مخ المراهقين مبرمج لتوسيع دائرتهم الاجتماعية

النشاط الفسيولوجي فيه يختلف بشكل واضح عن الأطفال

مخ المراهقين مبرمج لتوسيع دائرتهم الاجتماعية
TT

مخ المراهقين مبرمج لتوسيع دائرتهم الاجتماعية

مخ المراهقين مبرمج لتوسيع دائرتهم الاجتماعية

من المعروف أن معظم الآباء يعانون من صعوبة التعامل مع الأبناء في فترة المراهقة، نظراً لتغير سلوك الأطفال، وعدم الاستماع إلى نصائح الآباء، أو حتى الاستجابة لمحاولات التقرب منهم. وفي الأغلب يتسبب هذا السلوك في حدوث صدام بين الآباء والمراهقين، ولذلك يميل المراهق إلى قضاء وقت أطول مع الأقران خارج المنزل.
وأشارت أحدث دراسة تناولت سلوكيات المراهقين إلى احتمالية أن يكون هناك تغيير فسيولوجي حقيقي في المخ يؤدي إلى هذه التصرفات. ونشرت نتائجها في نهاية شهر أبريل (نيسان) من العام الحالي في مجلة «علم الأعصاب» (the Journal of Neuroscience)، بإشراف فريق بحثي من كلية الطب في جامعة ستانفورد (Stanford University School of Medicine) بالولايات المتحدة الأميركية.

- تغيرات المخ
كانت الأبحاث السابقة التي تمت فيها دراسة فسيولوجية المخ عن طريق استخدام أشعة الرنين المغناطيسي (MRI)، أوضحت مدى أهمية صوت الأم بالنسبة للأطفال، سواء في مرحلة الطفولة المبكرة أو المتوسطة أو المتأخرة، بحيث يكون صوت الأم ليس فقط مجرد محفز للأجزاء المسؤولة عن عملية السمع في المخ، ولكن أيضاً محفزاً لمراكز العواطف والمكافئة في القشرة المخية الأمامية، التي تشعر الطفل بالسرور والرضا بطريقة لا تحفزها الأصوات الأخرى غير مألوفة. وأظهرت الدراسة الجديدة أن هذه الآلية تبدأ في التغيير في عمر 13 عاماً على وجه التقريب.
أشار الباحثون إلى أهمية نتيجة الدراسة لأنها توضح السبب العضوي الذي يفسر سلوك المراهقين في هذه الفئة العمرية وتغير معاملتهم مع الآباء، وهو الأمر الذي يجعلنا ندرك أن ما يبدو نوعاً من «التمرد» والثورة على النظام الاجتماعي للعائلة هو جزء من عملية التطور الفسيولوجي الضروري، ليتحول المراهق من طفل يشكل عالم الآباء كل محيطه الاجتماعي إلى شخص بالغ يتمتع بدوائر اجتماعية أكثر اتساعاً وتنوعاً.
أجرى الباحثون الدراسة على 48 من الأطفال والمراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 7 و16 عاماً، وكانوا جميعاً في مستوى ذكاء طبيعي (تراوح معدل الذكاء حول IQ 80) ، وجميعهم قامت الأم البيولوجية بتربيتهم ولم يعانوا من مشكلات نفسية أو عصبية من قبل. وقد خضعوا جمعياً للفحص العصبي للمخ لرصد النشاط الفسيولوجي والتوصيلات العصبية في المخ عن طريق استخدام أشعة الرنين المغناطيسي.
وفى الوقت نفسه، قام الباحثون بتشغيل تسجيلات صوتية لأصوات الأمهات يقلن عبارات لا معنى محدد لها (nonsense words)، وذلك لضمان عدم تأثر المراهقين بمحتوى الكلام وأيضاً تم سماع الكلمات نفسها من أصوات أنثوية أخرى غريبة بشكل عشوائي. واستطاع المراهقون التعرف على أصوات الأمهات في 97 في المائة من المرات، وأيضاً تم سماع بعض الأصوات غير الآدمية مثل غسالة الأطباق أو الخلاط لاختبار نشاط المخ أمام الأصوات التي تحمل دلالة عاطفية (إنسانية) والأصوات بشكل مجرد.

