حفل استثنائي مجاني، شهدته بيروت، هو الأكبر، منذ ما يزيد على سنتين، أراده أسامة الرحباني، نافذة أمل للبنانيين، برفقة هبة طوجي التي أطلت هفهافة بالأبيض، وكأنها تعلن انطلاق الحياة الفنية اللبنانية من جديد، تحديداً من الـ«فوروم دو بيروت»، هذا المكان الذي يفتح للمرة الأولى بعد دماره بالكامل إثر انفجار المرفأ في الرابع من أغسطس (آب) 2020. ليستقبل احتفالاً بهذا الحجم.
أكثر من 150 فناناً أحيوا «ليلة أمل» حقيقية، بينهم 50 موسيقياً من أبرز عازفي الأوركسترا الفيلهارمونيّة اللبنانيّة، إضافة إلى «كورال صوت الجنة»، وعشرات الراقصين المُحترفين. أما مفاجأة الحفل فكانت بصعود الفنانة إليسا على المسرح، بعد أن بدت وكأنها بين الحضور، وذلك لتؤدي أغنية «زهرة ياسمين» وميدلي. أغنية أدتها منفردة، من كلمات الشاعر كمال قبيسي، وألحان أسامة الرحباني، قالت في مطلعها: «أنا أهلك أنا أحبابك أنا العطر اللي ع تيابك. أنا الطير والزيتون. أنا صفحة من كتابك»، معبّرة عن فرح كبير لمشاركتها في الحفل. وتوجهت إلى أسامة بالقول: «دائماً أقول إنه أنا عملت كل شيء، بس اليوم عنجد فيني قول إني عملت كل شيء لأني وقفت على مسرح الرحابنة».
وشاركت إليسا، في تحية للراحل الكبير إلياس الرحباني، الذي أحب أسامة أن يكرمه في هذه الليلة، بعد غياب أليم بسبب فيروس كورونا، دون وداع أو تكريم يستحقهما. غنّت هبة مع إليسا، بكثير من البهجة أغنية الراحل الخالدة «حنا السكران»، كما أديتا معاً «فرح الليالي»، ما أطرب وأنعش جمهوراً، في أمس الحاجة إلى الفرح.
وافتتح أسامة الرحباني الحفل، مقدماً شكره، خصوصاً لمن مولوا هذا الحفل، لإعادة الفرح إلى اللبنانيين دون تردد، وإلى كل من ساهم وشارك وساعد، مصرّاً على أن يمر عليهم اسماً اسماً. وبعد عرض مشاهد سريعة من السنتين الأليمتين السابقتين، وصلت هبة طوجي عابرة الصالة بين الجمهور لتصعد إلى المسرح، وتبدأ بأغنيتها الأولى «لازم نغير النظام». وكما قال أسامة الرحباني، فالحفل كان مليئاً بالرسائل، بقي جزؤه الأول وطنياً، حماسياً، بينما أُريد للجزء الثاني أن يكون فرحاً راقصاً.
تحدثت هبة طوجي إلى جمهورها عن «هالكم سنة الصعبين»، و«كأننا في نفق ما عارفين نطلع منه»، لتكمل: «دورنا كفنانين، أن نكون الأمل الذي يشعّ من جديد. واجبنا أن نصرّ ونناضل، ونحاول لنرفع رأس بلدنا في العالم». طالبة من الجمهور أن يغني ويرقص بصحبتها.
لم يقتصر الحفل على الأغنيات القديمة، بل أدت هبة من ألبومها الجديد، الذي يُعدّ له حالياً مع أسامة الرحباني. ومن بين الجديد، أغنية من كلمات الراحل منصور الرحباني، وألحان أسامة «راجع من رماد الفينيق». وأخرى تقول «عبالي أهرب عبالي. واسكن بدني لحالي، وأصرخ بصوتي عالعالي، ويسافر صوتي وما يرجع».
