«الولادة الجديدة»... ينقل بيروت من العتمة إلى النور

يعود ريع المعرض لإضاءة شوارع العاصمة وإشاراتها الضوئية

جانب من معرض «ولادة جديدة»
جانب من معرض «ولادة جديدة»
TT

«الولادة الجديدة»... ينقل بيروت من العتمة إلى النور

جانب من معرض «ولادة جديدة»
جانب من معرض «ولادة جديدة»

بعيداً عن أجواء الانتخابات النيابية وانشغال أهلها في هذا الاستحقاق، تستضيف العاصمة اللبنانية المعرض الفني «ولادة جديدة» الذي تنظمه جمعية «ريبرث بيروت». يشارك في هذا المعرض 4 فنانين تشكيليين تتراوح أعمالهم الفنية بين تقنيات الرسم المعروفة في الـ«ميكسد ميديا» والـ«الأكليريك» والنحت وغيرها.
وأهمية هذا المعرض هي في تخصيص ريعه لإعادة الأضواء إلى «ست الدنيا»، الغارقة في ظلمة حالكة بسبب انقطاع التيار الكهربائي عنها. وهو يقام بالتعاون مع جمعية «كاريه دارتيست» للفنون.
فجمعية «ريبرث بيروت» (ولادة بيروت) وبهمة صاحبها غابي فرنيني (عضو أسبق في بلدية بيروت)، أخذت على عاتقها إبقاء المدينة حية، تنبض بناسها وشوارعها المضيئة منذ انفجار 4 أغسطس (آب) حتى اليوم.
ويأتي هذا المعرض الذي يستضيفه مركز الجمعية في شارع الجميزة، بمثابة افتتاح جديد لها. فتفشّي الجائحة من ناحية وتفشّي الأزمة الاقتصادية من ناحية أخرى تسبّبا في غياب قسري لنشاطاتها الفنية. اليوم تعود «ربيرث بيروت» إلى الحياة من جديد، هي التي أعادت أضواء إشارات السير إلى العمل في مناطق التباريس، وسوفيل، ومار نقولا وصولاً إلى ساحة ساسين في الأشرفية.
وتستعد لإكمال مشوارها هذا، من خلال إضاءة إشارات مرور أخرى، كانت قد توقفت عن العمل تماماً في ظل تدهور العملة اللبنانية، وتعثّر الدولة في دفع مستحقات الشركة الموكلة صيانتها.
ومع الفنانين فادي شماس، ومنى نحلة، وتاتيانا إسطفان، وجيسي تابت، المشاركين في هذا المعرض، ستتمكن جمعية «ريبرث بيروت» بإكمال مشوارها مع الضوء ضد الظلمة.
ويقول مؤسس الجمعية المذكورة غابي فرنيني، إن فكرة إعادة بيروت إلى سابق عهدها وُلدت بُعيد انفجارها. ويوضح لـ«الشرق الأوسط»: «بدأنا بمبادرة خجولة تمثلت بوضع لفائف من النايلون على نوافذ وأبواب البيوت المخلعة بفعل الانفجار، ومن ثم تطورت لتتضمن مبادرات فنية يعود ريعها لمساعدة أهالي بيروت الذين تأذوا من الانفجار».
وبعد تنظيم الجمعية حفلاً غنائياً على درج الجميزة، كرّت السبحة لتشارك في إعادة المطاعم والمقاهي في الجميزة إلى الحياة. ويتابع فرنيني: «منذ نحو 9 أشهر وإثر تفاقم مشكلة انقطاع التيار الكهربائي في بيروت، راودتنا فكرة إعادة النور إليها بواسطة الطاقة الشمسية. وهكذا بدأنا في إعادة تشغيل شارات المرور على الطرقات لأن غيابها كان يتسبب بحوادث سير خطيرة».
حتى اليوم، عودة شارات المرور طالت عدداً من الشوارع في بيروت. وهذه المبادرة ستكمل طريقها لتطال مناطق بيروتية أخرى كبشارة الخوري، وأسواق بيروت، وشارع مار متر في الأشرفية. واستُكملت هذه المبادرة بأخرى تتمثل في تزفيت شوارع العاصمة. البعض اعتقد أن سد الثغرات على هذه الطرقات يعود إلى اجتهادات المرشحين للوصول إلى المجلس النيابي في بيروت. واتضح فيما بعد أنها نتيجة مبادرة فردية لجمعية «ريبرث بيروت»، فاقتضى التنويه. ومع هذه المبادرة زُفتت نحو 1000 جورة ضمن حملتي «زفت جورة» و«لتصير طريقك أحلى طريق».

