لبنان يترقب اليوم مسار «كبح» انهيار الليرة

دقة الظروف تضع حاكم «المركزي» ومسيرته المهنية على المحك

محل صرافة في أحد شوارع بيروت (إ.ب.أ)
محل صرافة في أحد شوارع بيروت (إ.ب.أ)
TT

لبنان يترقب اليوم مسار «كبح» انهيار الليرة

محل صرافة في أحد شوارع بيروت (إ.ب.أ)
محل صرافة في أحد شوارع بيروت (إ.ب.أ)

يدخل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة منفردا اليوم قاعة الامتحان النقدي التي بادر إلى اختيار توقيتها وآلياتها في نهاية الأسبوع الماضي، ساعياً إلى استعادة دور السلطة النقدية في كبح الانهيار القياسي للعملة الوطنية، ومعززا بالأثر النفسي الفوري الناتج عن هبوط سعر الدولار إلى مستوى الـ27 ألف ليرة بعدما لامس الـ40 ألفاً في السوق السوداء، بمجرد إعلانه عن نيته بالتدخل لإعادة تهدئة عمليات القطع.
وستمثل نتيجة الامتحان، وفقاً لمسؤولين كبار في القطاع المالي ولديهم مروحة علاقات سياسية ناشطة تواصلت معهم «الشرق الأوسط»، «محطة فاصلة في مسيرة الحاكم الذي يشرف بعد شهرين بالتمام على بدء السنة الأخيرة من ولايته الممددة 4 مرات متتالية وتباعا منذ العام 1993»، ومحطة مماثلة في «رصيده المهني الشخصي»، بينما هو يواجه أساسا ومنذ فترة غير قصيرة دعوات لإقالته من قبل جهات معروفة في الحكم ومساءلات قضائية في الداخل والخارج. وقال المسؤولون عينهم إن «مردود النجاح بإنهاء الفوضى النقدية سيشمل المواطنين والاقتصاد وإدارة المؤسسات والدولية، فيما سيحمل وحده كامل نتائج الفشل وتداعياته».
وجذبت هذه المعادلة بالفعل اهتمامات استثنائية تتعدى النطاق المحلي، ربطا بتنوع جنسيات المودعين والمستثمرين في لبنان. وتترقب الأوساط نتائج الجولة الأولى التي ستجري على مدار ثلاثة أيام متتالية، لتأمين الدولار للأسواق، فضلا عن مجرياتها وحصيلتها في عكس اتجاه المبادلات النقدية من التفلت السعري إلى التحكم من قبل السلطة النقدية.
وستُنفذ الإجراءات عبر ردهات فروع البنوك التجارية كافة التي أنيطت بها مهام تلقي طلبات استبدال السيولة النقدية بالليرة بسيولة مقابلة بالدولار النقدي (بنكنوت) وفقا للسعر المعتمد على منصة «صيرفة» البالغ في آخر يوم عمل سابق 24.6 ألف ليرة لكل دولار.
وبحسب إشعارات بريدية ورسائل صوتية تم تعميمها في عطلة نهاية الأسبوع واطلعت «الشرق الأوسط» على نماذج منها، فقد أبلغت الإدارات العامة للبنوك مديري الفروع بوجوب التهيؤ الوظيفي واللوجيستي بغية الالتزام بمندرجات تعميم البنك المركزي الذي يطلب من المصارف «أن تبقي على فروعها وصناديقها مفتوحة يومياً حتى الساعة السادسة مساءً ابتداء من يوم الاثنين ولثلاثة أيام متتالية»، وذلك لتلبية طلبات المواطنين من شراء الدولارات على سعر منصة «صيرفة» لمن يسلم الليرات اللبنانية، كما دفع رواتب الموظفين في القطاع العام بالدولار أيضاً على سعر المنصة. كذلك تلقى أغلب الزبائن إشعارات على هواتفهم تعلمهم بتمديد ساعات الدوام حتى المساء في البنوك.
وزاد من عوامل الإثارة في متابعة العمليات النقدية والمفاعيل التي ستنجم عن استعادة آليات التدخل المباشر والقوي للبنك المركزي في إدارة المبادلات النقدية وتسعير العملات، بروز إشارات حذرة للغاية في الاستجابة المكتملة من قبل صانعي القرار في أسواق المبادلات غير النظامية. حيث رصدت «الشرق الأوسط» تعمد العديد من الصرافين المتجولين إلى اعتماد أسعار مرتفعة نسبيا للدولار عاودت الصعود بالدولار إلى نحو 28 ألفا، وإنما تكشف من خلال اتصالات مباشرة أن أغلبهم يحجم عن شراء الدولار بالسعر المعلن ويعرض آخرون استبدال كميات قليلة من خلال سعر يقل نحو ألف ليرة عن الأسعار المعروفة في تطبيقات الهاتف.
وريثما تتضح العلامات الأولية لجدوى التدخل الموعود من قبل البنك المركزي في منظومة تسعير الدولار خلال المبادلات التي سيبدأ تنفيذها اليوم، انشغلت الأوساط المصرفية والمالية كما شركات الصيرفة بالبحث في خلفية التحرك المفاجئ للحاكم مساء آخر يوم عمل من الأسبوع الماضي، وما يستبطنه من غطاء سياسي من قبل أركان السلطتين التنفيذية والتشريعية (الحكومة ومجلس النواب)، كذلك سبل تأمين السيولة الكافية لتنفيذ عمليات استبدال الليرة بواسطة الدولار النقدي، ومهما بلغت كمياتها وفقاً للتعميم.
وبرز في هذا السياق، دفاع وزير المالية يوسف خليل عن منصة «صيرفة»، معتبراً في حديث تلفزيوني أن الوزارة «قامت بالشراكة مع المؤسسات الدولية المالية بمختلف تقنياتها بمحاكاة لسعر الصرف، وجميعها تطابقت مع سعر الصرف المحدد من منصة صيرفة إلى حد كبير». وبالتالي، فإن انفلات سعر صرف الدولار بهذا الشكل «هو أمر غير طبيعي، مما يزيد من فرضية إقدام البعض على خلق هذه الفجوة»، ذلك أن «شح توافر الليرة وتوافر الدولار بشكل متزايد يفترض أن يؤدي إلى نتائج عكسية، أي انخفاض سعر صرف الدولار».
وأشار إلى أن «عمليات الصرف في السوق السوداء لم يتجاوز حجمها مؤخراً خمسة ملايين دولار يومياً، فيما يتعدى حجم التداول على منصة صيرفة عشرات ملايين الدولارات يومياً». حتى أن «التطورات العالمية في زيادة أسعار السلع الأساسية عالمياً، وعدم حصول أي تبدل في ميزان المدفوعات والميزان التجاري في لبنان، لا يبرر»، وفقا لوزير المال، «هذا الفرق في سعر الصرف على منصة صيرفة والسوق السوداء». ورجح أن تكون وراء ارتفاع سعر الدولار «أسباب سياسية وتجارية أو لخلق حالة هلع في الأسواق».
وفي بعد متصل لا يقل أهمية، أعربت مصادر مصرفية لـ«الشرق الأوسط» عن خشيتها من تحويل المبادرة لضبط المبادلات النقدية وكبح انهيار سعر صرف الليرة، إلى «مغامرة غير مأمونة النتائج تستنزف كميات كبيرة من مخزون احتياطي العملات الصعبة المتبقي لدى البنك المركزي» بعد تقلصاته الحادة والمتوالية منذ انفجار الأزمتين المالية والنقدية في خريف العام 2019 بما يتعدى 22 مليار دولار وهبوطه أخيرا دون مستوى 10 مليارات دولار التي تقل عن إجمالي الاحتياطات الإلزامية على الودائع المصرفية والمقدرة بما يتخطى 13 مليار دولار.
وارتفع منسوب التوجس من تبديد المزيد من مبالغ الاحتياطيات، بعد الرد الصاعق الذي أبلغه سلامة إلى جمعية المصارف المطالبة بعدم المس بهذا المخزون، وهو يمثل حقوقاً حصرية لمودعيها، مبيناً، في كتاب رسمي، أنه تم فرض موجب التوظيفات الإلزامية بالعملات الأجنبية على المصارف من خلال صلاحيته المتصلة بتحديد حجم تسليفات المصارف وشروطها، مشيراً إلى أن القانون لا يفرض عليه تغطية هذه الأموال بأي شكل من الأشكال، سواء كانت هذه الأموال احتياطيات أو ودائع أو توظيفات إلزامية.
وأشار سلامة في رده إلى أنه من صلاحياته «التحكم في استعمال هذه الأموال من خلال تطبيق المادة 70 من قانون النقد والتسليف التي توجب على مصرف لبنان الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي وعلى سلامة أوضاع النظام المصرفي بهدف تأمين نمو اقتصادي واجتماعي دائم».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

