اعترفت المفوضية الأوروبية بأن المفاوضات الجارية منذ أسبوعين مع المجر لسحب اعتراضها على الحزمة السادسة من العقوبات ضد روسيا، قد وصلت إلى طريق مسدود، بعد أن رفضت بودابست مواصلة البحث في آخر عرض قدّمه الاتحاد الأوروبي مساء الاثنين الماضي، في اجتماع مجلس وزراء الخارجية، للتعويض على قبول بودابست بوقف استيراد النفط الروسي ومشتقاته. وأعلن المسؤول الأوروبي عن السياسة الخارجية جوزيب بورّيل أن المجر أبلغت المجلس عدم استعدادها لمناقشة الاقتراح الأوروبي بصيغته الراهنة على مستوى السفراء المندوبين الدائمين، ولا حتى على مستوى وزراء الخارجية، وطلبت إحالة ملفّ حظر النفط الروسي إلى القمة الاستثنائية المقبلة في نهاية الشهر الجاري.
وبينما أعربت الحكومة الأوكرانية عن «ذهولها» إزاء الموقف المجري من حزمة العقوبات التي يحاول الاتحاد الأوروبي إقرارها منذ مطلع هذا الشهر، والتي كانت رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين أعلنتها أمام البرلمان الأوروبي منذ عشرة أيام، لا يخفي المسؤولون في الاتحاد شكوكهم من أن ثمّة أسباباً «غير معلنة» وراء هذا التصلّب في الموقف المجري الذي أكده فيكتور أوربان أول من أمس، خلال حفل تنصيبه لولاية رابعة متتالية رئيساً للحكومة، بعد فوزه الساحق في الانتخابات التشريعية الأخيرة.
وكان أوربان قد أوضح في خطابه أمام البرلمان المجري، أنه عازم على إجراء المفاوضات حول الحزمة الجديدة من العقوبات مع زملائه في إطار القمة المقبلة أواخر هذا الشهر، وأنه يرفض مواصلة الحوار مع رئيسة المفوضية التي كانت توجهت الأسبوع الماضي إلى بودابست، في محاولة أخيرة لإقناع الحكومة المجرية بتعديل موقفها، وأبدت ارتياحاً لنتيجة المحادثات التي أجرتها تمهيداً لإقرار الحزمة السادسة من العقوبات. وكان العرض الذي تقدمت به فون دير لاين يتضمّن خطة لتحديث المنشآت النفطية، وبناء شبكة جديدة من الأنابيب في المجر بقيمة ملياري يورو، وفترة انتقالية لحظر النفط الروسي ومشتقاته تمتد حتى عام 2025.
لكن رئيس الوزراء المجري عاد وحمل على رئيسة المفوضية التي قال إنها «تلعب على الحبلين»، وإن «الغرب يسير إلى الانتحار الجماعي»، مؤكداً أن الإصلاحات اللازمة لقطاع الطاقة المجري في حال التخلّي كلياً عن النفط الروسي، لا تقلّ تكلفتها عن 15 مليار يورو، وأن مبلغ المليارين الذي وعدت به المفوضية هي أموال مستحقّة للمجر منذ أشهر، ومجمّدة بسبب من «المخالفات المزعومة لسيادة القانون».
وأمام هذا التصلّب المفاجئ في الموقف المجري، أعلن المسؤول الأوروبي عن السياسة الخارجية جوزيب بورّيل، أن المفاوضات حول الحزمة السادسة من العقوبات وصلت إلى طريق مسدود، وأن تجاوز الوضع الراهن لم يعد ممكناً إلا على مستوى رؤساء الدول والحكومات. ومن جهته أعرب وزير الخارجية الأوكراني الذي كان حاضراً في اجتماع المجلس الأوروبي، عن خيبته لهذا التأجيل الجديد الذي يواجه الموافقة على حزمة العقوبات السادسة، مستبعداً أن يتم إقرارها من غير حظر النفط الروسي. وقال ديميترو كوليبا: «يصعب عليَّ تصديق ما أرى؛ لكن الاتحاد الأوروبي هو الذي يتفاوض مع السلطات المجرية، وهذه مسألة عائلية»، مضيفاً أن كل يوم يمرّ من غير عقوبات على النفط الروسي، يعطي موسكو فرصة للحصول على المزيد من الموارد لتمويل الحرب على بلاده.
وبينما كان وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يحيطون علماً بفشل محاولة أخرى لإقناع بودابست بسحب اعتراضها على الحزمة السادسة للعقوبات، كان أوربان يحدد إطار المفاوضات المقبلة بقوله: «لن تضع المجر (الفيتو) على العقوبات، شريطة ألا تتجاوز الخطوط الحمر، أي أنها لا تهدد أمن الطاقة في البلاد»، ثم أضاف: «إن الاتحاد الأوروبي لا يملك اليوم الوسائل لمواجهة هذا النزاع في أوكرانيا. والعقوبات يمكن أن تُركِّع روسيا؛ لكني أعود وأكرر أني لا أرى كتلة أوروبية فاعلة».
وإذ تجهد دول البلطيق الأعضاء في الاتحاد للتوصل إلى اتفاق يفرض حظراً فورياً للنفط الروسي، قال وزير الخارجية الليتواني غابريليوس لاندسبيرغيس: «إن الاتحاد الأوروبي رهينة دولة واحدة تقف حائلاً دون التوصل إلى اتفاق حول حزمة العقوبات الجديدة». ومن جهته قال وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو، إن العجز عن اتخاذ مثل هذا القرار المهم سببه قاعدة الإجماع التي بات من الضروري تجاوزها في أقرب فرصة. لكن أوساط المسؤولين في المفوضية بدأت تتحدث عن «ابتزاز» واضح في موقف بودابست، ولا تستبعد أن يطرح أوربان مطالب أخرى إضافية، في حال تجاوب الشركاء الأوروبيون مع شروطه الأخيرة. وتخشى هذه الأوساط أن يكون وراء هذا التصعيد المتواصل في المطالب المجرية تنسيق مع موسكو التي يعتبر كثيرون أن أوربان هو وديعتها لدى الاتحاد الأوروبي. في موازاة ذلك حاولت المفوضية الأوروبية أمس تبديد الشكوك التي تحيط بسداد فاتورة الغاز الروسي بالروبل كما تطالب موسكو، موضحة أن ذلك يبقى محظوراً؛ لكن إذا قررت السلطات الروسية تحويل المبالغ المسددة باليورو أو بالدولار إلى الروبل، فإن ذلك لا يشكّل انتهاكاً للعقوبات. وشدّدت المفوضية على أن تقوم الشركات الأوروبية المستوردة للغاز الروسي بإصدار إفادات تؤكد أن التحويلات باليورو أو الدولار تنهي عملية السداد، وأن تحويلها إلى الروبل يتمّ على يد الطرف الروسي. لكن ليس من الواضح بعد إذا كانت موسكو ستكتفي بذلك، كي لا تنفّذ تهديدها بقطع الغاز عن بلدان الاتحاد نهاية الشهر الجاري.
تمرير الحزمة السادسة من العقوبات الأوروبية ضد روسيا يصل إلى طريق مسدود
المجر تخرج عن الإجماع... وكييف «مذهولة»
تمرير الحزمة السادسة من العقوبات الأوروبية ضد روسيا يصل إلى طريق مسدود
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة