منطقة «القرن الأفريقي» بين الإرهاب والمصالح الاستراتيجية الدولية

جيبوتي لاعب مهم.. وإيران استفادت من علاقاتها بإريتريا

منطقة «القرن الأفريقي» بين الإرهاب والمصالح الاستراتيجية الدولية
TT

منطقة «القرن الأفريقي» بين الإرهاب والمصالح الاستراتيجية الدولية

منطقة «القرن الأفريقي» بين الإرهاب والمصالح الاستراتيجية الدولية

يلعب القرن الأفريقي بحكم موقعه الجيو - استراتيجي دورًا محوريًا مؤثرًا على البحر الأحمر، فهو منطقة ارتباط بين القارة الأفريقية والأوروبية والآسيوية عبر ممر باب المندب، الذي يعتبر شريان التجارة الدولية من المحيط الهندي إلى البحر الأحمر والعكس كذلك. ومن جهة ثانية تعتبر هذه المنطقة الحساسة جوارًا لكل من المملكة العربية السعودية واليمن، وهي امتداد استراتيجي لقناة السويس، كما تصل أهميتها البالغة إلى الأردن من الجهة الشرقية.

يضم القرن الأفريقي كلا من إريتريا وجيبوتي وإثيوبيا والصومال، ويمكن أن يضاف إليهما السودان وكينيا. وهذه مجموعة من الدول يعاني مجملها من وجود ميليشيات مسلحة، وحركات إرهابية.
ولكون المنطقة ذات أهمية استراتيجية، فإن التنافس الدولي حولها أخذ منعطفًا جديدًا مع تحرك العسكري لميليشيات الحوثي، المدعومة من إيران، وانقلابها على الشرعية باليمن. ويأتي ذلك في ظروف إقليمية تشهد هجمات إرهابية قاسية في كثير من دول القرن الأفريقي، خصوصا في الصومال وكينيا التي تنشط فيهما «حركة الشباب» الصومالية الإرهابية، ما تسببت في قتل أكثر من 200 شخص في عملياتها الأخيرة. وكانت العملية الأسوأ بلا شك المذبحة التي نفذتها في جامعة بمدينة غاريسا في كينيا مطلع أبريل (نيسان) الماضي، والتي أسفرت عن قتل نحو 150 شخصًا، وما تبعها من عمليات انتحارية ضد كوادر الأمم المتحدة في مدينة غارويه الصومالية.
وتظهر هذه العودة القوية لـ«حركة الشباب» نوعًا من تزايد قدرتها على التحرك بعدما عانت من تراجع واضح، بجهود حثيثة من القوات الصومالية والأفريقية، والطائرات من دون طيار الأميركية. وكذلك بسبب خلافات التنظيم الداخلية بين «التيار الجهادي العالمي» الذي تزعمه أحمد هادي غودنا، الذي يطالب بتعميم الجهات خارج البلد، والتيار المحلي الصومالي.
فلقد تبنت «حركة الشباب» مسؤولية الهجوم بسيارة مفخخة على مطعم في مقديشو أسفر عن سقوط عشرة قتلى، بتاريخ 21 أبريل 2015، كما قتلت النائب البرلماني عن منطقة بونتلاند سعيد حسين نور في 9 مايو (أيار) 2015 بمدينة غالكايو. كذلك سيطر هذا التنظيم على مناطق جديدة بجنوب الصومال فجر يوم 15 مايو 2015، من ضمنها منطقة أوطغلي وقريتي مبارك ودار السلام وبلدة الشام، بعد مواجهات مع القوات الحكومية.
في ظل هذا الوضع غير المستقر، يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية تعمل على تكييف استراتيجيتها مع هذه المستجدات وعلاقتها بتطورات كبيرة تمسّ منطقة «القرن الأفريقي» ودورها الحساس على المستوى الدولي. وتأتي جولة وزير الخارجية جون كيري التي ابتدأت بتاريخ 4 مايو 2015 في كينيا لتؤكد من جديد على أهمية المنطقة بالنسبة للرؤية الأميركية لأمنها القومي، فقد ركز الوزير كيري خلال مباحثاته مع الرئيس الكيني أوهورو كيناتا على مكافحة الإرهاب في «القرن الأفريقي» واستئصال «حركة الشباب» الصومالية. كذلك أعلن كيري عن دعم بلاده لمكتب مفوضية اللاجئين بكينيا بـ45 مليون دولار لمساعدة اللاجئين الصوماليين في كينيا. وفي خطوة لا تخلو من الدلالة قام وزير الخارجية الأميركي في 5 مايو الحالي بزيارة للصومال، وهي الأولى من نوعها لمسؤول رفيع المستوى للجهاز الدبلوماسي الأميركي منذ ثمانينات القرن العشرين. وأجرى كيري في أول زيارة يقوم بها وزير خارجية أميركي إلى جيبوتي، يوم 6 مايو 2015، مباحثات مع الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر غيله، تناولت أهمية منطقة «القرن الأفريقي» والبحر الأحمر. كما جرى التركيز على التعاون والتنسيق في مجالات التعاون الأمني والعسكري، ومكافحة «الإرهاب» وخصوصًا «حركة الشباب». وحرص الوزير الأميركي في خطاب موجه إلى العالم الإسلامي من مسجد سليمان على التأكيد أمام القيادات الدينية والشبابية والنسائية والأكاديميين والإعلاميين التي حضرت خطابه على «الاعتدال الديني» وحاجة العالم والقرن الأفريقي إلى الاستقرار، والتمكين السياسي للشباب وتحسين أوضاعهم الاجتماعية. وجاءت هذه الزيارة في سياقٍ دولي لا يخفي الصراع القائم حاليًا حول جيبوتي، التي تقارب مساحتها 23 ألف كيلومتر، وتطل على مضيق باب المندب ذي الأهمية استراتيجية لدول الجوار والقوى الدولية الكبرى.
ولا يخفى أن هذه العوامل جعلت الولايات المتحدة تسابق الزمن لتطوير العلاقات الثنائية مع هذا البلد الهام، الذي سيستضيف منتدى التعاون الأميركي - الجيبوتي الثاني مطلع بداية 2016. وانسجاما مع الرؤية الأميركية الخاصة بالصراعات الدولية حول الممرّات المائية الدولية الاستراتيجية، كانت الولايات المتحدة قد وقعت مع جيبوتي عام 2003 اتفاقا، يجري بموجبه استخدام المنشآت العسكرية في جيبوتي، ولا سيما المرافق البحرية واتخاذ قاعدة أميركية في حملتها المناهضة للإرهاب في «القرن الأفريقي». وكان قد تم تجديد الاتفاقية الخاصة بقاعدة «لومنييه» أثناء زيارة للرئيس الجيبوتي غيله لواشنطن في الخامس من مايو 2014.
هذا، وتوجد في جيبوتي أيضا مراكز لقواعد عسكرية أجنبية تابعة للقوات الفرنسية واليابانية، علما بأن هذه الأخيرة تمركزت في هذا الموقع الجيو - استراتيجي في أول سماح للقوات اليابانية بالتموضع وبناء القواعد العسكرية خارج تراب اليابان. من جانب آخر لا يستبعد الرئيس الجيبوتي السماح للصين بإقامة قاعدة عسكرية في بلاده إذا رغبت في ذلك، وهو ما يفسّر احتدام الصراع الدولي على هذه الدولة الصغيرة، التي تعد كذلك البوابة البحرية الأساسية لإثيوبيا.
والجدير بالذكر أن ثمة تعاونا وتنسيقا مشتركا بين بعض دول خليج عدن في ما يخص مكافحة الإرهاب، فبتاريخ 4 / 2 / 2014 م انعقد منتدى «خليج عدن الإقليمي الثاني لمكافحة الإرهاب» في جيبوتي لمواجهة تهديدات تنظيم القاعدة و«حركة الشباب». ويأتي هذا الاجتماع تتمة لما تم في عام 2013 في اليمن، وبتمويل من الولايات المتحدة، وقد شاركت فيه وفود رسمية من وزارات الداخلية والدفاع والخارجية لكل من الصومال واليمن وإثيوبيا وجيبوتي، وجرى التركيز على الخطر «الإرهابي» في منطقة خليج عدن، وسبل مواجهته، ومواجهة تجارة السلاح والمشكلات البحرية.
بعد انقلاب ميليشيا الحوثي وقوات علي عبد الله صالح على السلطة الشرعية في اليمن، برزت من جديد الأهمية الجيو - استراتيجية لجيبوتي، وضرورة استثمار ذلك لصالح الأمن القومي والإقليمي الخليجي. وتماشيا مع طبيعة العلاقات السعودية مع هذا البلد، أكد سفير جيبوتي ضياء الدين سعيد بامخرمة لدى الرياض إن بلاده «أيدت التحالف منذ اللحظة الأولى وفتحت مجالها الجوي لعمليات عاصفة الحزم»، وبالتالي، فهي مشاركة في التحالف الذي تقوده العربية السعودية ضد الحوثيين في اليمن.
كذلك قال السفير إنه «لا يفصلنا عن اليمن سوى 22 كلم هي مسافة فوهة مضيق باب المندب الاستراتيجي»، مضيفًا أن «المساعدات المرسلة من دول الخليج سيصار إلى نقلها للمحتاجين في اليمن عبر جيبوتي». ثم علّق قائلاً: «أعتقد أنّه من المهم أنْ يتكاتف المجتمع الدولي مع قيادة تحالف عاصفة الحزم، بأنْ يساعد جيبوتي لتكون المنطلق الرئيسي لوصول المساعدات اللازمة والإنسانية التي يحتاج إليها أهل اليمن بشكل عام».
وفي هذا الإطار يمكن وضع حديث الرئيس الجيبوتي غيله يوم السبت 9 مايو 2015م، عن مخاطر تعزيز «إرهاب القاعدة» نتيجة النزاع في اليمن، وتعهده بدعم السكان الفارين من النزاع. ويذكر أن رؤساء جيبوتي وتنزانيا والصومال وكينيا، وبعض وفود دول أفريقية أخرى، كانوا قد عقدوا اجتماعا أمنيا على مستوى عالٍ، برعاية العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، يوم 19 - 4 - 2015 في ميناء العقبة بالأردن. وناقش هذا الاجتماع، وهو الأول من نوعه بين هذه الدول، سبل التصدي الجماعي للجماعات الإرهابية، وخصوصا في منطقة القرن الأفريقي والشرق الأوسط، وما يتطلبه ذلك من تقوية التنسيق، وتبادل المعلومات بين دول شرق أفريقيا والمملكة الأردنية في هذا المجال.
من جهتها، تسعى دولة الإمارات العربية المتحدة لتقوية القوات الصومالية ضد «حركة الشباب» الإرهابية، إذ دشن رئيس الصومال والسفير الإماراتي يوم 12 - 5 - 2015 مركزا للتدريب العسكري، وقال السفير الإماراتي إن بلاده «قامت ببناء مركز تدريب عسكري يعمل على تدريب أفراد الجيش الصومالي وتخريجه ليكونوا قادرين على مواجهة الإرهاب المتمثل في متمردي حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة والتي تعرقل عملية السلام في البلاد»، في حين أكد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود أن «الإمارات تكفلت بناءً على حاجتنا إلى الأمن والاستقرار بدعم قوى الأمن والجيش، وهي ستزودها بمعدات عسكرية وتدربها على التصدي لظاهرة الإرهاب».
ولكن رغم الجهود الدولية والعربية الخاصة بمواجهة الإرهاب وضمان الاستقرار في «القرن الأفريقي» وخليج عدن، وكذا تطوير الدول العربية والقوى العالمية الكبرى علاقاتها مع دول «القرن الأفريقي»، فإن ذلك يواجه صعوبات معقدة ناتجة عن تباين التحالفات القائمة بين دول «القرن الأفريقي» والقوى الكبرى، وكذا مع دول مجلس التعاون الخليجي. ومن ذلك طبيعة التحالفات القائمة بين إيران وإريتريا، خصوصا بعد عام 2009م، إذ اتجهت إريتريا لبناء علاقات أمنية وعسكرية مع طهران توجّت بالسماح لـ«الحرس الثوري الإيراني» بإقامة نشاط عسكري انطلاقا من قاعدة عسكرية غير معلنة، وهو ما مكّنه من تدريب آلاف الحوثيين والشيعة العرب الآخرين، كما تمكن «الحرس الثوري» من تهريب كميات وأنواع مختلفة من الأسلحة للداخل اليمني حتى الشهور الأولى من 2015.
ولا بد كذلك من الأخذ بعين الاعتبار أن العلاقات العربية مع منطقة «القرن الأفريقي» جزء من نظام عام من العلاقات الدولية المتباينة الأهداف، والتي تصل إلى حد تناقض المصالح. فلاعتبارات استراتيجية واقتصادية وعسكرية وأمنية تتجه جهود القوى الكبرى الغربية نحو محاصرة الدول الأفرو - عربية وعزلها عن دائرة التأثير في مناطق التوتر، وهو ما ينعكس بشكل سلبي على المصالح العربية، بما فيها تلك الناتجة عن الأنشطة الإرهابية، وخلق الميليشيات المسلحة المهدّد للأمن الخليجي، مما يزيد من قوة إيران الإقليمية.



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».