حملة أوباما لإغلاق «غوانتانامو» قضية سامية بأبعاد غير مدروسة

المفرج عنهم يعانون من مشاكل إعادة التأهيل داخل المجتمعات

حملة أوباما لإغلاق «غوانتانامو» قضية سامية بأبعاد غير مدروسة
TT

حملة أوباما لإغلاق «غوانتانامو» قضية سامية بأبعاد غير مدروسة

حملة أوباما لإغلاق «غوانتانامو» قضية سامية بأبعاد غير مدروسة

في إطار حملة للرئيس الأميركي باراك أوباما -الذي يتمم آخر سنة له في هذا المنصب حاليا- لإغلاق معتقل غوانتانامو (السجن الحربي الأميركي في كوبا)، يجري إطلاق سراح السجناء إلى دول وقعت اتفاقيات مع الولايات المتحدة تدريجيا. ولكن حملة أوباما لإغلاق المعتقل وترحيل السجناء إلى تلك البلاد قد تكون فيها ثغرات؛ إذ يشكو العديد منهم من سوء إعادة تأهيلهم إلى داخل مجتمعاتهم الجديدة.
وأنهى معتقلون سابقون في المعتقل أعيد توطينهم في الأوروغواي احتجاجا استمر ثلاثة أسابيع خارج السفارة الأميركي يوم أمس (الثلاثاء)، بعد التوصل لاتفاق مع البلاد للحصول على الدعم المالي والطبي مقابل تعلم الاسبانية والسعي للتدريب المهني. وجرى ارسال السجناء السابقين الستة (منهم خمسة سوريون وفلسطيني) للدولة القابعة في القارة الأميركية الجنوبية في ديسمبر (كانون الاول) المنصرم.
وفي أواخر الشهر الماضي، أقام ثلاثة من الستة مخيما خارج مقر البعثة الأميركية في العاصمة مونتيفيديو في الأوروغواي، احتجاجا على عدم وجود الدعم الاقتصادي لهم. وفي نهاية المطاف، اتفق خمسة من الستة على تلقي 560 دولارا كمساعدة شهرية علاوة على الرعاية الطبية وسداد نفقات السكن.
من جانبه، قال كريستيان عادل ميرزا، الذي قاد المفاوضات بين السجناء السابقين والحكومة "ما يوقعونه خطاب نوايا، وعلى الرغم من أنه ليس عقدا فهو يحتوي على كل حقوقهم فضلا عن واجباتهم".
وأضاف ميرزا، "عليهم تعلم الاسبانية وإعادة التدريب لأنهم اعتقلوا في سن الشباب قبل أن يتمكنوا من تعلم مهنة أو حرفة".
وقبل المعتقلون السابقون السوريون أحمد عدنان عجم وعلي حسين شعبان وعمر محمود فرج والتونسي عبد الله بن محمد أورجي والفلسطيني محمد طهمطان، شروط الأوروغواي. ولكن ميرزا كشف أن سوريا رابعا يدعى جهاد دياب رفض التوقيع لأنه يرغب في مغادرة البلاد.
وهناك حالات أخرى تثبت صعوبة إعادة تأهيل المفرج عنهم في المجتمعات؛ ففي وقت سابق من شهر مايو (آيار) الحالي، قضت السلطات الكندية بإطلاق سراح "عمر خضر" أصغر محتجز في معتقل غوانتنامو، بعد أن اعتقلته القوات الأميركية في أفغانستان وكان له من العمر خمسة عشر عاما، وقد كان والده صديقا مقربا من زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. ويخضع عمر خضر، وهو الكندي الوحيد الذي قضى عشر سنوات في غوانتانامو، لقيود على التنقل ولحظر للتجوال ابتداء من ساعة معينة مساء، بالإضافة إلى ارتدائه سوارا الكترونيا يتيح تتبع تنقلاته أولا بأول. وسيقيم خضر في مقاطعة ألبيرتا الكندية. ومن طرفها، ما زالت السلطات الكندية تعتبر عمر خضر إرهابيا خطيرا.
وتحمل الدول التي تستقبل المعتقلين السابقين أعباء إعادة تأهيلهم ومسؤولية إبعادهم عن ارتكاب أعمال إرهابية. ولذلك أبدت الأوروغواي قلقها شهر مارس (آذار الماضي)، وأعلنت أنها لن تمنح حق اللجوء لمزيد من معتقلي غوانتانامو المفرج عنهم.
وتشير استطلاعات الرأي في البلاد، كما نقلتها شبكة الـ"بي بي سي" البريطانية، الى أن الشعب يعارض قرار الرئيس السابق خوسيه موخيكا باستقبال السجناء على أرض بلاده. ولكن رئيس البلاد الاسبق دافع عن المعتقلين السابقين الستة الذين استقبلتهم البلاد بقوله، "قضى هؤلاء الشباب 12 عاما خلف القضبان للاشتباه في علاقتهم بتنظيم القاعدة دون توجيه اتهام رسمي لهم". وأضاف موخيكا، "السجناء الستة يواجهون صعوبات بسبب اللغة والاختلاف الثقافي، كما أنهم يعانون من الندوب التي تركتها ظروف حبسهم وعزلهم عن العالم الخارجي لسنوات طويلة".
يذكر أن السلفادور هي الدولة الوحيدة إلى جانب أوروغواي التي استقبلت سجناء مفرجا عنهم من معتقل غوانتانامو.
ويذكر أن السلطات الأميركية بدأت باستخدام "غوانتانامو" عام 2002، وذلك لسجن من تشتبه في كونهم "إرهابيين"، ويعتبر السجن سلطة مطلقة لوجوده خارج الحدود الأميركية ولا ينطبق عليه أي من قوانين حقوق الإنسان.
ويعتبر مراقبون أن معتقل غوانتانامو تنمحي فيه جميع القيم الإنسانية وتنعدم فيه الأخلاق وتتم معاملة المعتقلين بقساوة شديدة، ما أدى إلى احتجاج بعض المنظمات الحقوقية الدولية إلى استنكارها والمطالبة بوقف حد لهذه المعاناة وإغلاق المعتقل بشكل تام. ومع أن أوباما وعد بإغلاق المعتقل قبل انتهاء ولايته، يقبع نحو 120 سجينا في المعتقل إلى اليوم.



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.