«تَدمُر».. مملكة زنوبيا في قبضة «داعش»

عندما اعتلت ملكتها الشهيرة العرش كانت تطمح في أن تصبح ذات يوم إمبراطورة على روما

تدمر.. مدينة الحضارة والتاريخ أمام المصير المجهول
تدمر.. مدينة الحضارة والتاريخ أمام المصير المجهول
TT

«تَدمُر».. مملكة زنوبيا في قبضة «داعش»

تدمر.. مدينة الحضارة والتاريخ أمام المصير المجهول
تدمر.. مدينة الحضارة والتاريخ أمام المصير المجهول

بسقوط مـدينة تدمر السورية الأثرية في يد «داعش» يكون التنظيم المتطرف قد احتل وأخذ يهدد أحد أبرز الكنوز العالمية التاريخية، حيث إن موقع تدمر مَعلَم أثري يلخص تاريخ حضارة تعود إلى أكثر من 30 قرنا من الزمن في المنطقة.. وإرث مملكة سادت ونافست روما في سلطانها.
وكان اسم «تدمر» قد ظهر للمرة الأولى على مخطوطة يعود تاريخها إلى القرن الـ19 قبل الميلاد.. عندما كانت نقطة عبور للقوافل بين الخليج والبحر المتوسط وإحدى محطات طريق الحرير. ومن ثم، حظيت تدمُر بألقاب عدة منها «لؤلؤة الصحراء» و«عروس البادية»، واقترن اسمها بملكتها العربية زنوبيا - أو الزّباء (بالعربية) - التي طمحت ذات يوم في أن تصبح إمبراطورة على روما.
تَدمُر، مدينة الحضارة والتاريخ، ينبهر العالم بتاريخها وصروحها المعمارية إلا أن رمزية تدمر – التي تُعرف في الغرب باسم «بالميرا» Palmyra أي «الجميلة» أو «الأعجوبة» – في سوريا ولبنان كانت خلال العقود الأخيرة سلبية جدا، إذ ارتبطت في أذهان كثير من السوريين واللبنانيين بمجرد سماع اسمها بسجنها الصحراوي المُرعب، الذي تروى عنه قصص تعذيب وتنكيل فظيعة. اليوم، تدمر أمام مصير مجهول، بعدما وقعت بشكل شبه كامل بيد تنظيم داعش.
ولدى النظر إلى سوابق التنظيم المتطرّف مع المواقع الأثرية التي سبق له أن احتلها وأمعن فيها تدميرا، فإن ثمة مخاوف كبرى على مصير موقع «المدينة الأثرية» المُدرجة على «قائمة التراث العالمي» لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) في تدمر، سواءً من أعمال التدمير أو النهب في الموقع نفسه، أو في متحف المدينة. ويذكر أن «داعش» دمر وأتلف ونهب خلال الأشهر الماضية عددا من المواقع والمدن الأثرية – وبخاصة الآشورية – في شمال العراق وشمال شرقيه، منها آثار مدينتي النمرود والحضر، وكذلك متحف الموصل بمدينة الموصل حاضرة شمال العراق، مما أثار موجة من الإدانة والاستنكار من قبل المنظمات الأممية المهتمة بالآثار.
عودة إلى «مدينة تدمر الأثرية»، فإنها تشتهر خصوصا بأعمدتها الرومانية (أكثر من ألف عمود) ومعابدها ومدافنها الملكية، وأهم المباني التي تجتذب الأنظار: القلعة الأثرية الشهيرة والمعابد، منها «الإله بل» و«بعلشمين» و«نبو» و«اللات» و«ارصو»، إلى جانب «الشارع الطويل» وقوس النصر والحمامات ومجلس الشيوخ، والسوق العامة، ووادي القبور، والمدافن البرجية، كما يوجد في مدينة تدمر متحف كبير يضم آثارا تعود لأكثر من 30 قرنا من الزمن.
