أنس صباح فخري: ليس هدفي حصد الشهرة والمال بل إضافة قيم موسيقية تعيش 300 عام

وصف والده بـ«العبقرية الموسيقية» التي لن تتكرر

أنس صباح فخري: ليس هدفي حصد الشهرة والمال بل إضافة قيم موسيقية تعيش 300 عام
TT

أنس صباح فخري: ليس هدفي حصد الشهرة والمال بل إضافة قيم موسيقية تعيش 300 عام

أنس صباح فخري: ليس هدفي حصد الشهرة والمال بل إضافة قيم موسيقية تعيش 300 عام

قال المطرب أنس فخري إنه لا يمكنه أن يكون خليفة والده صباح فخري لأنه ظاهرة لن تتكرر. وأضاف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لقد حاولوا تقليده والتشبه بأسلوبه الغنائي، ولكن لا أنا ولا غيري يستطيع أن يكون خليفة صباح فخري، لأنه أسطورة حية استطاع تحديث التراث الغنائي فكان عملاقا بأسلوبه».
وعدَّ الفنان السوري الذي يجيد الغناء الغربي والشرقي تماما، أنه اجتهد للتمتع بثقافة موسيقية شاملة فتعرف إلى أسلوبي موتسارت وبيتهوفن تماما ومدرستي سيد درويش وزكريا أحمد، مما جعله متمكنا من الاثنتين. وقال: «كنت في السادسة من عمري عندما أعجبت بآلة الغيتار الكهربائي، وأول موشح عربي لم يعلمني إياه والدي، بل أستاذي في الموسيقى (نعيم) وحفظني إياه الموسيقار عمار طرقجي». ويتابع: «تعلمت أصول الغناء وأنا ما زلت شابا يافعا (12 عاما) بدءا من مقامي الحجاز والبيات وغيرهما، ويروي لي والدي أنه اكتشف موهبتي الفنية منذ كان عمري سبعة أشهر عندما رآني أتفاعل مع موسيقى إحدى الأغاني على نغمة الإيقاع». وشبه أنس فخري النوتات الموسيقية كمعادلات مادة الرياضيات لأن فيها أبعادا وحسابات متشابهة. وقال: «في رأيي، الفن منظومة بحد ذاتها، وعلى الفنان أن يكون لديه ثقافة شاملة فيه وإلا فشل».
وعما إذا كان ينوي استخدام هذه الخلطة الفنية التي يتمتع بها من أجل جذب جيل اليوم إلى الفن الأصيل، قال: «ليس هذا هو هدفي الأساسي، فصباح فخري عمل على عصرنة التراث بما معناه (عمللو آب دايت)، فعدل فيه ليتناسب مع الحداثة، فجذب جيل الشباب بنوعية أدائه، أما أنا فسأعمل على نشر قيم فنية تسهم في تطور الموسيقى الشرقية لتعيش مدة 300 عام إلى الأمام، فلا الشهرة ولا المال يستهويانني أو يشكلان هدفا لي، بل أتطلع إلى ترك إرث فني مميز».
ووصف بداياته بأنها كانت صعبة، فهو لم يشأ أن يستخدم شهرة والده لتحقيق أحلامه الموسيقية، وقال: «في البداية أسست فرقة غنائية تحت اسم أنس أبو قوس، وهو الاسم الحقيقي لعائلتي، كي لا يشار إلى بأنني ابن صباح فخري، فتعبت على حالي وعملت بكد لأستأهل اسم والدي ولأكون أنس صباح فخري».
وعما إذا كان قد عمل في مهنة أخرى قبل احترافه الغناء أجاب: «لقد عملت في مجالات عدة، فكنت جيولوجيا في شركة للنفط، وموظفا في شركة إعلانات، ومسؤولا في شركة اتصالات، إلا أن الفن بقي حاضرا في داخلي وذاتي، ولذلك عدت ورميت نفسي بين أحضانه».
أما الآلات الموسيقية التي يجيد العزف عليها فهي البيانو والعود والبيركاشن، ويوضح قائلا: «تعلمت العزف على البيانو كي أكون ملما في مجال التوزيع الموسيقي، أما العود فهو أساس الموسيقى الشرقية وبالنسبة لـ(البيركاشن) فلقد جذبتني إلى أن صرت اختصاصيا فيها».
