قال المطرب أنس فخري إنه لا يمكنه أن يكون خليفة والده صباح فخري لأنه ظاهرة لن تتكرر. وأضاف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لقد حاولوا تقليده والتشبه بأسلوبه الغنائي، ولكن لا أنا ولا غيري يستطيع أن يكون خليفة صباح فخري، لأنه أسطورة حية استطاع تحديث التراث الغنائي فكان عملاقا بأسلوبه».
وعدَّ الفنان السوري الذي يجيد الغناء الغربي والشرقي تماما، أنه اجتهد للتمتع بثقافة موسيقية شاملة فتعرف إلى أسلوبي موتسارت وبيتهوفن تماما ومدرستي سيد درويش وزكريا أحمد، مما جعله متمكنا من الاثنتين. وقال: «كنت في السادسة من عمري عندما أعجبت بآلة الغيتار الكهربائي، وأول موشح عربي لم يعلمني إياه والدي، بل أستاذي في الموسيقى (نعيم) وحفظني إياه الموسيقار عمار طرقجي». ويتابع: «تعلمت أصول الغناء وأنا ما زلت شابا يافعا (12 عاما) بدءا من مقامي الحجاز والبيات وغيرهما، ويروي لي والدي أنه اكتشف موهبتي الفنية منذ كان عمري سبعة أشهر عندما رآني أتفاعل مع موسيقى إحدى الأغاني على نغمة الإيقاع». وشبه أنس فخري النوتات الموسيقية كمعادلات مادة الرياضيات لأن فيها أبعادا وحسابات متشابهة. وقال: «في رأيي، الفن منظومة بحد ذاتها، وعلى الفنان أن يكون لديه ثقافة شاملة فيه وإلا فشل».
وعما إذا كان ينوي استخدام هذه الخلطة الفنية التي يتمتع بها من أجل جذب جيل اليوم إلى الفن الأصيل، قال: «ليس هذا هو هدفي الأساسي، فصباح فخري عمل على عصرنة التراث بما معناه (عمللو آب دايت)، فعدل فيه ليتناسب مع الحداثة، فجذب جيل الشباب بنوعية أدائه، أما أنا فسأعمل على نشر قيم فنية تسهم في تطور الموسيقى الشرقية لتعيش مدة 300 عام إلى الأمام، فلا الشهرة ولا المال يستهويانني أو يشكلان هدفا لي، بل أتطلع إلى ترك إرث فني مميز».
ووصف بداياته بأنها كانت صعبة، فهو لم يشأ أن يستخدم شهرة والده لتحقيق أحلامه الموسيقية، وقال: «في البداية أسست فرقة غنائية تحت اسم أنس أبو قوس، وهو الاسم الحقيقي لعائلتي، كي لا يشار إلى بأنني ابن صباح فخري، فتعبت على حالي وعملت بكد لأستأهل اسم والدي ولأكون أنس صباح فخري».
وعما إذا كان قد عمل في مهنة أخرى قبل احترافه الغناء أجاب: «لقد عملت في مجالات عدة، فكنت جيولوجيا في شركة للنفط، وموظفا في شركة إعلانات، ومسؤولا في شركة اتصالات، إلا أن الفن بقي حاضرا في داخلي وذاتي، ولذلك عدت ورميت نفسي بين أحضانه».
أما الآلات الموسيقية التي يجيد العزف عليها فهي البيانو والعود والبيركاشن، ويوضح قائلا: «تعلمت العزف على البيانو كي أكون ملما في مجال التوزيع الموسيقي، أما العود فهو أساس الموسيقى الشرقية وبالنسبة لـ(البيركاشن) فلقد جذبتني إلى أن صرت اختصاصيا فيها».
ويرى أن شريحة لا يستهان بها من جيل اليوم تستمع إلى الأغاني الأصيلة وإلى الموشحات والقدود الحلبية، وقال: «هناك نسبة كبيرة منهم تتابع هذا النوع من الغناء وتطرب له، وهو أمر طبيعي، كون هذا النوع من الموسيقى لا يندثر أو يموت، كما أن الجرعة الثقافية بنظري هي أخطر من أي جرعات أخرى، ولذلك علينا صب كل اهتمامنا بها».
وعن القيم التي تعلمها من والده، قال: «لقد بنى فيَّ الأصالة، فعلمني أن أكون صادقا مع نفسي ومع جمهوري، وألا أخاف الحقيقة والصراحة، وأن أكون واثقا من نفسي».
