برلين... عالم جديد وافد من أوكرانيا يحمل بصمات بوتين

«الشرق الأوسط» زارت الجدار القديم في قارة تتخوف من الجدار الجديد

مظاهرة أمام بوابة براندنبرغ وسط برلين ضد الحرب الروسية في أوكرانيا (إ.ب.أ)
مظاهرة أمام بوابة براندنبرغ وسط برلين ضد الحرب الروسية في أوكرانيا (إ.ب.أ)
TT

برلين... عالم جديد وافد من أوكرانيا يحمل بصمات بوتين

مظاهرة أمام بوابة براندنبرغ وسط برلين ضد الحرب الروسية في أوكرانيا (إ.ب.أ)
مظاهرة أمام بوابة براندنبرغ وسط برلين ضد الحرب الروسية في أوكرانيا (إ.ب.أ)

الصحافيون كحفاري القبور. يعتاشون من مآسي العالم. يحلمون بالحضور عند المنعطفات. ومن عادة هذه الأحداث الكبرى أن تكون مبللة بالدم وباهظة للاقتصاد ومنجبة للاجئين. يبتهج الصحافيون بالكتابة من مسرح الزلازل. وها أنا أفعل. بعد قليل من وصولي إلى برلين شممت «نهاية حقبة». ختام فصل من عمر أوروبا والعالم. وولادة فصل يحمل بصمات القيصر الجالس على عرش لينين.
قبل ثلاثة وثلاثين عاماً، أوفدتني «الشرق الأوسط» إلى هذا المكان. شهدت مع جيش من الصحافيين احتضار أشهر جنرالات النصف الثاني من القرن الماضي. كان اسمه جدار برلين. وتقول التجارب إن الصحافيين يحنّون إلى مسارح الهزات العنيفة كما يحن المرتكب إلى مسرح جريمته. ربما لهذا اصطحبت حقيبتي إلى تلك المدينة. ولعلني كنت مدفوعاً بالرغبة في مشاهدة نهايات العالم الذي ولد من انهيار ذلك الجدار.

              صورة أرشيفية لألمان شرقيين ونظرائهم الغربيين قرب بوابة براندنبرغ في برلين أثناء الاحتفال بسقوط الجدارالفاصل عام 1989 (أ.ف.ب)
حين نمت قرب الجدار في 1989، لم أكن أعرف اسم الرجل الذي يقولون اليوم إنه قتل عالَماً وأعلن ولادة آخر. ولم يكن ثمة ما يبرر أن أعرف اسمه. كان رجلاً مجهولاً يعمل في جهاز غامض ويعيش باسم مستعار. وكانت مهمته شائكة. كشف جواسيس وتطويع جواسيس. وكان مدرباً على نشاطات حساسة. الإفلات من الرقابة أو الملاحقة. والكتابة بالحبر السري. والقدرة على تسديد ضربات موجعة إذا اقتضى الأمر. كان الكولونيل يقيم في درسدن، أي في بلاد «الرفاق» في ألمانيا الشرقية. وحين تداعى الجدار أحرق بعض الأوراق وغادر عائداً مع خيبته لينتظر التوجيهات الجديدة من رؤسائه في إمبراطورية «كي جي بي». وستُضاف إلى الخيبة جروح عميقة حين تطل روسيا من الركام السوفياتي وتخونها جمهوريات كثيرة كانت تقيم في قبضة الحزب. كان اسم الكولونيل المجهول فلاديمير بوتين، وسننفق في القرن الجديد آلاف الساعات في رصد خطواته والبحث عن بصماته.
في أيام الزلزال القديم كان من الصعب تخيل العواقب بدقة. التهمتني الأسئلة. الجدار حدود دولة وحدود إمبراطورية. ويصعب تخيل انتحار إمبراطورية كاملة من دون حرب عالمية أو وجبة دموية هائلة. قبل ثلاثة أعوام من ذلك الموعد، وتحديداً في 1986، تيسر لي أن أعاين أركان الإمبراطورية مع أوسمتهم وهالاتهم تحت سقف واحد هو سقف الكرملين. ذهبت لتغطية أعمال المؤتمر الـ27 للحزب الشيوعي السوفياتي، الذي كان مقرراً أن يشهد إطلالة ميخائيل غورباتشوف الأولى على الإمبراطورية والعالم.

