الفواكه المجففة... صراع ثقافي لاجتذاب الذواقة

الموز والمانجو والأناناس في منافسة مع التين والمشمش

محمد الكلحة  -  صورة من صفحة { أبو الخير} على «إنستغرام»
محمد الكلحة - صورة من صفحة { أبو الخير} على «إنستغرام»
TT

الفواكه المجففة... صراع ثقافي لاجتذاب الذواقة

محمد الكلحة  -  صورة من صفحة { أبو الخير} على «إنستغرام»
محمد الكلحة - صورة من صفحة { أبو الخير} على «إنستغرام»

لم يكن معتاداً في مصر قبل سنوات قريبة، أن تتجول داخل متجر للحلوى والمكسرات فتجد حاويات زجاجية معبأة بفاكهة مجففة من الموز والمانجو والأناناس والكيوي، بينما أبناء العاصمة لم يعتادوا سوى على حبات المشمش والتين والبرقوق المجفف والمعروف باسم «القراصية»، وخلال شهر رمضان فحسب.
هذه الأصناف طلّت على المحروسة مع أفواج من الأشقاء السوريين القادمين إليها.
يقول حسين، أحد البائعين داخل متجر «أبو الخير» السوري الذي ينتشر في أرجاء القاهرة، إن الفاكهة المجففة بكل أنواعها ميّزت ورسخت وجودهم في السوق، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «في البداية كان المتسوق المصري ينظر إلى الفاكهة المجففة بعين الاستغراب، ليس فقط لأننا نقدم أنواعاً غير مألوفة مثل الكيوي والمانجو وغيرهما، لكن أيضاً لأنها متاحة طيلة العام، غير أن المصريين اعتادوا تقديمها على سفرة رمضان فحسب، ويردف: «كان جزءاً من التحدي أن تقنع الزبون بالتجربة، وبمجرد الإقدام لن ينسى المذاق الطيب وسيعود لا محالة».
تعد سوق الفاكهة المجففة إحدى الأسواق الرائدة عالمياً التي تنطوي على تطوير تقنيات مبتكرة وقطاع شديد التصنيف. وحسب شركة تحليل واستشارات السوق «manufacture link» ومقرها الولايات المتحدة الأميركية، في تقرير صدر مطلع مايو (أيار) الجاري، فإن هذه السوق بصدد صعود لافت يصل إلى 6.8 في المائة، انطلق من العام الماضي ومرتقب استمراره حتى عام 2030. يلاحظ التقرير بعمق الهيكل التنافسي لسوق الفواكه المجففة في جميع أنحاء العالم.
وفي معرض ردِّه على سؤال حول سبب هذا الانعطاف نحو الفاكهة المجففة، يقول الطاهي محمد الكلحة، لـ«الشرق الأوسط» إنه انعكاس متوقع لعالم باتت تذوب فيه الثقافات دون توقف، ويردف: «العالم صار منفتحاً، لم يعد للحواجز الجغرافية أو الآيديولوجية مكان في عالم يمكن بشكل افتراضي أن يتواصل ويندمج، أصبح بضغطة زر يمكنك أن تشاهد وتحاكي ثقافة الأكل لشعوب تفصل بينكما ملايين الأميال». ويربط الكلحة أيضاً بين صعود الفاكهة المجففة ونمط الأكل الواعي أو الصحي، ويقول: «صرنا الآن أذكى في تحديد خيارات الأكل، نبحث عن أطايب الطعام، لكن يا حبذا إذا كانت لا تخل بمعادلات التغذية الصحية، ولأن الفاكهة المجففة مخزن للفيتامينات والمعادن، لا غرابة في أن تتصدر الوصفات والمتاجر».

