بحث علمي يربط بين الأعاصير وتلوث الهواء

بحث علمي يربط بين الأعاصير وتلوث الهواء
TT

بحث علمي يربط بين الأعاصير وتلوث الهواء

بحث علمي يربط بين الأعاصير وتلوث الهواء

مع انخفاض تلوث الهواء في النصف الغربي من الكرة الأرضية الشمالي، تشير العديد من عمليات المحاكاة المناخية الجديدة إلى احتمال زيادة الأعاصير المدارية في المحيط الأطلسي. وأن التوقعات مقلقة إن لم تكن مفاجئة بالضرورة؛ فعندما تنتشر ذرات الهباء الجوي الصغيرة مثل الغبار والسخام والكبريتات في الهواء، فإنها تخلق ضبابًا دخانيًا يمكن أن يخفت ضوء الشمس ويبرد الغلاف الجوي للأرض وسطحها؛ وهذا بشكل عام يعكس تأثير غازات الدفيئة التي تحبس الطاقة من الشمس في غلافنا الجوي وتسخن كوكبنا.
وبالنظر إلى لعبة شد الحبل هذه بين هذه الأشكال المختلفة من التلوث، فمن المحتمل أن يكون الهباء الجوي البشري المنشأ يخفي بعضًا من أسوأ آثار الاحتباس الحراري.
من أجل ذلك، ربطت الأبحاث التي أجرتها الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) الآن تلوث الهواء الإقليمي من الصناعات والسيارات بنشاط العواصف في جميع أنحاء العالم، وذلك حسبما نشر موقع «ساينس إليرت» العلمي المتخصص، نقلا عن دراسة نشرت بمجلة «ساينس أدفانسز» العلمية.
فعلى مدار الأربعين عامًا الماضية، تُظهر بيانات الطقس والتلوث الدولية أن تدابير التحكم في الهباء الجوي بأوروبا والولايات المتحدة قد شهدت انخفاضًا كبيرًا بمستويات التلوث.
ومن خلال تحليل النتائج في العديد من عمليات محاكاة المناخ المثالية، أظهر الباحثون أن انخفاض التلوث كان من شأنه أن يساهم بشكل كبير بزيادة الأعاصير المدارية شمال المحيط الأطلسي.
ومع سقوط جزيئات الهباء الجوي في أوروبا والولايات المتحدة، تشير عمليات المحاكاة إلى أن خطوط العرض الوسطى لشمال الأطلسي كانت سترتفع درجة حرارتها.
وهذا، بدوره، كان من شأنه أن يؤدي لتحول قطبي في النفاثات شبه الاستوائية، ما يقلل من قص الرياح العمودي ويزيد من نشاط الأعاصير المدارية.
فالهباء الجوي ليس العامل الوحيد في الغلاف الجوي لكوكبنا الذي يؤثر على وتيرة وشدة الأعاصير، لكن النتائج تشير إلى أنه يلعب دورًا مهمًا؛ فقد ارتبط انخفاض الهباء الجوي بنسبة 50 في المائة في الولايات المتحدة وأوروبا بزيادة بنسبة 33 في المائة بتكوين الأعاصير. لكن القصة مختلفة بجنوب وشرق آسيا؛ ففي حين أن تلوث الهباء الجوي آخذ في الانخفاض الآن، فقد زاد بنسبة 50 في المائة من 1980 إلى 2010.
وفي هذا الاطار، تشير عمليات المحاكاة إلى التأثير الخافت لكل درجات الحرارة التي يبردها التلوث وضعف دوران الرياح الموسمية في المناطق الاستوائية الغربية الشمالية من المحيط الهادئ. فبين أعوام 2000 و 2020 انخفض نشاط الأعاصير المدارية بنسبة 14 في المائة مقارنة بالسنوات العشرين السابقة.
وعلى الرغم من هذا التخفيف الصغير من العواصف، فإن زيادة تلوث الهواء ليست استراتيجية قابلة للتطبيق لمستقبل نظيف وصحي. لذا يجب أن يظل الحد من الغازات المسببة للاحتباس الحراري هو خط هجومنا الأول.
ومع تفاقم تغير المناخ تشير النماذج إلى أنه من المرجح أن تكون العواصف الاستوائية أقل شيوعًا قليلاً ولكنها أكثر حدة.
وتلوث الهواء ببساطة لن يكون قادرًا على مواكبة ذلك. كما يأتي مع مجموعة من القضايا المميتة الأخرى.
بدورها، تقول كريستي إيبي عالمة الصحة العامة بجامعة واشنطن والتي لم تكن جزءًا من الدراسة «تلوث الهواء قاتل رئيسي، لذا فإن تقليل الانبعاثات أمر بالغ الأهمية بغض النظر عما يحدث مع عدد الأعاصير».
جدير بالذكر، اقترح بعض العلماء في السنوات الأخيرة محاولة تعتيم الشمس بشكل مصطنع بمليارات من جزيئات الكبريت. لكن البعض الآخر يقلق إذا ما تلاعبنا بالجو قائلا «سنخلق مشكلة أكبر خارجة عن إرادتنا. لأن مناخ الأرض نظام معقد ومضبوط للغاية، وقد عبثنا به عدة مرات. لكن من الواضح أنه مهما فعلنا، فقد حان وقت العمل الآن».


