الأطفال الرضع.. يفضلون أصوات أقرانهم

بدايات أحاديثهم ليست سوى «تعبير عن الذات»

الأطفال الرضع.. يفضلون أصوات أقرانهم
TT

الأطفال الرضع.. يفضلون أصوات أقرانهم

الأطفال الرضع.. يفضلون أصوات أقرانهم

لا يزال عالم الرضع وما يدور بخلدهم، مثيرا وغامضا علينا جميعا. ورغم آلاف الأبحاث التي تناولت تلك المرحلة البالغة الأهمية من حياة الإنسان، فإن هناك كثيرا مما لا نعرفه عن هذا العالم الخفي، وكيفية نشوء الكلام والحركة وتطور الحواس والمؤثرات التي تؤثر في نموها.
ورغم أننا جميعا نحب النظر إلى الأطفال، فإن اللغة التي يتكلم بها الرضع في بداية تعلمهم الحديث تبدو بلا معنى بالنسبة للبالغين. وكما هو معروف، توجد مرحلة ما قبل بداية الكلام، التي يصدر فيها الرضع أصواتا هي محاول بدائية للحديث، تتطور مع الوقت إلى كلمات متفرقة، ثم جمل.

* «لغة» الرضيع
في أحدث الدراسات التي تناولت هذا الموضوع، التي قام بها باحثون من جامعة ماكجل الكندية McGill University ونشرت في مجلة علم النموjournal Developmental Science في مايو (أيار) الحالي، أشار الباحثون إلى أن تطور اللغة لدى الأطفال ونموها يبدأ بسماعهم أصوات الرضع أقرانهم، التي تعتبر لغة في حد ذاتها، وذلك خلافا للاعتقاد بأن بداية تعلم اللغة يكون من خلال تعليم الطفل مفردات متعددة وغنية تكون ثروة لغوية تمكنه من التحدث لاحقا.
وتتبعت الدراسة رد فعل رضع تتراوح أعمارهم بين 4 و6 أشهر، حينما يسمعون أصواتا تشبه أصوات الرضع، وأصواتا تشبه أصوات البالغين، تم إعدادها عن طريق الكومبيوتر. ولاحظ الباحثون أن الرضع كانوا في حالة من الاهتمام الشديد والتركيز حينما سمعوا الأصوات التي تشبه أصوات الرضع، بينما اختلف رد الفعل في حالة سماعهم الأصوات التي تشبه أصوات البالغين، ولم يعطوا الانتباه الكافي لها.
وهذا الاكتشاف مهم في معرفة الكيفية التي تنشأ وتتطور بها اللغة، خاصة أن الرضع اهتموا أكثر بالأصوات التي تتميز بحدة النغمة higher pitch وأن هذا الاكتشاف يمكن أن يفسر العلاقة المعقدة بين استقبال الحديث speech perception وكيفية التحدث بعد ذلكspeech perception ويمكن أيضا أن يفيد في حالة الأطفال الذين يعانون من مشكلات في السمع، التي تؤثر عليهم في تعلم الكلام.
وقاس الباحثون المدة الزمنية التي تستغرقها فترة انتباه الرضيع إلى الأصوات الصناعية سواء التي تشبه أصوات الرضع أو تلك التي تشبه صوت سيدة. وكان الأطفال في حالة استرخاء تحملهم أمهاتهم، ولاحظوا أنه في المتوسط تستحوذ الأصوات التي تشبه أصوات الرضع على تركيز الطفل بنسبة 42 في المائة أكثر من أصوات الراشدين. وكانت هذه النتيجة تعد مفاجئة للباحثين؛ حيث إن أصوات الرضع لم تكن ضمن خبرات هؤلاء الرضع من قبل، بمعنى أنهم لم يسمعوا أبدا رضّعا قبل ذلك، حتى إنهم لم يكونوا يرددون تلك الأصوات بعد، بعكس أصوات البالغين التي يسمعونها طوال اليوم. وتباينت ردود فعل الرضع؛ فبينما ظهرت زيادة التركيز على بعضهم، كانت وجوههم محايدة حينما سمعوا أصوات البالغين، وهناك البعض الآخر ممن ابتسموا أو قاموا بتحريك الفم أو بكليهما حينما سمعوا أصوات الرضع، بينما غابت تلك الابتسامة عند سماع صوت السيدة البالغة.

