هلسنكي تتجاهل التحذيرات الروسية وتعلن رغبتها في التقدم رسمياً لعضوية الناتو

الحلف الأطلسي يرحب ويعد بإجراءات «سلسة وسريعة» و«تعزيز وجوده» في بحر البلطيق قبل استكمال الشروط

الأمين العام للناتو مع رئيسة وزراء فنلندا (أ.ف.ب)
الأمين العام للناتو مع رئيسة وزراء فنلندا (أ.ف.ب)
TT

هلسنكي تتجاهل التحذيرات الروسية وتعلن رغبتها في التقدم رسمياً لعضوية الناتو

الأمين العام للناتو مع رئيسة وزراء فنلندا (أ.ف.ب)
الأمين العام للناتو مع رئيسة وزراء فنلندا (أ.ف.ب)

ارتفع منسوب الترقب المحيط بالقرار الذي من المفترض أن تتخذه فنلندا والسويد قريباً حول طلب الانضمام إلى الحلف الأطلسي، بعد أن تجاهلت هلسنكي أمس الخميس التحذيرات الروسية، فيما رحب أمين عام الحلف ينس ستولتنبرغ بالخطوة، مشيرا إلى أن العملية ستكون «سلسة وسريعة». وفي بيان مشترك صدر عن رئيسة الوزراء سانا مارين ورئيس الجمهورية سولي نينستو يؤكد «أنه ينبغي على فنلندا تقديم طلب الانضمام إلى الحلف في أسرع وقت ممكن»، ومن المنتظر أن تبدأ مناقشة هذا الموضوع اعتباراً من الاثنين المقبل في البرلمان الفنلندي، حيث أعلنت غالبية الكتل السياسية تأييدها لهذه الخطوة. وعلق ستولتنبرغ على موقفها بالقول: «هذا قرار سيادي من قبل فنلندا، يحترمه الناتو بشكل كامل. إذا قررت فنلندا تقديم طلب الانضمام فسيتم الترحيب بها بحرارة في الناتو». وقال وزير الخارجية الفنلندي بيكا هافيستو للبرلمان الأوروبي إن «الغزو الروسي لأوكرانيا بدل البيئة الأمنية الأوروبية والفنلندية»، مشيرا إلى أن انضمام بلاده «سيعزز الناتو بشكل إضافي كحليف مستقبلي». من جهته، رحب رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال بـ«تمهيد» قادة فنلندا (العضو في الاتحاد الأوروبي) الطريق لبلدهم للانضمام إلى الحلف. وقال إن الاتحاد الأوروبي والناتو «لم يكونا يوما بهذه الدرجة من التقارب» وأكد أن انضمام فنلندا إلى الحلف سيشكل «خطوة تاريخية فور اتخاذها ستساهم بشكل كبير في أمن أوروبا». وأفاد في تغريدة «بأنه مؤشر ردع قوي في وقت تخوض روسيا حربا في أوكرانيا». ومن جهتها قالت رئيسة الوزراء الدنماركية ميتي فريدريكسين أمس إن بلادها ستبذل ما بوسعها لتتم عملية انضمام فنلندا إلى الحلف الأطلسي بأسرع ما يمكن.
وبعد أقل من ساعة على صدور البيان الفنلندي صرح الناطق بلسان الكرملين ديمتري بيسكوف قائلاً إن «انضمام فنلندا إلى الحلف الأطلسي سيكون بالتأكيد تهديداً لروسيا»، وإن توسعة عضوية الحلف لن تجعل أوروبا وبقية العالم أكثر استقراراً وأمناً. لكن بيسكوف سارع إلى التهدئة وتبديد المخاوف من فتح جبهة جديدة بقوله: «على أي حال، الكل يريد تحاشي الصدام المباشر بين روسيا والحلف الأطلسي. هذا ما كرره الحلف مراراً، وربما الأهم، أن واشنطن كررت ذلك على أعلى المستويات بلسان الرئيس بايدن».
ومن جهتها رحبت أوساط الحلف الأطلسي بالموقف الفنلندي الذي كان أيضا موضع ترحيب من طرف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي اتصل بنظيره الفنلندي ليمتدح استعداد بلاده لطلب الانضمام إلى الحلف. وقال زيلينسكي إنه أجرى محادثات هاتفية مع الرئيس الفنلندي تناولت أيضا انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي والتعاون في مجال الدفاع بين البلدين. وكان قد صرح زيلينسكي قبل أيام أن الحرب مع روسيا كان من الممكن منعها إذا سبق ذلك انضمام بلاده للحلف. وقال الرئيس الأوكراني: «لو كانت أوكرانيا جزءا من حلف الأطلسي قبل الحرب، لما اندلعت الحرب». لكن كرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرارا قوله إن خطر حصول أوكرانيا على عضوية الحلف كان سببا للغزو الروسي الذي بدأ قبل أكثر من شهرين.

