اجتمع «الزمن والذاكرة والفن» في كلمات تجاوزت حدود اللغة في مساحات الدورة الثالثة التي أقامتها «مساحة مسك» التي حملت عنوان «توثيق اللحظات»، في حوار يحيي الذكريات، ويجددها، ويحتفي بها.
وتمهد هذه الدورة لإقامة مساحة للحوار حول كيفية تفسير التصميم أو مشاركته أو البحث فيه أو تنفيذه، وتطرح تساؤلاً حول كيف لذكريات الماضي أن تُتَرجِم حِس الصدق والارتباط في تصميمك أو حملتك؟ سيبحث مبدعو الإقامة لينتجوا أعمالاً تُجسد دور التصميم وسيلة للإنشاء والتجديد والاستباق بالماضي، بالنظر إلى إرث النشاط البشري من سرد الذاكرة الثقافية المادية، بالتركيز على التصميم من منطلق الحنين إلى الماضي.
وقام فنانون مشاركون بعكس قدرة الصوَر والتكنولوجيا على تغيير نظرتنا للذكريات والتاريخ، وكيف أعادت وسيلة تعريف الحنين إلى الماضي، موثقين بذلك قدرة العدسة على تجسيد الزمن، وقدرتها على جعل التجارب مشتركة في السياق العام والسياق الشخصي.
أريج الجربا
وتركز هذه الدورة على إقامة مساحة للجمع بين المبدعين الصاعدين والمحترفين المحليين والدوليين، باستضافة 10 فنانين وكاتب واحد في رحلة من النقاش والبحث والتجربة.
وفي هذا الوقت الانتقالي للمجتمع السعودي الحديث، اجتمع مبدعون من السعودية والخليج العربي وأستراليا وأنحاء أخرى من العالم، ليخوضوا تجربة من البحث والتساؤل والاستكشاف بين جلسات إرشادية ودورات مختصة يقودها ممارسون عالميون، وبين مساحة للتفكير النقدي.
وتبادرت في أذهان المبدعين طوال فترة الإقامة، العديد من الأسئلة حول مفهومهم لمعنى الأرشيف، لذا لم يكن جمعهم للتسجيلات والمواد التي تدور حول موضوع أو أصل ما في مكان معين، بل كان متفرقاً ومنذ زمن طويل.
وغالباً ما يُعد الأرشيف مستودعاً راكداً لا فائدة منه، ولكن في «توثيق اللحظات» استكشف بعض المقيمين أرشيفات لعائلاتهم، وأضافوا لها معنى جديداً، بينما خلق البعض الآخر أرشيفات جديدة تماماً بجمعهم لتسجيلات من العالم المحيط بهم زمانياً ومكانياً.
يذكر أن المبدعين وضعوا نصب أعينهم موضوع الإقامة بشكل أساسي، ثم انتقل كل واحد منهم إلى أسلوبه الخاص لتكون النتيجة النهائية ظهور أعمال مبهرة تُعرض باستوديوهات المبدعين في مساحة بصالة الأمير فيصل بن فهد للفنون، ليتاح للمهتمين الاطلاع على إبداعاتهم الفنية، وعلى أساليبهم البحثية.
محمد الكوح: التوثيق الشخصي لفترة حرب الخليج كان نادراً (تصوير: سعد الدوسري)
وتبنى معرض «أريج الجربا» المنظور النقدي للغة العربية الفصحى للتعليق على تاريخ التعبير عن الذات، إذ تركز أبحاثها على الفن والثقافة في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام من خلال مشروعين، هما: مقال عن اللغة البصرية غير المستكشفة لعصر ما، إلى جانب تحليل للأعمال الفنية والتركيز على التطبيق الحديث للفصحى أو اللغة العربية الحديثة، فهي تعتقد أن اللغة هي وسيلة توثيقية، لذا تندرج كتاباتها الإبداعية تحت موضوع أطلقت عليه «التركيز على الهوية الشعرية».
وفي هذا الإطار، وثق الكويتي محمد الكوح، تلك الفترة التي عاشها إبان فترة حرب الخليج، عندما قدم هو وعائلته إلى السعودية، ليبدأ باسترجاع ذاكرته التي عاشها في الرياض، عبر مجموعة مصورة، ورسومات تعكس تفاصيل تلك الأشهر، لتوثيق تاريخ عائلته، نظراً للنقص الذي لاحظه في أرشيف العائلة الذي كان حريصاً على الحفاظ عليه.
كما ركز معرض الكوح على خطر الألغام التي كانت تشكل خطراً كبيراً على الأطفال في بلاده الكويت آنذاك، ليصنع مجسمات تهدف إلى تعليم الأطفال الفرق بين الألغام القاتلة والألعاب.
وألهمت «المرامي»، وهي الخواتم التي تلبسها النساء في الأصبع الوسطى قديماً، راشد السبيعي، ليقوم معرضه على تتبع تفاصيل يوم والدته مع التركيز على الخاتم، ليعكس تفاصيل الحياة المحلية البسيطة في السعودية، حرصاً منه على أهمية التوثيق المحلي، نظراً لنقصه الشديد حسبما يقول، ليلتقط صوراً فوتوغرافية تعبر عن الحياة اليومية لوالدته.
أما حاتم الأحمد، فوثق المنهج التعليمي السعودي بالثمانينات الميلادية، عبر أشرطة الأفلام التي كانت تقدمها وزارة التعليم السعودية (وزارة المعارف آنذاك)، والتي كانت تتبنى نشر الوعي بين الطلاب في تلك الفترة على أهمية الحفاظ على البيئة، وأهم عوامل التلوث البيئي، لينقلها الأحمد إلى معرضه بصور مكبرة، نظراً لأهمية توثيقها ونشرها للعامة.