* تعبير عن الذات
وبدا الأمر وكأن الرضع يعرفون الأصوات التي تشبه أصواتهم. وأشارت الدراسة إلى أنه ربما إذا تكلمت الأم بلغة تشبه لغة الأطفال، وحاولت الاقتراب من نبرة الصوت المميزة للرضع، فإنها يمكن بذلك أن تهيئهم للحديث، خاصة لدى الرضع الذين يعانون من تأخر الكلام أو صعوبة في التواصل. وأشارت الدراسة أيضا إلى أن الرضع حينما يبدأون بالحديث يكون الكلام تعبيرا عن الذات أكثر منه رغبة في التواصل مع الآخر، بدليل أنه في كثير من الأحيان يصدر الرضيع أصواتا وهو بمفرده، أو يصدرها دون أن ينظر في عين المتحدث، وغيرها من طرق التواصل التي يتعامل بها البالغون.
وأوضحت الدراسة أن الأطفال في بداية تعلمهم الكلام يجب أن يقوموا بتحريك الفم والأحبال الصوتية، وأن يستمعوا جيدا إلى أصواتهم لكي يفهموا طبيعة الصوت الذي يصدرونه. ويعتقد الباحثون أن أصوات الرضع يمكن أن تحمل ما يشبه الشفرة الخاصة بهم يتم التعبير عنها من خلال صوت معين وليس لغة لها قواعد، وهو الأمر الذي يفسر تعرف الرضع على هذه الأصوات.
وأوضحت الدراسة أن اعتماد الرضيع على السمع بشكل أساسي هو ما يطور اللغة لديه باستمرار. وحسب دراسة أميركية سابقة، يستفيد الرضيع من الأصوات المحيطة به في المنزل أكثر من تعلم الكلمات على حدة، وهذه الأصوات لا يشترط أن تكون من الأم بشكل مباشر، ولكن قد تكون من الحوار العادي بين المحيطين به أو من خلال التلفاز.. وغيرها من الطرق.
وأشارت الدراسة إلى أن تأخر القدرة على الكلام لا يكون لنقص المفردات اللغوية بقدر ما يعود لندرة سماع الأحاديث، وأن التحدث باستمرار إلى الطفل من الأشياء التي تنمي قدراته اللغوية أكثر من زيادة المفردات، وأن تنوع مصادر الحديث لا يقل أهمية عن تلك المفردات. وبطبيعة الحال، يبقى هناك كثير من الأمور الغامضة في هذه النقطة المعقدة التي تحتاج إلى مزيد من الدراسات من أجل اكتشاف عالم الرضع.

* استشاري طب الأطفال



ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين
TT

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

أثارت التقارير عن زيادة حالات الإصابة بفيروس الجهاز التنفسي البشري المعروف اختصاراً بـHMPV في الصين أصداء قاتمة لبداية مماثلة لجائحة كوفيد - 19 قبل خمس سنوات تقريباً، كما كتبت ستيفاني نولين(*).

ولكن رغم أوجه التشابه السطحية، فإن هذا الوضع مختلف تماماً، وأقل إثارة للقلق، كما يقول خبراء الطب.

وإليك ما نعرفه عن «الفيروس المتحور الرئوي البشري» Human Metapneumovirus المعروف اختصاراً HMPV. ويسمى أحياناً أخرى بـ«الميتانيوفيروس البشري».

ما «الفيروس المتحور الرئوي البشري»؟

إنه أحد مسببات الأمراض العديدة التي تنتشر في جميع أنحاء العالم كل عام، وتسبب أمراض الجهاز التنفسي. وهو فيروس شائع؛ بل شائع جداً لدرجة أن معظم الناس يصابون به وهم ما زالوا أطفالاً وقد يعانون من عدة إصابات في حياتهم. وفي البلدان التي تشهد شهوراً من الطقس البارد، يمكن أن يكون لفيروس الجهاز التنفسي البشري موسم سنوي، تماماً مثل الإنفلونزا، بينما في الأماكن الأقرب إلى خط الاستواء، فإنه ينتشر بمستويات أقل طوال العام.

هذا الفيروس يشبه فيروساً معروفاً بشكل أفضل في الولايات المتحدة، «الفيروس المخلوي التنفسي»، RSV الذي يسبب أعراضاً تشبه إلى حد كبير تلك المرتبطة بالإنفلونزا وكوفيد، بما في ذلك السعال والحمى واحتقان الأنف والصفير.

معظم عدوى فيروس HMPV خفيفة، تشبه نوبات البرد الشائعة. لكن الحالات الشديدة يمكن أن تؤدي إلى التهاب الشعب الهوائية أو الالتهاب الرئوي، وخاصة بين الرضع وكبار السن والأشخاص الذين يعانون من ضعف المناعة. أما المرضى الذين يعانون من حالات الرئة السابقة، مثل الربو أو مرض الانسداد الرئوي المزمن أو انتفاخ الرئة، فهم أكثر عرضة لنتائج وخيمة.

منذ متى كان الفيروس موجوداً؟

تم التعرف على الفيروس في عام 2001، لكن الباحثين يقولون إنه انتشر بين البشر لمدة 60 عاماً على الأقل. ورغم أنه ليس جديداً، فإنها لا يحظى بالقدر نفسه من التعرف على الإنفلونزا أو كوفيد - 19 أو حتى الفيروس المخلوي التنفسي، كما يقول الدكتور لي هوارد، الأستاذ المساعد لأمراض الأطفال المعدية في المركز الطبي لجامعة فاندربيلت.

أحد الأسباب هو أنه نادراً ما تتم مناقشته بالاسم، إلا عندما يتم إدخال الأشخاص إلى المستشفى بسبب حالة مؤكدة منه.

ويضيف هوارد: «من الصعب حقاً التمييز بين السمات السريرية والأمراض الفيروسية الأخرى. إننا لا نختبر بشكل روتيني فيروس الجهاز التنفسي البشري بالطريقة التي نفعلها لكوفيد - 19 أو الإنفلونزا أو الفيروس المخلوي التنفسي، لذا فإن معظم حالات العدوى لا يتم التعرف عليها ويتم إرجاعها إلى أي عدوى تنفسية موجودة».

كيف يصاب الشخص بالفيروس التنفسي البشري؟

ينتشر الفيروس في المقام الأول من خلال الرذاذ أو الهباء الجوي من السعال أو العطس، ومن خلال الاتصال المباشر بشخص مصاب أو من خلال التعرض للأسطح الملوثة - وهي نفس الطرق التي يصاب بها الناس بنزلات البرد والإنفلونزا وكوفيد-19.

هل يوجد لقاح أو علاج له؟

لا يوجد لقاح ضد فيروسات الجهاز التنفسي البشري. ولكن هناك لقاح ضد فيروس الجهاز التنفسي المخلوي، ويجري البحث حالياً لإيجاد لقاح يمكنه الحماية ضد الفيروسين بجرعة واحدة، لأنهما متشابهان. لا يوجد علاج مضاد للفيروسات مخصص لفيروسات الجهاز التنفسي البشري؛ إذ يركز العلاج على إدارة الأعراض.

ماذا تقول الصين عن انتشاره؟

أقرت السلطات الصينية بارتفاع حالات الإصابة بفيروس الجهاز التنفسي البشري، لكنها أكدت أن الفيروس كيان معروف وليس مصدر قلق كبير. ويذكر أن فيروس كورونا المسبب لمرض كوفيد - 19 كان مسبباً جديداً للأمراض، لذا لم تتمكن أجهزة المناعة لدى الناس من بناء دفاعات ضده.

وفي مؤتمر صحافي عقدته مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في الصين في 27 ديسمبر (كانون الأول)، قال كان بياو، مدير معهد الأمراض المعدية التابع للمركز، إن حالات الإصابة بفيروس الجهاز التنفسي البشري آخذة في الارتفاع بين الأطفال الذين تبلغ أعمارهم 14 عاماً أو أقل. وقال إن الزيادة كانت ملحوظة بشكل خاص في شمال الصين. وأضاف أن حالات الإنفلونزا زادت أيضاً.

وقال إن الحالات قد ترتفع خلال عطلة رأس السنة القمرية الجديدة، في نهاية يناير (كانون الثاني)، عندما يسافر العديد من الناس ويتجمعون في مجموعات كبيرة.

لكن كان قال بشكل عام: «بالحكم على الوضع الحالي، فإن نطاق وشدة انتشار الأمراض المعدية التنفسية هذا العام سيكونان أقل من العام الماضي».

وأظهرت البيانات الصينية الرسمية أن حالات فيروس التهاب الرئة البشري كانت في ارتفاع منذ منتصف الشهر الماضي، سواء في العيادات الخارجية أو في حالات الطوارئ، وفقاً لـ«وكالة أنباء شينخوا» الرسمية. وقالت الوكالة إن بعض الآباء ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي لم يكونوا على دراية بالفيروس وكانوا يطلبون المشورة عبر الإنترنت؛ وحثت على اتخاذ الاحتياطات الهادئة والعادية مثل غسل اليدين بشكل متكرر وتجنب الأماكن المزدحمة.

في إحاطة إعلامية روتينية يوم الجمعة الماضي، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية أن حالات الإنفلونزا والفيروسات التنفسية الأخرى تزداد بشكل روتيني في هذا الوقت من العام ولكنها «تبدو أقل حدة وتنتشر على نطاق أصغر مقارنة بالعام السابق».

وقال المسؤولون الصينيون الأسبوع الماضي إنهم سيضعون نظام مراقبة للالتهاب الرئوي من أصل غير معروف. وسيشمل النظام إجراءات للمختبرات للإبلاغ عن الحالات وللوكالات المعنية بمكافحة الأمراض والوقاية منها للتحقق منها والتعامل معها، حسبما ذكرت «هيئة الإذاعة والتلفزيون» الصينية.

ماذا تقول «منظمة الصحة العالمية»؟

لم تعرب «منظمة الصحة العالمية» عن قلقها. واستشهدت الدكتورة مارغريت هاريس، المتحدثة باسم المنظمة، بتقارير أسبوعية من السلطات الصينية أظهرت ارتفاعاً متوقعاً في الحالات.

«كما هو متوقع في هذا الوقت من العام، أي شتاء نصف الكرة الشمالي، فإن هناك زيادة شهرية في التهابات الجهاز التنفسي الحادة، بما في ذلك الإنفلونزا الموسمية، وكذلك RSV وفيروس الميتانيوفيروس» هذا، كما قالت هاريس عبر البريد الإلكتروني.

هل يجب أن نقلق؟

التقارير الواردة من الصين تذكرنا بتلك التي وردت في الأيام الأولى المربكة لجائحة كوفيد، ولا تزال «منظمة الصحة العالمية» تحث الصين على مشاركة المزيد من المعلومات حول أصل هذا التفشي، بعد خمس سنوات.

لكن الوضع الحالي مختلف في جوانب رئيسة. كان كوفيد فيروساً انتقل إلى البشر من الحيوانات ولم يكن معروفاً من قبل. أما فيروس الإنسان الميتانيوفيروس هذا فقد تمت دراسته جيداً، وهناك قدرة واسعة النطاق لاختباره.

هناك مناعة واسعة النطاق على مستوى السكان من هذا الفيروس على مستوى العالم؛ لم تكن هناك مناعة لكوفيد. يمكن لموسم فيروس الإنسان الميتانيوفيروس الشديد أن يجهد سعة المستشفيات -وخاصة أجنحة الأطفال- لكنه لا يرهق المراكز الطبية.

وقال الدكتور سانجايا سينانياكي، المتخصص في الأمراض المعدية وأستاذ مشارك في الطب في الجامعة الوطنية الأسترالية: «ومع ذلك، من الضروري أيضاً أن تشارك الصين بياناتها حول هذا التفشي في الوقت المناسب». «يتضمن هذا بيانات وبائية حول من يصاب بالعدوى. وسنحتاج أيضاً إلى بيانات جينومية تؤكد أن فيروس HMPV هو السبب، وأنه لا توجد أي طفرات كبيرة مثيرة للقلق».

* خدمة «نيويورك تايمز»