مناورات عسكرية للقوات المسلحة السويدية في بحر البلطيق تعود لعام 2020 (أ.ب)

وتجدر الإشارة إلى أن لجنة الدفاع في البرلمان الفنلندي كانت أوصت مطلع هذا الأسبوع بالانضمام إلى المنظمة العسكرية الأطلسية لاعتباره «الخيار الأفضل لضمان الأمن القومي» كما جاء في التوصية التي على أساسها تبدأ المناقشات في الجلسات العامة للبرلمان يوم الاثنين المقبل. ويشكل موقف رئيس الجمهورية، الذي ينتمي إلى الحزب الليبرالي، عاملاً حاسماً حيث إن رئيس الدولة في فنلندا هو الذي يشرف على إدارة السياسة الخارجية بالتعاون مع الحكومة. ومن المنتظر أن يحسم الحزب الاجتماعي الديمقراطي الذي تنتمي إليه رئيسة الوزراء موقفه غداً السبت من طلب الانضمام، علما بأن الموقف التقليدي لهذا الحزب كان حتى الآن معارضاً لمثل هذه الخطوة. وجاء في البيان الفنلندي المشترك «نعقد الأمل في اتخاذ الخطوات اللازمة خلال الأيام المقبلة لتقديم الطلب الرسمي، لأن الانضمام إلى عضوية الحلف الأطلسي يعزز أمن فنلندا، كما يعزز أمن الحلف في مجمله».
وتنص المادة العاشرة من معاهدة الحلف الأطلسي أنه بعد أن تتقدم دولة بطلب الانضمام إلى الحلف، توجه إليها دعوة لفتح حوار مع المنظمة، يرجح في حالة فنلندا أن يتم ذلك أواخر الشهر المقبل خلال القمة الأطلسية التي تستضيفها العاصمة الإسبانية. وتتوقع مصادر الحلف أن تدوم عملية الانضمام سنة كاملة، ويمكن للحلف خلالها أن يعزز وجوده العسكري في بحر البلطيق والشمال الأوروبي. وتجري استوكهولم وهلسنكي محادثات مع الكثير من أعضاء الحلف الرئيسيين للتأكد من الحصول على «الضمانات» اللازمة، في وقت تتوعدهما روسيا بـ«عواقب» في حال ترشحهما للانضمام. وأشارت رئيسة الوزراء الفنلندية سانا مارين الخميس إلى محادثات في هذا المعنى مع الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، مؤكدة أن انضماما في أسرع وقت هو «أفضل ضمان ممكن». وكان قد أعلن ستولتنبرغ أن الحلف مستعد «لتعزيز وجوده» في بحر البلطيق ومحيط السويد لحماية هذا البلد في حال ترشحه لعضوية الأطلسي. وقال ستولتنبرغ في مقابلة مع التلفزيون السويدي إس في تي: «علينا أن نتذكر أنه خلال عملية الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، ثمة التزام سياسي قوي من جانب المنظمة لدعم أمن السويد». وأضاف «لدينا وسائل عدة للقيام بذلك، وخصوصا عبر تعزيز وجود الأطلسي وقواته في المناطق المحيطة بالسويد وفي البلطيق».
ويذكر أن روسيا سبق وحذرت فنلندا من مغبة طلب الانضمام إلى الحلف الأطلسي، حيث كانت الناطقة بلسان الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا نبهت غداة بداية العمليات العسكرية في أوكرانيا من أن انضمام السويد وفنلندا إلى «الناتو» ستكون له عواقب سياسية وعسكرية وخيمة. واستمرت موسكو في تكرار هذه التحذيرات، في الوقت الذي كانت استطلاعات الرأي في فنلندا تشير إلى أن 76 في المائة يؤيدون الانضمام إلى الحلف بعد أن كانت هذه النسبة لا تتجاوز 20 في المائة أواخر العام الماضي.
ويجدر التذكير أيضا أن هذا التحول الجذري والسريع في موقف الرأي العام رافقه أيضا تحول في مواقف الأحزاب السياسية، حيث إن رئيسة الوزراء الحالية، التي تقود حكومة ائتلافية من خمسة أحزاب، كانت صرحت مطلع هذا العام في حديث صحافي أن الانضمام إلى الحلف الأطلسي ليس مطروحاً على بساط البحث في القريب المنظور. ومن شأن انضمام فنلندا إلى الحلف الأطلسي أن ينهي سياسة الحياد المديدة التي اعتمدتها هلسنكي منذ بداية الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو، وبعد أن خاضت حربين ضد الاتحاد السوفياتي تخلت بنتيجتها عن قسم من أراضيها. وكانت موسكو أجبرت هلسنكي على توقيع اتفاق تعاون بعد الحرب العالمية الثانية، يخضع السياسيون الفنلنديون بموجبه لمراقبة الاتحاد السوفياتي طيلة عقود. وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي انتهت فترة الاتفاق في العام 1992 لتنضم فنلندا والسويد والنمسا بعد ثلاث سنوات إلى الاتحاد الأوروبي، منهية بذلك الحياد السياسي، خاصة بعد العام 2009 عندما تم إقرار معاهدة لشبونة التي تلحظ في أحكامها واجب الدفاع المشترك بين الدول الأعضاء. وكانت فنلندا تردد طوال هذه السنوات أنها دولة «غير منحازة عسكرياً». وفي حال انضمام فنلندا إلى الحلف الأطلسي يتضاعف طول الحدود الروسية الحالية مع بلدان الحلف، حيث إن الحدود بين روسيا وفنلندا تمتد على مسافة 1360 كلم، تضاف إليها 1200 كلم مع بولندا والنرويج وإستونيا وليتوانيا. وتجدر الإشارة إلى أن الخشية من اجتياح روسي آخر لم تفارق أبدا الفنلنديين الذين استقلوا عن الاتحاد السوفياتي في العام 1917، حيث إن أكثر من مليون فنلندي (20 في المائة من السكان) هم جنود احتياط، فضلاً عن أكبر شبكة في العالم للملاجئ، وسلاح طيران متطور يفوق بقدراته السلاح الجوي في جارتها السويد التي كانت بدأت نزعاً تدريجياً لسلاحها بعد نهاية الحرب الباردة، أوقفته بعد أن وضعت موسكو يدها على شبه جزيرة القرم في العام 2014، وكان سلاح الجو الفنلندي اشترى في العام الماضي 64 مقاتلة أميركية من طراز إف - 35 التي تعتبر الأحدث في العالم. ويعتبر المراقبون في بروكسل أن هذه الخطوة الفنلندية المتقدمة نحو طلب الانضمام إلى الحلف الأطلسي، تزيد منسوب الضغط على السويد التي تتسارع فيها وتيرة النقاش حول هذا الموضوع، والتي كانت تردد دائما أنها تنضم إلى الناتو عندما تنضم إليه فنلندا، واثقة من أن هلسنكي لن تقدم أبدا على مثل هذه الخطوة.


مقالات ذات صلة

موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

العالم موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

موسكو: «الأطلسي» يكثّف تحركات قواته قرب حدود روسيا

أكد سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف أن حلف شمال الأطلسي (ناتو) نشر وحدات عسكرية إضافية في أوروبا الشرقية، وقام بتدريبات وتحديثات للبنية التحتية العسكرية قرب حدود روسيا، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الروسية «سبوتنيك»، اليوم الأربعاء. وأكد باتروشيف في مقابلة مع صحيفة «إزفستيا» الروسية، أن الغرب يشدد باستمرار الضغط السياسي والعسكري والاقتصادي على بلاده، وأن الناتو نشر حوالى 60 ألف جندي أميركي في المنطقة، وزاد حجم التدريب العملياتي والقتالي للقوات وكثافته.

العالم إسبانيا تستدعي سفير روسيا إثر «هجوم» على حكومتها عبر «تويتر»

إسبانيا تستدعي سفير روسيا إثر «هجوم» على حكومتها عبر «تويتر»

أعلنت وزارة الخارجية الإسبانية، الجمعة، أنها استدعت السفير الروسي في مدريد، بعد «هجمات» شنتها السفارة على الحكومة عبر موقع «تويتر». وقال متحدث باسم الوزارة، لوكالة «الصحافة الفرنسية»، إن الغرض من الاستدعاء الذي تم الخميس، هو «الاحتجاج على الهجمات ضد الحكومة على مواقع التواصل الاجتماعي».

