«منتدى» حول عفرين يطالب بإلغاء «اتفاقية أضنة» بين دمشق وأنقرة

جانب من منتدى الحوار حول مدينة عفرين (الشرق الأوسط)
جانب من منتدى الحوار حول مدينة عفرين (الشرق الأوسط)
TT

«منتدى» حول عفرين يطالب بإلغاء «اتفاقية أضنة» بين دمشق وأنقرة

جانب من منتدى الحوار حول مدينة عفرين (الشرق الأوسط)
جانب من منتدى الحوار حول مدينة عفرين (الشرق الأوسط)

ندّدت شخصيات كردية وسورية وعربية وغيرها، في منتدى دولي عُقد في مخيم لمهجرين أكراد بريف محافظة حلب الشمالي؛ بقرار الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إعداد مشروع استحداث ملاجئ وتجمعات سكانية مسبقة الصنع لإعادة مليون لاجئ سوري إلى بلادهم، الذي تنفذه منظمات مدنية تركية ودولية في 13 منطقة سورية، في وقت تمسكت فيه قيادات كردية بهوية مدينة عفرين الكردية، والتي تخضع لنفوذ الجيش التركي وفصائل سورية مسلحة موالية منذ 4 سنوات، وتعهدت باستعادتها «عسكرياً».
وأشار البيان الختامي للملتقى الحواري الدولي، الذي عُقد أمس في مخيم برخدان التابع لبلدة فافين بريف حلب الشمالي، تحت شعار «عفرين ما بين الاحتلال والمصالح الدولية»، إلى أن التدخل العسكري التركي بالأراضي السورية بمثابة «عدوان على سيادة الدولة السورية»، لعدم استنادها إلى قرار دولي أو قرار وطني سوري يجيز لها التدخل، وطالبَ الحضور الحكومة السورية، بإلغاء اتفاقية أضنة بين دمشق وأنقرة، ووصفوا المشاريع التركية الممولة من دول عربية بـ«الاستيطانية»، التي تسعى لإحداث التغيير الديموغرافي بحجة توطين لاجئين سوريين آخرين من غير أبناء المنطقة.
شارك في المنتدى الخاص بمدينة عفرين 115 شخصية أكاديمية وحقوقية كردية وسورية وعربية وأميركية وأوربية، كانت مداخلات غالبيتهم عبر منصة «زووم». وعقد في منطقة داخل الأراضي السورية برعاية «مجلس سوريا الديمقراطية» و «منظمة حقوق الإنسان عفرين»، حيث طالب البيان الختامي، المجتمع الدولي والأمم المتحدة «إنهاء الاحتلال التركي» لكل الأراضي السورية، وضمان عودة المهجرين قسرياً إلى ديارهم وبرعاية دولية. كما شددت على أن الجرائم المرتكبة بحق المدنيين، خاصة النساء، في مدينة عفرين، ترقى لمستوى «جرائم الإبادة الجماعية» و «جرائم حرب ضد الإنسانية» ويجب فضحها، وناشدت الأمم المتحدة بإرسال لجنة لتقصي الحقائق وزيارة ميدانية للمناطق الخاضعة للعمليات التركية شمال شرقي البلاد، والتحقيق في الجرائم المرتكبة من قبل الجيش التركي والفصائل السورية التابعة لها.
بدوره، قال القائد العام لـ«قوات سوريا الديمقراطية» مظلوم عبدي، خلال مشاركته في المنتدى، إنّ هدف تركيا من إعادة اللاجئين إلى شمال سوريا هو تغيير ديموغرافية وتركيبة سكان المنطقة، مشددا على ان قواته ستقوم بما يقع على عاتقها سياسياً وحقوقياً وعسكرياً، لإفشال مشاريع الاحتلال التركي في الأراضي السورية. وقال إن الأولوية هي في تحرير المناطق المحتلة وعلى رأسها عفرين وسري كانية (رأس العين) وتل أبيض وبقية المناطق السورية، داعياً الحركة الكردية السياسية والأحزاب السورية الوطنية، «لأن يضعوا نصب أعينهم تحرير المناطق المحتلة من تركيا» على حد تعبيره، «لأنّ هناك شعباً ما يزال صامداً في وجه الانتهاكات والجرائم التي ترتكب بحقه»، منوهاً إلى أن «سكان عفرين الأصليين الذين تمسكوا بالبقاء فيها، والمهجرين في مخيمات النزوح، يقاومون داخلها وخارجها ففي منطقة الشّهباء هم صامدون في وجه الظّروف الحياتية الصّعبة، هؤلاء تغض تركيا النّظر عنهم».
وسيطرَ الجيش التركي وفصائل سورية مسلحة موالية، على مدينة عفرين بريف حلب الشمالي بشهر مارس (آذار) 2018، ومنذ ذلك الحين تحدثت منظمات دولية وحقوقية عن تردّي الأوضاع الأمنية والإنسانية فيها، ونزح عنها ما يزيد على نصف سكانها البالغ عددهم قبل الحملة نحو نصف مليون شخص، وتمركزوا في مخيمات بمناطق الشهباء في ريف حلب الشمالي على بُعد عشرات الكيلومترات من منازلهم.
الباحث المصري هاني الجمل مدير مركز الكنانة للدراسات السياسية والاستراتيجية، حذر في مداخلة عبر تطبيق زووم، من المساعي التركية لتغيير معالم عفرين وصبغها بالهوية التركية، «لتغيير تركيبتها السكانية وتهجيرهم، من خلال الاعتداءات وتعرض المدنيين للاختطاف المتكرر بغية الفدية التي يصفها المسلحون بالتجارة المربحة. ومن جانبها، قالت الرئيسية التنفيذية لمجلس «مسد» إلهام أحمد، في مداخلتها، إنّ قضية عفرين سياسية بحتة تستهدف العمق الثّقافي والهوية الكردية لسكان عفرين عبر تغيير هوية المنطقة بشكل مباشر، منوهة أن دولاً في جامعة الدول العربية، تدعم وتمول مشاريع تركيا التوسعية في عفرين، ودعت تلك الحكومات لإعادة النظر في سياساتها، ففي الوقت الذّي تتحدث فيه الجامعة العربية عن مستوطنات إسرائيلية مقلقة في فلسطين، تبني تركيا مستوطنات بدعم من دول عربية. على حد تعبيرها.



