عشية أول اجتماع لقادة «كواد» في العاصمة اليابانية طوكيو حضره رئيس وزراء أستراليا الجديد أنطوني ألبانيزي، قال الأخير إن احتمالات التقارب مع الصين ضئيلة في المستقبل القريب، وإن «العلاقات مع الصين ستبقى صعبة». وجاء هذا الموقف رغم تفاؤل بكين بحتمية تحسن العلاقات المتوترة مع كانبرا في أعقاب هزيمة سكوت موريسون المحافظة وتولي حزب العمال الحكم. وهنا نشير إلى توتر العلاقات بكين وكانبرا في السنوات الأخيرة. وعام 2020 دعت الحكومة الأسترالية إلى إجراء تحقيق في أصل فيروس «كوفيد - 19»، وردت السلطات الصينية بفرض عقوبات على بعض الصادرات الأسترالية؛ مثل لحوم البقر والشعير.
ومع أن ألبانيزي لمح إلى نهج عام أقل عدائية تجاه بكين، قائلا إنه رغم أنه سيضع دائما المصالح والقيم الوطنية لأستراليا في المقام الأول، فهو لن يسيس الأمن القومي، فإنه أوضح في هذا السياق بشكل حاسم أنه سيكون «متوافقاً تماماً» مع سياسات رئيس الوزراء السابق إزاء الصين.
من ناحية أخرى، قال ألبانيزي إن حكومته قد تتطلع أيضا إلى تغيير الديناميكية في جنوب المحيط الهادي. وكان حزب العمال الذي يتزعمه قد وصف الاتفاق الأمني الجديد بين الصين وجزر سليمان بأنه «أسوأ فشل في السياسة الخارجية لأستراليا في المحيط الهادي منذ الحرب العالمية الثانية» لأنه يمكن أن يضع قاعدة عسكرية صينية في منطقة تعتبرها كانبيرا تقليديا مجال نفوذها. وألقى باللوم على سلفه موريسون في «تضرر سلسلة كاملة من العلاقات الدولية لأستراليا».
أما حول العلاقات بين كانبرا وواشنطن، قال ألبانيزي: «أستراليا حليف وثيق للولايات المتحدة، ولا يتوقع لهذا الحال أن يتغير. وسيسير رئيس وزرائها على خطى العديد من قادة حزب العمال السابقين، وسيكون صديقا جيدا للولايات المتحدة». ثم أردف «إن حكومتي ملتزمة بالعمل مع بلدانكم. وتعطي الحكومة الأسترالية الجديدة الأولوية لاتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ وبناء منطقة المحيطين الهندي والهادي بشكل أكثر مرونة من خلال الأمن الاقتصادي والإلكتروني والطاقة والصحة والأمن البيئي. سنوفر المزيد من الموارد والطاقات لتأمين منطقتنا مع دخولنا مرحلة جديدة وأكثر تعقيداً في البيئة الاستراتيجية للمحيط الهادي. وسنواصل الوقوف معكم ومع أصدقائنا الذين يشاركوننا التفكير نفسه والوقوف كلنا بعضنا مع بعض». وفي سياق متصل، اتهم ألبانيزي سلفه موريسون بأنه ضلل واشنطن بالقول إن خطة سرية لتزويد أستراليا بأسطول من الغواصات المزودة بتكنولوجيا نووية أميركية قد حظيت بدعم حزب العمال (الذي يرأسه ألبانيزي).
كذلك اتهم سلفه موريسون بتسريب رسائل نصية شخصية لوسائل الإعلام من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للإساءة إلى الأخير الذي شكا من أن أستراليا لم تصدر أي تحذير بإلغاء عقد توريد غواصات فرنسية.
وأما على الصعيد البيئي، فقد تعهد رئيس الوزراء الأسترالي الجديد في قمة «كواد» بتحسين سمعة أستراليا الدولية السيئة بكونها بطيئة في حركة تغير المناخ، وقال إنه يخطط لتقليل انبعاثات غازات الانحباس الحراري بشكل أقوى. ويذكر أنه في السنوات الأخيرة، كانت صور غابات الأوكاليبتوس (الكينا) المشتعلة والمدن التي يلفها الضباب الدخاني والشعاب المرجانية المحطمة سببا لجعل أستراليا هدفا لجهود التصدي لتغير المناخ عالميا. وتحت القيادة السابقة المحافظة، صارت أستراليا بالفعل واحدة من أكبر مصدري الغاز والفحم في العالم، وهو ما كان أشبه بعنصر فساد في مباحثات المناخ الدولية.
وحول هذا الأمر، تعهد ألبانيزي بإعادة تأهيل سمعة أستراليا الدولية باعتبارها متخلفة عن جهود تغير المناخ، وتعهد بتقليص انبعاثات الغازات الدفيئة وجعل هذه الدولة المشمسة قوة عظمى في مجال الطاقة المتجددة وتنفيذ تخفيضات أكثر حدة لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
وفيما يخص الشأن المحلي، قال ألبانيزي إن أستراليا تواجه رياحا اقتصادية معاكسة كبيرة، وتحول انتباهه إلى الشؤون الداخلية بعد الأيام القليلة الأولى في المنصب الذي يهيمن عليه الأمن الدولي. ومما قاله في تصريح لتلفزيون إيه بي سي: «أريد اقتصادا يعمل لصالح الناس وليس العكس». كما أكد على برامج مثل الدعم المالي لمشتري المنازل لأول مرة الذين يتعاملون مع الارتفاع الصارخ في أسعار المساكن وركود نمو الأجور. كما وعد الوالدين العاملين بتوفير رعاية منخفضة التكلفة للأطفال وتحسين الرعاية المنزلية لكبار السن.
عودة إلى قمة «كواد»، فإن أستراليا انضمت إلى دول في حوض المحيطين الهادي والهندي مثل بروناي، والهند، وإندونيسيا، واليابان، وكوريا الجنوبية، وماليزيا، ونيوزيلندا، والفلبين، وسنغافورة، وتايلاند، وفيتنام في مبادرة «جو بايدن الاقتصادية لدول المحيطين الهندي والهادي». وهذه المبادرة تعتبر بديلا لقرار واشنطن الانسحاب من مؤتمر «الشراكة الشاملة والمتقدمة لدول المحيط الهادي»، وهي اتفاقية للتجارة الحرة الإقليمية تضم 11 دولة من الدول المطلة على المحيط الهادي. وتشمل مبادرة بايدن «ركائز» التجارة وتهدف إلى تحقيق مرونة في سلسلة التوريد، والطاقة النظيفة، ومكافحة الفساد، لكنها لا ترقى إلى مستوى تسهيل الوصول إلى أسواق الولايات المتحدة. وللعلم، رغم حضور قادة أربع دول شخصياً في طوكيو، فقد انضم الآخرون عبر الإنترنت. ثم إن المنطقة التي تمثل 60 في المائة من سكان العالم و40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي تعد بمثابة نقطة ارتكاز للجغرافيا السياسية والاقتصادية الجيوسياسية المستقبلية. ويمكن اعتبار إطلاق الحدث استجابة للشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة التي تقودها الصين.
«أستراليا ألبانيزي»... وموقعها في السياسة الدولية
«أستراليا ألبانيزي»... وموقعها في السياسة الدولية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة