شاشة الناقد: ‫Memory ‬‬ ذاكرة

مشهد من فيلم «ذاكرة»
مشهد من فيلم «ذاكرة»
TT

شاشة الناقد: ‫Memory ‬‬ ذاكرة

مشهد من فيلم «ذاكرة»
مشهد من فيلم «ذاكرة»

‫Memory ‬‬ ذاكرة
إخراج: مارتن كامبل | Martin Campbell
‫ الولايات المتحدة (2022) ‬‬
‪بوليسي‬ | عروض: عالمية‬
(جيد)
تطرح بعض الأفلام الأميركية سؤالاً جائزاً ومحقاً: هل تقدير النقاد للفيلم كان سيرتفع عما حصل عليه في الغرب (والشرق) لو أنه كان فيلماً غير ناطق بالإنجليزية؟
الدافع للسؤال حقيقة أن الجو الخاص لهذه المجموعة من الأفلام التي ينتمي إليها في هذا المجال «ذاكرة»، هو من الطينة ذاتها لأفضل ما شاهدته السينما من أعمال تتخذ الطابع البوليسي لتتحدّث عن شخصياتها على نحو أعمق.
دافعان آخران. الأول أن الفيلم أميركي وعند الكثيرين (خصوصاً بين النقاد والكتّاب العرب) هذا تحصيل حاصل. ثم هو بوليسي فوق ذلك. إذن، ضمن ذلك المفهوم الضيّق، لا يمكن للفيلم أن يكون ذا قيمة. الدافع الثاني هو أن الفيلم مأخوذ عن فيلم بلجيكي من أعمال 2003 عنوانه «ذاكرة قاتل» قام بتحقيقه أريك فون لوي. هذا ما يمنح النسخة الأميركية بعض السبب في معالجتها البصرية الداكنة «فيلم نوار حديث» وفي الوقت ذاته ما يضع المسألة في إطار آخر أوسع، فالنظرة المزدوجة تطغى على المواقف النقدية بحيث يرتفع التقدير للنسخة البلجيكية، على أساس أنها أكثر ثقافة، ويتواضع حيال النسخة الأميركية... هذا إذا ما اكترث النقاد لمشاهدته.
«ذاكرة» هو فيلم من إخراج مارتن كامبل الذي أنجز حتى الآن 19 فيلماً في رحى 49 سنة من بينها «لا مهرب» الذي قام ببطولته راي ليوتا وتبعه مباشرة بفيلم «غولدن آي» سنة 1995 مع بيرس بروسنن في دور العميل جيمس بوند. بعد 11 سنة عهد إليه إنقاذ جيمس بوند من سباته التجاري عبر فيلم أجاد تحقيقه هو «كازينو رويال». لكن كامبل لم ينقذ نفسه من التهميش. ليس أن كل أفلامه كانت متوسطة أو ركيكة، على العكس، لكن طريقة وأسلوب عمله لم يتبعا ما غاص فيه مخرجون جدد من تسطيح تنفيذ واعتماد على المؤثرات والاندماج في الرائج.
هناك قاتل محترف يؤجر خدماته لمن يدفع اسمه أليكس (ليام نيسون). نتعرّف عليه وهو يقوم بتنفيذ عملية سريعة ويقبض أجرها. لكن الشخص الذي يطلب منه القيام بالمهام يريده لتنفيذ جريمتي قتل متصلتين. ينفّذ أليكس الأولى ويمتنع عن الثانية لأن المطلوب قتلها لا تتجاوز الثلاثة عشر عاماً من العمر. هذه حاول التحري فنسنت سيرا (الممتاز غاي بيرس) حمايتها كشاهدة عيان وعندما يمتنع أليكس عن قتلها، يتم إرسال قاتل آخر، مما يثير غضب أليكس وحزن فنسنت الذي يرتاب لحين أن أليكس هو القاتل.
يدرك أليكس أن من أمر بقتل الفتاة سيضعه على القائمة أيضاً، خصوصاً بعدما احتفظ بمعلومات سريّة عن العصابة التي تقودها امرأة بالغة الثراء وابنها والتي تتاجر بالفتيات الصغيرات سناً جنسياً. الاتجاه الوحيد لأليكس هو الانتقال من الدفاع إلى المواجهة وهو ينطلق لقتل كل المتّصلين بهذه المجموعة قبل أن يستطيع التحري فنسنت الوصول إليهم.
هناك عناية خاصّة يمنحها الفيلم لفنسنت. هو تحري يشعر بعجز البوليس، ولأسباب تتعلق بالفساد والسُلطة، عن تحقيق العدالة. حين يلتقي مع أليكس في مشهد متأخر من الفيلم (بعد أن حاول إلقاء القبض عليه أكثر من مرّة) يذكر له وجهة نظره في العدالة عبر حكاية واقعية لرجل صدم امرأة ولم يستطع ابنها الصغير التعرّف عليه من بين مشتبهين به فأطلق سراحه.
الواحد ليس بحاجة لأمثلة أخرى أو خطب في شرح هذا الوضع. الفيلم، بسيناريو لا يتوقف عن رصد المفاجآت، يتمحور حول المنافذ المتعددة للمجرمين طليقي الأيدي في أي تجارة يبغونها وفي البقاء أحراراً طالما أن الشبهات وحدها لا تكفي، ولا حتى عندما يعود فنسنت إلى رؤسائه بإثبات على الجرائم المرتبكة.
العلاقة بين أليكس وفنسنت تبدأ من بعيد. الأول ينفّذ القانون الذي يعجز الثاني عن تنفيذه. لاحقاً عندما يلتقيان، تشعر بأن فنسنت يفهم تماماً دوافع أليكس ويتعاطف معها رغم أن أليكس، في نهاية الأمر، قاتل مأجور «فعلت الكثير من الأشياء السيئة لكني لم أقتل أطفالاً»، كما يقول أليكس للتحري.
فوق كل ما سبق، هناك إضافة مهمّة يخرج بها الفيلم متميّزاً عن سواه: هذا القاتل المأجور مصاب بالزهايمر وقد ينتهي في المصحّة كأخيه. هناك لقاء بينهما. أليكس يتكلّم والثاني يستمع ويعجز عن الكلام. ربما لا يتذكر من أليكس إلا القليل.
في واقعه، هذا ليس واحداً من أفلام ليام نيسون الأخرى. منذ سنوات عدّة وهو يوالي تقديم أدوار في أفلام أكشن بوليسية («مخطوفة» بأجزائه الثلاث ثم «بلا - توقف» و«صمت» و«المطاردة الباردة»... إلخ). لكن حتى في تلك الأفلام التي لا تصل إلى عمق مفادات هذا الفيلم، نيسون ليس بروس ويليس في إعادات تتم بنسخة أداء لا تتغير، بل دائماً ما كان يمنح الشخصية عمقاً وهناً يمنحها تجسيد الرسالة المتوخاة منه.
الفيلم ينتمي تماماً إلى «المدرسة القديمة»، كما يسمّونها غرباً. أي تلك التي تلتقط كل التفاصيل وتطرحها في معالجة خلاّقة ومبدعة وبعيدة عن اللهو الفارغ.



هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
TT

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)

عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.

لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).

هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.

هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.

عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.

نيكول كيدمان في لقطة من «بايبي غيرل» (24A)

مفاجأة هوليوودية

ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.

فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.

تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).

دانيال غريغ في «كوير» (24A)

الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.

لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.

نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.

لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة

امتعاض

ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi‪:‬ Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.

نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.

مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.

المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».

يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.

الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.