وعن الساحة الفنية اليوم، قال: «لكل زمان دولة ورجال، والإنسان يستغرق وقتا طويلا ليدرك قيمة الأشياء، وخصوصا الثقافية منها، وأعطيك مثلا بسيطا على ذلك وهي أغنية (لو فيي) لعايدة شلهوب، هذه الأغنية أعادت أداءها إليسا فأحيتها من جديد مع أنها تعود للسبعينات. هذا هو الذكاء الفني الذي يجب أن نستخدمه في المكان والزمان المناسبين».
وتساءل قائلا: «هناك خلل في إيصال هذه الثقافة إلى الناس، فهل من الطبيعي أن تغيب فنانة موهوبة كرويدا عطية مثلا عن الساحة لتحل مكانها أخرى لا تملك من الصوت سوى الشكل الجميل؟ فللفن صناعته الخاصة ولا يمكن أن تبنى إلا على أساس قوي وصحيح وإلا فالسلام على الفن الأصيل وأهله».
يضيف: «هناك بالطبع من استطاع أن يحفظ مكانته على الساحة من خلال ابتكاره مدرسة غنائية خاصة به مثل ملحم بركات أو رامي عياش، وحتى سامي كلارك، فهذا الأخير عندما غنى العربي المطعم بالغربي استغرب الناس الأمر، ولكنهم أدركوا فيما بعد أنه ابتكر مدرسة جديدة ليحاكي جيل الشباب في تلك الحقبة».
ورأى أن هذا التميز حصل فقط عند الفنانين الذكور، بينما غاب تماما عند الفنانات، وقال: «لقد توقفت المدارس النسائية في الغناء منذ أيام سعاد محمد وصباح وفيروز ونجاح سلام وغيرهن ممن تركن علامة فارقة في هذا المجال، فليس هناك صوت نسائي اليوم يملك هذه الميزة». ولكن لماذا برأيه؟ يرد: «لا أريد أن أطيل في الحديث عن هذا الموضوع لأنني أعرف تماما أن البعض سيعلق سلبا وينتقدني ويقول: من هو أنس فخري حتى يقيم الساحة الفنية؟ ولكن وعلى قدر معرفتي التي أنوي تطويرها أيضا في المستقبل القريب أبدي رأيي هذا».
وشارك أنس فخري الصيف الماضي في مهرجانات «أسواق بيروت» الفنية، وهو المعروف بإجادته الغناء الغربي، فوقف إلى جانب والده على المسرح، وأدى معه دويتو غنائيا ناجحا من القدود الحلبية فأطرب الحضور الذي صفق له إعجابا، فكانت أولى إطلالاته الغنائية الرسمية في بيروت.
وعما إذا كان يجد نفسه عالقا بين الفنين الغربي والشرقي قال: «أنا قمت برحلة استشفيت منها ما يناسبني من الفن الغربي، ولكنني بالطبع عربي القلب والقالب، والموسيقى الشرقية تبقى الأجمل على الإطلاق، ولذلك حاول الغرب أن يسطو عليها بطريقة أو بأخرى، ولنأخذ الأتراك مثالا على ذلك، ولكننا نحن كموسيقيين شرقيين كسالى وعلينا اليوم أن نغتنم فرصة انتشارها عالميا لتطويرها». أضاف: «قانون التطور يحكم الحياة، وعصر السرعة والتكنولوجيا يجرف كل ما يلتقي به، فعلينا العمل بنفس الأسلوب كي لا تفوتنا الفرص».
وعن خطواته المستقبلية، قال: «سأكمل في طريق الطرب (الميتال)، فأنا أحضر مع الموسيقي هاني الشيخ لمشروع غنائي بعنوان (عيار) فنقدم قصائد للبحتري وعنترة، وغيرهما على أنغام موسيقى الـ(progressif metal) فنعربها على طريقتنا لنضعها في قالب حديث لم يسبق أن شهدنا ما يشبهه».
أنس صباح فخري: ليس هدفي حصد الشهرة والمال بل إضافة قيم موسيقية تعيش 300 عام
وصف والده بـ«العبقرية الموسيقية» التي لن تتكرر
أنس صباح فخري: ليس هدفي حصد الشهرة والمال بل إضافة قيم موسيقية تعيش 300 عام
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة