ماهر العطار يكرّم لبنان في «بيروت مدينة ممجدة»

في معرض فوتوغرافي يقام في غاليري «آرت ديستريكت»

جسّد العطار بيروت بامرأة وزار معها مختلف مناطق لبنان (الشرق الأوسط)
جسّد العطار بيروت بامرأة وزار معها مختلف مناطق لبنان (الشرق الأوسط)
TT

ماهر العطار يكرّم لبنان في «بيروت مدينة ممجدة»

جسّد العطار بيروت بامرأة وزار معها مختلف مناطق لبنان (الشرق الأوسط)
جسّد العطار بيروت بامرأة وزار معها مختلف مناطق لبنان (الشرق الأوسط)

هو صحافي عتيق عاش بيروت الحرب والسلم وكبر بينهما. ماهر العطار الذي لم تمنعه إصابته البليغة برصاص قناص في أثناء الحرب من إكمال مشواره الصحافي، يتجاوز اليوم إصابات من نوع آخر، من خلال معرض «بيروت مدينة ممجدة».
هذه الإصابات التي بلغته في العمق من حزنه لما أصاب مدينته الغالية بعد غياب عنها واستقراره في باريس، أحدثت عنده ثورة فنية جياشة رغب في ترجمتها بعدسة كاميرته. فهو وفي كل مرة كان يعود إلى موقع سبق وصوّره خلال مشواره المهني في أثناء الحرب، كانت تصيبه القشعريرة، فيستعيد معها ذكريات قاسية ومشاهد حرب عنيفة. هو الذي وصل إلى العالمية بصورة عن حرب لبنان نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» في الثمانينات.
اليوم يطلق العطار ما بدأه في عام 2019 عندما راح يلتقط صوراً، تبدو فيها بيروت كامرأة عانت الأمرّين تماماً كـ«ماريان دي فرنس». هذه الأخيرة ترمز إلى فرنسا بعد تحرّرها من الملكية المطلقة، فيما «ماريان دي ليبان» تمثل ولادة مدينة من الدمار الذي أنهكها.
جسّدت بيروت الشابة ليا مهنا، فحملت أفكار ماهر العطار لتقدمها بأسلوب فني، وتنقلت معه في معالم المدينة من جهة، وفي مناطق لبنانية أخرى من جهة أخرى. تحت عناوين كثيرة تتراوح بين «الاستقلال» و«الحرية» و«التنوع» و«فوق كل شيء» و«إلى مستقبل أفضل» وغيرها، بنى ماهر العطار خطوط مدينته على طريقته. حمّلها تارة العلم اللبناني ليلوّح عالياً، وتارة أخرى حُمّلت خريطة لبنان على كتفيها، كي تحطّ بها على أرض السلام. ويشير ماهر العطار في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن مشروعه هذا استهله تكريماً للعاصمة، ولكن الظروف التي توالت على لبنان ككل، حوّلت وجهة كاميرته لتطال لبنان بمجمله: «ارتأيت أن أحمل بيروت إلى مناطق مختلفة كشكا وصوفر وكفردبيان وضهور الشوير وغيرها. هذه الولادة الجديدة لبيروت بعدستي أردتها أن تغمر لبنان بأكمله. خصوصاً أن الإنهاك والتعب في الفترة الأخيرة، لم يعد منوطاً ببيروت فقط، بل بالبلاد كلها».

ليا وماهر قدما بيروت بأسلوب جديد (الشرق الأوسط)