وصفات  من الشيف محمد الكلحة

وعن قيمتها الغذائية، يقول: «الفواكه المجففة بما في ذلك المشمش المجفف والتوت البري المجفف والزبيب والتمر والتين والخوخ، تحتوي على كمية كبيرة من العناصر الغذائية، والسبب هو أن العناصر الغذائية والألياف تكون أكثر تركيزاً عند إزالة الماء من الفاكهة».
وللمقارنة، يحتوي نصف كوب من المشمش المجفف على 4.7 غرام من الألياف، لكن نفس الكمية من شرائح المشمش الطازج تحتوي على 1.6 غرام من الألياف، كذلك، تعد الفاكهة المجففة أيضاً مصدراً غنياً لمضادات الأكسدة و(فيتامين ب).
رواج الفاكهة المجففة دفع نحو تجربة أصناف غير مألوفة من الفاكهة، ويقول الكلحة عن أحدث صرعات الفاكهة المجففة: «فوجئت بتوفر فاكهة الكاكا بصورتها المجففة، كذلك الموز والكيوي والكمثرى والتفاح والفراولة، لكنها فرصة ذهبية لتجربة مزيد من الوصفات المحملة بالقيمة الغذائية، ورغم أن أغلب أصناف الفاكهة يمكن تجفيفها فإنها ليست كلها مفيدة ولذيذة بعد التجفيف».
ويضيف: «بشكل عام، يمكن أن تكون الفاكهة المجففة وجبة خفيفة مغذية ومريحة وقابلة للحمل، خصوصاً عند مزجها بالمكسرات، وتؤكل كوجبة خفيفة بين الوجبات الرئيسية».
الطاهي محمد الكلحة أردني الجنسية، يقيم بالكويت، ويتنقل بين الدول العربية شتى، ومن ثم هو على مقربة من تفاصيل المطابخ العربية، ويقول عن أكثر الدول التي كانت لها بصمتها الخاصة في تقديم الفاكهة المجففة: «الفواكه المجففة برأيي هي من ضمن ثقافة كل الشعوب العربية، فالخليج جفّف التمر، ومصر والحجاز وبلاد المغرب العربي مشهورة بالخشاف، أما بلاد الشام فحدث ولا حرج، من زمن طويل نجفف التين والمشمش والعنب والقائمة تطول، وإن كان من أكثر الدول، فسأقول تركيا من حيث تنوع الفواكه المجففة لديها».
وعن أفضل أنواع الفواكه المجففة، يقول الكلحة: «العنب أو الزبيب، كما نطلق عليه بعد تجفيفه، لأنه يُستخدم في الأطباق الحلوة والحادقة على حد سواء، وقريب من مذاق المطبخ العربي، كذلك، التين والكرانبيري».
وعن أسهل طريقة لتناولها يقول: «وصفة الخشاف رائعة ومميزة ومفيدة للغاية، فهي أفضل طريقة لتناول الفاكهة المجففة في صورتها الطبيعية دون إضافة السكر أو أي مواد دهنية»، ويصفها «عبارة عن عصير قمر الدين مخفف بالماء، الممزوج بكمية مناسبة من المكسرات والفواكه المجففة المنقوعة مسبقاً بالماء وماء الزهر».
صحيح أن الخشاف له وصفات رائجة في بلداننا العربية، بيد أن الكلحة أراد أن يضع بصمته على أفكار ووصفات الفواكه المجففة. وقدم نصيحة أكثر من كونها وصفة: نأتي بالتين المجفف، يُقطع أرباعاً ثم يُنقع في زيت الزيتون البكر الصافي لمدة يومين، ونبدأ نتناول منه حبة على الريق صباحاً، فطار طيب ومفيد لصحة الجهاز الهضمي والمناعة وتحسين الذاكرة».


مقالات ذات صلة

البطاطا الحلوة... وصفات جديدة لمواجهة برودة الطقس

مذاقات غلاش محشو بالبطاطا الحلوة من الشيف أميرة حسن (الشرق الأوسط)

البطاطا الحلوة... وصفات جديدة لمواجهة برودة الطقس

البطاطا الحلوة بلونها البرتقالي، تُمثِّل إضافةً حقيقيةً لأي وصفة، لا سيما في المناسبات المختلفة. إذ يمكنك الاستمتاع بهذا الطبق في جميع الأوقات

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات برغر دجاج لشيف أحمد إسماعيل (الشرق الأوسط)

كيف تحصل على برغر صحي ولذيذ في المنزل؟

عندما نفكر في الوجبات السريعة، تكون تلك الشريحة اللذيذة من اللحم التي تضمّها قطعتان من الخبز، والممتزجة بالقليل من الخضراوات والصلصات، أول ما يتبادر إلى أذهاننا

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات فطور مصري (إنستغرام)

«ألذ»... أكل بيت مصري في مطعم

ألذ الأطباق هي تلك التي تذكرك بمذاق الأكل المنزلي، فهناك إجماع على أن النَفَس في الطهي بالمنزل يزيد من نكهة الطبق

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات 
شوكولاته مع الفراولة (الشرق الأوسط)

ودّع العام بوصفات مبتكرة للشوكولاته البيضاء

تُعرف الشوكولاته البيضاء بقوامها الحريري الكريمي، ونكهتها الحلوة، وعلى الرغم من أن البعض يُطلِق عليها اسم الشوكولاته «المزيفة»

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات طاولة العيد مزينة بالشموع (إنستغرام)

5 أفكار لأطباق جديدة وسريعة لرأس السنة

تحتار ربّات المنزل ماذا يحضّرن من أطباق بمناسبة أعياد الميلاد ورأس السنة؛ فهي مائدة يجب أن تتفوّق بأفكارها وكيفية تقديمها عن بقية أيام السنة.

فيفيان حداد (بيروت)

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)
ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)
TT

«عناب براسري» منافس قوي على ساحة الأكل اللبناني بلندن

ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)
ديكور أنيق ومريح (الشرق الاوسط)

عندما يأتي الكلام عن تقييم مطعم لبناني بالنسبة لي يختلف الأمر بحكم نشأتي وأصولي. المطابخ الغربية مبنية على الابتكار والتحريف، وتقييمها يعتمد على ذائقة الشخص، أما أطباق بلاد الشام فلا تعتمد على الابتكار على قدر الالتزام بقواعد متَّبعة، وإنني لست ضد الابتكار من ناحية طريقة التقديم وإضافة اللمسات الخاصة تارة، وإضافة مكون مختلف تارة أخرى شرط احترام تاريخ الطبق وأصله.

التبولة على أصولها (الشرق الاوسط)

زيارتي هذه المرة كانت لمطعم لبناني جديد في لندن اسمه «عناب براسري (Annab Brasserie)» فتح أبوابه في شارع فولهام بلندن متحدياً الغلاء والظروف الاقتصادية العاصفة بالمدينة، ومعتمداً على التوفيق من الله والخبرة والطاهي الجيد والخبرة الطويلة.

استقبلنا بشير بعقليني الذي يتشارك ملكية المشروع مع جلنارة نصرالدين، وبدا متحمساً لزيارتي. ألقيت نظرة على لائحة الطعام، ولكن بشير تولى المهمة، وسهَّلها عليَّ قائلاً: «خلّي الطلبية عليّ»، وأدركت حينها أنني على موعد مع مائدة غنية لا تقتصر على طبقين أو ثلاثة فقط. كان ظني في محله، الرائحة سبقت منظر الأطباق وهي تتراص على الطاولة مكوِّنة لوحة فنية ملونة مؤلَّفة من مازة لبنانية حقيقية من حيث الألوان والرائحة.

مازة لبنانية غنية بالنكهة (الشرق الاوسط)

برأيي بوصفي لبنانية، التبولة في المطعم اللبناني تكون بين العلامات التي تساعدك على معرفة ما إذا كان المطعم جيداً وسخياً أم لا، لأن هذا الطبق على الرغم من بساطته فإنه يجب أن يعتمد على كمية غنية من الطماطم واللون المائل إلى الأحمر؛ لأن بعض المطاعم تتقشف، وتقلل من كمية الطماطم بهدف التوفير، فتكون التبولة خضراء باهتة اللون؛ لأنها فقيرة من حيث الليمون وزيت الزيتون جيد النوعية.

جربنا الفتوش والمقبلات الأخرى مثل الحمص والباباغنوج والباذنجان المشوي مع الطماطم ورقاقات الجبن والشنكليش والنقانق مع دبس الرمان والمحمرة وورق العنب والروبيان «الجمبري» المشوي مع الكزبرة والثوم والليمون، ويمكنني الجزم بأن النكهة تشعرك كأنك في أحد مطاعم لبنان الشهيرة، ولا ينقص أي منها أي شيء مثل الليمون أو الملح، وهذا ما يعلل النسبة الإيجابية العالية (4.9) من أصل (5) على محرك البحث غوغل بحسب الزبائن الذين زاروا المطعم.

الروبيان المشوي مع الارز (الشرق الاوسط)

الطاهي الرئيسي في «عناب براسري» هو الطاهي المعروف بديع الأسمر الذي يملك في جعبته خبرة تزيد على 40 عاماً، حيث عمل في كثير من المطاعم الشهيرة، وتولى منصب الطاهي الرئيسي في مطعم «برج الحمام» بلبنان.

يشتهر المطعم أيضاً بطبق المشاوي، وكان لا بد من تجربته. الميزة كانت في نوعية اللحم المستخدم وتتبيلة الدجاج، أما اللحم الأحمر فهو من نوع «فيليه الظهر»، وهذا ما يجعل القطع المربعة الصغيرة تذوب في الفم، وتعطيها نكهة إضافية خالية من الدهن.

حمص باللحمة (الشرق الاوسط)

المطعم مقسَّم إلى 3 أقسام؛ لأنه طولي الشكل، وجميع الأثاث تم استيراده من لبنان، فهو بسيط ومريح وأنيق في الوقت نفسه، وهو يضم كلمة «براسري»، والديكور يوحي بديكورات البراسري الفرنسية التي يغلب عليها استخدام الخشب والأرائك المريحة.

زبائن المطعم خليط من العرب والأجانب الذين يقطنون في منطقة فولهام والمناطق القريبة منها مثل شارع كينغز رود الراقي ومنطقة تشيلسي.

بقلاوة بالآيس كريم (الشرق الاوسط)

في نهاية العشاء كان لا بد من ترك مساحة ليكون «ختامه حلوى»، فاخترنا الكنافة على الطريقة اللبنانية، والبقلاوة المحشوة بالآيس كريم، والمهلبية بالفستق الحلبي مع كأس من النعناع الطازج.

المطاعم اللبنانية في لندن متنوعة وكثيرة، بعضها دخيل على مشهد الطعام بشكل عام، والبعض الآخر يستحق الوجود والظهور والمنافسة على ساحة الطعام، وأعتقد أن «عناب» هو واحد من الفائزين؛ لأنه بالفعل من بين النخبة التي قل نظيرها من حيث المذاق والسخاء والنكهة وروعة المكان، ويستحق الزيارة.