«دواء مر»... مخاوف عميقة وشراكة قلقة تجمع مصريين بـ«النقد الدولي»

السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي الأحد في القاهرة (الرئاسة المصرية)
السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي الأحد في القاهرة (الرئاسة المصرية)
TT

«دواء مر»... مخاوف عميقة وشراكة قلقة تجمع مصريين بـ«النقد الدولي»

السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي الأحد في القاهرة (الرئاسة المصرية)
السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي الأحد في القاهرة (الرئاسة المصرية)

رغم قناعتهم بأنه الملجأ وقت الأزمات، وأنه الطريق الذي «لا بديل عنه» عندما تعصف التحديات الاقتصادية بالدولة، تجمع شراكة «قلقة» مصريين بـ«صندوق النقد الدولي»، وسط مخاوف عميقة من تبعات الالتزام بشروطه وتأثيرها في قدرتهم على تلبية احتياجاتهم اليومية، حتى باتت صورة الصندوق لدى كثيرين أشبه بـ«الدواء المر»، يحتاجون إليه للشفاء لكنهم يعانون تجرعه.

على قارعة الطريق جلست سيدة محمود، امرأة خمسينية، تبيع بعض الخضراوات في أحد شوارع حي العجوزة، لا تعلم كثيراً عن صندوق النقد وشروطه لكنها تدرك أن القروض عادةً ما ترتبط بارتفاع في الأسعار، وقالت لـ«الشرق الأوسط» ببساطة: «ديون يعني مزيداً من الغلاء، المواصلات ستزيد والخضار الذي أبيعه سيرتفع سعره».

وتنخرط مصر حالياً في تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي مع صندوق النقد الدولي تم الاتفاق عليه في نهاية 2022، بقيمة ثلاثة مليارات دولار، قبل أن تزيد قيمته في مارس (آذار) الماضي إلى ثمانية مليارات دولار، عقب تحرير القاهرة لسعر الصرف ليقترب الدولار من حاجز الـ50 جنيهاً. وتلتزم مصر في إطار البرنامج بخفض دعم الوقود والكهرباء وسلع أولية أخرى، مما دفع إلى موجة غلاء يشكو منها مصريون.

«دواء مر»، هكذا وصف الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى بدرة، قروض صندوق النقد الدولي، مشيراً إلى ما يثيره «الصندوق»، في نفوس المصريين من «قلق»، ارتباطاً بما تولِّده «الديون والقروض» في نفوسهم من «أعباء ومخاوف».

يقول بدرة لـ«الشرق الأوسط» إن «المصريين دائماً ما يتحفزون ضد الصندوق نظراً لمتطلباته التي عادةً ما تؤثر في حياتهم وتزيد من أعبائهم المالية». وفي الوقت نفسه يؤكد بدرة أنه «لم يكن هناك باب آخر أمام الدولة المصرية إلا الصندوق في ظل أزمة اقتصادية بدأت عام 2011، وتفاقمت حدتها تباعاً».

كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قد أكد خلال لقائه ومديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا، الأحد، في القاهرة أن «أولوية الدولة هي تخفيف الضغوط والأعباء عن كاهل المواطنين».

وتأتي زيارة غورغييفا للقاهرة عقب دعوة السيسي، نهاية الشهر الماضي، لمراجعة قرض صندوق النقد مع مصر «حتى لا يشكل عبئاً على المواطن» في ظل التحديات الجيوسياسية التي تعاني منها البلاد، وأعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أن «المراجعة الرابعة للقرض ستبدأ الثلاثاء»، وهي واحدة من أصل ثماني مراجعات في البرنامج.

