قيادي في الجبهة الجنوبية السورية لـ«الشرق الأوسط»: الخطوة تمهيد لنواة جيش وطني سوري

اختيار قادة وفق عملية انتخابية يعتبر سابقة منذ وصول البعث عام 1963

مواجهة عنيفة يشهدها ريف درعا بين تشكيلات الجبهة الجنوبية وقوات النظام (الهيئة السورية للإعلام الناطقة باسم الجبهة الجنوبية)
مواجهة عنيفة يشهدها ريف درعا بين تشكيلات الجبهة الجنوبية وقوات النظام (الهيئة السورية للإعلام الناطقة باسم الجبهة الجنوبية)
TT

قيادي في الجبهة الجنوبية السورية لـ«الشرق الأوسط»: الخطوة تمهيد لنواة جيش وطني سوري

مواجهة عنيفة يشهدها ريف درعا بين تشكيلات الجبهة الجنوبية وقوات النظام (الهيئة السورية للإعلام الناطقة باسم الجبهة الجنوبية)
مواجهة عنيفة يشهدها ريف درعا بين تشكيلات الجبهة الجنوبية وقوات النظام (الهيئة السورية للإعلام الناطقة باسم الجبهة الجنوبية)

حققت فصائل «الجبهة الجنوبية» التي تقاتل ضد القوات النظامية في جنوب سوريا، خطوة تنظيمية جديدة على صعيد التنسيق بين فصائلها، عبر إعلانها أخيرًا عن تشكيل القيادة المشتركة لفصائل الجبهة الجنوبية، والمؤلفة من سبعة قادة وضباط ميدانيين «بعد إجراء انتخابات حرة وديمقراطية مارس فيها قادة الفصائل حقهم الديمقراطي في اختيار أعضاء القيادة المشتركة»، كما قال مصدر بارز في الجبهة لـ«الشرق الأوسط».
وكانت القيادة المشتركة، يوم الجمعة، قد اختارت عددًا من القادة ليتولى كل منهم مهام محددة، على أن يتم التنسيق مع كل الفصائل المنضوية تحت لواء الجبهة الجنوبية، البالغ عددها 54 فصيلاً، تجمع ما يزيد على 35 ألف مقاتل.
وأوكلت القيادة المشتركة مهمة التسليح للعقيد صابر سفر، والتنظيم والإدارة للقيادي سامر محيي الدين الحبوش، كما أوكلت مهمة إدارة العمليات للعقيد الركن خالد النابلسي، والتنسيق العام للرائد حسن إبراهيم، والعقيد سعيد نقش للمكتب الإغاثي، فيما تولى العقيد الركن بكور السليم قيادة عمليات القلمون.
وقال الناطق الرسمي باسم «الجبهة الجنوبية» الرائد عصام الريّس لـ«الشرق الأوسط»، إن خطوة تشكيل القيادة المشتركة «تأتي في السياق الرامي إلى تحقيق المزيد من التنسيق والتعاضد بين فصائل الجبهة، بعد أن أصبح لزامًا عليها تحقيق المستوى الأعلى من التنسيق على المستوى الاستراتيجي، بما يليق بجيش وطني تسعى الجبهة الجنوبية لأن تكون نواة له».
وأشار إلى أن حساسية المرحلة وانتقال المواجهات ضد القوات النظامية من حجمها الصغير إلى المواجهات الكبيرة على الجبهة الجنوبية «تفرض قيامها بالخطوة على مستوى التنسيق بما يليق بالضرورات الملحة التي تفرضها المواجهات»، مشيرًا إلى أن الجبهة الجنوبية «أصبحت تقاتل على أبواب الفرق والألوية التي ما زال النظام فيها، ويقتضي القتال في تلك المعارك الكبرى المنتظرة مستوى عاليا من التخطيط والتنسيق على المستوى الاستراتيجي».
ولا تخرج خطوة تشكيل القيادة المشتركة عن إطار التنسيق والتعاون، لكنها لا تصل إلى الاندماج الكامل، رغم أن قياداتها تخطط لرفع مستوى التنسيق إلى مستويات أعلى استراتيجيًا، وهو ما يؤهل لحدوث الاندماج ضمن الجيش المنشود مستقبلاً.
وشدد الريّس على أن القيادة المشتركة «لم تقم بتعيين قائد لها، خلافًا للمعلومات الخاطئة التي تداولتها بعض المواقع الإخبارية التي لم تتواصل مع قيادات الجبهة، إذ اكتفت خطوة التشكيل بانتخاب قادة مشهود لهم بتاريخهم الثوري والنضالي وفق عملية انتخابية تعتبر سابقة لم تحدث في تاريخ الجيوش، منذ أن تولى حزب البعث السلطة في سوريا عام 1963».
وتعتبر خطوة تشكيل القيادة المشتركة ذات أهمية بالغة من حيث التوقيت، فإضافة إلى أن الجبهة الجنوبية تمضي في مواجهة النظام في قطاعاته الكبرى في إزرع والصنمين ومثلث الموت وعلى مشارف دمشق، إضافة إلى القلمون، بات لزامًا على فصائل الجبهة أن تحمي ظهرها من خلايا «داعش» النائمة التي قاتلتها أخيرًا في منطقة القحطانية بريف القنيطرة وحي تشرين، ولا تزال تقاتلها في القلمون الشرقي.
وكانت «الجبهة الجنوبية» قد حققت عددًا من الخطوات الاستراتيجية على مستوى التشكيل والاندماج، وتمثل ذلك بتشكيل «الجيش الأول» الذي ضم قرابة عشرة آلاف مقاتل، ليكون الفصيل الأكبر ضمن الفصائل المقاتلة في الجنوب، وأعلن عنه بداية هذا العام وتولى العقيد صابر سفر قيادته.
وبالتزامن مع ذلك، كانت أيضا قد أعلنت مجموعة من الفصائل التوحد ضمن تشكيل «جند العاصمة»، الذي يضم عددًا من الفصائل المنضوية تحت لواء الجبهة الجنوبية، اندماجها الكامل لتتولى القتال على جبهة جوبر الدمشقية.
كما سبق أن شهدت محافظة درعا أواخر العام الماضي، تشكيل تحالف «صقور الجنوب» في ريف درعا الشرقي، وضم كلا من جيش اليرموك وفرقة فلوجة حوران وفرقة 18 ولواء أسود السنة.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.