وبتقنية يدوية قديمة (لوموغرافي)، بعيدة كل البعد عن الكاميرا الرقمية (ديجيتال) الحديثة، التقط ماهر العطار مجموعة صوره هذه التي تتراوح بين الفن الأبيض والأسود والملون. يوضح: «هي تعمل يدوياً، قلبها وعدستها مصنوعان من مادة البلاستيك. كما أنّها تعتمد على سرعة واحدة وحتى فيلم التظهير في داخلها عليك لفّه يدوياً. ميزة هذه الكاميرا هي أنّ صورها ليست مثالية كتلك الرقمية المعروفة. ورغبت في أن تطغى هذه الميزة على صوري، كي تبدو طبيعية وغير واضحة المعالم».
اختلطت مشاعر ماهر وهو يلتقط صوراً صممها لتبدو فيها بيروت امرأة تتخطى جراحها. يقول لـ«الشرق الأوسط»: «هي مدينتي التي أعشق كل شبر منها، وكل ذرة تراب وزاوية وزقاق. هذه العناصر سكنتني دائماً حتى وأنا في هجرتي عنها. عندما عدت إليها بعد غياب، زرت أماكن تذكّرني بأيام الحرب، لم أستطع تمالك نفسي وأن أحبس دمعتي. هذا الألم الشخصي الذي اجتاحني رغبت في تحويله إلى شعور جماعي. جميع اللبنانيين عانوا وقاسوا وتعبوا إلى حد الإنهاك. ومن حزني على مدينتي وُلدت هذه الفكرة كي تستعيد معها بيروت رقيّها ومكانتها. لذلك ركنت إلى أماكن لا تزال تحمل بصمات الحرب، ووضعت فيها بيروت المتألقة لأكسر مشهدية المدينة المهزومة».
كل ما خطر على بال ماهر العطار من أفكار يبرز أهمية مدينته الأم، أَدخلها على صوره الفوتوغرافية بأدق تفاصيلها: «في لوحة (الهجرة) مثلاً، صورتُ بيروت ودائماً بشخصية المرأة مع ليا مهنا، وهي تقف على محطة قطار قديم. كانت ترغب في المغادرة وفي نفس الوقت تشعر بالخجل من ترك أبنائها. وحتى وهي تنوي الهجرة كانت تحمل شنطة كُتب عليها بيروت تمسكاً بهويتها».
أما في لوحة «فوق كل شيء» فنرى بيروت تحمل خريطة لبنان، وتشبه إلى حد كبير في شكلها تمثال الحرية في أميركا، ولكن من على الأعمدة الأثرية في بلدة كفردبيان اللبنانية.

من «بيروت ممجدة» لماهر العطار (الشرق الأوسط)

ليا مهنا التي تقمصت دور بيروت المرأة وعاشت من خلال كاميرا ماهر العطار حالات مختلفة مرت بها، شعرت بحالة ذوبان في مدينتها في أثناء التصوير. تقول لـ«الشرق الأوسط»: «حمل لي هذا المشروع تحدياً كبيراً ومسؤولية لا يستهان بهما. تجسيد بيروت كامرأة ليس بالأمر السهل، لما تحمله من معاني قيّمة. حاولت قدر الإمكان أن أغوص في حناياها كمدينة عظيمة وبسيطة في الوقت نفسه، وكمدينة حزينة ولكن في المقابل شعبها حي لا يموت. كل هذه التناقضات مثّلتها بحب، خصوصاً أننا صوّرنا في أماكن مهجورة لا تزال مطبوعة جدرانها بأيام الحرب». تتابع مهنا: «أنا لم أعش الحرب اللبنانية، ولكن في كل مرة كان يكشف لي ماهر عن تفاصيل عاشتها هذه الأماكن وأتأثر». ظروف تصوير هذه اللوحات الفوتوغرافية كانت فيها صعوبات كثيرة، بحيث كان ماهر وليا يسرقان من الوقت برهة، كي يقومان بعملهما هذا. فاندلاع الثورة من ناحية وانتشار الجائحة من ناحية أخرى، إضافةً إلى الأزمة الاقتصادية التي ألمَّت بالبلاد، أخّرت مشروع التصوير هذا.
يستمر معرض ماهر العطار لغاية منتصف شهر يوليو (تموز) المقبل في غاليري «آرت ديستريكت»: «إنه الحلم الذي حققته بعد جهد كبير. بعت كل ما أملك كي أشتري هذا العقار في شارع الجميزة. وهو مبنى قديم مصنوع من الحجر الرملي وله تطريزاته الخاصة بالهندسة اللبنانية العريقة. ومع هذا البيت (House of photography) الذي فتحتُ أبوابه أمام كل مصور فوتوغرافي هاوٍ أو محترف، رغبت في إطلاق هذا المعرض الذي أعدّه بمثابة قصة أمل تلوّن أيام اللبنانيين في هذه الفترة».