                                                               رسمة لبوتين على الأرض في برلين (الشرق الأوسط)
كان الدخول إلى قاعة المؤتمر محظوراً على الصحافيين، لكن قيادياً فلسطينياً يسارياً أعارني بطاقته فتسللت إلى حيث احتشد أكثر من ألفي مندوب. جلست قلقاً من أن أطرد إذا اكتُشف أمري. لكن الحدث كان يستحق. كان مشهد المنصة مهيباً. في الوسط جلس غورباتشوف وقربه بعض الأركان بينهم أندريه غروميكو، ثم قادة أوروبا الشرقية وقادة الدول الصديقة. صفق الحاضرون بإجلال لرجلين، الأول غورباتشوف والثاني فيديل كاسترو، الذي جاء مع تاريخه ولحيته وثيابه الزيتونية. وفي تلك الجلسة، ألقى الزعيم السوفياتي قنبلتين ستنفجران ببلاده، وهما «البيريسترويكا» و«الغلاسنوست»، أي إعادة البناء والشفافية. وفي تلك الأيام لم يكن أحد يتحدث عن الضابط المجهول الذي يحب أفلام جيمس بوند.
في السنة الأولى من تسعينات القرن الماضي سيتطاير لحم الاتحاد السوفياتي، وفي اليوم الأخير من العقد سيطل فلاديمير بوتين من الكرملين حاملاً مشروع ثأر يقولون إنه طبخ في الغرفة العسكرية - الأمنية التي هالها إذلال روسيا وبتر أطرافها السوفياتية. ولد مشروع الثأر الكبير من معاناة ومشاهد. التدهور الاقتصادي وانخفاض الروبل. وإقدام ضباط «الجيش الأحمر» على بيع بزاتهم مع أوسمتها في شوارع المدن. وترنح حكم بوريس يلتسين على أنغام الفساد. وشعور روسيا بالإذلال والحصار بعدما بات السفير الأميركي الرجل الأقوى في البلاد، واعتبر أن من حقه مطالبة بلاد لينين باعتناق النموذج الغربي الذي هزمها.
كان لا بد من العودة إلى برلين. أعلن زلزال الجدار ولادة عالم جديد. عالم القوة العظمى الوحيدة والانتصار الأميركي الفاحش. وثمة من يرى أن الزلزال الأوكراني يعلن اليوم احتضار ذلك العالم وولادة عالم جديد يحمل بصمات بوتين.
أطلق النار على «القرية الكونية»

                                                                   احتجاج فردي على الحرب في أوكرانيا (الشرق الأوسط)
برلين مكان حساس لقراءة عبء الحرب الروسية في أوكرانيا. ومن المبكر التكهن بما ستؤول إليه المغامرة الروسية. واضح أن بوتين سدد ضربة شبه قاتلة إلى العالم الذي بني على ركام الاتحاد السوفياتي. ثمة من يعتقد أن اجتياز الدبابات الروسية الحدود الدولية مع أوكرانيا أعلن نهاية الاستقرار الذي حمله عالم ما بعد سقوط الجدار. فالحرب الروسية في أوكرانيا أخطر بكثير من التحديات الدموية التي شهدها العالم في العقدين الماضيين. ما فعله بوتين أخطر بما لا يقاس مما فعله أسامة بن لادن، حين نقل حرب الإرهاب إلى الأرض الأميركية. وأخطر بكثير مما فعله أبو بكر البغدادي حين أطل من الموصل فاتحاً الباب لـ«دولة الخلافة» والتجربة الدموية التي أعقبتها. الاجتياح الروسي لأوكرانيا أخطر أيضاً من حرب أميركا في أفغانستان والعراق. والسبب بسيط. لقد هزت حرب بوتين في أوكرانيا دعائم النظام الدولي. فبعد هذه الحرب لن تكون أوروبا ما كانت عليه، ويصدق الأمر نفسه على العالم بأسره.
نحن في الطريق إلى عالم جديد. يراهن كثيرون أنه سيكون عالماً متعدد الأقطاب، لافتين إلى أن حرب أوكرانيا ما كانت لتقع لولا تزايد الشعور ببدايات غروب العصر الأميركي. وهناك من يرى أن أميركا باتت عاجزة عن لعب دور الشرطي على امتداد العالم. ويضيف هؤلاء أن أميركا لم تعد قادرة أيضاً على الادعاء أن النموذج الغربي هو الممر الوحيد والإلزامي للتقدم التكنولوجي ومكافحة الفقر بعد تجارب الصين ودول أخرى. لقد أطلق بوتين النار على مرتكزات «القرية الكونية».
الأكيد هو أن الحرب في أوكرانيا فرضت تعديلاً كبيراً على لائحة الأولويات الغربية. كانت أميركا تتحرك لتركيز سياستها وقدراتها على احتواء الصعود الصيني. بدأ الحديث جدياً أن الحزب الشيوعي الصيني هو المنافس الأخطر إذا تم تفادي تسميته العدو الأول. فجأة دقت أجراس الإنذار في عواصم حلف الأطلسي. الخطر الروسي يقرع الأبواب الأوروبية ويعيد إيقاظ أشباح كانت القارة القديمة اعتبرت أنها دفنتها إلى غير رجعة.
أصاب المشهد الأوروبيين بالذهول. ملايين اللاجئين الأوكرانيين يتوزعون على البلدان الأوروبية المجاورة. مشاهد غير مألوفة لم تعرف أوروبا مثيلاً لها حتى في ذروة الانفجار اليوغوسلافي. ذهب الرئيس الروسي في الحرب إلى حد يتعذر عليه العودة منها من دون إنجاز انقلاب يفوق قدرة الغرب على الاحتمال. لا يستطيع بوتين أن يرجع خاسراً. ولا يستطيع الغرب رؤيته منتصراً. وقع العالم في فخ كبير. يراقب الأوروبيون بقلق قيام دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن بفرض جراحة قسرية على خريطة دولة أوروبية مستقلة. الحرب الحالية في أوكرانيا أخطر بكثير من استعادة روسيا القرم في 2014. أخطر بكثير أيضاً من التدخل العسكري الروسي في سوريا في السنة التالية.
عالم متعدد الأقطاب. لكن ماذا لو أدمت العقوبات الغربية غير المسبوقة الاقتصاد الروسي؟ وفي هذه الحال هل يتراجع موقع روسيا لتتكرس ثنائية التنافس الأميركي - الصيني؟ وهل سيضطر بوتين إلى أن يكون الأخ الأصغر في التحالف الروسي - الصيني؟