مقالات ذات صلة

استنشاق هواء نيودلهي يعادل تدخين 50 سيجارة يومياً

يوميات الشرق رجل يركب دراجة نارية وسط ضباب كثيف بالقرب من نيودلهي (إ.ب.أ)

استنشاق هواء نيودلهي يعادل تدخين 50 سيجارة يومياً

مع تفاقم الضباب الدخاني السام الذي يلف نيودلهي هذا الأسبوع، فرضت السلطات في العاصمة الهندية مجموعة من القيود الأكثر صرامة على حركة المركبات والسكان.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
أوروبا وزيرة البيئة الأوكرانية تلقي كلمة في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (كوب 29) في أذربيجان 20 نوفمبر 2024 (رويترز)

أوكرانيا تُقدّر الضرر البيئي نتيجة الحرب بـ71 مليار دولار

قالت وزيرة البيئة الأوكرانية إن الضرر البيئي بسبب العمليات العسكرية جراء الغزو الروسي لأوكرانيا منذ فبراير 2022 يقدّر بـ71 مليار دولار.

«الشرق الأوسط» (كييف)
بيئة ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية (أرشيفية - رويترز)

ارتفاع مستويات الميثان من الأراضي الرطبة الاستوائية يُهدد خطط المناخ

أظهرت أوراق بحثية أن الأراضي الرطبة الاستوائية حول العالم بات نبعث منها كميات من غاز الميثان أكبر من أي وقت مضى.

«الشرق الأوسط» (باكو)
يوميات الشرق صورة نشرها العلماء للدودة الجديدة المكتشَفة

دودة تأكل البلاستيك... اكتشاف لتقليل التلوث بسرعة وكفاءة

اكتشف عدد من العلماء دودة آكلة للبلاستيك  في كينيا، قالوا إنها يمكن أن تُحدث ثورة في تقليل التلوث بسرعة وكفاءة.

«الشرق الأوسط» (نيروبي)
آسيا أشخاص يقودون سياراتهم وسط ضباب دخاني كثيف في لاهور بباكستان... 11 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

الأمم المتحدة تحذّر من ضباب دخاني سام في باكستان يعرض الأطفال للخطر

حذرت وكالة الأمم المتحدة للطفولة، اليوم الاثنين، من أن صحة 11 مليون طفل في إقليم البنجاب بشرق باكستان معرضة للخطر بسبب تلوث الهواء.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)

مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
TT

مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف صرح لمعبد بطلمي في محافظة سوهاج (جنوب مصر). وذكرت البعثة الأثرية المشتركة بين «المجلس الأعلى للآثار» في مصر وجامعة «توبنغن» الألمانية أنه جرى اكتشاف الصرح خلال العمل في الناحية الغربية لمعبد أتريبس الكبير.

وعدّ الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، الدكتور محمد إسماعيل خالد، هذا الكشف «النواة الأولى لإزاحة الستار عن باقي عناصر المعبد الجديد بالموقع»، وأوضح أنّ واجهة الصرح التي كُشف عنها بالكامل يصل اتساعها إلى 51 متراً، مقسمة إلى برجين؛ كل برج باتّساع 24 متراً، تفصل بينهما بوابة المدخل.

