يقولون من سمع ليس كمن رأى، ومن المؤكد أنك سمعت كثيراً عن تقلب أحوال المرأة وتغير حالاتها بشكل حاد ودراماتيكي وسريع في وقت وجيز دون مبرر منطقي أو سبب مفهوم على الأقل للرجل، من الفرح إلى الحزن، ومن التفاؤل إلى التجهم حتى وصفها بعضهم بأنها «أربعة فصول» تتوالى في يوم واحد! إذا أردت التأكد من هذا الزعم عليك خوض مغامرة غير مأمونة العواقب تتمثل في متابعة بطلات نون النسوة عن كثب ممن يتواجدن في حياتك أو الذهاب إلى قاعة «الباب» بدار الأوبرا المصرية، حيث المعرض الفني «بهية» للفنان التشكيلي ياسر عيد.
المعرض الذي يضم 45 لوحة ترصد هذا النمط من التنوع في المزاج العام والحالة النفسية لحواء في نسختها المصرية حتى بدت اللوحات وكأنها «دفتر أحوال» يعبّر بصدق عن هذا التباين. ولا يقتصر التنوع على الحالة الوجدانية فقط، وإنما يمتد ليشمل مختلف الأعمار ما بين الصبا ومنتصف العمر والشيخوخة، والبيئات ما بين الريف والمدينة، والأقاليم ما بين النوبة والسواحل، ونمط الزي ما بين المفرط في بساطته والمفرط في احتشامه.
خلال تجولك سترى فتاة تعتلي سلم منزلها البسيط، وهي تنظر نحو الأفق في شجن، بينما أخرى تشيح بعينيها حتى لا تواجه العالم في نظرة مباشرة، وبينما تضحك سيدة سمراء البشرة من جنوب البلاد في ثقة، تتطلع فتاة مراهقة إلى شمس الغروب وفي عينيها علامة استفهام حول الغد ومفاجآته. وفيما يتعلق بنمط الوجوه أو «البورتريهات»، تتعدد اللوحات التي تقدم ملامح تطالعك في تحدٍ أو تخوف، فثمة عين تلقى السلام وعين أخرى تبدو كما لو كانت مسدساً سيفرغ طلقاته فيك لو كنت تفكر في الأذى.
جميع اللوحات منفذة بالألوان المائية التي تتطلب مهارة في السيطرة عليها وتوظيفها، ويبدو الحس الواقعي قوي الحضور، لا سيما حين اختار الفنان أن يجعل من سعف النخيل والبيوت الريفية البيضاء، فضلاً عن بعض السواحل والشطآن، خلفية تظهر في المعرض الذي يشتغل على «ثيمة» حواء.
الفنان ياسر عيد يؤمن أن المرأة ستظل مصدر إلهام لا ينضب للمبدع المصري؛ وذلك بسبب تنوع نماذجها والثراء التعبيري الذي تنطوي عليه ملامحها، مشيراً في تصريح إلى «الشرق الأوسط» إلى أن تراكم الخبرات الإنسانية لحواء النيل عبر العصور منذ الملكة حتشبسوت حتى ميار شريف نجمة التنس أكسبها صلابة ومرونة في مواجهة الزمن؛ وهو ما جعل ملامحها تشكل تحدياً للفنان التشكيلي من حيث قدرته على التعبير عن تلك الطبقات المختزنة من الشجن والفرحة. ويعد هذا المعرض هو السابع لياسر عيد، الذي يعترف أن توجهاته الفنية تأثرت بعمله المهني، فقد كان في البداية يعمل رساماً صحافياً ومصمم أغلفة كتب، فجاءت أعماله في تلك الفترة منصبة على فن «البورتريه»، حيث رسم العديد من الشخصيات العامة ونجوم المجتمع، ثم تحول في عمله إلى الديكور وسافر خارج مصر فأصبحت لوحاته تركز أكثر على استلهام الطبيعة واستخدام الألوان المائية.
من الملاحظ أيضاً أن الألوان الهادئة تغلب على لوحات المعرض بعيداً عن الألوان الساخنة أو الدرجات النارية التي يندر وجودها، فما السبب وراء ذلك؟ طرحنا السؤال على عيد الذي أشار إلى أنه حين يرسم يفضّل أن تأتي الأشياء بشكل عفوي، وفي هذا المعرض وجد نفسه ينحاز إلى «موتيفات» النخيل والبيوت والشواطئ، فاكتملت ثلاثية الألوان الهادئة من الأزرق والأخضر والأبيض.
وحول السر وراء اختيار الألوان المائية لتنفيذ لوحات المعرض، أوضح ياسر عيد أن كل موضوع له خامته وكل تجربة تنادي ألوانها، مشيراً إلى أن الألوان المائية تتسم بالرقة والرهافة والشفافية، وبالتالي كانت الأنسب في التعبير عن فكرة العمل التي تتمثل في استكشاف الجمال الداخلي بمعناه الرحب الإنساني لدى حواء المصرية في مختلف تجلياتها.