                                          غيرت الحرب مواقف ألمان كثر مثل ديتر غروسمان (الشرق الأوسط)
السائق الألماني لا يريده أن ينتصر
أسئلة أخرى. هل يمكن أن تحقق الحرب عكس ما أراده بوتين؟ هل تؤدي التجربة الدموية في أوكرانيا إلى تجديد شباب حلف «الناتو» وتوسيع حضوره بانضمام السويد وفنلندا إلى صفوفه؟ وهل ستنخرط روسيا في سباق تسلح كذلك الذي أنهك الاتحاد السوفياتي؟ لقد تغيرت أوروبا. دولها تزيد إنفاقها الدفاعي. وألمانيا التي أقامت طويلاً تحت مظلة التردد والحذر كسرت حاجز الخوف. أرسلت أسلحة إلى أوكرانيا، وأقرت مبلغ مائة مليار يورو كإنفاق دفاعي إضافي. وأمام السخاء الأميركي الواضح في دعم أوكرانيا، عاد الأوروبيون إلى الاعتقاد أن لا غنى لهم عن الجنرال الأميركي حين تحدق بأوروبا أخطار كبرى.
كنت أقلب هذه الأسئلة حين قررت القيام بجولة ليلية في برلين. سألني السائق إن كنت سائحاً، فتذكرت أن الصحافيين هم من أسوأ أنواع السياح. كلما نزلوا في مدينة يحاولون التعرف على أوجاعها ومكان الخطر في حياتها. استوقفني أنه ألماني وأنه يراهن دائماً على نقل السياح. ولأن السائق هو عادة دفتر المدينة قلت أسأله عن الموضوع الذي جئت من أجله.
اسمه ديتر غروسمان. لم يكن يتوقع على الإطلاق أن يرى تدفق مئات آلاف اللاجئين الأوروبيين على بلاده. يتذكر تدفق مئات آلاف اللاجئين السوريين «لكنهم جاؤوا من منطقة بعيدة». ربما كان يقصد أنهم جاؤوا من عالم آخر يصر على إنجاب اللاجئين. قال: «نحن تجربتنا مريرة. كنت أعارض إرسال أسلحة ألمانية إلى أي بقعة في العالم. لا أريد أن تنخرط ألمانيا في نزاعات. يكفيها كم دفعت في القرن الماضي. لكنني اليوم أؤيد إرسال أسلحة إلى أوكرانيا بعدما شاهدت على الشاشات ما تفعله القوات الروسية هناك. طبعاً من دون الانخراط مباشرة في المواجهة العسكرية».
وأضاف: «الحقيقة هي أنني خدعت كما خدعت معظم الدول الأوروبية. كنت ساذجاً. اعتقدت أن بوتين يريد استعادة قوة بلاده لكن ضمن حدودها، وأنه سيركز جهده على تنمية اقتصادها. لدي قناعة راسخة أن بوتين يجب أن يخسر الحرب. لا نريد العيش في عالم يقوده أمثال بوتين و(رجب طيب) إردوغان. يجب أن يخسر كي لا يكرر التجربة في مكان آخر. لم أكن مؤيداً لزيادة الإنفاق على التسلح لكنني الآن غيرت موقفي تماماً».
قال ديتر إنه «يكن تقديراً عميقاً للمستشارة السابقة أنجيلا ميركل. كانت فترة حكمها الطويلة فترة استقرار وازدهار. كانت صاحبة موقع مميز أوروبياً ودولياً وكانت نزيهة وتحظى بتأييد واسع. استغرب أن لقاءاتها المتكررة مع بوتين لم تمكنها من قراءة نياته الحقيقية. أنا يحق لي أن أكون ساذجاً لكن لا يحق للحاكم أن يكون كذلك. لقد تركت ألمانيا تعتمد بنسبة تزيد على ستين في المائة على الغاز الروسي وهو حيوي للتدفئة والصناعة. لا يجوز ترك مصير ألمانيا في عهدة رجل أظهرت حرب أوكرانيا أنه مريض وشديد الخطورة. ها نحن نعود إلى القلق. والفواتير ترتفع. وقد تكون مشكلة ألمانيا أقل من مشاكل بولندا ودول البلطيق». وأضاف: «أنا أكره الحرب. دفعنا الثمن غالياً. والدي قاتل في القرم وسانت بطرسبرغ في أيام هتلر. وعانى جيلنا طويلاً من الاتهامات والإرث. لا نريد الحرب لكنني أشعر أن أوروبا لن تكون آمنة إذا انتصر بوتين. العالم نفسه لن يكون آمناً».
لم ينكر وجود انقسام في الرأي العام الألماني حول درجة دعم أوكرانيا بالسلاح. وختم: «فوجئت بالصلابة التي أبداها الأوكرانيون. يستحقون الدعم. وفاجأني أن يقف الرئيس زيلينسكي بشجاعة وبراعة في وجه الرئيس الروسي وآلته العسكرية والإعلامية».
صورة السيد الرئيس
