«السوشيال ميديا» في الانتخابات... بين التأثير الواسع و«الأخبار الزائفة»

جددت الانتخابات النيابية اللبنانية التي أجريت في منتصف مايو (أيار) الحالي، الجدل بشأن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي «السوشيال ميديا» كأداة للدعاية الانتخابية، ومدى تأثيرها على حشد الأصوات من أجل مرشح معين. وفي حين يؤكد بعض الخبراء على أهمية هذه المواقع في الدعاية الانتخابية وقدرتها على التأثير والحشد، يشير آخرون إلى «خطورتها» في نشر الأخبار الزائفة والدعايات المضادة ما قد يؤثر سلباً على سلامة العملية الانتخابية.
وحقاً، رصد خبراء إعلام ومراقبون لبنانيون ظاهرة انتشار استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في الدعاية الانتخابية، خصوصاً من قبل المرشحين المستقلين، وقوى التغيير. واعتبر بعض هؤلاء أنها ترسي قاعدة تكافؤ الفرص، وتمنح المرشحين الفرصة لخلق بيئة تواصل مع الجمهور، بيد أنهم في الوقت نفسه قللوا من تأثيرها على النتائج النهائية للانتخابات.
الدكتورة سالي حمود، الباحثة اللبنانية في شؤون الإعلام المعاصر والذكاء الصناعي وأستاذة الإعلام والتواصل، قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا يمكن الحديث عن الانتخابات النيابية الأخيرة في لبنان من دون الحديث عن مواقع التواصل الاجتماعي، التي كانت الأساس في عملية التواصل السياسي بين المرشحين والناخبين، وكانت الأكثر تأثيراً في الدعاية الانتخابية خصوصاً بالنسبة لقوى التغيير، والمستقلين الذين لا يملكون المال الكافي للظهور على التلفزيون في فقرات إعلانية مدفوعة».
وتضيف حمود أن «مواقع التواصل الاجتماعي منحت المرشحين منابر شخصية مستقلة تعبر عن أصحابها، ما يساعدً على تكوين سمعة رقمية تكون أكثر جذبا للجمهور، بعكس بعض وسائل الإعلام التي عادة ما ترتبط بأجندات وتفقد بالتالي المصداقية لدى الجمهور». وتستطرد «ثقة الجمهور بهذه المنابر الشخصية، وبالأشخاص الذين يتحدثون من خلالها، جعلتها أكثر تأثيراً في مجريات العملية الانتخابية».
وتشدد حمود على القول «بلا شك، خدمت مواقع التواصل الاجتماعي قوى التغيير في لبنان، وساعدت مرشحيها على الفوز، كما أنها أعادت تكوين مفهوم العمل البرلماني والوظيفة البرلمانية ومفهوم المواطنة، حيث تحول المجال السياسي العام إلى الإعلام الافتراضي، الذي أصبح له دور كبير في الاتصال السياسي وتحريك الشعوب، وتكوين الرأي العام».
كارولين إلياس، عضو هيئة تدريس في كلية الإعلام بالجامعة الأميركية في القاهرة، وصانعة محتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، توافق حمود الرأي، وتقول لـ«الشرق الأوسط» إن «مواقع التواصل تعد أداة ناجحة للدعاية الانتخابية في الدول الديمقراطية الحقيقية، لكونها توفر فرصة لحضور المرشحين عبر صفحاتهم الرسمية، بالإضافة إلى صفحات المؤيدين، ما يوسع دائرة النقاش، ويزيد من الشفافية... وهو ما يتطلب قدراً من التخطيط لتحقيق المصداقية والتأثير، والعائدات المرجوة من استخدامها».
في الواقع، الجدل حول دور «السوشيال ميديا» في الحشد الانتخابي، لا يقتصر على لبنان، إذ تشهد الولايات المتحدة الأميركية حالياً جدلاً مماثلاً مع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس المقرر عقدها في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وتحت عنوان «منصات التواصل الاجتماعي والتصويت: هل تعمل جهود التسجيل حقاً؟»، نشر موقع «تين فوغ» الأسبوع الماضي، تقريراً للكاتبة إليزابيث غينيس تساءلت من خلاله عن «دور فيسبوك وسناب شات في العملية الانتخابية، ومدى تأثيرهما على حشد الأصوات». وأشارت إلى «أداة رن فور ذا أوفيس (أي ترشح للمنصب) التي أطلقها سناب تشات في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، التي تسمح للمستخدمين بالسير في إجراءات الترشح والانتخاب بصورة افتراضية»، لافتة إلى أن «90 في المائة من جمهور (سناب شات في الولايات المتحدة من فئة الشباب بين13 و24 سنة».