- مخ المراهق
وقد تبين أن النشاط الفسيولوجي في قشرة الفص الأمامي في «prefrontal cortex» مخ المراهقين اختلفت بشكل واضح عن الأطفال الأصغر عمراً، حيث ازداد نشاط مراكز المكافأة في المخ بشكل أكثر كاستجابة للأصوات الأنثوية غير المعروفة لهم. ولم يكن هناك فرق بين الفتيات والفتيان في ذلك الأمر، بينما حدث العكس تماماً في الأطفال، حيث كانت هذه المراكز أكثر نشاطاً عند سماع صوت الأم. ومن المعروف أن هذه المراكز يتم تحفيزها بالمشاعر المختلفة والتقدير الاجتماعي والعاطفي، مما يجعل المراهق أكثر اهتماماً بالآخرين حتى ينال التقدير العاطفي والمعنوي.
أوضح الباحثون أن هناك احتمالية كبيرة أن يكون المخ مبرمجاً تلقائياً على توسيع الدائرة الاجتماعية، وهو ما يجعل حديث الآباء في هذه الفترة غير مثير للاهتمام أو التفاعل الكافي معه، وهو الأمر الذي يثير ضيق الآباء بالطبع. ولذلك نصحت الدراسة الآباء بتفهم طبيعة التطور النفسي والعضوي لمخ المراهق، واعتبرت أنه خلافاً لتوقعات الآباء، فإن قضاء المراهق معظم وقته مع الآباء، كما لو كان في مرحلة الطفولة يعد خللاً في التطور والتكييف (maladaptive) مع حياة البالغين.
أكد الباحثون على إدراكهم أن فترة المراهقة (Adolescence) تكون فترة صعبة على الآباء بقدر صعوبتها نفسها على الأبناء، ولكن تفهم أن تفضيلات الاستماع تتغير إلى الأصوات غير المألوفة تفسر إقبال المراهقين على التجارب الغريبة، والانخراط في أنشطة خطيرة لكي ينالوا أكبر قدر من الإعجاب من الأصوات الغريبة التي تحفز مركز المكافأة، وترفع من التقييم الذاتي (self esteem)، مما يحسن من نفسيتهم وتفاعلهم مع الآخرين بشكل جيد حتى يضمنوا استمرارية هذا الشعور.
وجدت الدراسة أيضاً أن مخ المراهقين أصبح أكثر استجابة لجميع الأصوات، بما في ذلك أصوات الأمهات مقارنة بالأطفال الأصغر سناً، وعلى ما يبدو أن هناك مناطق في المخ تقوم بما يشبه فلترة للمعلومات التي تحملها الأصوات المختلفة، وذلك لخلق ما يمكن اعتباره ذكريات اجتماعية، وهذه المناطق كانت أكثر نشاطاً كلما كان المراهق أكبر عمراً، وهو ما يشير إلى احتمالية أن يكون التواصل اللفظي عاملاً من عوامل التطور النفسي والعاطفي، والدليل على ذلك أن الجميع يحدث لهم تأثر عاطفي عند الاستماع لصوت شخص عزيز لم يتم التحدث معه منذ فترة طويلة.
وفي النهاية نصحت الدراسة الآباء بالحوار الدائم مع المراهقين، وتفهم دوافعهم ومنحهم الفرصة الكاملة للنمو الاجتماعي والنفسي، وعدم الغضب من بقاء أولادهم لفترات أطول مع الأصدقاء في هذه المرحلة العمرية من حياتهم، لأنها تعد نوعاً من الحماية من الأمراض النفسية.

- استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

دراسة جديدة: «أوميغا 3» قد يكون مفتاح إبطاء سرطان البروستاتا

صحتك مكملات «أوميغا 3» قد تبطئ سرطان البروستاتا (جامعة أكسفورد)

دراسة جديدة: «أوميغا 3» قد يكون مفتاح إبطاء سرطان البروستاتا

توصلت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا إلى أن اتباع نظام غذائي منخفض في أحماض أوميغا 6 وغني بأحماض أوميغا 3 الدهنية، يمكن أن يبطئ سرطان البروستاتا.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

قد يتمكن الأشخاص الذين فقدوا أسناناً من الحصول على أخرى بشكل طبيعي، بحسب أطباء أسنان يابانيين يختبرون عقاراً رائداً.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
صحتك مرض ألزهايمر يؤدي ببطء إلى تآكل الذاكرة والمهارات الإدراكية (رويترز)

بينها الاكتئاب... 4 علامات تحذيرية تنذر بألزهايمر

يؤثر مرض ألزهايمر في المقام الأول على الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً، ولكن ليس من المبكر أبداً أن تكون على دراية بالعلامات التحذيرية لهذا الاضطراب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تناول وجبة إفطار متوازنة ودسمة يساعد على إدارة السعرات الحرارية اليومية (رويترز)

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

أظهرت دراسة حديثة أن تخطي وجبة الإفطار في منتصف العمر قد يجعلك أكثر بدانةً، ويؤثر سلباً على صحتك، وفقاً لصحيفة «التليغراف».

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك 10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

وصل إلى بريد «استشارات» استفسار من أحد المرضى هو: «عمري فوق الستين، ولدي مرض السكري وارتفاع ضغط الدم. وتناولت (فياغرا) للتغلب على مشكلة ضعف الانتصاب.

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)

دراسة جديدة: «أوميغا 3» قد يكون مفتاح إبطاء سرطان البروستاتا

مكملات «أوميغا 3» قد تبطئ سرطان البروستاتا (جامعة أكسفورد)
مكملات «أوميغا 3» قد تبطئ سرطان البروستاتا (جامعة أكسفورد)
TT

دراسة جديدة: «أوميغا 3» قد يكون مفتاح إبطاء سرطان البروستاتا

مكملات «أوميغا 3» قد تبطئ سرطان البروستاتا (جامعة أكسفورد)
مكملات «أوميغا 3» قد تبطئ سرطان البروستاتا (جامعة أكسفورد)

توصلت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس إلى أن اتباع نظام غذائي منخفض في أحماض أوميغا 6 وغني بأحماض أوميغا 3 الدهنية، إلى جانب مكملات زيت السمك، يمكن أن يبطئ بشكل كبير نمو خلايا سرطان البروستاتا لدى الرجال الذين يختارون المراقبة النشطة، ما قد يقلل من الحاجة إلى علاجات عدوانية في المستقبل، وفق ما نشر موقع «سايتك دايلي».

وجد باحثون من مركز UCLA Health Jonsson Comprehensive Cancer Center أدلة جديدة على أن التغييرات الغذائية قد تبطئ نمو الخلايا السرطانية لدى الرجال المصابين بسرطان البروستاتا الذين يخضعون للمراقبة النشطة، وهو نهج علاجي يتضمن مراقبة السرطان من كثب دون تدخل طبي فوري.

سرطان البروستاتا والتدخل الغذائي

قال الدكتور ويليام أرونسون، أستاذ أمراض المسالك البولية في كلية ديفيد جيفن للطب بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس والمؤلف الأول للدراسة: «هذه خطوة مهمة نحو فهم كيف يمكن للنظام الغذائي أن يؤثر على نتائج سرطان البروستاتا».