وغنت هبة من كلمات غدي الرحباني «بغنيلك يا وطني»، وكذلك «وحياة اللي راحوا ويلي صاروا الحنين، وحياتك يا أرضي، ويا تاريخي الحزين، يا رفيقي اللي استشهد، يا شعبي اللي اتشرد، رح نرجع نتلاقى، رح نرجع نتوحد»، والحضور وقوفاً، يلوحون بهواتفهم المضاءة، وكأنما كانت هذه الأغنية تحية لكل الذين سقطوا قريباً جداً من هنا، في مرفأ بيروت. وبقيت المناخات الوطنية المؤثرة مع «لمعت أبواق الثورة، سكن الحقد المسافات»، إلى أن بدأت أغنيات الحب الرومانسية. التي استهلتها طوجي مع «خلص، إنت وأنا ما في حلّ». وكذلك غنت «لا بداية ولا نهاية»، «أول ما شفتو ما حبيتو»، و«مين منختار» لكل امرأة سواء كانت أماً أو أختاً أو زميلة.
في الجزء الثاني من الحفل أطل النجم الموسيقي إبراهيم معلوف ضيفاً حيوياً، أضفى روحه المرحة على الحفل. شارك في البدء بالعزف مع هبة وهي تؤدي لجاك بريل «أغنية المحبين القدامى»، كتبها بالعربية غدي الرحباني، ووزعها أسامة، للألبوم الجديد. ذكّر أسامة بالحفل الكبير الذي اجتمع له 22 فناناً من العالم، بمبادرة من إبراهيم معلوف بعد انفجار المرفأ، الذي لم يتوانَ يوماً عن مساعدة بلده، رغم أنه يعيش في فرنسا. عزف معلوف على الساكسوفون، يرافق غناء زوجته هبة، كما عزف على البيانو واحدة من موسيقاه وهو الكاتب الماهر للموسيقى التصويرية، وسعد الجمهور بمشاركته الأداء الصوتي.
ساعتان ونيف، من البهجة والمفاجآت الفنية، واللوحات الراقصة التي صممتها باسكال زغيب والمؤثرات، وعروض الغرافيكس على خلفية المسرح. لم يدّخر أسامة الرحباني جهداً ليجعل هذا الحفل محطة إبداع اعتراضية، على سياسة إطفاء أنوار لبنان. أضاء العاصمة، جامعاً المواهب حوله، راغباً في أن يجمع أكبر عدد ممكن من الفنانين، ليشاركوه اعتراضه هذا. خبأ لنهاية الحفل، أكثر الأغنيات فرحاً، عزف على البيانو «أمي نات عبكير»، غنت هبة أغنيتها الظريفة المعروفة «عالبال يا وطني» في أجواء راقصة، وتلتها خاتمة الحفل بأغنية جديدة «زمان... إيه رزق الله» التي أعادتها مرتين، تلبية لطلب الحضور.
وخلال الحفل وبعده أمطر «تويتر» في لبنان ودول عربية، تغريدات احتفاء بهذا الحفل الذي نقلته على الهواء محطة «إم تي في»، إشادة بغناء هبة وإليسا معاً، وشكراً لأسامة الرحباني الذي ملأ المسرح، كلاماً وعزفاً ورقصاً. وشارك فنانون من ممثلين ومطربين مثل إليسا وجورج وسوف ورندة كعدي، بالتغريدات. كان عيداً وفاتحة موسم أعياد، حيث أعلنت مهرجانات بعلبك عن أولى حفلاتها لهذا الصيف، والبقية تأتي.
جدير بالذكر، أن حفل «ليلة أمل» المجاني أبصر النور بفضل تمويل أصرّ أسامة على أن يعرف مصدره. وبين هؤلاء الذين جلبوا الفرح للبنان مجموعة «أبوظبي للثقافة والفنون»، بشخص هدى إبراهيم الخميس وزوجها محمد كانو. وكذلك شركة «يونيفرسال أرابيك ميوزك» الرائدة عالمياً، ورئيسها التنفيذي المنتج وسيم صليبي وزوجته ريما الفقيه. إضافة إلى شركات أخرى بينها «ميدكو» الرائدة في مجال إنتاج البتروليوم.