحطّت الرحال، توجهت أنظار صناع الموضة والقرارات وزادت التفاعلات والتوقعات. حضوره كان كفيلاً بأن يستوقف كل من له علاقة بعالم الرفاهية من قريب أو بعيد ليتابع ما يحدث في الكويت وما يمكن أن يتمخض عن حضوره فيها من جديد وتعاونات مستقبلية.
من أعمال المصممة الشابة بزة الزومان
فخلال ستة أيام وعلى الساعة السادسة صباحاً تقريباً من كل يوم، ينتظر نصف مليون مُشترك من المصممين والرؤساء التنفيذيين وأصحاب القرارات في صناعة الموضة، رسالة منه عبر الإيميل تنبئهم بآخر الأخبار ومستجدات الموضة تتداولها الصحف وباقي المواقع فيما بعد، هذا عدا عن ملايين المشتركين من المهتمين بالموضة. فعلى موقعه «bof» مثلاً أعلنت العارضة كايت موس خبر إطلاقها وكالة أزياء خاصة بها، وهنا أيضاً سمعنا أول مرة خبر خروج فيبي فيلو من «سيلين»، وما شابه من أخبار طارئة وحصرية، من دون أن ننسى تصريح المصممة أنيا هندمارش لمجلة «فوغ» بأن أول ما تقوم به عندما تستيقظ صباحاً أنها تقرأ ما يُنشر على موقع «بيزنيس أوف فاشن» مضيفة: «أخجل أن أقول حتى قبل أن أرى وأطمئن على أطفالي».
في عام 2016 أطلق عمران مبادرة «فويسز VOICES» التي يمكن عدّها منافسة لمؤتمر «تيد TED» يستشعر فيها التغيرات التي ستشهدها الموضة في السنوات المقبلة من خلال دراسات وأبحاث بشراكة مع «ماكنزي آند كو»، ويشارك فيها فاعلون ومؤثرون من مجالات مختلفة. فالموضة كما صرح لـ«الشرق الأوسط» منذ سنوات، خلال المؤتمر، لا تعيش في بُرج عاجي، بل هي جزء من الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهو ما تُعبر عنه الأصوات المتنوعة التي يحرص على استضافتها كل سنة في «سوهو هاوس».
«OUD FASHON TALKS» قد يكون صغيراً وفي بداياته، إلا أن طموحاته على ما يبدو كبيرة. والرسالة التي نجح في إيصالها إلى عالم الموضة في دورته الأولى، هي أن الكويت كانت بالأمس أول حاضنة للموضة العالمية في المنطقة واليوم هي حاضنة جادة لمصممين مبدعين في مجال الاستدامة من أمثال بزة الزومان وفواز الياقوت وحمسة وآمنة السالم وهيا العبد الكريم وآخرين.
عمران أميد يتحدث عن مسيرته وانطباعاته عن صناعة الموضة
من انطباعات عمران أميد عن الكويت
> رغم كثرة أسفار عمران أميد وتنقلاته حول العالم، لم تكن الكويت يوماً من ضمن أولوياته، بل من الصعب أن يفكر في زيارتها من تلقاء نفسه، لأنها إلى الآن كانت خارج لعبة الموضة. لكنه وافق عند تلقيه الدعوة. جوابه عن سؤال: «كيف ولماذا الكويت، وهو الذي يتلقى دعوات من كل صوب؟» لخصه في كلمة واحدة: «الفضول».
فقد كان يجهل الكثير من التفاصيل عن المنطقة وفي الوقت نفسه يسمع الكثير عن أهميتها بالنسبة لصناع الترف والموضة، لا سيما في الوقت الحالي، حيث تشهد منطقة الشرق الأوسط ككل انتعاشاً اقتصادياً مقارنةً بباقي العالم، حيث لا تزال تبعات جائحة «كورونا» تخيّم على الأجواء فضلاً عن تأثيرات الحرب على أوكرانيا وارتفاع أسعار البترول. رغبة اكتشاف منطقة جديدة تماماً بعد سنوات من القيود كانت الفتيل الذي أشعل هذا الفضول، وما يُحسب له أنه لم يحضر بأي أفكار مُسبقة، ليس لأنه يعرف أن لكل منطقة خصوصيتها واختلافاتها الثقافية فحسب بل لأنه هو نفسه ينتمي إلى ثقافات متنوعة ويؤمن بالتنوع والاختلاف. فهو ينحدر من أصول هندية لأبوين عاشا في أفريقيا قبل أن يهاجرا إلى كندا حيث وُلد وشبّ. عندما أسأله عن انطباعاته عن هذه الزيارة، لا يُخفي أن الكويت فاجأته بحماس مصمميها الشباب وإلمام زبائنهم بتفاصيل الموضة وذوقهم. أثاره تحديداً مدى اهتمامهم بمفهوم الاستدامة واعتزازهم بهويتهم. لكنه أيضاً لاحظ أنهم لا يختلفون عن غيرهم من المصممين الشباب الحالمين بالعالمية. يقول: «طبيعي أن يطمح أي مصمم أياً كانت جنسيته إلى ذلك، فالمبدعون لا يولدون فقط في باريس أو ميلان وغيرهما من عواصم الموضة، لكن السعي لنيل رضا ومباركة الغرب قبل أن يُرسخوا مكانتهم في بلدانهم، من الأخطاء التي أرى البعض يقعون فيها سواء كانوا من الهند والصين أو من منطقة الشرق الأوسط. أعتقد أن الوصفة الناجحة تبدأ دائماً بإبداع تصاميم مبتكرة وترسيخ أسلوب جديد مع التركيز على السوق المحلية، إذ ليست هناك دار عالمية ستفهم الزبون الكويتي مثلاً أكثر من ابن البلد الذي تشبّع بثقافتها ويعرف تقاليدها وأسرارها وأسلوب حياة ناسها».