ويقع الموقع الأثري في الجزء الجنوبي الغربي من المدينة العصرية، ويعد أحد ستة مواقع سورية أدرجتها «اليونيسكو» على قائمتها للتراث العالمي.
ولعل أبرز خصائص فن العمارة التدمري تكمن في عمارة المدافن التي تميّزت بفخامتها وجمال تصميمها وبمحتواها الغني بالتحف والتصوير، مما يبعدها عن رهبة المقابر ويقرّبها من أماكن الاستقبال، إذ إن الموتى كانوا يوضعون فوق أسرة جنائزية تغطى بجدران وسقوف حجرية. أما مدخل المدفن فهو مغلق بباب حجري سهل التحريك. والمدافن التدمرية على أشكال عديدة، أشهرها البرجية، وليس لها نظير في العمارة الرومانية.
جغرافيا، تتوسّط تدمر، التي تبعد مسافة 210 كم شمال شرقي العاصمة السورية دمشق ويمر فيها الطريق الرئيسي من العاصمة إلى محافظتي الحسكة ودير الزور، «بادية الشام» أو الصحراء السورية. وظهر اسمها للمرة الأولى - كما سبقت الإشارة - على مخطوطة يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر قبل الميلاد، عندما كانت نقطة عبور للقوافل بين الخليج والبحر المتوسط وإحدى محطّات «طريق الحرير». بل وتذكر وثائق تاريخية أن الكنعانيين والعموريين والآراميين سكنوها منذ 30 قرنا قبل الميلاد، وهم الذين أعطوها اسمها «تدمر».
وقبل اندلاع النزاع السوري في منتصف مارس (آذار) 2011، شكّلت تدمر وجهة سياحية بارزة، إذ كان يقصدها أكثر من 150 ألف سائح سنويا لمشاهدة آثارها، ولقد تعرض بعضها للنهب أخيرا. وأدت الاشتباكات التي اندلعت بين قوات النظام وفصائل المعارضة خلال الفترة الممتدة بين فبراير (شباط) وسبتمبر (أيلول) 2013 في «المدينة الأثرية» إلى انهيار بعض الأعمدة ذات التيجان الكورنثية. وللعلم، يبلغ عدد سكان مدينة تدمر - قبل أن يدخلها «داعش» - وفق طلال البرازي، محافظ حمص، أكثر من 35 ألف نسمة بينهم نحو تسعة آلاف نزحوا إليها خلال السنوات الأربع الماضية، بعد تفجر الثورة السورية. ولكن «المرصد السوري لحقوق الإنسان» قدّر أخيرا أنه يقطن تدمر ومحيطها أكثر من مائة ألف سوري بينهم نازحون.
وحول القلق من المصير الذي يتهدّد تدمر، قال مأمون عبد الكريم، المدير العام للمتاحف والآثار السورية، بعدما بدأ «داعش» يتقدم داخل الأطراف الشمالية من المدينة «أعيش حالة رعب.. حجم الخسارة إذا سقطت تدمر بيد (داعش) سيكون أسوأ من سقوط المدينة في عهد الملكة زنوبيا»، في إشارة إلى مراحل تاريخية سابقة حين تمكن الرومان من السيطرة على تدمر، ثم اقتادوا ملكتها زنوبيا إلى روما. وأبدى عبد الكريم تخوّفه من أنه في حال وصول مقاتلي التنظيم المتطرف إلى المواقع الأثرية فإنهم «سيفجّرون ويدمّرون كل شيء». وأردف «من الصعب جدا اتخاذ أي إجراءات وقائية لحماية هذه المواقع وآثارها التاريخية».
