مشاركة «إن إف تي» على «إنستغرام»... دعم أم مُسايرة للتطور؟

أعلن أخيراً مارك زوكربيرغ، مؤسس ومدير شركة «ميتا» (فيسبوك سابقاً) بدء إتاحة مشاركة وعرض «إن إف تي» NFT (الرموز المشفرة غير القابلة للإبدال) على منصة «إنستغرام» خلال مايو (أيار) الحالي، مع وعود بإتاحة «إن إف تي» على باقي المنصات التابعة لشركة «ميتا» مثل «فيسبوك». وعدَّ مراقبون هذه الخطوة محاولة لمسايرة التطور الرقمي واللحاق بموجة انتشار وشعبية.
من جهة ثانية، عدّها بعض الخبراء والمتخصصون «مهمة، لكن يجب النظر إلى مثل هذه الخطوات من زاوية أوسع، وربطها بمسألة تطور صناعة الإعلام». كذلك تساءل آخرون عن تأثيرها ومثيلاتها على مستقبل هذه الرموز في ظل أنباء عن تراجع التعاملات عليها.
آدم موسيري، مدير «إنستغرام»، قال في مقطع فيديو نشره على حسابه الخاص على «تويتر» معلقاً أنه «بإمكان مجموعة محدودة من المستخدمين في الولايات المتحدة الأميركية الآن عرض ومشاركة (إن إف تي) في منشوراتهم على (إنستغرام)... وسيجري اختبار الميزة الجديدة على عدد محدود لمعرفة ردود فعل المستخدمين عليها، قبل توسيع الاستخدام». ووفقاً لمعلومات رسمية، سيتوجب على مستخدمي «إنستغرام» ربط حساباتهم بالمحفظة الرقمية، كي يتمكنوا من مشاركة «إن إف تي» وعرضها.
جدير بالذكر، أن هذه الخطوة تعد الثانية من نوعها في هذا المجال. إذ كانت منصة «تويتر» قد سمحت للمستخدمين بتعيين رموز الـ«إن إف تي» التي يمتلكونها، صورة للملف الشخصي للإشارة إلى استثماراتهم في مجال الفن الرقمي، خلال يناير (كانون الثاني) الماضي. وهنا يشير خبراء متخصصون إلى أن دخول «إنستغرام» سوق الرموز غير القابلة للإبدال يتوافق مع رؤية شركة «ميتا» في التحول إلى عالم «ميتافيرس الرقمي».
ويوضح أندرو هتشنسون، مدير المحتوى ومواقع التواصل الاجتماعي في موقع «سوشيال ميديا توداي»، أن «الأرقام تُظهر تسرب الناس من فقاعة (إن إف تي)، وهو ما يعني أنه إذا كانت (ميتا) تريد اللحاق بذيل موجة (إن إف تي) فعليها أن تفعل ذلك الآن». ويضيف أن «الإعلان عن بداية طرح (إن إف تي) على (إنستغرام) ليس مفاجئاً».
أحمد عصمت، المدير التنفيذي لمنتدى الإسكندرية للإعلام، استشاري تكنولوجيا الإعلام والتحول الرقمي في مصر، يوافق على أن دخول «إنستغرام» سوق الـ«إن إف تي» ليس مفاجئاً. ويقول في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن «المسألة عادية في ظل رؤية شركة (ميتا)، التي تقدم نفسها باعتبارها رائدة في مجال التحول الرقمي». ويتابع أن «مثل هذه الخطوات يجب النظر إليها من زاوية أوسع، وربطها بمسألة تطور صناعة الإعلام والترفيه، إذ يعيش العالم الآن مرحلة من التغيرات المرتبطة بنماذج العمل والربحية في هذا المجال». من جانبه، يقول أنس بنضريف، الصحافي المغربي المتخصص في شؤون الإعلام، «(ميتا) ربما تأتي في ضوء توابع صفقة شراء إيلون ماسك لمنصة (تويتر)، واحتمالات توسعه في استخدام مثل هذه الأصول الرقمية».
للعلم، فإن «إن إف تي» مقتنيات رقمية يمكن تعقب مصدرها، وتعد نوعاً من الأصول الرقمية، على غرار العملات الرقمية. ويجمع فن الـ«إن إف تي» بين عوالم فن الوسائط المستندة إلى الوقت، والمدعومة بنظام «بلوك تشين». وهو فريد من نوعه، ويمكن تحديد أصل ملكيته، ويعد وسيلة للفنانين والمبدعين لعرض إبداعاتهم في صورة رقمية، حيث يمكن لأي شخص إنشاء «إن إف تي»، مع إمكانية الاستخدام في ألعاب الفيديو والسينما والموسيقى. ويعود تاريخ «إن إف تي» إلى مايو 2014 عندما وضع كيفن ماكوي رمز «كوانتم» غير القابل للإبدال.