مقالات ذات صلة

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

يوميات الشرق رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً. فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه.

يوميات الشرق ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.

محمود الرفاعي (القاهرة)
يوميات الشرق معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

معرض «أحلام الطبيعة» في ألمانيا

زائرون يشاهدون عرضاً في معرض «أحلام الطبيعة - المناظر الطبيعية التوليدية»، بمتحف «كونستبلاست للفنون»، في دوسلدورف، بألمانيا. وكان الفنان التركي رفيق أنادول قد استخدم إطار التعلم الآلي للسماح للذكاء الصناعي باستخدام 1.3 مليون صورة للحدائق والعجائب الطبيعية لإنشاء مناظر طبيعية جديدة. (أ ب)

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

«نلتقي في أغسطس»... آخر رواية لغارسيا ماركيز ترى النور العام المقبل

ستُطرح رواية غير منشورة للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز في الأسواق عام 2024 لمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة الروائي الكولومبي الحائز جائزة نوبل للآداب عام 1982، على ما أعلنت دار النشر «راندوم هاوس» أمس (الجمعة). وأشارت الدار في بيان، إلى أنّ الكتاب الجديد لمؤلف «مائة عام من العزلة» و«الحب في زمن الكوليرا» سيكون مُتاحاً «عام 2024 في أسواق مختلف البلدان الناطقة بالإسبانية باستثناء المكسيك» و«سيشكل نشره بالتأكيد الحدث الأدبي الأهم لسنة 2024».

«الشرق الأوسط» (بوغوتا)

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
TT

موسوعة لتوثيق أعمال سعيد العدوي مؤسس جماعة التجريبيين بمصر

أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)
أعمال سعيد العدوي اتسمت بالتجريد والأفكار الشعبية (الشرق الأوسط)

تأتي موسوعة الفنان سعيد العدوي (1938-1973) لترصد مسيرة مؤسس جماعة التجريبيين المصريين وأحد أبرز فناني الحفر والجرافيك في النصف الثاني من القرن العشرين.

وتتضمن الموسوعة، حسب قول المشرف عليها والباحث في شؤون الحركة الفنية المصرية الدكتور حسام رشوان، المئات من أعمال العدوي ويومياته ومذكراته واسكتشاته، مدعومة بعدد كبير من الدراسات التي تم إعداد بعضها خصوصاً من أجل هذه الموسوعة، ومعها دراسات أخرى نشرها أصحابها في صحف ومجلات ومطبوعات خاصة بالفن في مصر والوطن العربي.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن مقدمة الدكتورة أمل نصر تتناول جميع المقالات، والزاوية التي نظر منها الناقد لأعمال العدوي موضع الدراسة، كما تقوم بقراءتها وتحليلها وبسط عناصرها أمام الباحثين ومحبي فنه».

موسوعة العدوي تضمنت اسكتشاته ورسوماته (الشرق الأوسط)

وتأتي موسوعة العدوي التي نشرتها مؤسسة «إيه آر جروب» التي يديرها الفنان أشرف رضا، في صورة مونوغراف جامع لكل أعماله، التي تعبق برائحة الماضي، وعالم الموشحات، وحلقات الذكر والمشعوذين، وعربات الكارو والحنطور، وتجمعات الموالد والأسواق والأضرحة، فضلاً عن لوحة «الجنازة» بعد رحيل عبد الناصر. وجمعت الموسوعة كل كراساته واسكتشاته بالكامل، ومذكراته الخاصة التي كتبها وتعتبر دراسات نفسية قام بكتابتها، وقد ساعدت هذه المذكرات النقاد والباحثين في فن العدوي على تناول أعماله بصورة مختلفة عن سابقيهم الذين تصدوا لفنه قبل ظهورها، وفق رشوان.

