شهباز شريف... «إداري بارع» يقود الحكومة الباكستانية

بعد خروجه عن ظل شقيقه الأكبر

شهباز شريف... «إداري بارع» يقود الحكومة الباكستانية
TT

شهباز شريف... «إداري بارع» يقود الحكومة الباكستانية

شهباز شريف... «إداري بارع» يقود الحكومة الباكستانية

اختارت وسائل الإعلام الباكستانية إطلاق وصف خاص على السرعة التي جرت بها أعمال التطوير والتنمية في ظل قيادة شهباز شريف، حاكم إقليم البنجاب - ذلك أنهم يطلقون عليها «سرعة شهباز». ووصفت وسائل الإعلام شهباز شريف بأنه «ساحر»، وذلك في إشارة إلى السرعة التي تمكن من خلالها من تحويل لاهور، ثاني أكبر مدن باكستان، من مدينة متروبوليتانية قديمة إلى مدينة حديثة تتميز بجسورها المرتفعة وقطارات الأنفاق وحافلات الركاب والطرق الحديثة. أما منتقدوه، فاتهموه بتنفيذ أجندة تنموية تفتقر إلى التوازن، وذلك مع تجاهله مناطق ومدناً أخرى. ويرد شهباز شريف على ذلك بقوله، إنه نجح في بناء منظومة رعاية صحية فاعلة داخل الإقليم تقوم على شبكة واسعة من المستشفيات. وفي ظل قيادته، تمكن الإقليم من مواجهة جائحة كبرى بنجاح، حسبما أكد شهباز شريف.
دخل رئيس وزراء باكستان شهباز شريف ميدان العمل السياسي عام 1988 عندما انتُخب لعضوية مجلس إقليم للبنجاب، أكبر أقاليم باكستان من حيث عدد السكان. ثم انتُخب لعضوية المجلس الوطني الباكستاني عام 1993 وأصبح زعيماً للمعارضة. ومن ثم وقع عليه الاختيار لمنصب حاكم البنجاب، للمرة الأولى في 20 فبراير (شباط) 1997. وبعد الانقلاب العسكري الذي شهدته باكستان عام 1999، أمضى شهباز شريف وأسرته سنوات في منفى اختياري في المملكة العربية السعودية، ثم عاد إلى باكستان عام 2007.
عُين شهباز حاكماً للإقليم لولاية ثانية عام 2008، في أعقاب فوز حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية في الانتخابات العامة الباكستانية داخل إقليم البنجاب. كما انتُخب حاكماً للبنجاب للمرة الثالثة عام 2013 في أعقاب انتخابات عامة وظل في منصبه حتى هزيمة حزبه في الانتخابات العامة عام 2018. ولكن مع ذلك، بقي شهباز شريف كل هذه السنوات في ظل شقيقه الأكبر نواز شريف. ورغم ما يتمتع به من مهارات إدارية ممتازة، نظر كثيرون إلى شهباز شريف داخل عالم السياسية الباكستاني باعتباره مجرد الشقيق الأصغر لنواز شريف.
اللافت، أن شهباز شريف نفسه يبدي القدر ذاته من الولاء تجاه شقيقه الأكبر، ودائماً ما يؤكد أن المكانة التي نالها في عالم السياسة يعود الفضل وراءها إلى نواز شريف.
وأكد العديد من المحللين والمعلقين السياسيين، أن الأصوات الانتخابية التي دفعت بحزب الرابطة الإسلامية إلى سدة الحكم ثلاث مرات منذ عام 1990، مرتبطة بصورة أساسية بنواز شريف. ويرى أصحاب هذا الرأي، أنه رغم أن شهباز شريف قد يكون إدارياً بارعاً، فإن شعبية نواز شريف هي ما أوصلته إلى السلطة.
مع هذا، فإنه بفضل جهوده الدؤوبة نجح شهباز شريف في إيجاد مكان له داخل الساحة السياسية الباكستانية، وبالأخص، بفضل مشاريع البنية التحتية التي أطلقها خلال فترة عمله حاكماً لإقليم البنجاب. وحقاً نجح شهباز في إنجاز هذه المشاريع في وقت قياسي؛ ما أكسبه إشادات واسعة من مختلف أرجاء باكستان، وهكذا بدأت وسائل الإعلام تطلق على السرعة التي أنجزت بها المشاريع «سرعة شهباز».