أما إيرينا بوكوفا، المديرة العامة لـ«اليونيسكو»، فقالت أخيرا في مؤتمر صحافي خلال زيارتها للعاصمة اللبنانية بيروت «نحن قلقون للغاية ونتابع الوضع نظرا للقيمة الكبيرة لهذا الموقع الروماني الأثري.. إن مسؤوليتنا أن ننبه مجلس الأمن الدولي كي يتخذ قرارات حازمة». وحثت خلال مؤتمرها الصحافي المجتمع الدولي للتدخل «من أجل حماية المدنيين وحماية تراث تدمر الثقافي الفريد، خاصة أن لـ(داعش) أخيرا تجربة سابقة مع الآثار، حيث قام في العراق بتدمير المعالم الآشورية».

* لمحة تاريخية
اقترن اسم تدمر بملكتها العربية زنوبيا، واسمها العربي الزّباء أو زينب (وفق الطبري، الذي نسب سلالتها إلى العماليق)، والتي طمحت لأن تصبح إمبراطورة على روما. وفي عام 129م منح الإمبراطور الروماني هادريانوس تدمُر وضع «المدينة الحرة»، وعُرفت آنذاك باسمه «أدريانا بالميرا». وفي هذه المرحلة، بالتحديد، شيّدت أبرز معابد تدمر ومعها ساحة الآغورا. وكان سكان المدينة قبل وصول المسيحية في القرن الثاني بعد الميلاد يعبدون الثالوث المؤلف من الإله بعل ويرحبول (الشمس) وعجلبول (القمر).
واستغلت تدمر الصعوبات التي واجهتها الإمبراطورية الرومانية في القرن الثالث لإعلان قيام مملكة تمكنت من التغلب على الفرس، وتحققت ذروة منجزاتها في عهد الملكة زنوبيا التي كانت قد ورثت الحكم عن زوجها أذينة بن السميذع بعد اغتياله عام 267م، وتولّت الحكم مع ولدهما الصغير وهب اللات. إذ احتلت زنوبيا عام 270 بلاد الشام كلها وجزءا من مصر ووصلت إلى آسيا الصغرى، لكن الإمبراطور الروماني أوريليانوس تمكن من استعادة السيطرة على تدمر واقتيدت الملكة زنوبيا إلى روما، فيما انحسر نفوذ المدينة.
ووصلت تدمر إلى أوج ازدهارها خلال القرنين الرابع والثالث قبل الميلاد، وأصبحت إمارة عربية في القرن الثاني للميلاد، وكانت عاصمة التجارة الدولية بين الشرق والغرب. وحكمتها سلالة عربية من أشهر ملوكها أذينة الأول وحيران وأذينة الثاني (زوج زنوبيا ملكة تدمر الشهيرة ووالد ابنهما وهب اللات). وتشير مصادر تاريخية إلى أن الاسم الحقيقي لزنوبيا (أو الزباء أو زينب) هو ميسون بنت عمرو ابن السميدع، وتنحدر من عشائر الفرات الأوسط العربية ولقبت بـ«زنوبيا» و«بت زباي»، واشتهرت أيضا بلقب «الزباء» لغزارة شعرها وطوله، وكانت أمها ترجع بنسب إلى الملكة كليوباترا (من سلالة البطالمة) في مصر، بحسب المصادر.
وولدت زنوبيا في تدمُر، وتعلمت في الإسكندرية بشمال مصر حيث درست تاريخ الإغريق والرومان وتخلقت بأخلاق كليوباترا وبطموحها، وكانت امرأة هاجسها المجد والسلطان، بحسب ما تصفها المراجع التاريخية. ولاحقا، رأت في أذينة الثاني، سليل العائلة الحاكمة في تدمر، فرصتها لتحقيق هذا الطموح، وكانت تشهد مجالس القوم وجلسات مجلس الشيوخ، وهكذا نشأت معه على أهداف واحدة. وبعدما قتل زوجها، اعتلت العرش نيابة عن ولدها «وهب اللات» لصغره، وقادت الحكم ومجلس الشيوخ والحروب، كما قادت أعمال الإعمار والبناء. وأكثر الآثار القائمة حتى اليوم في تدمر يعود الفضل في تشييدها إليها، وكانت تشرف بنفسها على عمليات التوسع والإنشاء، وتنتقل على ظهر فرسها مرتدية أزياء الرجال، كما كانت تسوس دولتها بعين لا تنام ولا تغفل، وبعزيمة ترهب الرجال.