مراقبون يرون أن ظاهرة «إن إف تي» أحدثت تحولاً في سوق الفنون والثقافة، وباتت عنصراً محركاً للمزادات، التي تبيع تلك المقتنيات الرقمية. إذ بيعت أول تغريدة لمؤسس «تويتر» جاك دورسي مقابل 2.9 مليون دولار أميركي، واشتراها سينا ستافي، الرئيس التنفيذي لشركة «بلوكتشين» الماليزية. ومع بدايات العام الحالي، نظم ستافي مزاداً على الرسالة، لكنه لم يتلق عروضاً تتجاوز 14 ألف دولار.
عودة إلى هتشنسون الذي يقول «بينما يبدو أن (إن إف تي)، بشكلها الحالي في طريقها إلى الزوال، فإن العملية التي خلقتها ستكون مفتاحاً للمرحلة المقبلة... فاحتمالات تطورها تتجاوز شكلها الحالي، ولهذا ربما دفعت (ميتا) في هذا الاتجاه، بالتزامن مع رغبة متزايدة من المستخدمين في الاستثمار في هذه الرموز»، متسائلاً عما إذا كانت خطوة «ميتا»، «محاولة للحاق بذيل ركاب (إن إف تي) المتراجع، أم أنها ستؤدي إلى دعمها، وإعادة إنعاشها؟».
حسب بنضريف، «حجم التعاملات على (إن إف تي) يشهد تراجعاً في الآونة الأخيرة، بسبب منعه في عدة دول مثل الصين مثلاً... ثم إن سوق الرموز غير القابلة للإبدال نوع من البيع الوهمي، لا نعرف معايير صعوده وهبوطه حتى الآن». ويوضح أنه «أشبه بسلعة لا تحتاجها الإنسانية... أنتجها الكبار، وهم من يتحكمون بها، ويروجون لها، فتصعد في حين وتنهار في حين آخر».
أما عصمت فيذكر أن «العالم الآن في مرحلة التجارب في مسألة العملات والأصول الرقمية. وهو يحاول اختبار مرحلة التحول الرقمي الكامل المرتبط بالتعاملات المالية والأصول الرقمية مثل (إن إف تي) وغيرها»، لافتاً إلى «عدم تحقيق بيع رسالة (تويتر) للعائدات المرجوة، أمر عادي مرتبط بالعرض والطلب».
في هذه الأثناء، تشير الإحصائيات إلى تراجع سوق «إن إف تي» خلال مايو الحالي بنسبة 92 في المائة، مقارنة بشهر سبتمبر (أيلول) الماضي، ليصل حجم التعاملات اليومي إلى 19 ألفاً في الأسبوع، مقارنة بـ225 ألفاً في سبتمبر الماضي. كذلك انخفض عدد محافظ «إن إف تي» النشطة بنسبة 88 في المائة، من 119 ألفاً في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى 14 ألفاً في الأسبوع الأول من مايو الحالي، وفق ما نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال».
غير أن نان فانجيبل، الشركة المتخصصة في متابعة سوق «إن إف تي»، أشارت إلى أنه «لا يمكن القول بأن سوق (إن إف تي) تنهار». وأردفت: «نعم. نلاحظ استقراراً في السوق الآن مقارنة بالربع الأخير من عام 2021، لكن عدد المحافظ النشطة يبقى مشجعاً إذا ما قورن بحجمها في بداية عام 2021»، وفق ما نشره موقع «فورتشن» الأسبوع الماضي، الذي أشار إلى أن «حجم التعاملات النشطة في منتصف فبراير (شباط) الماضي انخفض إلى 964 مليون دولار، مقارنة بـ3.9 مليار دولار في مارس (آذار) الماضي».
وحول مستقبل العملات والأصول الرقمية، يطرح بنضريف سيناريوهين: «الأول، هو انهيارها بشكل كامل في حال تجاوز حجم التعاملات فيها حجم التعاملات البنكية، وهو ما سيدفع إلى فرض تشريعات تؤدي إلى حظرها ومنعها. والثاني هو التعامل معها باعتبارها أمراً واقعاً، ومحاولة فرض تشريعات لتقنينها». ويرى بنضريف أن «المستقبل سيُشكل التعامل في العملات والأصول الرقمية». في حين يقول عصمت إنه «في ظل التحولات الحالية من المهم ضخ دماء جديدة وحيوية وأشياء جديدة في سوق صناعة الإعلام والترفيه... والتطورات المتلاحقة في سوق التحولات الرقمي تتطلب البدء في وضع تشريعات وقوانين واستراتيجيات للتعامل معها والاستفادة منها».