وكان موقع «سناب شات» قد أعلن في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «جهوده في الحشد الانتخابي قبيل الانتخابات الرئاسية الأميركية 2020 دفعت 1.2 مليون شخص للتسجيل للتصويت». كذلك، أورد موقع «تين فوغ» أنه «بينما يقدم سناب شات نفسه كرائد في مجال الاتصال الانتخابي، فإنه ليس الشركة الوحيدة في هذا المجال... ذلك أن تيك توك وفيسبوك أدركتا أهمية تزويد المستخدمين بأدوات للتصويت، ومكافحة نظرية المؤامرة». ومعلوم، هنا، أن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في الدعاية الانتخابية يثير جدياً مخاوف لدى المراقبين من انتشار المعلومات والدعايات الزائفة، التي قد تؤثر على سير العملية الانتخابية.
كارولين إلياس، من جهته، ترى أن «الأخبار الكاذبة موجودة منذ بدء الإعلام، وحتى وسائل الإعلام التقليدية أحياناً تنشر دعايات وأخبار زائفة... وقد تكون المسألة ازدادت مع مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها موجودة من قبل، الأمر يتطلب العمل باستمرار على تصحيح أي معلومات خاطئة يصار إلى تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي». وترفض إلياس «فكرة فرض قيود على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، أو بمعنى أدق أن تعمل شركات التكنولوجيا المالكة لهذه المواقع على حجب حسابات أو منع أشخاص من استخدامها، لأن هذا يتعارض مع مبدأ حرية الرأي والتعبير الذي قامت عليه هذه المنصات، كما يتعارض مع فكرة الديمقراطية، وهي أساس الانتخابات». وتتابع قائلة إن «هذه المواقع مثلها مثل وسائل الإعلام لديها مُلاّكها وأجنداتها السياسية ومصالحها. وهي وإن منحت مزيدا من الحرية للناس للتعبير عما يجول في داخلهم... فالحرية ليست حرية كاملة»، مؤكدة أن «مواجهة الدعايات الكاذبة لا يكون بحجب الحسابات؛ بل بزيادة وعي الجمهور، كي يغدو قادراً على فرز الأخبار الكاذبة عن الصحيحة».
عودة إلى سالي حمود، التي توضح أنه «رغم تأثير مواقع التواصل الاجتماعي، تظل هناك بعض السلبيات التي تحيط باستخدامها في الدعاية الانتخابية، وعلى رأسها سهولة ظهور دعاية مغايرة وأخبار زائفة وخاطئة، وصور وفيديوهات مفبركة، إضافة إلى أنه مهما بلغ تأثيرها فإن انتشارها يظل أقل من وسائل الإعلام الجماهيرية». ثم تضيف أن «سهولة التفاعل على منصات التواصل الاجتماعي، التي تعد أحد مميزاتها، قد تكون أيضاً من أحد أهم مساوئها، إذ يتيح التفاعل الفرصة لزيادة التجاذبات والتباينات والتجريح ونشر خطاب الكراهية».
وبالفعل، تطالب الجماعات المدنية في الولايات المتحدة، راهناً، الشركات المالكة لمنصات التواصل الاجتماعي بـ«تعزيز إجراءاتها ضد انتشار الأخبار الكاذبة على منصاتها، واتخاذ خطوات تقلل من إساءة استخدام هذه المنصات، كما حدث في الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016... وهي الانتخابات التي شهدت اتهامات باستخدام فيسبوك من قبل قوى خارجية للتأثير في العملية الانتخابية». وترجّح الجماعات المدنية وفق تقرير نشرته صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية الأسبوع الماضي، أن «منصات التواصل الاجتماعي ما زالت غير مستعدة لمواجهة الأخبار الكاذبة قبيل الانتخابات التجديد النصفي».