على مسافة مئات الأمتار من الفندق يرفرف علم أوكراني. فاجأني وجود صور لبوتين ملقاة أرضاً وعلى مقربة منها سيدة ترفع لافتة تندد بقتل الأطفال والنساء في أوكرانيا. خلتها أوكرانية للوهلة الأولى. وحين سألت قالت إنها متطوعة ألمانية تتحرك بمبادرة فردية ضد «الجريمة التي تنفذ على أرض أوكرانيا». استفسرت عن صور بوتين فأجابت: «هذا مكانها الطبيعي في ضوء تصرفاته. إنه رجل شديد الخطورة على العالم. السكوت يعني تكرار التجارب التي قتلت شعوباً بكاملها».
لم أكن أتوقع أن تبادر سيدة ألمانية إلى إلقاء صور بوتين في الشارع لتعريضها لإهانات من قبل العابرين. فاجأ بوتين كل الذي راهنوا على براعته في تفادي توريط بلاده وتوريط العالم معها. اعتقدت أسوة بكثيرين أنه سيحرك قواته على حدود أوكرانيا لإثارة الخوف من حرب لن تقع ولن يقع فيها. وأنه سيرجع من المناورات ببعض المكاسب والتطمينات.
أحزان الزائر الأوروبي
على شرفة الفندق المقابلة لبوابة براندنبرغ نزل الليل لطيفاً. كنت أراجع ما سمعته أثناء النهار. لفتني رجل يجلس قريباً مكتفياً بالتحديق في البوابة والعابرين. وحين تسلل شيء من البرد إلى الطقس طلب كأساً جديداً ليحتمي منه. ولأن الصحافي مزعج بطبيعته قلت أخترق عزلته وأطرح عليه الأسئلة نفسها.
فوجئ السيد هنري بمبادرتي. قال إنه أمضى العمر مجهولاً ولم يشاهد اسمه أو صورته في صحيفة ولن يغير عادته. ثم استدرك أنه لا يمانع أن نتبادل الحديث كنزيلين في الفندق نفسه. قال: «أنا فرنسي لكنني أوروبي بالقدر نفسه. أحب برلين وأزورها بين وقت وآخر. لهذه الزيارة طعم مختلف. أعتقد أننا نتجه إلى أيام أوروبية سيئة. المسألة أكبر من ارتفاع أسعار السلع الغذائية وفواتير التدفئة. فكرة أوروبا نفسها مطروحة على الطاولة. كانت دول القارة تستعد لإنفاق المزيد على جهود البيئة والمناخ والتعليم والابتكار، وها هي تقرر إنفاق المزيد على الدبابات والمسيّرات والصواريخ. هذا تغيير كبير جداً».
وأضاف: «لم أكن يوماً معجباً بالسياسة الأميركية. وأعتقد أنه كان من واجب أميركا أن تدس بعض الماء في نبيذ نشوتها بانهيار الاتحاد السوفياتي، وأن تراعي مشاعر روسيا الطبيعية منها والمصطنعة. لم تفعل. ربما لذلك كان لدي قدر من التعاطف مع بوتين. لم أتوقع أبداً أن يتسبب في هذه المأساة. أعتقد أن اقتصاد بلاده سيدفع غالياً ثمن مغامرته. ستزداد حياة الروس صعوبة وستتخلف بلادهم عن ركب التقدم التكنولوجي، وستترسخ كراهية الغرب في نفوسهم وهي موجودة أصلاً. إننا لا نتحدث عن كوريا الشمالية أو إيران. إننا نتحدث عن أمة عظيمة اسمها روسيا فرضت الجغرافيا على أوروبا أن تتعايش معها».
ورأى أن «نجاح بوتين في تحطيم أوكرانيا لا يعد انتصاراً في المدى البعيد. أعتقد أن الصين قد تكون الرابح الكبير إذا استمرت في إدارة موقفها من الأزمة من دون الوقوع في الاستقطاب. كان على بوتين أن يفكر ملياً لماذا لم تحاول الصين استرجاع تايوان بالقوة. أنهكت (كورونا) العالم وها هي الحرب في أوكرانيا تضاعف مآسيه».
وختم قائلاً: «أنا متشائم فقد تكون الأيام الأوروبية الجميلة انتهت. وعلينا ألا ننسى أننا فيما نتكلم على شرفة فندق جميل، هناك أم أوكرانية تبكي على ابنها أو بيتها. وهناك أم روسية استقبلت جثمان ابنها الجندي العائد في نعش من أوكرانيا. هذه المشاهد ستغير أوروبا وتغير معها العالم».
ما أصعب النوم قرب المكان الذي توارى منه جدار برلين. وما أصعب التكهن ما إذا كانت الحرب الروسية ستؤدي إلى قيام جدار يقسم أوكرانيا على غرار ما فعله الجدار السابق بألمانيا. إذا كان صحيحاً أن الغرب اتخذ قراراً حاسماً بمنع بوتين من الخروج منتصراً من حربه الحالية، فإننا سندفع بالتأكيد ثمن الاستنزاف المتسارع في أوكرانستان.



