أنقرة تتهم «فرونتكس» بمشاركة اليونان في ممارسات لا إنسانية ضد المهاجرين

تغيّر الموقف الأميركي تجاه تزويد تركيا بمقاتلات «إف 16»

مقاتلات «إف 35» الأميركية - كشفت تقارير عن انفراجة محتملة في ملف الطائرات بين واشنطن وأنقرة (رويترز)
مقاتلات «إف 35» الأميركية - كشفت تقارير عن انفراجة محتملة في ملف الطائرات بين واشنطن وأنقرة (رويترز)
TT

أنقرة تتهم «فرونتكس» بمشاركة اليونان في ممارسات لا إنسانية ضد المهاجرين

مقاتلات «إف 35» الأميركية - كشفت تقارير عن انفراجة محتملة في ملف الطائرات بين واشنطن وأنقرة (رويترز)
مقاتلات «إف 35» الأميركية - كشفت تقارير عن انفراجة محتملة في ملف الطائرات بين واشنطن وأنقرة (رويترز)

اتهمت تركيا وكالة حماية حدود الاتحاد الأوروبي (فرونتكس) بعدم القيام بمهامها والمساهمة مع اليونان في إجبار اللاجئين على العودة إلى أراضيها والمشاركة في ممارسات لا إنسانية ضدهم... في وقت كشفت فيه تقارير صحافية عن انفراجة محتملة في ملف حصول تركيا على مقاتلات «إف 16» الأميركية مقابل المبلغ الذي دفعته لاقتناء 100 مقاتلة ضمن مشروع إنتاج وتطوير طائرات «إف 35» الأميركية الذي أخرجتها واشنطن منه بعد حصولها على منظومة الدفاع الجوي الصاروخية الروسية «إس 400» في يوليو (تموز) 2019.
وذكرت مجلة «ديفينس نيوز» الأميركية أن العديد من أعضاء الكونغرس، الذين بذلوا جهودًا في السابق لإخراج تركيا من البرنامج متعدد الأطراف لإنتاج وتطوير مقاتلات «إف 35» تحت إشراف حلف شمال الأطلسي (ناتو) أعطوا الضوء الأخضر لبيع مقاتلات «إف 16» إليها بعد دورها الفعال خلال الحرب الأوكرانية. ونقلت وكالة «الأناضول» التركية عن المجلة أن دور المسيرات التركية «بيرقدار تي بي 2» خلال الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا والدبلوماسية التي تتبعها أنقرة مع موسكو، حظيا بقبول الكونغرس، وأن بعض أعضائه أفادوا بأن إدارة الرئيس جو بايدن أعربت عن اعتقادها بأن بيع طائرات «إف 16» لتركيا سيخدم المصالح الأمنية لحلف الناتو والولايات المتحدة، وسيؤثر إيجابا على استمرارية دعم تركيا لأوكرانيا.
وسبق أن أعلنت تركيا أنها طلبت من الولايات المتحدة تزويدها بمقاتلات «إف 16» من طراز حديث ومعدات تطوير للطائرات التي تملكها من هذا الطراز مقابل مبلغ 1.4 مليار دولار دفعتها من قبل للحصول على 100 مقاتلة «إف 35» قبل أن تخرجها واشنطن من مشروع إنتاجها كواحدة من العقوبات عليها بسبب اقتنائها منظومة صواريخ «إس 400» الروسية.
وبحسب المجلة الأميركية قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأميركي، غريغوري ميكس، إننا «بحاجة إلى التحدث والعمل مع تركيا والدول الأخرى التي تعمل معنا ضد روسيا… اتخذت تركيا بعض الإجراءات الصحيحة، وعلى الرغم من أن بعض الأشياء تزعجنا من وقت لآخر، فإن هناك مجالات نحتاج فيها للعمل مع تركيا». وقال رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأميركي، آدم سميث: «نحتاج إلى علاقات مع تركيا… يجب أن نجد طريقة لإعادة تلك العلاقات… الرئيس بايدن يعمل على الحفاظ على توازن العلاقات مع تركيا… قد يكون من الصعب تحقيق هذا التوازن لأن قضية منظومة (إس400) عقدت علاقاتنا، ومن ناحية أخرى لا يمكننا التخلي عن العلاقة مع أنقرة».
