{الشرق الأوسط} في مهرجان برلين السينمائي ـ 6: أفلام برلين بين بوليسي ملغوم كوميديا ومسرحية تنطق سينما

الصينية منها ليست من النوع الذي سيشهد نجاحا تجاريا كبيرا

مشهد من «حياة رايلي» لرينيه
مشهد من «حياة رايلي» لرينيه
TT

{الشرق الأوسط} في مهرجان برلين السينمائي ـ 6: أفلام برلين بين بوليسي ملغوم كوميديا ومسرحية تنطق سينما

مشهد من «حياة رايلي» لرينيه
مشهد من «حياة رايلي» لرينيه

لا تعرض المهرجانات السينمائية عادة الأفلام التي تنجز الإيرادات الكبيرة. بطبيعة حالها، معظم تلك الأفلام تختار طريق السينما السائدة لعرض حكاياتها وأحداثها بينما يختار المهرجان من بين تلك التي تشكل تعبيرا عن المخرج وليس عن الصناعة.
لهذا السبب لن نرى الفيلم الذي يحقق حاليا رقما إيراديا في العروض التجارية تحت عنوان «سعدان ملك» Monkey King الذي هو الإنتاج الأول لشركة يديرها لي يانهونغ ويانهونغ (أو كما يسمي نفسه بالإنكليزية روبين لي) هو أغنى أغنياء الصين. الفيلم المذكور يستوحي أحداثه من الأسطورة الشهيرة التي سبق لمحطة «بي بي سي» أن عرضت بعض أعمال تلفزيونية اقتبست عنها: سعدان ملك، تبعا للأساطير الشعبية، كان محاربا يستطيع الإتيان بأعمال خارقة للعادة يساعد فيها الشخصيات الأخرى على تحقيق العدالة والسمو بالروح إلى مصافّ أعلى. الفيلم نفسه، كما حققه المخرج سوي تشينغ، مبني على تلك الأساطير لكنه أكثر ترديدا للنواحي الروحية من المعتاد.
بصرف النظر عن النجاح الذي يحققه حاليا، والذي يشجع المنتج يانهوغ على اعتبار دخوله صناعة السينما بمثابة نجاح يجب تكراره (لذلك يحضر حاليا لأكبر فيلم أنيميشن صيني - كوري مشترك) فإن الأفلام الصينية المعروضة في عروض مهرجان برلين الرسمية (يستمر حتى السادس عشر من الشهر) ليست من النوع الذي سيشهد نجاحا تجاريا كبيرا داخل الصين. ليس بحجم الخمسين مليون دولار التي جمعها «سعدان ملك» من صالات الصين حتى الآن، علما بأن سعر التذكرة هناك أرخص بكثير من سعرها في الدول الغربية ما يعني أن الإيراد الفعلي لهذا الفيلم حتى الآن ربما يتجاوز ال200 مليون دولار.