ويرى أن شريحة لا يستهان بها من جيل اليوم تستمع إلى الأغاني الأصيلة وإلى الموشحات والقدود الحلبية، وقال: «هناك نسبة كبيرة منهم تتابع هذا النوع من الغناء وتطرب له، وهو أمر طبيعي، كون هذا النوع من الموسيقى لا يندثر أو يموت، كما أن الجرعة الثقافية بنظري هي أخطر من أي جرعات أخرى، ولذلك علينا صب كل اهتمامنا بها».
وعن القيم التي تعلمها من والده، قال: «لقد بنى فيَّ الأصالة، فعلمني أن أكون صادقا مع نفسي ومع جمهوري، وألا أخاف الحقيقة والصراحة، وأن أكون واثقا من نفسي».
وعن الساحة الفنية اليوم، قال: «لكل زمان دولة ورجال، والإنسان يستغرق وقتا طويلا ليدرك قيمة الأشياء، وخصوصا الثقافية منها، وأعطيك مثلا بسيطا على ذلك وهي أغنية (لو فيي) لعايدة شلهوب، هذه الأغنية أعادت أداءها إليسا فأحيتها من جديد مع أنها تعود للسبعينات. هذا هو الذكاء الفني الذي يجب أن نستخدمه في المكان والزمان المناسبين».
وتساءل قائلا: «هناك خلل في إيصال هذه الثقافة إلى الناس، فهل من الطبيعي أن تغيب فنانة موهوبة كرويدا عطية مثلا عن الساحة لتحل مكانها أخرى لا تملك من الصوت سوى الشكل الجميل؟ فللفن صناعته الخاصة ولا يمكن أن تبنى إلا على أساس قوي وصحيح وإلا فالسلام على الفن الأصيل وأهله».
يضيف: «هناك بالطبع من استطاع أن يحفظ مكانته على الساحة من خلال ابتكاره مدرسة غنائية خاصة به مثل ملحم بركات أو رامي عياش، وحتى سامي كلارك، فهذا الأخير عندما غنى العربي المطعم بالغربي استغرب الناس الأمر، ولكنهم أدركوا فيما بعد أنه ابتكر مدرسة جديدة ليحاكي جيل الشباب في تلك الحقبة».
ورأى أن هذا التميز حصل فقط عند الفنانين الذكور، بينما غاب تماما عند الفنانات، وقال: «لقد توقفت المدارس النسائية في الغناء منذ أيام سعاد محمد وصباح وفيروز ونجاح سلام وغيرهن ممن تركن علامة فارقة في هذا المجال، فليس هناك صوت نسائي اليوم يملك هذه الميزة». ولكن لماذا برأيه؟ يرد: «لا أريد أن أطيل في الحديث عن هذا الموضوع لأنني أعرف تماما أن البعض سيعلق سلبا وينتقدني ويقول: من هو أنس فخري حتى يقيم الساحة الفنية؟ ولكن وعلى قدر معرفتي التي أنوي تطويرها أيضا في المستقبل القريب أبدي رأيي هذا».
وشارك أنس فخري الصيف الماضي في مهرجانات «أسواق بيروت» الفنية، وهو المعروف بإجادته الغناء الغربي، فوقف إلى جانب والده على المسرح، وأدى معه دويتو غنائيا ناجحا من القدود الحلبية فأطرب الحضور الذي صفق له إعجابا، فكانت أولى إطلالاته الغنائية الرسمية في بيروت.
وعما إذا كان يجد نفسه عالقا بين الفنين الغربي والشرقي قال: «أنا قمت برحلة استشفيت منها ما يناسبني من الفن الغربي، ولكنني بالطبع عربي القلب والقالب، والموسيقى الشرقية تبقى الأجمل على الإطلاق، ولذلك حاول الغرب أن يسطو عليها بطريقة أو بأخرى، ولنأخذ الأتراك مثالا على ذلك، ولكننا نحن كموسيقيين شرقيين كسالى وعلينا اليوم أن نغتنم فرصة انتشارها عالميا لتطويرها». أضاف: «قانون التطور يحكم الحياة، وعصر السرعة والتكنولوجيا يجرف كل ما يلتقي به، فعلينا العمل بنفس الأسلوب كي لا تفوتنا الفرص».
وعن خطواته المستقبلية، قال: «سأكمل في طريق الطرب (الميتال)، فأنا أحضر مع الموسيقي هاني الشيخ لمشروع غنائي بعنوان (عيار) فنقدم قصائد للبحتري وعنترة، وغيرهما على أنغام موسيقى الـ(progressif metal) فنعربها على طريقتنا لنضعها في قالب حديث لم يسبق أن شهدنا ما يشبهه».