                                              الفنانة التشكيلية منى نحلة ترسم بتقنية فن الـ«أكلكتيك»
ويوضح فرنيني لـ«الشرق الأوسط»: «كان من الضروري أن نفكر في بيروت في ظل غياب الدولة اللبنانية. وتعاون معنا محافظ بيروت الذي سهّل لنا الحصول على موافقات، كي نستطيع إنجاز أعمالنا. فالمبادرات الفردية من شأنها أيضاً أن تخدم المجتمع اللبناني وتقدم له الأفضل».
وعن معرض «ولادة جديدة» يقول: «نفتتح مع هذا المعرض نشاطاتنا الفنية التي تنعكس مبادرات مفيدة على الأرض. فريع هذا المعرض يعود قسم منه إلى الجمعية، كي تستكمل مشوارها الخدماتي وإضاءة بيروت. وبالمساهمة مع عدد من الأفراد اللبنانيين الذين يتطلعون إلى بيروت من نفس منظارنا، سنتمكن من القيام بمشاريع ومبادرات أخرى تنعكس إيجاباً على عاصمتنا».
ويخطط فرنيني لإنارة عدد من أحياء الأشرفية ويقول: «هو مشروع بحد ذاته، سنتعاون فيه مع عدد من الشركات الموزعة للوقود. فتوليد الطاقة الشمسية ستكون كلفته عالية علينا لإضاءة شوارع المدينة، ولكن مع مساهمات ومبادرات فردية سنطلق هذا المشروع مع تفاصيله في 22 مايو (أيار) الجاري».
بالعودة إلى المعرض، فإن الأعمال المعروضة فيه مستوحاة من العاصمة اللبنانية في غالبيتها. ويقول فادي شماس، أحد الفنانين المشاركين بلوحات يمزج فيها بين عراقة المدينة وحداثتها: «أنا على قناعة تامة بأن بيروت لن تموت. وهذه اللوحات التي تمثل مدينتي بفرحها وحزنها، تبرز جمال بيروت بكل تناقضاتها. ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «أعدت إلى بيروت ألوانها الساطعة كما أتخيلها دائماً، فحزنها وتفجيرها لن يتمكنا من تغييبها عن ذاكرتنا، ولا عن الخريطة العالمية». وتُبرز لوحات شماس من الأكليريك خصوصية بيروت في ظل انقطاع التيار الكهربائي عند المساء، وكذلك عند بزوغ الشمس تحت أضواء الطبيعة. وضمن تفاصيل صغيرة صور فيها مباني العاصمة العتيقة وأبراجها الشاهقة، وجمع فادي شماس بين الخيال والحقيقة. «أنا من مواليد منطقة المصيطبة، وأتذكر بيروت جيداً أيام العز من سوق الطويلة والمعرض وغيرها. كل هذه التفاصيل المخزنة في ذاكرتي ترجمتها في لوحاتي، لأن بيروت لن تموت مهما قسا عليها الزمن».
ومن ناحيتها تعرض الفنانة التشكيلية منى نحلة، مجموعة لوحات فنية لافتة بالتقنية المؤلفة منها. وتشرح لـ«الشرق الأوسط»: «ما أقدّمه هو من نوع فن الـ(أكلكتيك) الذي يمزج بين الانطباعي والحديث والتجريدي والـ(كولاج). لا ألتزم بمدرسة معينة بل أمزج فيما بينها لأشكّل أسلوبي الخاص». وفي لوحة عنونتها «بنات المدينة»، تُبرز نحلة مدى أهمية الجذور بالنسبة لها وتقول: «تلاحظين في هذه اللوحة أن الفتيات لا ينتمين إلى المدينة بصورة كاملة. وهن يعبّرن عني كوني أنتمي إلى الريف اللبناني في جنوب لبنان من بلدة طيبا.
