هل يستحق رئيس تلفزيون «ديسكفري» 13 مليون دولار شهريًا؟

زاسلاف جدَّد عقده مع الشركة ليظل رئيسًا لأربع سنوات أخرى

دافيد زاسلاف رئيس شركة «ديسكفري» التلفزيونية
دافيد زاسلاف رئيس شركة «ديسكفري» التلفزيونية
TT

هل يستحق رئيس تلفزيون «ديسكفري» 13 مليون دولار شهريًا؟

دافيد زاسلاف رئيس شركة «ديسكفري» التلفزيونية
دافيد زاسلاف رئيس شركة «ديسكفري» التلفزيونية

في الأسبوع الماضي، نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» قائمة أعلى دخول في العام الماضي لرؤساء الشركات في الولايات المتحدة، وجاء ديفيد زاسلاف، رئيس شركة «ديسكفري» التلفزيونية، في أعلى القائمة: 156 مليون دولار (13 مليون دولار تقريبًا في الشهر). لكنه تسلَّم جزءًا كبيرًا من هذا المبلغ في صورة أسهم في الشركة، بالإضافة إلى طائرة خاصة تدفع الشركة نفقاتها.
لم تكن صدفة أن زاسلاف، في العام الماضي، جدَّد عقده مع الشركة ليظل رئيسًا لأربع سنوات أخرى. وبالتالي، سيكون رئيسًا منذ عام 2007 (جملة 12 عامًا، جعلته واحدًا من أكثر رؤساء الشركات الأميركية بقاء في مناصبهم).
هل يستحق زاسلاف كل هذه الأموال والميزات؟
حسب صحيفة «نيويورك تايمز»، إنه «واحد من رؤساء شركات قلائل يزيد دخلهم مع زيادة أرباح شركاتهم. يوجد كثيرون غيره تزيد دخولهم بينما شركاتهم لا تربح، إن لم تخسر».
في عام 2007، حصل زاسلاف على منصبه الحالي. وحتى العام الماضي، حقق الآتي:
أولاً: ارتفعت قيمة شركة «ديسكفري» في «وول ستريت» (شارع المال في نيويورك) من خمسة إلى عشرين مليار دولار.
ثانيًا: ارتفع عدد مشاهدي قنوات الشركة (أكثر من مائة قناة) من 280 مليون مشاهد إلى مليار ونصف مليار مشاهد، في قرابة مائتي دولة.
ثالثًا: كان دخل الشركة في ذلك العام ثلاثة مليارات دولار، وارتفع في العام الماضي إلى ثمانية مليارات دولار.
لهذا، بعد سؤال هل يستحق زاسلوف ملايينه، يظهر سؤال: ما هو سر نجاحه؟
في مقابلة في واحدة من قنواته، لم يتبجح زاسلوف. وأشاد بجيوش الصحافيين، والفنيين، والموظفين الذين يعملون في شركته.
ويمكن القول إن الشركة تستحق هذه الأرباح بسبب إبداعاتها (بصرف النظر عن دخل رئيسها العملاق).
تأسست عام 1985، وتبث أكثر من مائة قناة على ثلاثين شبكة تلفزيونية، بأكثر من ثلاثين لغة، في أكثر من 170 دولة لمليار ونصف مليار مشاهد في جميع أنحاء العالم. ورغم أن أغلبية برامج هذه القنوات والشبكات باللغة الإنجليزية، توجد لغات أخرى، في أماكن مثل: أميركا اللاتينية، واليابان، وتايوان، والهند. وفي الشرق الأوسط: شركة الترجمة والتوزيع «إس دي آي ميديا ميدل إيست»، التي تبث على القمرين الفضائيين «نايل سات» و«عرب سات»، عن طريق شبكة «أوروبت».
من أهم قنوات «ديسكفري»:
«ديسكفري وورلد»: اكتشافات واختراعات، واستكشافات.
«ديسكفري ساينس»: بحوث علمية وتكنولوجية.