«الشرق الأوسط» (مدريد)
العالم {الناتو} يؤكد تسليم أوكرانيا كل المركبات اللازمة لهجوم الربيع

{الناتو} يؤكد تسليم أوكرانيا كل المركبات اللازمة لهجوم الربيع

أعلن القائد العسكري الأعلى لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، أن جميع المركبات القتالية، التي وعد حلفاء أوكرانيا الغربيون بتسليمها في الوقت المناسب، تمهيداً لهجوم الربيع المضاد المتوقع الذي قد تشنه كييف، قد وصلت تقريباً. وقال الجنرال كريستوفر كافولي، وهو أيضاً القائد الأعلى للقوات الأميركية في أوروبا، إن «أكثر من 98 في المائة من المركبات القتالية موجودة بالفعل». وأضاف في شهادته أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب يوم الأربعاء: «أنا واثق جداً من أننا قدمنا العتاد الذي يحتاجون إليه، وسنواصل الإمدادات للحفاظ على عملياتهم أيضاً».

العالم الناتو يؤكد تسليم كل المركبات القتالية اللازمة لهجوم الربيع الأوكراني

الناتو يؤكد تسليم كل المركبات القتالية اللازمة لهجوم الربيع الأوكراني

أعلن القائد العسكري الأعلى لحلف شمال الأطلسي (الناتو) أن جميع المركبات القتالية، التي وعد حلفاء أوكرانيا الغربيون بتسليمها في الوقت المناسب، تمهيداً لهجوم الربيع المضاد المتوقع الذي قد تشنه كييف، قد وصلت تقريباً. وقال الجنرال كريستوفر كافولي، وهو أيضاً القائد الأعلى للقوات الأميركية في أوروبا، إن «أكثر من 98 في المائة من المركبات القتالية موجودة بالفعل». وأضاف في شهادته أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأميركي الأربعاء: «أنا واثق جداً من أننا قدمنا العتاد الذي يحتاجون إليه، وسنواصل الإمدادات للحفاظ على عملياتهم أيضاً».

العالم مقاتلات ألمانية وبريطانية تعترض طائرات روسية فوق البلطيق

مقاتلات ألمانية وبريطانية تعترض طائرات روسية فوق البلطيق

اعترضت مقاتلات ألمانية وبريطانية ثلاث طائرات استطلاع روسية في المجال الجوي الدولي فوق بحر البلطيق، حسبما ذكرت القوات الجوية الألمانية اليوم (الأربعاء)، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية. ولم تكن الطائرات الثلاث؛ طائرتان مقاتلتان من طراز «إس يو – 27» وطائرة «إليوشين إل – 20»، ترسل إشارات جهاز الإرسال والاستقبال الخاصة بها.

«الشرق الأوسط» (لندن)

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

يمثل الصعود العسكري للصين، وبخاصة برنامج تحديث ترسانتها النووية، هاجساً قوياً لدى دوائر صناعة القرار والتحليل السياسي والاستراتيجي في الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل التقارب المزداد بين بكين، وموسكو التي تلوح بمواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب على خلفية الحرب التي تخوضها حالياً في أوكرانيا.

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، يتناول ستيفن سيمبالا أستاذ العلوم السياسية في جامعة براندواين العامة بولاية بنسلفانيا الأميركية، ولورانس كورب ضابط البحرية السابق والباحث في شؤون الأمن القومي في كثير من مراكز الأبحاث والجامعات الأميركية، مخاطر التحالف المحتمل للصين وروسيا على الولايات المتحدة وحلفائها.

ويرى الخبراء أن تنفيذ الصين لبرنامجها الطموح لتحديث الأسلحة النووية من شأنه أن يؤدي إلى ظهور عالم يضم 3 قوى نووية عظمى بحلول منتصف ثلاثينات القرن الحالي؛ وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين. في الوقت نفسه، تعزز القوة النووية الصينية المحتملة حجج المعسكر الداعي إلى تحديث الترسانة النووية الأميركية بأكملها.

وأشار أحدث تقرير للجنة الكونغرس المعنية بتقييم الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة والصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى ضرورة تغيير استراتيجية الردع الأميركية للتعامل مع بيئة التهديدات النووية خلال الفترة من 2027 إلى 2035. وبحسب اللجنة، فإن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والقيم التي يستند إليها يواجه خطر نظام الحكم المستبد في الصين وروسيا. كما أن خطر نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا يزداد، وينطوي على احتمال نشوب حرب نووية.

ولمواجهة هذه التحديات الأمنية، أوصت اللجنة الأميركية ببرنامج طموح لتحديث الترسانة النووية والتقليدية الأميركية، مع قدرات فضائية أكثر مرونة للقيام بعمليات عسكرية دفاعية وهجومية، وتوسيع قاعدة الصناعات العسكرية الأميركية وتحسين البنية التحتية النووية. علاوة على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تأمين تفوقها التكنولوجي، وبخاصة في التقنيات العسكرية والأمنية الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتحليل البيانات الكبيرة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

ولم يقترح تقرير اللجنة أرقاماً دقيقة للأسلحة التي تحتاجها الولايات المتحدة ولا أنواعها، لمواجهة صعود الصين قوة نووية منافسة وتحديث الترسانة النووية الروسية. ورغم ذلك، فإن التكلفة المرتبطة بتحديث القوة النووية الأميركية وبنيتها التحتية، بما في ذلك القيادة النووية وأنظمة الاتصالات والسيطرة والدعم السيبراني والفضائي وأنظمة إطلاق الأسلحة النووية وتحسين الدفاع الجوي والصاروخي للولايات المتحدة، يمكن أن تسبب مشكلات كبيرة في الميزانية العامة للولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، فالأمر الأكثر أهمية هو قضية الاستراتيجية الأميركية والفهم الأميركي للاستراتيجية العسكرية الصينية والروسية والعكس أيضاً، بما في ذلك الردع النووي أو احتمالات استخدامه الذي يظهر في الخلفية بصورة مثيرة للقلق.

في الوقت نفسه، يرى كل من سيمبالا صاحب كثير من الكتب والمقالات حول قضايا الأمن الدولي، وكورب الذي عمل مساعداً لوزير الدفاع في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، أنه من المهم تحديد مدى تنسيق التخطيط العسكري الاستراتيجي الروسي والصيني فيما يتعلق بالردع النووي والبدء باستخدام الأسلحة النووية أو القيام بالضربة الأولى. وقد أظهر الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، تقارباً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، في حين تجري الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة بصورة منتظمة. ومع ذلك فهذا لا يعني بالضرورة أن هناك شفافية كاملة بين موسكو وبكين بشأن قواتهما النووية أو خططهما الحربية. فالقيادة الروسية والصينية تتفقان على رفض ما تعدّانه هيمنة أميركية، لكن تأثير هذا الرفض المشترك على مستقبل التخطيط العسكري لهما ما زال غامضاً.

ويمكن أن يوفر الحد من التسلح منتدى لزيادة التشاور بين الصين وروسيا، بالإضافة إلى توقعاتهما بشأن الولايات المتحدة. على سبيل المثال، حتى لو زادت الصين ترسانتها النووية الاستراتيجية إلى 1500 رأس حربي موجودة على 700 أو أقل من منصات الإطلاق العابرة للقارات، سيظل الجيش الصيني ضمن حدود معاهدة «ستارت» الدولية للتسلح النووي التي تلتزم بها الولايات المتحدة وروسيا حالياً. في الوقت نفسه، يتشكك البعض في مدى استعداد الصين للمشاركة في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، حيث كانت هذه المحادثات تجري في الماضي بين الولايات المتحدة وروسيا فقط. ولكي تنضم الصين إلى هذه المحادثات عليها القبول بدرجة معينة من الشفافية التي لم تسمح بها من قبل بشأن ترسانتها النووية.

وحاول الخبيران الاستراتيجيان سيمبالا وكورب في تحليلهما وضع معايير تشكيل نظام عالمي ذي 3 قوى عظمى نووية، من خلال وضع تصور مستقبلي لنشر القوات النووية الاستراتيجية الأميركية والروسية والصينية، مع نشر كل منها أسلحتها النووية عبر مجموعة متنوعة من منصات الإطلاق البرية والبحرية والجوية. ويظهر التباين الحتمي بين الدول الثلاث بسبب الاختلاف الشديد بين الإعدادات الجيوستراتيجية والأجندات السياسة للقوى الثلاث. كما أن خطط تحديث القوة النووية للدول الثلاث ما زالت رهن الإعداد. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة وروسيا ستواصلان خططهما لتحديث صواريخهما الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة بأجيال أحدث من منصات الإطلاق في كل فئة، في حين يظل الغموض يحيط بخطط الصين للتحديث.

