بعد يومين من المفاوضات الماراثونية بين مندوبي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لوضع اللمسات الأخيرة والاتفاق على التفاصيل العملية لحزمة العقوبات السادسة التي أقرّتها القمة الأخيرة ضد روسيا، وفي طليعتها الحظر الجزئي والتدريجي للنفط الروسي، فاجأت المفوضية أمس (الجمعة) عند إعلانها النص النهائي للحزمة الجديدة بسقوط اسم بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية كيريل من قائمة الشخصيات الخاضعة لهذه العقوبات بعد أن كان مدرجاً عليها، وعلى رغم إصرار كييف الشديد على إدراجه.
وأفادت مصادر دبلوماسية إلى «الشرق الأوسط»، بأن المجر أصرّت في اللحظات الأخيرة من المفاوضات على حذف اسم كيريل من قائمة العقوبات، وهدّدت بنقض الاتفاق في حال إبقائه على القائمة لاعتباره «أكثر من مجرد زعيم روحي». وقالت المصادر، إن ثمّة شكوكاً حول وقوف الرئاسة الفرنسية بشكل غير مباشر وراء هذه الخطوة التي وُضعت في خانة بودابست، وذلك ضمن السياق الذي كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حدّده منذ فترة بقوله «ليس المطلوب إذلال روسيا». ويؤكد الذين رافقوا المشاورات الجانبية في القمة الأوروبية الأخيرة مطلع هذا الأسبوع، أن رئيس الوزراء المجري فكتور أوربان حرص على إقصاء كيريل من حزمة العقوبات الجديدة «مهما كان الثمن»، وأن الرئيس الفرنسي والمستشار الألماني لم يبديا اعتراضهما على ذلك. لكن من هي هذه الشخصية التي يجمع المراقبون على أنها الحليف الأقرب والأقوى للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورافعته الشعبية الأساسية في الحرب التي أعلنها على أوكرانيا؟
عندما كان المجمع الأرثوذكسي منعقداً أواخر يناير (كانون الثاني) 2009 لانتخاب بطريرك موسكو وعموم روسيا، وصفت وسائل الإعلام المعارضة كيريل بأنه «مرشح السلطة». ومنذ اليوم الأول لانتخابه، بدأ بتحويل الكنيسة الروسية إلى ماكينة سياسية – دينية في خدمة فلاديمير بوتين الذي قال عنه كيريل، إنه «معجزة إلهيّة» نزلت على روسيا بعد الأزمة التي نشأت عن انهيار الاتحاد السوفياتي في تسعينات القرن الماضي.
يعود الفضل إلى كيريل في إحياء المفهوم البيزنطي «سيمفونيّا» الذي يقوم على التكامل والتكافل التام بين الدولة والكنيسة، وهو الذي كان سبّاقاً دائماً إلى تبريك الحروب «المقدّسة» التي كان يشنّها الرئيس الروسي في سوريا، أو «العملية العسكرية الخاصة» في أوكرانيا. وهو لم يتردد في وصف الدول التي صنّفها الكرملين «معادية» بأنها «قوى الشر»، داعياً الروس إلى الالتفاف حول قائدهم لمحاربة «أعداء الخارج والداخل».
وُلد كيريل، مثل بوتين، في سانت بطرسبورغ (لينينغراد سابقاً) والتحق بالمعهد الإكليريكي في التاسعة عشرة من عمره، ليصبح رئيساً لدائرة العلاقات الخارجية وهو ما زال في الثانية والأربعين؛ الأمر الذي رأى فيه كثيرون يد المخابرات الروسية (كي جي بي) التي كانت منصّة فلاديمير بوتين للوصول إلى الكرملين. في تلك الفترة، أُطلق على كيريل لقب «متروبوليت التبغ» بسبب ما كان يدور من حديث عن متاجرته بالتبغ الذي كانت الكنيسة معفاة من الضرائب المفروضة عليه، وجنيه ثروة طائلة من وراء ذلك. وشاعت صور له يحمل ساعات باهظة الثمن، أو مشاركاً في حفلات على يخوت فاخرة.
وعندما خلف كيريل البطريرك ألكسيو الثاني الذي كان أعاد بناء الكنيسة الروسية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، أعلن أن الحركات النسائية تشكّل خطراً داهماً على المجتمع. ومع وصوله إلى سدّة البطريركية، تماهى كيريل مع الكرملين في الدفاع عن الهوية القومية والقيم المحافظة ضد الليبرالية الغربية. وبعد أن رسّخ تحالفه مع بوتين مباركاً التعديل الدستوري الذي يتيح للرئيس الروسي أن يبقى في السلطة حتى العام 2036، راح يروّج لفكرة أن بيلاروسيا وأوكرانيا بلدان شقيقان يفترض بقاؤهما تحت عباءة موسكو وليس كدولتين منفصلتين عنها، مشدّداً دائماً على فكرة «العالم الروسي» Russkij Mir الذي يقوم مركزه السياسي في موسكو ومهده الروحي في كييف. ويعتبر كيريل أن الحضارة الروسية شهدت النور في كييف مع عمادة الأمير فلاديمير الأول عام 988، وأن أوكرانيا ما كان يجب أن تنفصل عن الأم الروسية أبداً.
اعتراض المجر يُسقِط البطريرك الروسي من قائمة العقوبات الأوروبية
كيريل وصف بوتين بـ«معجزة إلهيّة» ودعم حرب أوكرانيا
اعتراض المجر يُسقِط البطريرك الروسي من قائمة العقوبات الأوروبية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة