يستحضر متذوقو الشعر «رقم هاتف قديم» على أنه عنوان أحد نصوص الشاعر العراقي مظفر النواب، إلا أنه ألهم السينمائي السعودي علي سعيد، ليكون عنواناً لفيلمه الحائز على جائزة أفضل سيناريو فيلم قصير في مهرجان أفلام السعودية خلال دورته السابقة. واليوم، يكتمل هذا العمل مع إعلان جهوزيته، وطرح البوستر الخاص به، تمهيداً لعرضه مطلع شهر يونيو المقبل.
النص الذي يقول النواب فيه «أغلقنا رغباتِ الشباك برقة قلبٍ... ونسينا الصبح بدون مطر»، تجسد سينمائياً ليحاكي أزمة منتصف العمر، بكل ما تحويه من انفعالات وتحولات يعيشها بطل الفيلم الفنان السعودي يعقوب الفرحان، بدور «حامد»، ثم يمر بمنعطف كبير يجعله يغير مسار حياته في العمل.
يكشف علي سعيد لـ«الشرق الأوسط» أن الفيلم جرى تصويره في شرق السعودية خلال شهر مارس (آذار) الماضي، بفريق سعودي متكامل. وعن فحوى الفكرة، يقول «إذا وصل الإنسان إلى منتصف العمر فإنه - على الأغلب - يحاول أن يُغير خياراته، ويعيد النظر في مسار حياته... وهذا الفيلم يعكس حالة من التماوج الداخلي الذي يحدث للإنسان في هذه المرحلة».
- البناء الفني
يستمد «رقم هاتف قديم» فلسفته من رؤية عالم النفس السويسري كارل يونغ، حول منتصف العمر، كما يفيد كاتب السيناريو ومخرج الفيلم علي سعيد، الذي أكد أن البناء الفني للعمل غير تقليدي، ولا يرمي القصة من البداية، إنما يدعو المتلقي للمشاركة منذ اللحظة الأولى، في جمع المعلومات وربط الأشياء، مع التركيز بكل صوت وكل صورة ليفهم القصة.
ويوضح علي سعيد أن «رقم هاتف قديم» يحمل الكثير من ملامح السينما المستقلة، وهو عمل لصيق بالمكان كما يصفه، مشيراً إلى أن الفيلم يأتي في إيقاعه ضمن «السينما الشعرية»، وهي المحور الرئيسي للدورة الثامنة لمهرجان أفلام السعودية، التي من المقرر انطلاقها مطلع الشهر المقبل، مبيناً أن الفيلم سيبصر النور خلال المهرجان، وسيقدمه لاحقاً لعدد من المهرجانات السينمائية، العربية والعالمية.
- رحلة الفوز
يبدو لافتاً ما أفصح عنه علي سعيد من أن الفيلم الذي كتبه عام 2017 ظل حبيس الأدراج طيلة الفترة الماضية، إلى أن اقترح أحد زملائه عليه أن يشارك في مسابقة مهرجان «أفلام السعودية»، إلا أنه لم يجد الوقت الكافي لذلك، ليقوم زميله بتقديم النص الذي حاز حينها على جائزة أفضل سيناريو غير منفذ لفيلم قصير.
وعودة إلى الوراء، وما قبل هذا الفوز، يوضح أنه - ككاتب سيناريو - لم يدر بخلده أنه سيصبح مخرجاً في يوم ما، ويضيف: «فكرة أن أتحول من كاتب سينمائي إلى مخرج لم تكن ضمن خططي، لكن تعمقي في اللغة السينمائية واشتغالي كثيراً على هذه اللغة جعلني مع بداية عام 2021، إبان جائحة (كورونا)، أخوض هذه التجربة».
ويشير الكاتب السينمائي علي سعيد، إلى أن هذه التجربة تزامنت أيضاً مع دخوله العقد الرابع من العمر، الأمر الذي يدفع لسؤاله إن كانت الشخصية الرئيسية في الفيلم تشبهه كثيراً، وهو ما نفاه، مبيناً أن حياة وتفاصيل الشخصية مختلفة، ويردف: «الإبداع يكمن في أن ترى شيئاً مختلفاً»، مؤكداً أن الفيلم ليس نخبوياً، لأن الدور الرئيسي فيه شعبي، لإنسان عادي وليس مثقفاً.
- قصة البداية
الكتابة السينمائية شدت السعودي علي سعيد منذ كان طالباً في جامعة دمشق، حيث كان مطلعاً آنذاك على الحركة السينمائية، ويحرص على حضور المهرجانات ويلتقي مع كُتاب السيناريو، وبدأ حينها بالتفكير بكتابة السيناريو الذي كان مشروعه واستمر به ليكتب أعمالاً للتلفزيون والسينما، إلى أن اتجه لخوض تجربة الإخراج.
ومنذ نحو 5 أعوام، قرر علي سعيد التفرغ للعمل في السينما، وهو ما أرجعه للتحولات الكبرى التي تشهدها السعودية والحراك الفني والثقافي المتسارع، مما جعله يجزم بأن مساره الحقيقي هو في صناعة السينما، قائلاً: «هذه التغيرات أثرت في خياراتنا كأفراد»، الأمر الذي يجعله يبدي تفاؤله الكبير في الاتجاه الذي تسير نحوه اليوم صناعة الأفلام السعودية.