في سياق مواز، أبلغت وكالة الاستخبارات بوزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون)، دائرة التفتيش بالوزارة بأن ميليشيات مدعومة من إيران تعاونت مع مسلحي حزب العمال الكردستاني ضد تركيا، وهاجمت من حين لآخر قواعد تركية شمال العراق. وجاء في تقرير عرضته رئاسة دائرة التفتيش في البنتاغون أول من أمس على الكونغرس حول الفعاليات التي جرت في سوريا والعراق خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، أن الميليشيا المدعومة من إيران في العراق دعمت حلفاء إيرانيين آخرين في المنطقة لاستهداف دول الخليج، وأن مجموعة مقرها العراق أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم الذي استهدف أبوظبي في فبراير (شباط) الماضي، وكثفت هجماتها ضد القوات التركية في سوريا والعراق ونسقت، في بعض الأحيان، مع العمال الكردستاني، الذي تعتبره الولايات المتحدة تنظيما إرهابيا، للرد على هجمات المقاتلات والمسيرات التركية ضد مواقعه في شمال العراق.
وأفاد التقرير بأن الميليشيا أعربت في الآونة الأخيرة عن معارضتها بشكل متزايد لفعاليات الجيش التركي، وشنت هجمات صاروخية على قواعد عسكرية تركية في سوريا والعراق. ولفت إلى هجوم تعرضت له قاعدة تركية شمال الموصل، بعد غارات جوية شنتها القوات التركية شمال العراق في فبراير (شباط) الماضي، وأن الميليشيا المدعومة من إيران تهاجم القواعد التركية بهدف ردع أنقرة عن القيام بعمليات ضد العمال الكردستاني في العراق.
في ملف آخر، اتهم وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، وكالة حماية حدود الاتحاد الأوروبي (فرونتكس) بعدم القيام بمهامها في مراقبة حدود القارة الأوروبية، فحسب، بل ساهمت مع اليونان في إجبار اللاجئين على العودة إلى تركيا وشاركت في ممارسات لا إنسانية ضدهم. وقال جاويش أوغلو، في مؤتمر صحافي مع نظيره الليبيري دي ماكسويل ساه كيمايه في أنقرة الليلة قبل الماضية، تعليقا على عدم مصادقة البرلمان الأوروبي على ميزانية عام 2020 الخاصة بوكالة «فرونتكس»، إن الوكالة أنفقت جزءاً من ميزانيتها لعمليات إعادة اللاجئين قسرا، وإن عدم الموافقة على الميزانية أو استقالة المدير التنفيذي فابريس ليجيري لا يبرئها. ولفت إلى أن تركيا زودت الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي بالوثائق والبراهين التي تؤكد ممارسات اليونان ضد اللاجئين وكيفية إجبارهم على العودة القسرية إلى الأراضي التركية، لكن «فرونتكس» أنكرت صحة هذه الوثائق لفترة طويلة، وطلبت من أنقرة وثائق إضافية، وقمنا نحن بإرسال هذه الوثائق إلى الجهات المعنية، مضيفا أن البرلمان الأوروبي فتح تحقيقا حول تورط الوكالة في إجبار اللاجئين على العودة إلى الأراضي التركية، موضحا أن المدير التنفيذي للوكالة قدم استقالته في 28 أبريل (نيسان) الماضي على خلفية التحقيق. وحمل جاويش أوغلو اليونان مسؤولية وفاة اللاجئين غرقا، قائلا: «ولعل وكالة فرونتكس تتحمل مسؤولية أكبر لأنها تغاضت عن ممارسات اليونان، بل وشاركت في تلك الممارسات اللاإنسانية، وكذلك الاتحاد الأوروبي له نصيب أيضا في ذلك… يجب التحقيق في كل هذه الأمور بطريقة شفافة ويجب محاسبة المسؤولين عنها، وإذا كان الاتحاد الأوروبي والمؤسسات والمحاكم الأوروبية مخلصين وجادين في محاسبة المسؤولين، فنحن على استعداد لتزويدهم بجميع المعلومات والوثائق».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