ولفت إسماعيل إلى أنّ الارتفاع الأصلي للصرح بلغ نحو 18 متراً، وفق زاوية ميل الأبراج، ما يضاهي أبعاد صرح معبد الأقصر، مؤكداً على استكمال أعمال البعثة في الموقع للكشف عن باقي المعبد بالكامل خلال مواسم الحفائر المقبلة، وفق بيان للوزارة.

جانب من صرح المعبد المُكتشف (وزارة السياحة والآثار)

بدوره، قال رئيس «الإدارة المركزية لآثار مصر العليا»، ورئيس البعثة من الجانب المصري، محمد عبد البديع، إنه كُشف عن النصوص الهيروغليفية التي تزيّن الواجهة الداخلية والجدران، خلال أعمال تنظيف البوابة الرئيسية التي تتوسَّط الصرح، كما وجدت البعثة نقوشاً لمناظر تصوّر الملك وهو يستقبل «ربيت» ربة أتريبس، التي تتمثّل برأس أنثى الأسد، وكذلك ابنها المعبود الطفل «كولنتس».

وأوضح أنّ هذه البوابة تعود إلى عصر الملك بطليموس الثامن الذي قد يكون هو نفسه مؤسّس المعبد، ومن المرجح أيضاً وجود خرطوش باسم زوجته الملكة كليوباترا الثالثة بين النصوص، وفق دراسة الخراطيش المكتشفة في المدخل وعلى أحد الجوانب الداخلية.

وقال رئيس البعثة من الجانب الألماني، الدكتور كريستيان ليتز، إنّ البعثة استكملت الكشف عن الغرفة الجنوبية التي كان قد كُشف عن جزء منها خلال أعمال البعثة الأثرية الإنجليزية في الموقع بين عامَي 1907 و1908، والتي زُيّن جانبا مدخلها بنصوص هيروغليفية ومناظر تمثّل المعبودة «ربيت» ورب الخصوبة «مين» وهو محوط بهيئات لمعبودات ثانوية فلكية، بمثابة نجوم سماوية لقياس ساعات الليل.

رسوم ونجوم تشير إلى ساعات الليل في المعبد البطلمي (وزارة السياحة والآثار)

وأضاف مدير موقع الحفائر من الجانب الألماني، الدكتور ماركوس مولر، أنّ البعثة كشفت عن غرفة في سلّم لم تكن معروفة سابقاً، ويمكن الوصول إليها من خلال مدخل صغير يقع في الواجهة الخارجية للصرح، وتشير درجات السلالم الأربع إلى أنها كانت تقود إلى طابق علوي تعرّض للتدمير عام 752.

يُذكر أنّ البعثة المصرية الألمانية المشتركة تعمل في منطقة أتريبس منذ أكثر من 10 سنوات؛ وأسفرت أعمالها عن الكشف الكامل لجميع أجزاء معبد أتريبس الكبير، بالإضافة إلى ما يزيد على 30 ألف أوستراكا، عليها نصوص ديموطيقية وقبطية وهيراطيقة، وعدد من اللقى الأثرية.

وعدَّ عالم الآثار المصري، الدكتور حسين عبد البصير، «الكشف عن صرح معبد بطلمي جديد في منطقة أتريبس بسوهاج إنجازاً أثرياً كبيراً، يُضيء على عمق التاريخ المصري في فترة البطالمة، الذين تركوا بصمة مميزة في الحضارة المصرية». وقال لـ«الشرق الأوسط» إنّ «هذا الاكتشاف يعكس أهمية أتريبس موقعاً أثرياً غنياً بالموروث التاريخي، ويُبرز تواصل الحضارات التي تعاقبت على أرض مصر».

ورأى استمرار أعمال البعثة الأثرية للكشف عن باقي عناصر المعبد خطوة ضرورية لفهم السياق التاريخي والمعماري الكامل لهذا الصرح، «فمن خلال التنقيب، يمكن التعرّف إلى طبيعة استخدام المعبد، والطقوس التي مورست فيه، والصلات الثقافية التي ربطته بالمجتمع المحيط به»، وفق قوله.

ووصف عبد البصير هذا الاكتشاف بأنه «إضافة نوعية للجهود الأثرية التي تُبذل في صعيد مصر، ويدعو إلى تعزيز الاهتمام بالمواقع الأثرية في سوهاج، التي لا تزال تخفي كثيراً من الكنوز».