بايدن يواسي ضحايا «مذبحة المدرسة»... والجمعية الوطنية للبنادق تحتفي بـ«نجمها» ترمب

أخفقت الضغوط والمناشدات التي صدرت على مستويات عديدة في إلغاء عقد المؤتمر العام للجمعية الوطنية للبنادق، وهي من أقوى اللوبيات الأميركية، في ولاية تكساس التي شهدت في مطلع الأسبوع أحد أسوأ أعمال القتل الجماعية وأكثرها دموية بالأسلحة النارية في تاريخ الولايات المتحدة. فيما استعد الرئيس جو بايدن وزوجته جيل بايدن لزيارة بلدة يوفالدي المنكوبة غداً الأحد لتكريم الأطفال الـ19 والمعلمتين الذين قتلوا في الهجوم، وتقديم العزاء ومواساة ذويهم. وفي مؤشر إضافي على عمق الانقسامات التي تشهدها الولايات المتحدة، ولا سيما بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، فاخرت الجمعية الوطنية للبنادق - المعروفة أيضاً باسمها المختصر «إن آر أي» - بأن الرئيس السابق دونالد ترمب سيكون خطيباً رئيسياً في مؤتمرها العام، الذي بدأ أمس في مركز جورج براون للمؤتمرات في هيوستن، عاصمة تكساس. وأفادت في موقعها على الإنترنت: يسر الجمعية الوطنية للبنادق أن تعلن أن الرئيس السابق دونالد ترمب سيتصدر الجمعة (أمس) مجموعة مرصعة بالنجوم من الشخصيات السياسية ذات الوزن الثقيل في «منتدى القيادة الخاص بمعهد إن آر أي للعمل التشريعي»، الاسم الرسمي لمؤتمر الجمعية.
وأعلنت الناطقة باسم البيت الأبيض كارين جان بيار أن عائلة بايدن «ستواسي بالحزن المجتمع الذي فقد 21 شخصاً في حادث إطلاق النار المروع في مدرسة روب الابتدائية» التي شهدت «المجزرة» التي ارتكبها شاب اسمه سلفادور راموس يبلغ من العمر 18 عاماً الثلاثاء الماضي قبل أن تقتله الشرطة. وأوضحت أن الرئيس سيلتقي قادة المجتمع المحلي والزعماء الدينيين وذوي الضحايا.
وناشدت كارين جان بيار، وهي أم لتلميذ في المرحلة الابتدائية، المشرعين الأميركيين التوافق من أجل معالجة العنف المسلح الواسع النطاق الذي تشهده الولايات المتحدة. وقالت: «كان هؤلاء أطفال مدرسة ابتدائية، يجب أن يفقدوا أسنانهم الأولى، لا أن يفقدوا حياتهم».
وعندما سئلت عما إذا كان من اللائق أن تمضي الجمعية الوطنية للبنادق في مؤتمرها في هيوستن، أجابت أن «ما هو غير مناسب هو أن قيادة الجمعية الوطنية للبنادق أثبتت مراراً وتكراراً أنها تساهم في مشكلة العنف المسلح وليس في محاولة حلها... من المخزي أن تقف الجمعية الوطنية للبنادق وحلفاؤها في طريق كل محاولة لدفع الإجراءات التي نعلم جميعاً أنها ستنقذ الأرواح». وذكرت بما قاله بايدن الثلاثاء الماضي عن تجربته الشخصية كأب يتألم لفقدان طفل، داعياً البلاد إلى تشديد قوانين الأسلحة رداً على عمليات إطلاق النار.

تعزية… وتجاهل للمسؤولية
في المقابل، تجاهلت الجمعية الوطنية للبنادق أي مسؤولية تلقى عليها في حوادث القتل الجماعي التي تشهدها الولايات المتحدة، رافضة في الوقت ذاته المناشدات لإرجاء مؤتمرها إلى موعد لاحق وعقده في ولاية أخرى احتراماً لضحايا يوفالدي في تكساس. ولكنها عبرت عن «أعمق تعاطفنا مع ذوي ضحايا هذه الجريمة المروعة والشريرة»، مضيفة أنه «بالنيابة عن أعضائنا، نحيي شجاعة مسؤولي المدرسة والمسعفين الأوائل وغيرهم ممن قدموا دعمهم وخدماتهم». وقالت إنه «رغم أن التحقيق جارٍ والحقائق لم تظهر بعد، فإننا ندرك أن هذا كان فعل مجرم منفرد مختل العقل»، مؤكدة أن اجتماع هيوستن سيشهد «تأملاً في هذه الحوادث، وصلاة من أجل الضحايا». وتعهدت بـ«مضاعفة التزامنا لجعل مدارسنا آمنة». وكان من المقرر أن يلقي الرئيس السابق ترمب وغيره من الجمهوريين البارزين خطابات تهدف عموماً إلى تسويق الأسلحة النارية، والذي من المتوقع أن يجذب المحتجين الذين سئموا العنف باستخدام هذه الأسلحة.
وتراجع بعض المتحدثين والممثلين المرموقين، بما في ذلك اثنان من المشرعين من تكساس ومغني «الفطيرة الأميركية» دون ماكلين، الذي قال «سيكون من عدم الاحترام» المضي في حضور هذا المؤتمر في أعقاب إطلاق النار الجماعي الأخير في البلاد.