ورغم أن الولايات المتحدة تمتلك ترسانة نووية تتفوق بشدة على ترسانتي روسيا والصين، فإن هذا التفوق يتآكل بشدة عند جمع الترسانتين الروسية والصينية معاً. فالولايات المتحدة تمتلك حالياً 3708 رؤوس نووية استراتيجية، في حين تمتلك روسيا 2822 رأساً، والصين 440 رأساً. علاوة على ذلك، فالدول الثلاث تقوم بتحديث ترساناتها النووية، في حين يمكن أن يصل حجم ترسانة الأسلحة النووية الاستراتيجية الصينية إلى 1000 سلاح بحلول 2030.

ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: إلى أي مدى ستفقد الولايات المتحدة تفوقها إذا واجهت هجوماً مشتركاً محتملاً من جانب روسيا والصين مقارنة بتفوقها في حال التعامل مع كل دولة منهما على حدة؟ ولا توجد إجابة فورية واضحة عن هذا السؤال، ولكنه يثير قضايا سياسية واستراتيجية مهمة.

على سبيل المثال، ما الذي يدفع الصين للانضمام إلى الضربة النووية الروسية الأولى ضد الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)؟ ولا بد أن نتخيل سيناريو متطرفاً، حيث تتحول الأزمات المتزامنة في أوروبا وآسيا إلى أزمات حادة، فتتحول الحرب الروسية - الأوكرانية إلى مواجهة بين روسيا وحلف «الناتو»، في الوقت الذي تتحرك فيه الصين للاستيلاء على تايوان، مع تصدي الولايات المتحدة لمثل هذه المحاولة.

وحتى في هذه الحالة المتطرفة، لا شك أن الصين تفضل تسوية الأمور مع تايوان بشروطها الخاصة وباستخدام القوات التقليدية. كما أنها لن تستفيد من الاشتراك في حرب بوتين النووية مع «الناتو». بل على العكس من ذلك، أشارت الصين حتى الآن بوضوح تام إلى روسيا بأن القيادة الصينية تعارض أي استخدام نووي أولاً في أوكرانيا أو ضد حلف شمال الأطلسي. والواقع أن العلاقات الاقتصادية الصينية مع الولايات المتحدة وأوروبا واسعة النطاق.

وليس لدى الصين أي خطة لتحويل الاقتصادات الغربية إلى أنقاض. فضلاً عن ذلك، فإن الرد النووي للولايات المتحدة و«الناتو» على الضربة الروسية الأولى يمكن أن يشكل مخاطر فورية على سلامة وأمن الصين.

وإذا كان مخططو الاستراتيجية الأميركية يستبعدون اشتراك روسيا والصين في توجيه ضربة نووية أولى إلى الولايات المتحدة، فإن حجم القوة المشتركة للدولتين قد يوفر قدراً من القوة التفاوضية في مواجهة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

وربما تدعم الصين وروسيا صورة كل منهما للأخرى بوصفها دولة نووية آمنة في مواجهة الضغوط الأميركية أو حلفائها لصالح تايوان أو أوكرانيا. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح أن توفر «الفجوة» بين أعداد الأسلحة النووية غير الاستراتيجية أو التكتيكية التي تحتفظ بها روسيا والصين والموجودة في المسرح المباشر للعمليات العسكرية، مقارنة بتلك المتاحة للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، عنصر ردع ضد أي تصعيد تقليدي من جانب الولايات المتحدة ضد أي من الدولتين.

أخيراً، يضيف ظهور الصين قوة نووية عظمى تعقيداً إلى التحدي المتمثل في إدارة الاستقرار الاستراتيجي النووي. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع تطوير سياسات واستراتيجيات إبداعية لتحقيق استقرار الردع، والحد من الأسلحة النووية، ودعم نظام منع الانتشار، وتجنب الحرب النووية. ولا يمكن فهم الردع النووي للصين بمعزل عن تحديث قوتها التقليدية ورغبتها في التصدي للنظام الدولي القائم على القواعد التي تفضلها الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا. في الوقت نفسه، فإن التحالف العسكري والأمني بين الصين وروسيا مؤقت، وليس وجودياً. فالتوافق بين الأهداف العالمية لكل من الصين وروسيا ليس كاملاً، لكن هذا التحالف يظل تهديداً خطيراً للهيمنة الأميركية والغربية على النظام العالمي.