ولأعمال العدوي طابع خاص من الحروفيات والزخارف والرموز ابتكرها في إبداعاته وهي تخصه وحده، وتخرّج العدوي ضمن الدفعة الأولى في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1962، وأسس مع زميليه محمود عبد الله ومصطفى عبد المعطي جماعة التجريبيين. وتأتي الموسوعة باللغة العربية في قطع كبير بالألوان، تزيد على 600 صفحة، من تصميم وتجهيز وإنتاج طباعي «إيه آر جروب» للتصميم والطباعة والنشر.

الموسوعة ضمت العديد من الأعمال الفنية ودراسات عنها (الشرق الأوسط)

وتتضمن الموسوعة، وفق رشوان، دراستين جديدتين للدكتور مصطفى عيسى، ودراسة لكل من الدكتورة ريم حسن، وريم الرفاعي، والدكتورة أمل نصر، ودراسة للدكتورة ماري تيريز عبد المسيح باللغة الإنجليزية، وجميعها تم إعدادها خصوصاً للموسوعة، وهناك دراسات كانت موجودة بالفعل للدكتور أحمد مصطفى، وكان قد جهّزها للموسوعة لكن عندما أصدرت مجلة فنون عدداً خاصاً عن فن العدوي قام بنشرها ضمن الملف، وإلى جانب ذلك هناك بحث عن أعمال العدوي للراحلين الدكتور شاكر عبد الحميد والفنان عز الدين نجيب وأحمد فؤاد سليم ومعهم عدد كبير من النقاد والفنانين الذي اهتموا برائد التجريبيين المصري وأعماله.

والتحق سعيد العدوي بمدرسة الفنون بالإسكندرية سنة 1957، وقبلها بعام كان في كلية الفنون بالزمالك، وقضى خمس سنوات لدراسة الفن في عروس البحر المتوسط، أما الأعمال التي تتضمنها الموسوعة وتوثق لها فتغطي حتى عام 1973؛ تاريخ وفاته. وهناك عدد من رسوم الكاريكاتير كان قد رسمها وقت عمله بالصحافة، وهذه الأعمال اهتمت بها الموسوعة ولم تتجاهلها لأنها تكشف عن قدرات كبيرة للعدوي وسعيه للدخول في مجالات عديدة من الفنون التشكيلية، وفق كلام رشوان.

من أعمال العدوي (الشرق الأوسط)

ولفت إلى أن «تراث العدوي بكامله بات متاحاً من خلال الموسوعة للباحثين في فنه والمهتمين بأعماله وتاريخ الفن التشكيلي المصري، وقد توفر لدى كتّاب الموسوعة عدد مهول بالمئات من اللوحات الكراسات والاسكتشات، فأي ورقة كان يرسم عليها اعتبرناها وثيقة وعملاً فنياً تساعد في الكشف عن رؤية العدوي التشكيلية وعالمه الخَلَّاق».

ولا تعتمد الموسوعة فكرة التسلسل الزمني، لكنها توثق عبر المقالات كل الأعمال التي تناولتها، من هنا بنى رشوان رؤيته وهو يرسم الخطوط الرئيسية لفن العدوي على الدراسات البانورامية التي تشتغل بحرية كاملة على الأعمال دون التقيد بتاريخها.

وسبق أن أصدر الدكتور حسام رشوان، بالاشتراك مع الباحثة والناقدة الفرنسية فاليري هيس، موسوعة فنية عن رائد التصوير المصري محمود سعيد عن دار «سكيرا» الإيطالية عام 2017 بمناسبة مرور 120 عاماً على ميلاد محمود سعيد، وتضمنت الموسوعة في جزئها الأول أكثر من 500 لوحة و11 مقالاً ودراسة نقدية.