آذان صماء
بينما جدد الرئيس بايدن والديمقراطيون في الكونغرس دعواتهم من أجل فرض قوانين أكثر تشدداً على الأسلحة، قال عضو مجلس إدارة «أن آر أيه» فيل جورني إن «التركيز يجب أن يكون على رعاية صحية عقلية أفضل ومحاولة منع العنف باستخدام الأسلحة النارية»، مؤكداً أنه لن يدعم حظر أو تقييد الوصول إلى الأسلحة النارية.
وحضت الجمعية في بيان منتسبيها على شراء شاراتها والتسويق لهداياها التذكارية، مثل القمصان التي تحمل عبارة «الشموس تشرق والبنادق تظهر»، التي تعني أن الأسلحة ستبقى ما دامت الشمس تشرق. وأقامت الشرطة حواجز معدنية عبر الشارع من مركز المؤتمرات، في حديقة يتوقع أن يتجمع فيها المحتجون على الأسلحة.

يأتون من كل الولايات
ووصل غاري فرانسيس مع زوجته وأصدقائه من راسين بولاية ويسكونسن لحضور اجتماع «إن آر إيه». قال إنه يعارض أي أنظمة للسيطرة على الأسلحة ردا على إطلاق النار في يوفالدي. واعتبر أن «ما حصل هناك مأساوي بالتأكيد. لكن لا علاقة للجمعية الوطنية للبنادق به. الأشخاص الذين يأتون إلى هنا لا علاقة لهم به». ورغم أن تكساس شهدت سلسلة من عمليات إطلاق النار الجماعية في السنوات الأخيرة، فقد خفف المجلس التشريعي وحاكم الولاية الجمهوري غريغ أبوت قوانين حيازة الأسلحة.
وهناك سابقة لعقد اجتماع الجمعية وسط حداد وجدل محلي. إذ مضت «إن آر إيه» في نسخة مختصرة من اجتماعها عام 1999 في مدينة دنفر بعد أسبوع تقريباً من حادث إطلاق النار دام في مدرسة كولومباين الثانوية في ولاية كولورادو. وأخبر رئيس الجمعية عامذاك الممثل تشارلتون هيستون الحاضرين أن «الأعمال الفظيعة» لا ينبغي أن تصير فرصاً لتقييد الحقوق الدستورية. وندد بتصوير أعضاء «إن آر إيه» على أنهم «أشرار».
وقال العضو السابق في مجلس إدارة الجمعية روكي مارشال إنه رغم أن المأساة في يوفالدي «تضع الاجتماع في صورة سيئة» إلا أن «هذا ليس سبباً لإلغائه». واعتبر أن المدافعين عن حقوق السلاح والمعارضين «يمكنهم ربما تقليل عنف السلاح إذا ركزوا على عوامل مثل المرض العقلي أو أمن المدرسة». وقال: «رمي الجمعية الوطنية للبنادق بالحجارة لن يوقف إطلاق النار الجماعي التالي».
انسحابات لمشاهير…

ومسؤولين جمهوريين
لكن مغني موسيقى الريف الأميركي لاري جاتلين، الذي انسحب من المناسبة، قال إنه يأمل في أن «تعيد الجمعية التفكير في بعض مواقفها القديمة وغير المدروسة». ولفت إلى أنه «بينما اتفق مع معظم المواقف التي تعلنها الجمعية الوطنية للبنادق، توصلت إلى قناعة بأنه رغم أن عمليات التحقق من الخلفية لن تمنع كل مجنون بمسدس، إلا أنها على الأقل خطوة في الاتجاه الصحيح».
وذكرت مجلة «فارايتي» أن مغنيي الريف لي غرينوود ولاري ستيوارت انسحبا أيضاً. وطرأت تعديلات على برنامج عمل كل من الجمهوريين من تكساس واللذين كان مقرراً أن يتحدثا أمس الجمعة، وهما السيناتور جون كورنين والنائب دان كرينشو. وهما لن يحضرا المناسبة. وقال الناطق باسم حاكم ولاية تكساس غريغ أبوت، الذي كان من المقرر أن يحضر المؤتمر، إنه بدلاً من ذلك، سيتحدث أمام المؤتمر عن طريق تسجيل فيديو مسجل مسبقاً.
وأدرج السيناتور الجمهوري من تكساس تيد كروز كمتحدث. وكان ترمب أعلن الأربعاء أنه لا يزال ينوي الحضور. وكذلك أعلنت محافظة ساوث داكوتا الجمهورية كريستي نويم أنها ملتزمة خططها للتحدث في المناسبة.
ورغم السماح بالأسلحة النارية الشخصية في المؤتمر، أفادت الجمعية بأن الأسلحة لن يسمح بها خلال الجلسة التي يشارك فيها ترمب بسبب بروتوكولات الأمن الخاصة بجهاز الخدمة السرية.

احتجاجات
وأمام مركز المؤتمرات، تجمع ناشطون من مجموعات عدة خارج القاعة التي وفرت لها الشرطة والأجهزة الأمنية تدابير حماية مشددة. وقال سيزار إسبينوزا، المدير التنفيذي لمجموعة حقوقية مدنية مقرها هيوستن، إنه يخطط للمشاركة في الاحتجاجات. وقال: «هذا ليس الوقت أو المكان المناسب لعقد هذا المؤتمر. يجب ألا يكون لدينا أفكار ودعوات من المشرعين فقط، ولكننا بحاجة إلى اتخاذ إجراءات لمعالجة أزمة الصحة العامة التي تؤثر على مجتمعاتنا». وقال المشرع الديمقراطي السابق بيتو أورورك، الذي يتحدى أبوت في سباق حكام تكساس لعام 2022، إنه سيحضر احتجاجاً خارج قاعة المؤتمر.
وقال رئيس بلدية هيوستن الديمقراطي سيلفستر تورنر إن المدينة ملزمة باستضافة حدث الجمعية الوطنية للبنادق، الذي كان متعاقداً منذ أكثر من عامين. لكنه حض السياسيين على تخطي ذلك. وقال: «لا يمكنك الصلاة وإرسال التعازي في يوم ما، وبعد ذلك ستذهب وتدافع عن السلاح في اليوم التالي. هذا خطأ».