فمهما عشنا في المدينة وغمرتنا حداثتها، يبقى لجذورنا مع القرية اللبنانية، مكانة لا يستهان بها ولا نستطيع أن نتخلى عنها».
منحوتات ولوحات وقطع فنية موقّعة من فنانين عالميين، من اليونان وألمانيا وغيرها تشارك في هذا المعرض. ولكن فرنيني رغب في أن يسلط الضوء بصورة أكبر على الفنانين اللبنانيين وأعمالهم لأنهم محور المعرض.
جيسي تابت التي تشارك في هذا المعرض من خلال لوحات «ليلة بلا نوم»، و«ازرقاق»، و«الأزرق الزهري»، تصور مدينة بيروت بكل أبعادها. وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «إنها مدينتي التي أعشق، وأنا أعيش في منطقة الجميزة منذ نعومة أظافري، وشهدت كل الويلات التي واجهتها، وكذلك كل أيام الفرح. وفي لوحاتي أصوّر بيروت كما أراها بحلوها ومرّها، بعتمتها وبأضوائها، إنها مدينة لن تزول. قد تنام لكنها لن تموت».
أما تاتيانا إسطفان التي تعمل بتقنية الحبر على الكانفاس، فتقدم بلوحاتها صوراً خيالية تتراوح عناوينها بين «ذبذبات صامتة» و«لوجيس الحكمة» وغيرها. وتوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن أعمالها تعكس أحاسيسها تجاه بيروت بشكل أساسي: «لا أخطط لما أرسم، بل أترك ريشتي تشق طريقها، وفقاً لمشاعر جياشة أعيشها خلال هذه الرحلة الفنية. فأنا مهندسة معمارية، ولكن موهبة الرسم اجتاحتني لأخربط كل ما تعلمته من قواعد الهندسة المرتكزة على الخطوط المستقيمة. فهنا أحلّق حرة ضمن فضاء يولد عندي في اللحظة ذاتها التي أرسم فيها. وأحياناً أكتشف وجوهاً وأشكالاً كنت أجهل أني أرسمها. فاللوحة عندي هي ولادة من نوع آخر، أنتظر إتمامها كي أقف على ما تخرج به إلى النور».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

«المرصد»: إسرائيل قصفت أهدافاً عسكرية على الساحل السوري

تصاعد الدخان جراء غارات إسرائيلية على دمشق (أرشيفية - رويترز)
تصاعد الدخان جراء غارات إسرائيلية على دمشق (أرشيفية - رويترز)
TT

«المرصد»: إسرائيل قصفت أهدافاً عسكرية على الساحل السوري

تصاعد الدخان جراء غارات إسرائيلية على دمشق (أرشيفية - رويترز)
تصاعد الدخان جراء غارات إسرائيلية على دمشق (أرشيفية - رويترز)

استهدفت غارات إسرائيلية مكثفة مواقع عسكرية في منطقة طرطوس الساحلية السورية ليل الأحد الاثنين، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وأفاد المرصد بأن «الطيران الحربي الإسرائيلي شن غارات على مواقع عدة بينها وحدات للدفاع الجوي ومستودعات صواريخ أرض-أرض»، واصفاً إياها بأنها «الضربات الأعنف في منطقة الساحل السوري منذ بدء الغارات في 2012».