وأضاف: «يهتم العديد من الرجال بتغييرات نمط الحياة، بما في ذلك النظام الغذائي، للمساعدة في إدارة إصابتهم بالسرطان ومنع تطور مرضهم. تشير نتائجنا إلى أن شيئاً بسيطاً مثل تعديل نظامك الغذائي يمكن أن يبطئ نمو السرطان ويطيل الوقت قبل الحاجة إلى تدخلات أكثر عدوانية».

تحدي المراقبة النشطة

يختار العديد من الرجال المصابين بسرطان البروستاتا منخفض الخطورة المراقبة النشطة بدلاً من العلاج الفوري، ومع ذلك، في غضون خمس سنوات، يحتاج حوالي 50 في المائة من هؤلاء الرجال في النهاية إلى الخضوع للعلاج إما بالجراحة أو الإشعاع.

وبسبب ذلك، يتوق المرضى إلى إيجاد طرق لتأخير الحاجة إلى العلاج، بما في ذلك من خلال التغييرات الغذائية أو المكملات الغذائية. ومع ذلك، لم يتم وضع إرشادات غذائية محددة في هذا المجال بعد.

في حين نظرت التجارب السريرية الأخرى في زيادة تناول الخضراوات وأنماط النظام الغذائي الصحي، لم يجد أي منها تأثيراً كبيراً على إبطاء تقدم السرطان.

الاستشارة الغذائية

لتحديد ما إذا كان النظام الغذائي أو المكملات الغذائية يمكن أن تلعب دوراً في إدارة سرطان البروستاتا، أجرى الفريق بقيادة جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس تجربة سريرية مستقبلية، تسمى CAPFISH-3، والتي شملت 100 رجل مصاب بسرطان البروستاتا منخفض الخطورة أو متوسط ​​الخطورة والذين اختاروا المراقبة النشطة.

تم توزيع المشاركين بشكل عشوائي على الاستمرار في نظامهم الغذائي الطبيعي أو اتباع نظام غذائي منخفض أوميغا 6 وعالي أوميغا 3، مع إضافة زيت السمك، لمدة عام واحد.

ووفق الدراسة، تلقى المشاركون في ذراع التدخل استشارات غذائية شخصية من قبل اختصاصي تغذية مسجل. وتم توجيه المرضى إلى بدائل أكثر صحة وأقل دهوناً للأطعمة عالية الدهون وعالية السعرات الحرارية (مثل استخدام زيت الزيتون أو الليمون والخل لصلصة السلطة)، وتقليل استهلاك الأطعمة ذات المحتوى العالي من أوميغا 6 (مثل رقائق البطاطس والكعك والمايونيز والأطعمة المقلية أو المصنعة الأخرى).

كان الهدف هو خلق توازن إيجابي في تناولهم لدهون أوميغا 6 وأوميغا 3 وجعل المشاركين يشعرون بالقدرة على التحكم في كيفية تغيير سلوكهم. كما تم إعطاؤهم كبسولات زيت السمك للحصول على أوميغا 3 إضافية.

ولم تحصل مجموعة التحكم على أي استشارات غذائية أو تناول كبسولات زيت السمك.

نتائج التغييرات الغذائية

تتبع الباحثون التغييرات في مؤشر حيوي يسمى مؤشر Ki-67، والذي يشير إلى مدى سرعة تكاثر الخلايا السرطانية - وهو مؤشر رئيسي لتطور السرطان، والنقائل والبقاء على قيد الحياة.

تم الحصول على خزعات من نفس الموقع في بداية الدراسة ومرة ​​أخرى بعد مرور عام واحد، باستخدام جهاز دمج الصور الذي يساعد في تتبع وتحديد مواقع السرطان.

وأظهرت النتائج أن المجموعة التي اتبعت نظاماً غذائياً منخفضاً في أوميغا 6 وغنياً بأوميغا 3 وزيت السمك كان لديها انخفاض بنسبة 15 في المائة في مؤشر Ki-67، بينما شهدت المجموعة الضابطة زيادة بنسبة 24 في المائة.