الوصفة الاقتصادية القياسية التي يقدمها صندوق النقد عادةً ما ترتبط بالسياسة النقدية والمالية، لكنها «لا تشكل سوى ثلث المطلوب لتحقيق الإصلاح الاقتصادي والهيكلي»، حسب الخبير الاقتصادي هاني توفيق الذي أشار إلى أنه «لا ينبغي ربط كل الأعباء والتداعيات الاقتصادية بقرض صندوق النقد».

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «اشتراطات صندوق النقد أو متطلباته أمور منطقية لكن لا بد أن تمتزج بخطوات إصلاح هيكلي اقتصادي لتحفيز الاستثمار والنظر في الأولويات».

بدوره، قال الخبير الاقتصادي المصري، مدحت نافع لـ«الشرق الأوسط» إن «صندوق النقد كأي مؤسسة مالية أخرى هو جهة مقرضة، لديها شروط مرتبطة بحجم مخاطر الدين وبأجندتها التي قد لا تتوافق دائماً مع أجندة الدولة وأولوياتها الوطنية».

ولفت نافع إلى أن «دراسات عدة أشارت إلى أن برامج صندوق النقد عادةً ما تحقق أهدافاً جيدة على المدى القصير من حيث كبح جماح التضخم وتحرير سعر الصرف، لكنها على المدى الطويل قد تؤدي إلى تداعيات سلبية على مستويات النمو الاقتصادي ونسب عجز الموازنة والبطالة».

لكن رغم ذلك يؤكد نافع أن «مصر كانت بحاجة إلى قرض صندوق النقد»، فهو على حد وصفه «شهادة دولية تتيح لمصر الحصول على تمويلات أخرى كانت في أمسّ الحاجة إليها في ظل أزمة اقتصادية طاحنة».

علاقة مصر مع صندوق النقد تاريخية ومعقدة، ويرتبط في مخيلة كثيرين بوصفات صعبة، تدفع نحو اضطرابات سياسية وأزمات اقتصادية، وربما كان ذلك ما حفَّزهم أخيراً لتداول مقاطع فيديو للرئيس الراحل حسني مبارك يتحدث فيها عن رفضه الانصياع لشروط الصندوق، حتى لا تزيد أعباء المواطنين، احتفى بها رواد مواقع التواصل الاجتماعي.

وهنا يرى بدرة أن «الظروف السياسية والاقتصادية في عهد مبارك كانت مغايرة، والأوضاع كانت مستقرة»، مشيراً إلى أن «مبارك استجاب لمتطلبات الصندوق وحرَّك سعر الصرف لتصل قيمة الدولار إلى 3.8 جنيه بدلاً من 2.8 جنيه».

واتفق معه توفيق، مؤكداً أن «الوضع الاقتصادي في عهد مبارك كان مختلفاً، ولم تكن البلاد في حالة القلق والأزمة الحالية».

ووفقاً لموقع صندوق النقد الدولي، نفّذت مصر في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي أربعة برامج اقتصادية بدعم مالي من الصندوق، بقيمة 1.850 مليار دولار، لكنها لم تصرف سوى خمس المبلغ فقط، ما يعادل 421.3 مليون دولار. حيث تم إلغاء وعدم استكمال بعضها، بعد أن مكَّن الاتفاق مع الصندوق مصر من إلغاء 50 في المائة من دينها الرسمي في «نادي باريس».

ولتلافي التداعيات السلبية لقرض «صندوق النقد» أو على الأقل الحد منها، شدد نافع على «ضرورة الموازنة بين متطلبات (صندوق النقد) وبين أجندة الدولة الإصلاحية».

وقال: «تعديل شروط الصندوق أو تأجيل تنفيذ بعضها ليس صعباً في ظل أن الهدف الأساسي من الخطة، وهو كبح التضخم، لم يتحقق»، مشيراً في السياق نفسه إلى أن «الصندوق أيضاً متورط ويرى أن عدم نجاح برنامجه مع مصر قد يؤثر سلباً في سمعته، مما يتيح إمكانية للتفاوض والتوافق من أجل تحقيق أهداف مشتركة».

وانضمت مصر لعضوية صندوق النقد الدولي في ديسمبر (كانون الأول) 1945، وتبلغ حصتها فيه نحو 1.5 مليار دولار، وفقاً لموقع الهيئة العامة للاستعلامات، الذي يذكر أن «تاريخ مصر مع الاقتراض الخارجي ليس طويلاً، وأن أول تعاملاتها مع الصندوق كان في عهد الرئيس الراحل أنور السادات عامَي 1977 و1978 بهدف حل مشكلة المدفوعات الخارجية وزيادة التضخم».

وعقب أحداث 2011 طالبت مصر بالحصول على قرض من الصندوق مرة في عهد «المجلس العسكري» ومرتين في عهد الرئيس السابق محمد مرسي، لكنها لم تحصل عليه. وعام 2016 وقَّعت مصر اتفاقاً مع الصندوق مدته ثلاث سنوات بقيمة 12 مليار دولار. وعام 2020 حصلت مصر على 2.77 مليار دولار مساعدات عاجلة للمساهمة في مواجهة تداعيات الجائحة، وفقاً لهيئة الاستعلامات.