المرتزقة في ليبيا... عصف الحرب المأكول

TT

المرتزقة في ليبيا... عصف الحرب المأكول

بعد 9 أشهر من الحرب التي شنها قائد «الجيش الوطني الليبي»، المشير خليفة حفتر، على العاصمة الليبية طرابلس، في 4 أبريل (نيسان) 2019، مدعوماً بمقاتلين من مجموعة «فاغنر» الروسية، دفعت أنقرة بمرتزقة ينتمون لمجموعات سورية معارضة، أبرزها فصيل «السلطان مراد»، الذي غالبية عناصره من تركمان سوريا، إلى ليبيا. وبعد اقتتال دام 14 شهراً، نجحت القوات التابعة لحكومة فايز السراج، في إجبار قوات «الجيش الوطني» على التراجع خارج الحدود الإدارية لطرابلس.

وفي تحقيق لـ«الشرق الأوسط» تجري أحداثه بين ليبيا وسوريا والسودان وتشاد ومصر، تكشف شهادات موثقة، كيف انخرط مقاتلون من تلك البلدان في حرب ليست حربهم، لأسباب تتراوح بين «آيديولوجية قتالية»، أو «ترغيب مالي»، وكيف انتهى بعضهم محتجزين في قواعد عسكرية بليبيا، وأضحوا الحلقة الأضعف بعدما كان دورهم محورياً في بداية الصراع.

وفي يناير (كانون الثاني) 2024، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن عدد عناصر «المرتزقة السوريين» في طرابلس تجاوز 7 آلاف سابقاً، لكن فرّ منهم نحو 3 آلاف وتحولوا إلى لاجئين في شمال أفريقيا وأوروبا.

مرتزقة الحرب الليبية.. وقود المعارك وعبء الانتصارات والهزائم