ميشال رميح: أغنية «عم يوجعني بلدي» ترجمت فيها أحاسيسي الحقيقية

يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
TT

ميشال رميح: أغنية «عم يوجعني بلدي» ترجمت فيها أحاسيسي الحقيقية

يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)

قبل أسابيع قليلة، شارك المغني ميشال رميح في المهرجان الفني اللبناني في ولاية أريزونا في أميركا. تردد رميح قبل الموافقة على هذه المشاركة. وجد نفسه محرجاً في الغناء على مسرح عالمي فيما لبنان كان يتألّم، ولكنه حزم أمره وقرر المضي بالأمر كونه سيمثّل وجه لبنان المضيء. كما أن جزءاً من ريع الحفل يعود إلى مساعدة النازحين. ويعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «كانت الحفلة الأولى لي التي أقيمها خلال هذه الحرب. وترددي جاء على خلفية مشاعري بالحزن على وطني».

خلال الحرب أصدر ميشال رميح أغنيته الوطنية «عم يوجعني بلدي». وقدّمها بصورة بسيطة مع عزف على البيانو، فلامست قلوب سامعيها بدفء كلماتها ولحنها النابع من حبّ الوطن. فهو كما ذكر لـ«الشرق الأوسط» كتبها ولحنها وسجّلها وصوّرها في ظرف يوم واحد. ويروي قصة ولادتها: «كنا نتناول طعام الغداء مع عائلتي وأهلي، ولم أتنبه لانفصالي التام عن الواقع. شردت في ألم لبنان ومعاناة شعبه. كنت أشعر بالتعب من الحرب كما كثيرين غيري في بلادي. والأسوأ هو أننا نتفرّج ولا قدرة لنا على فعل شيء».

ألّف رميح أغنيته "عم يوجعني بلدي" ولحّنها بلحظات قليلة (ميشال رميح)

وجعه هذا حضّه على الإمساك بقلمه، فكتب أحاسيسه في تلك اللحظة. «كل ما كتبته كان حقيقياً، وينبع من صميم قلبي. عشت هذا الوجع بحذافيره فخرجت الكلمات تحمل الحزن والأمل معاً».

يقول إنه لا يحب التخلّي عن مشاعر التفاؤل، ولذلك آثر تمرير ومضات رجاء تلونها. وجعه الحقيقي الذي كان يعيشه لم يمنعه من التحلي بالصبر والأمل. ويوضح لـ«الشرق الأوسط»: «في النهاية سنقوم من جديد؛ كوننا شعباً صلباً لا تشّلنا الأزمات. والفنان صاحب الأحاسيس المرهفة لا يمكنه أن يفرّق بين وجهة سياسية وأخرى، ولا بين طائفة وأخرى ينتمي إليها هذا الشخص أو ذاك. فما أعرفه جيداً هو أننا جميعنا لبنانيون، ولذلك علينا التوحّد ومساعدة بعضنا البعض. رؤية أبناء بلدي يهجرون منازلهم وقراهم المدمّرة، لامستني عن قرب، فولدت أغنيتي (عم يوجعني بلدي)؛ لأني بالفعل عشت ألماً حقيقياً مع نفسي».

حفرت في ذاكرة ميشال رميح مشاهد عدة مؤثّرة عن لبنان المهجّر والمدمّر، كما يقول. «لن أنسى ذلك المسنّ الذي بكى خسارته لزوجته وبيته معاً. اليوم لا يجد مكاناً يؤويه، كما يفتقد شريكة حياته. وكذلك تعاطفت مع الأطفال والأولاد الذين لا ذنب لهم بحروب الكبار. فهؤلاء جميعاً أعتبرهم أهلي وإخوتي وأبنائي. كان لا بد أن تخرج مني كلمات أغنية، أصف فيها حالتي الحقيقية».

ميشال ابن زحلة، يقيم اليوم في أميركا. يقول: «هاجرت إلى هناك منذ زمن طويل. وفي كل مرة أعود بها إلى لبنان أشعر بعدم قدرتي على مغادرته. ولكن بسبب أطفالي اضطررت للسفر. وعندما أغادر مطار بيروت تمتلكني مشاعر الأسى والحزن. لم أرغب في ترك بلدي وهو يمرّ في محنة صعبة جداً. ولكن الظروف مرات تدفعنا للقيام بعكس رغباتنا، وهو ما حصل معي أخيراً».