* بلا خبرة
يوم أمس (الأربعاء) كان اليوم الذي عرض فيه المخرج الجديد نسبيا دياو يينان فيلمه الجديد «فحم أسود.. ثلج رقيق» أمام جمهور الحاضرين حاصدا ردات فعل متباينة. الفيلم، الذي عرض للصحافة قبل ذلك بيوم واحد، يحمل حكاية محاطة بأسلوب سرد يجعلها تبدو على غير حقيقتها؛ فالقصة بذاتها بسيطة القوام: محقق يحاول حل قضية من الجرائم الغامضة التي ارتكبها رجل قطع فيها جثث ضحايا وبعثرها في مياه النهر. الحادثة الأخيرة تفتح ملفا مشابها كان وقع في عام 1999 عندما أخذ عمال مناجم الفحم في المقاطعة الشمالية التي تدور فيها الأحداث (الفيلم باللغة المندارينية) يكتشفون أطراف جثث تحملها شاحنات الفحم إلى المصنع.
الاكتشاف مرتبط بامرأة غامضة تعمل في دكان لغسل الثياب، لكنها ليست القاتلة ولو أنها تعرف هويته. والفيلم لا ينتهي عند معرفتنا نحن بها، ولا بمقتله برصاص البوليس إثر مطاردة قصيرة، بل يستمر ليكشف جوانب أخرى من شخصية المرأة التي ارتكبت بدورها جريمة قتل كانت واحدة من أسرار الفيلم القليلة.
معالجة المخرج يينان للفيلم تشكل مشكلته الجوهرية. هناك مطّ في سرد حكاية كان يمكن لها أن تتوجه مباشرة إلى النوع البوليسي. حقيقة أن المخرج اختار لها أن تتبع بصمته في العمل أمر جيد، لكن بصمته هذه ما زالت بلا خبرة لخلق حالة قصوى تستخرج من التطويل منافعه ولمحاته الفنية. هناك أيضا تركيبة مونتاجية غير مرتاحة. الكثير من المشاهد تبدأ ولا تنتهي عند نقطة صحيحة للتواصل بعدها مع المشهد الآخر. وإذا ما كان المخرج يود تحقيق «فيلم نوار» كما يذكر في أحاديثه، فإن ما يعالجه ربما - وفي أفضل الحالات - نوع من الفيلم البوليسي الداكن، لكنه ليس النوع الصحيح.
التركيبة الفاشلة ذاتها، وعلى نحو أفدح، موجودة في «تاريخ الخوف» لبنجامين نيشتات. إنه الاشتراك الأرجنتيني في المسابقة وعذره في اختيار تلك التركيبة أنه فيلم يميل إلى التجريبية. والتجريب في السينما - في الكثير من الأحيان وفي هذه الحالة نموذجا - ما هو إلا عذر لتغطية عجز في التواصل مع المشاهد وتحقيق فيلم يحترم المفردات حتى وإن كانت كلاسيكية.
«تاريخ الخوف» يبدأ بكاميرا تطير فوق ضاحية من ضواحي بيونس آريس مع صوت مايكروفون يحذر الناس من أمر غير مفهوم المصدر. إنه البث الأول للخوف وخيط الفيلم المحوري هو ذلك الخوف المنتشر بين الناس: الابن من أبيه، الأب من محيطه، البعض من جرس الإنذار، والبعض الآخر من الكلاب، والثالث من تلك الأشجار وما قد يكمن خلفها. الفكرة على هذا النحو مثيرة للاهتمام وكان يمكن لها أن تسفر عن فيلم مثير للأهمية، لكن معالجتها لا تمنحها مثل هذا البعد. عكس ذلك، هي محدودة ومجزأة بحيث يبدو كل حدث فيها بمثابة مشهد مسيج يبدأ وينتهي من دون أن يقول كلمته بعد. وحتى عندما تعود الشخصيات المتنافرة التي تتحرك على سطح هذا الفيلم للظهور مجددا فإن القليل من أفعالها أو ما تشهده من أفعال سواها مبرر.
إنها شخصيات تفتقر، باختيار المخرج، إلى الكتابة بحيث تتماثل خلفياتها لكي تبرر وجودها وكضرورة للتطوير. صحيح أن الناحية التجريبية قصد بها أن تعفي المخرج (أي مخرج) من الاقتداء بتقاليد السرد، لكن على الفيلم أن يكون أساسا تجريبيا كاملا لكي يتمتع بذلك النوع من الإعفاء.

* اقتباس فذ
إذا كان مصدر فيلم «تاريخ الخوف» هو التجريب، أو نصفه على الأقل، فإن مصدر اهتمام الفرنسي المعمر ألان رينيه (92 سنة) هذه الأيام هو المسرح. أفلامه في السنوات الخمس عشرة الأخيرة هي إما مسرحيات اقتبست للسينما أو ذات أساليب وحكايات توحي بانتماءاتها المسرحية.
فيلمه الجديد «حياة رايلي» هو ثالث اقتباس له عن مسرحية للإنجليزي ألان آيكبورن بعد «تدخين - لا تدخين» (1993) و«مخاوف خاصة في أماكن عامة» (2006)، كلاهما من أفضل أعمال رينيه. «حياة رايلي» لا يقل رونقا. هاك مخرج أنجز ما لا يقل عن خمسين فيلما ولا يزال مقبلا على الحياة يختار من بين قصصها ما يبعث على التفكير المحاط بالأمل والفرح. حتى شخصياته القلقة والتائهة لا تستطيع أن تغير من ذلك الشعور المبهج الذي يداخل المشاهد حين مشاهدة هذا الفيلم.
حكايته بسيطة الفحوى: رايلي كاتب مسرحي لديه ستة أشهر ليعيش بعدما اكتشف إصابته بالسرطان. ثلاث ممثلات تجاوزن منتصف العمر يردن الارتباط به اجتماعيا وربما عاطفيا إذا ما كان الأمر متاحا. كل واحدة تعيش مع رجلها في الوقت ذاته. مسرح الفيلم هو اللقاءات التي تقع بين النساء المتصادقات حيث يتبادلن الحديث الودي منه والعدائي، وأيضا بين كل واحدة والرجل أو الزوج الذي تعيش معه والذي يشعر كل منهم بأن الأرض تميد تحت قدميه عندما تفصح كل واحدة عن رغبتها في قضاء العطلة مع رايلي. إنها عطلته الأخيرة وكل واحدة منهن تعد نفسها المدعوة لتمضية العطلة معه.. كل هذا ونحن لا نرى رايلي مطلقا في الفيلم.
رينيه الذي يزداد رقة وشفافية مع كل فيلم، يفتتح على طريق ريفي ضيق. الصورة ثابتة على ذلك الطريق حيث تتوالى الأسماء. بعد ذلك يعود إلى تلك الطرق الريفية كفواصل بين كل مشهد وآخر. هذا لا بد مريح ومسرحي تماما في الوقت نفسه. مريح لأن مشاهد الطرق تلك تصبح فواصل لحظية عوض الاعتماد على تبرير ينبع من تأليف مداخل ومخارج سينمائية.
كذلك اللافت هو استعانة المخرج بشاشة بيضاء مع خطوط رمادية لتصوير شخصياته وهي تتحدث في لقطات قريبة متوسطة (كلوز أبس). للتفسير كل مشاهد الفيلم تعتمد على لقطات عامة وعامة متوسطة وكاميرا ثابتة وتقع في داخل منازل أو في حدائقها. لكن فجأة، وحيال بعض ما يختاره رينيه من مقاطع حوارية يقطع إلى تلك اللقطات القريبة وعلى شاشة بيضاء ليست موجودة في المشهد العام التي هي فيه.
هل هذا الفيلم سينما؟ بعد الإمعان نعم. طبعا ليس السينما التي ندركها في معظم الأحيان الأخرى، لأنها تقوم على مبدأ «تفليم المسرح»، وضمن هذا المنوال يتجاوز فيلم رينيه الحدود الفاصلة بين لغتي المسرح والسينما ويمنح العمل المسرحي بعدا آخر (وأفضل!) في أسلوب سرد صحيح ومحدد وغير مفتعل.