مفوّض شؤون اللاجئين يزور بيروت ويندد بأزمة «مروّعة» يواجهها لبنان

عائلات لبنانية وسورية تعبر الحدود إلى سوريا على أقدامها بعدما استهدفت غارة إسرائيلية معبر المصنع (أ.ب)
عائلات لبنانية وسورية تعبر الحدود إلى سوريا على أقدامها بعدما استهدفت غارة إسرائيلية معبر المصنع (أ.ب)
TT

مفوّض شؤون اللاجئين يزور بيروت ويندد بأزمة «مروّعة» يواجهها لبنان

عائلات لبنانية وسورية تعبر الحدود إلى سوريا على أقدامها بعدما استهدفت غارة إسرائيلية معبر المصنع (أ.ب)
عائلات لبنانية وسورية تعبر الحدود إلى سوريا على أقدامها بعدما استهدفت غارة إسرائيلية معبر المصنع (أ.ب)

ندّد مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، لدى وصوله إلى بيروت، السبت، بما يواجهه لبنان من «أزمة مروعة»، بعد فرار مئات الآلاف من منازلهم على وقع الغارات الإسرائيلية الكثيفة على مناطق عدة في البلاد.

وقال غراندي، في منشور على منصة «إكس»: «وصلت للتو إلى بيروت بينما يواجه لبنان أزمة مروّعة. مئات الآلاف من الأشخاص باتوا معدمين أو مشردين بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية»، مضيفاً: «جئت إلى هنا تضامناً مع المتضررين، لدعم الجهود الإنسانية ولطلب مزيد من المساعدة الدولية»، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، السبت، أن أكثر من نصف مليون شخص الآن صاروا نازحين داخل لبنان. وذكرت تقارير، نقلت عنها «وكالة الأنباء الألمانية»، أن حصيلة القتلى المرتبطة بالصراع زادت بمعدل 200 في المائة في الأسبوعين الماضيين، فيما ارتفعت أعداد النازحين بنسبة 385 في المائة.

ومنذ 23 سبتمبر (أيلول)، كثفت إسرائيل من قصفها على أهداف لـ«حزب الله» في لبنان. يذكر أن المناطق الحدودية في جنوب لبنان تشهد تبادلاً لإطلاق النار بين الجيش الإسرائيلي و«حزب الله»، منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 بعد إعلان إسرائيل الحرب على غزة، وإعلان «حزب الله» مساندة سكان القطاع.