«أنيمال بلانيت»: (كوكب الحيوانات): علوم، ودراسات، وحماية البيئة.
«بيوند تومورو» (ما وراء الغد): أحدث التقنيات التي تم التوصل إليها، وتطبيقاتها.
«إكستريم انجنيرينغ» (الهندسة القصوى): إنشاءات ومشروعات هندسية عملاقة تختبر أقصى قدرات الهندسة.
«إكستريم ماشينز» (الآلات القصوى): كيف تصنع وتعمل الآلات الأكثر تعقيدًا لخدمة البشرية.
«برينياك سيانس» (الهوس الدماغي): برنامج تسلية عن مواضيع وتجارب عملية.
«هاو ميد» (كيف تصنع الأشياء): ما حولنا من اختراعات وأشياء، ونحن لا نعرف كيف تعمل.
«تايم راب» (تجميد الزمن): تصوير الأحداث تحدث في أجزاء من الثانية، وبكاميرات تصل سرعتها إلى 7 آلاف صورة في الثانية، تستكشف عالمًا جديدًا لم تره من قبل.
بالإضافة إلى هذه القنوات، تضم شركة «ديسكفري» شبكات أخرى، منها شبكة «أو دبليو إن» (شبكة أوفرا وينفري، الناجحة جدًا). وشبكة «تي دي سي» (التي تقدم مسلسلات ناجحة، مثل العائلة التي تتكون من 19 ولدًا وبنتًا).
يظل زاسلاف يدافع عن دخله العملاق. ويقول إنه بسبب النجاحات التي حققها. لكنه، في مقابلات مع صحافيين، لم يقل لماذا ارتفع دخله، وسجل هذا الرقم القياسي، بينما تفصل الشركة موظفين وعمالاً من وقت لآخر.
لهذا، يوجد من ينتقد زاسلاف، ليس لأنه نجح، ولكن لأنه لم يتقاسم ثروة نجاحه بصورة عادلة:
كتب مارك بلوتكين، كاتب عمود في صحيفة «ذا هيل» التي تهتم بشؤون الكونغرس في واشنطن: «يمثل زاسلاف ظاهرة مؤسفة في نظامنا الرأسمالي. يساوي دخله دخل أصغر موظف في شركته خمسمائة مرة. المتوسط هو ثلاثمائة مرة. كيف يعمل الصحافيون والإداريون والفنيون في شركة زاسلاف، وكيف يشقون ويعرقون ويخلصون وهم يعرفون أن شخصًا واحدًا فقط ينال أضعاف ما ينالون من نتائج نجاح هذا الشقاء والعرق والإخلاص؟».
وكتب جاك ديكي، كات عمود في مجلة «تايم»: «في السابعة صباحًا، قبل يوم عمل طويل، يجلس مرتاحًا ومطمئنًا، وهو يحتسي قهوة فرنسية، ثم قطعًا من فاكهة (غريب فروت)، قدمها له الخادم الخاص. وذلك بعد أن كان في أسفل منزله، حيث قاعة ألعاب رياضية شبه أولمبية. وحيث أجرى تمارين الصباح.. تنبعث منه الثقة بالنفس، إن ليس الإثارة والروعة».
هذا وصف بطل مسلسل تلفزيوني تقدمه قناة «ديسكفري» لكن، قصد الكاتب زاسلاف، رئيس شركة «ديسكفري».
وكتب ديفيد هورسي، كاتب عمود في صحيفة «لوس أنجليس تايمز»: «كم من المال يجعلك تحس بأن الشركة التي تعمل فيها تقدر عملك تقديرًا حقيقيًا؟ أنا أستمتع بعملي إلى درجة الإحساس بأني يجب أن أعمل من دون مقابل، وأنني لا أستحق راتبي المتواضع. لكن، لا بأس إذا ارتفع دخلي إلى نصف دولار في العام (أربعون ألف دولار في الشهر تقريبًا)».
في كل الحالات، تستمر قنوات «ديسكفري» في نجاح بعد نجاح.



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.