حتى لو حَرق المعبد!

حتى لو حَرق المعبد!
TT

حتى لو حَرق المعبد!

حتى لو حَرق المعبد!

جنون الشهرة قد يؤدي إلى تدمير الذات، وتدمير الآخرين. فـ«الشهرة حِمْلٌ ثقيل» كما يقول فولتير، ومن أجل الشهرة يَطْغَى الخطابُ الشعبوي، ويتم إغراقنا بثقافة التفاهة، وتصنيع معايير هابطة للقيم الثقافية والاجتماعية، وتطفو على السطح الطفيليات التي تتصدى لوضع معايير السلوك القويم... ويتراجع للوراء مبدعو الأفكار الخلاقة، وصانعو المحتوى الرصين، والنماذج المشرفة في المجتمعات، ليحتل مكانهم نجوم شبكات التواصل، فقد «أتاحت وسائل التواصل لجحافل الأغبياء أن يتحدثوا وكأنهم علماء»! كما قال أمبرتو إيكو.
في مسرحيته ذائعة الصيت: «انسَوْا هيروسترات»، يصور الكاتب المسرحي الروسي غريغوري غورين، أثر السعي المدمر نحو الشهرة... فهذه المسرحية الأسطورية تشتقُ أحداثَها من التاريخ اليوناني القديم، وتتحدث عن «هيروسترات» وهو تاجر فاشل عديم الشأن يعمل في أحد أسواق مدينة إيفيس الإغريقية، القرن الرابع قبل الميلاد (عام ٣٥٦ قبل الميلاد)، وقد قاده فشله للبحث عن النجومية بطريقة خارج سياق العمل الجاد والمنتج... فماذا فعل؟
قام هذا الفاشل بإضرام النيران في معبد «أرتميدا» الشهير، المعروف بمعبد «أرتميس» أكبر معابد اليونان القديمة وأكثرها أهمية، وربما كان أكبر معبد في التاريخ، وأحد عجائب الدنيا السبع في زمنه، وتم القبض عليه، حيث حُكِمَ عليه بالإعدام، وكعقوبة لسعيه الجموح نحو الشهرة، تم إصدار تحريم لذكر اسمه بين الناس حتى يضيع ذكره ويصبح في طي النسيان، ورُمز إليه بكنية «المجنون»، حتى يُشار إليه عبر التاريخ: «المجنون الذي أحرق معبد أرتميدا».
لكن عبقرية هذه المسرحية لا تقف عند حدود! فالمؤلف رفض الوقوف عند التاجر الفاشل الذي أحرق المعبد ليصعد فوق لهيبه نحو المجد، فالمجتمع مسكون بالنخب الفاسدة التي لا تختلف كثيراً عن الفاعل... فعبر الزمان هناك من يتسلق أعمدة النور والنار لكي يلفت الانتباه إلى شخصه، وهناك من يصعد فوق الخرائب والحرائق لكي يبني مكانته، كما أن هناك من يركب على خطابات الكراهية والعدوانية وشيطنة الخصوم ليقيم حفلته فوقها... في هذه المسرحية كان الكثير يتبارون لكي يقتطفوا من وهج الشهرة الذي أشعله التاجر المجرم، حتى أصبح يتلاعب من داخل محبسه بأعلى مستويات الدولة مستغلاً ضعفهم أو رغبتهم للشهرة والمال.
في أحد مشاهد المسرحية، يصرخ المجرم «هيروسترات»: «دع المنطق جانباً يا رجل»! ثم يتساءل مستنكراً: «هل توجد عدالة فيما قام به الإغريق من هدم لطروادة وقتل جميع سكانها بسبب زوجة مسروقة؟ بأي منطق ستفسر هذه القسوة؟! والآن انظر: فبعد مرور الزمن قام هوميروس يتغنى بهم في (الإلياذة). كلا، لا أحتاج للمنطق بل أحتاج للقوة!». فمن زنزانته شخص أمراض المجتمع الذي عاش فيه وخبَرَه، وعرف شغفهم بالأضواء... فالبحث عن الشهرة والمال وباء فتاك.
كان «هيروسترات» أول من قام بكتابة مذكراته؛ فحتى في ذلك الزمن السحيق كان هناك من يعي تأثير الكلمة على الناس، ومن يتوسل بأدوات الثقافة للاستيلاء على الوعي العام وتزويره... وأوكل لوالد زوجته المطلقة، المرابي «كريسب»، توزيع تلك المذكرات بين العامة، فحولته تلك الكتابات من مجرم فوضوي إلى نجم يقتبس من أضوائه المشاهير... فانهالت عليه الثروة... وراح يُفسد نخب الدولة كحارس السجن وقاضي المحكمة، حتى تمكن من إغواء زوجة الحاكم التي زارته في السجن تطلب منه أن يروي للناس أنه أحرق المعبد من أجل هيامه في حبها... هذا الفعل قاده لتطويق الحاكم نفسه، وابتزازه ليداري خطيئة زوجته... ومع الزمن انقلبت كراهية الناس لـ«هيروسترات» إلى إعجاب، فالزمن كفيل بتذويب السدود الأخلاقية ما دام طوفان التفاهة يجتاحها دون كوابح... والسعي المحموم لإطفاء وهجه، جعله أكثر توهجاً وشهرة... إلى أن ينبري أحد القاضي (كليون) مخالفاً كل القوانين ويطعنه بالخنجر وينهي حياته... هل كان القاضي هو الآخر باحثاً عن تسجيل اسمه في سجل الخلود؟
«تُغطي الشهرة على العيوب، كالشمس غطى نورها على نارها»، هكذا يقول أمير الشعراء أحمد شوقي، ولكن عمر ذلك قصير، حيث لا يصح إلا الصحيح، أما الشهرة التي تقوم على أساس متين فيصفها «رهين المحبسين»، أبو العلاء المعري، بقوله: «وقد سار ذكري في البلاد فمن لهم بإخفاء شمسٍ ضوؤها متكامل».



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.