لكن هاجس زنوبيا كان أن تغدو في يوم من الأيام إمبراطورة على روما ذاتها، كما كانت تعدّ أولادها لاعتلاء العرش، وذلك بتعليمهم لغة روما وآدابها وتاريخها. ثم إنها اتخذت مظاهر القياصرة الرومان فكانت تركب مركبة ملكية فيها الذهب والفضة تضاهي مركبة القياصرة، رصّعتها بالأحجار الكريمة.
وبالتالي، على الرغم من حجم إنجازاتها، لم تنس يوما حلمها بالتوسع في آسيا ومصر وروما، وحقا وصلت جيوشها إلى بيزنطة (القسطنطينية، ثم إسطنبول لاحقا) في العصر الروماني، وقتلت هيراكليون قائد القصر، ثم فتحت الإسكندرية.
ولذا، كانت روما قلقة جدا من طموحاتها التوسعية. وحقا، بعد اعتلاء الإمبراطور أوريليانوس العرش في روما عام 270م، وهو رجل عُرف عنه دهاؤه وقسوته وبطشه، مارس أولا اللين إزاء زنوبيا فاعترف لها بنفوذها على الإسكندرية، لكنه لم يلبث أن نقض اعترافه واسترجع نفوذه على الإسكندرية بعد سنة واحدة.
وكان أوريليانوس يتابع انتصاراته في آسيا، إلى أن هدد تدمر، إذ كان عليه أن يقضي على تلك المرأة المناوئة لعرشه في روما. وقبل أن يغادر أنطاكية كانت جيوش زنوبيا تجابه زحفه إلى تدمر، وكانت الحرب في البداية سجالا، لكنها تعرضت لخذلان حلفائها عند حمص، فعادت إلى تدمر حيث لاحقها أوريليانوس وحاصرها. وعندها، حاولت الاستنجاد بالفرس، وذهبت متخفية لملاقاة هرمز، ملك الفرس. إلا أنها كانت تحت رصد جيوش الرومان، وقبل أن تعبر نهر الفرات قبضوا عليها وأعادوها إلى خيمة أوريليانوس الذي عاد بها إلى روما أسيرة مكبّلة ولكن بأصفاد من الذهب احتراما لمكانتها.
وتتباين الروايات حول ظروف وفاة زنوبيا مثلها مثل تفاصيل حياتها، فتذكر إحدى الروايات أنها لم ترض أن تدخل أسيرة إلى روما، مفضلة أن تفوّت نشوة النصر على أوريليانوس، فتناولت سما كان بخاتمها وهي في الطريق إليها مما أدى لموتها. غير أن رواية أخرى تفيد بأنها أكملت حياتها في تيفولي، إحدى ضواحي روما. وثمة رواية ثالثة تقول إن أحد العملاء حاول قتلها عندما دخل إلى قصرها متخفّيا فلما اكتشفت أمره ابتلعت سمّا كان في خاتمها، وقالت المثل المشهور «بيدي لا بيد عمرو» الذي ينسبه بعضهم إليها حتى اليوم.
وبقي أن نشير إلى أن أبجدية تدمر تتألّف من 22 حرفا تكتب وتقرأ من اليمين إلى اليسار. ووُجدت نقوش بالأبجدية التدمرية في تدمر وفلسطين ومصر ومواطن أخرى من شمال أفريقيا كانت قد سيطرت عليها أو وصلت إليها الحضارة التدمرية. وتشير مراجع تاريخية إلى أنه عثر على نقوش مرقومة بالأبجدية التدمرية في مناطق أبعد من ذلك مثل ساحل البحر الأسود والمجر. ووفق المراجع نفسها، تعود أقدم النقوش التدمرية إلى عام 44 قبل الميلاد، وأحدثها إلى عام 274م.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».