* بوليسي ملغوم
«نظام الاختفاء» The Order of Disappearance يعيدنا إلى جو الأفلام البوليسية، لكنه إذ يفعل ذلك لا يفوت مخرجه هانز بيتر مولاند في هذا الإنتاج النرويجي الحدث والتمويل معالجة الموضوع الماثل بين يديه بروح كوميدية ساخرة.
بطله هو نيلز ديكمان (ستيلان سكارغارد في رابع تعاون له مع المخرج) المتزوج الذي يعمل على آلة ضخمة من تلك المستخدمة في إزالة الثلج الذي يغمر الطرقات الجبلية حيث يعيش. لديه ولد شاب يعمل في المطار. وفي أحد الأيام تخطفه عصابة تتاجر بالكوكايين وتقتله بعدما حقنته بالهيروين لكي يبدو الأمر أن جرعة زائدة هي التي أودت به. نيلز لا يصدق. ولده لا يمكن له أن يكون مدمنا. يتسلح بالعزيمة عندما يأوي إليه زميل لابنه هارب من العصابة ذاتها ويكشف له اسم أحد أفرادها. نيلز يتعقب ذلك الفرد ويقتله بعدما يحصل منه على معلومات ستساعده في تعقب الآخرين.
العصابة ذاتها تأتمر بأمر رئيس شرس كان اقتسم المدينة وتجارة المخدرات فيها مع عصابة صربية لكنه الآن بات يعتقد أن تلك العصابة هي التي تقتل رجاله، فيختطف ابن رئيسها ويقتله. وهذه تلتئم وتقرر مبادلة القتل بالقتل. نيلز، الذي يخسر شقيقه خلال عملياته، يسبق العصابة الصربية بخطف ابن رئيس العصابة النرويجية ويحميه خلال الموقعة الأخيرة التي تصفي فيها كل عصابة الأخرى ويعمد هو إلى قتل رئيس تلك التي قتلت ابنه.
الكوميديا موجودة في طيات بعض المواقف التي تبدد بعض العنف الملحوظ، ما يمنح الفيلم حسا كاريكاتيريا. كما من خلال الحوار. رئيس العصابة البيضاء (ممثل جيد باسم سفير هاغن) يخلط بين الصرب والألبان فيوالي تسمية العصابة الأخرى بالعصابة الألبانية، وعندما يقول: «هؤلاء المحمديون الملعونون» يصحح له أحد رجاله (للمرة الثالثة) معلوماته فيقتله الرئيس ثم يأمر بقطع رأسه وإرساله هدية إلى رئيس العصابة الأخرى (الألماني برونو غانز) مع أحد أعوانه الرئيسيين، لكن رئيس العصابة الصربية يقتل المعاون ما يزيد من حدة الصراع بينهما.
كل ذلك ممارس بأسلوب فني جيد. الفيلم ليس من إخراج مارتن سكورسيزي أو كوينتين تارانتينو، لكنه يماثل أعمالهما التي تدور في رحى العصابات، قوة على خلق تأثير إنساني وكوميدي في الوقت الواحد.
شخصيا، كنت أفضل لو أن الكوميديا ذهبت في طريق مختلف أو أمَّت ميدان كرة قدم، لكن المخرج ينجح فيما قرر فعله وإلى حد مقبول. جزء من النظرة الساخرة التي يرسمها المخرج على عالمه ذاك (الساحر في تصوير ثلوجه في مواقع بعيدة على عكس ثلوج «فحم أسود.. ثلج رقيق» التي لا تعني في نهاية المطاف سوى أجواء مقصودة لذاتها) هو قيام المخرج بوضع اسم القتلى إثر كل موت يقع على الشاشة على لوحة سوداء تحت رسم صليب. في نهاية المطاف لديك نحو ثلاثين ميتا بينهم خمسة عشر في موقعة واحدة يضمهم المخرج في تأبين مشترك: لوحة سوداء تتوزع عليها أسماء الشخصيات وتحتها أسماء ممثليها. نيلز ديكمان ليس من بينهم.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».