يقول بأنه لا يحب التخلّي عن مشاعر التفاؤل (ميشال رميح)

صوّر ميشال أغنيته، وسجلها في الاستوديو، في الوقت نفسه. لم يرغب في أن تكون مصطنعة بمشهديتها بل أن تمثّل واقعاً يعيشه. «الأغنية ليست تجارية، كتبت كلماتها على قصاصة ورق صغيرة. وأنا أتوجّه إلى استوديو التسجيل قمت بتلحينها».

سبق وتعاون رميح في عدة أغنيات مع مجموعة شعراء وملحنين، ومن بينهم هيثم زيات وسليم عساف. ولكن في أغنية «عم يوجعني بلدي» ترك العنان لأحاسيسه، فلحّن وكتب وغنّى من هذا المنطلق. صديقه ريكاردو عازار تسلّم مهمة عزف اللحن على آلة البيانو. «لم أشأ أن ترافقها آلات وإيقاعات كثيرة لأنها أغنية دافئة ووطنية».

يعدّ رميح الأغنية الوطنية وجهة يجب أن يتحوّل إليها كل فنان تتملّكه أحاسيس حقيقية تجاه وطنه. ويستطرد: «هكذا أنا مغنٍ أستطيع أن أقاوم عندما بلدي يشهد مرحلة صعبة. لا أستطيع أن ألتزم الصمت تجاه ما يجري من اعتداءات على أرضه. ولأن كلمات الأغنية تنبع من رحم الواقع والمشاعر، لاقت انتشاراً كبيراً».

حتى أثناء مرور لبنان بأزمات سابقة لم يوفّر ميشال رميح الفرصة ليغني له. «أثناء ثورة أكتوبر (تشرين الأول) وانفجار المرفأ غنيّت لبنان بأسلوبي وعلى طريقتي. وتركت مساحة مضيئة بأمل في الغد تبرز في أعمالي. غنيت (شعب لبنان) يومها من ألحان هيثم زيات».

تركت مساحة مضيئة بأمل في الغد تبرز في أعمالي (ميشال رميح)

ينقل ميشال رميح حقيقة أحاسيس كل لبناني اضطر إلى هجرة وطنه. «قد يعتقد البعض أن من يعيش خارج لبنان وهو في أزمة، يتمتع بالراحة. هذا أمر خاطئ تماماً. فقد عصرني الألم وأنا أغادر وطني، وكلما حلّقت الطائرة وصغرت صورة لبنان من الأعلى، شعرت بحزن أكبر. جميع أبناء لبنان ممن أعرفهم هنا في أميركا يحزّ في قلبهم ابتعادهم عن وطنهم المجروح. ولكنهم جميعهم يأملون مثلي بالعودة القريبة إليه. وهو ما يزيد من صبرهم، لا سيما وأن أعمالهم وعائلاتهم تعيش في أميركا».

أغانٍ وطنية عديدة لفتت ميشال رميح أخيراً: «أرفع القبعة لكل فنان يغني لبنان المتألم. استمعت إلى أغانٍ عدة بينها لجوزف عطية (صلّوا لبيروت)، ولماجد موصللي (بيروت ست الدنيا)، وأخرى لهشام الحاج بعنوان (بيروت ما بتموت)، وكذلك واحدة أداها الوليد الحلاني (بعين السما محروس يا لبنان)». ويعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «أعتبر هذه الأغاني بمثابة غذاء الروح لوطني لبنان. لا شك أن ما أعنيه يأتي مجازياً؛ لأن لا شيء يعوّض خسارات بلدي. ولكن من ناحيتي أجد صوتي وأغنيتي هما سلاحي الذي أدافع فيه عن بلدي».

عندما غادر رميح لبنان منذ نحو الشهر كان في زيارته الثانية له بعد غياب. فحب الوطن زرعه في قلبه، ونما بداخله لا شعورياً. «لن أستسلم أبداً، وسأثابر على زيارة لبنان باستمرار، على أمل الإقامة فيه نهائياً وقريباً. فوالداي علّماني حب الوطن، وكانا دائماً يرويان لي أجمل الذكريات عنه. وأتمنى أن أشهد مثل هذه الذكريات كي أرويها بدوري لأولادي».