جدير بالذكر هنا، أنه جرى ترشيح شهباز شريف لمنصب رئيس حزب الرابطة الإسلامية، خلفاً لشقيقه نواز، الذي لم يعد مؤهلاً لتولي هذا المنصب بعدما حرمه قرار من المحكمة العليا من تولي أي منصب عام. ووقع الاختيار على شهباز شريف زعيماً للمعارضة في أعقاب انتخابات عام 2018.
من ناحيتها، هاجمت حكومة عمران خان، شهباز شريف ورفعت مراراً دعاوى فساد ضده. وفي المقابل، وفي أحد خطاباته السياسية داخل المجلس الوطني، أكد شهباز شريف أنه سيستقيل ويبتعد عن العمل السياسي حال إدانته بأي من الاتهامات الموجهة ضده داخل محكمة. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن مكتب المحاسبة الوطنية تأسس على يد الرئيس الأسبق الجنرال برويز مشرف، للتحقيق في اتهامات الفساد الموجهة إلى سياسيين، خاصة أبناء عائلة شريف. واستمرت حكومة عمران خان في الاعتماد على مكتب المحاسبة الوطنية في توجيه اتهامات إلى عائلة شريف؛ الأمر الذي شكل مصدر التوتر الأول بين المعارضة وحكومة عمران خان.
في ديسمبر (كانون الأول) 2019، جمّد مكتب المحاسبة الوطنية 23 من ممتلكات تخص شهباز شريف ونجله، حمزة شريف، متهماً كليهما بالتورط في غسل الأموال. وفي 28 سبتمبر (أيلول) 2020، ألقى مكتب المحاسبة الوطنية القبض على شهباز وأُدين أمام محكمة لاهور العليا باتهامات تتعلق بغسل الأموال، وظل سجيناً خلال فترة المحاكمة. إلا أن هذا الوضع أسهم في تعزيز المكانة السياسية لشهباز شريف في وقت ظل شقيقه الأكبر خارج البلاد لتلقي العلاج لأكثر عن سنة.
بعد إطلاق سراح شهباز شريف بكفالة بقرار من المحكمة العليا، شرع في العمل على خطة لإسقاط عمران خان من السلطة. واستهدفت خطته الأحزاب المتحالفة مع عمران خان، والتي اعتمد عليها الأخير في التمتع بأغلبية داخل البرلمان. وبالفعل، في 11 أبريل (نيسان) 2022، انتًخب شهباز شريف رئيساً للوزراء في أعقاب التصويت بسحب الثقة من عمران خان.
- بطاقة هوية
ولد شهباز شريف في 23 سبتمبر 1951 وهو ينتمي إلى عائلة شريف السياسية الكشميرية التي تعيش في لاهور وتتكلم البنجابية. كان والده، محمد شريف، رجل أعمال ينتمي للطبقة فوق المتوسطة هاجرت أسرته من كشمير واستقر بها المقام في البنجاب. وتزوج شهباز، نصرة شهباز عام 1973 وأنجبا أربعة أطفال: سلمان وحمزة وشقيقتين توأم، جفريا ورابية.
عام 2003، تزوج شهباز زوجته الثانية تهمينا دوراني. ويعمل شهباز بمجال التجارة ويشارك في ملكية «اتفاق غروب»، شركة كبرى تعمل بمجال صناعة الصلب.
على المستوى السياسي، أمضى شهباز شريف الجزء الأكبر من مسيرته المهنية في ظل أخيه الأكبر، لكن بعض المصادر المطلعة ترى أنه من دون الحنكة السياسية لشهباز شريف التي عملت خلف الكواليس، لم يكن الصعود السياسي لآل شريف ليصبح ممكناً. يذكر أنه على امتداد السنوات الماضية، تولى شهباز شريف إدارة الحملات السياسية لشقيقه الأكبر من خلف الكواليس.
- الصراع مع عمران خان
وفي الوقت الذي اجتذب عمران خان تأييد حشود واسعة داخل مدن باكستانية خلال هذه السنوات، كان شهباز شريف يقدم المشورة لشقيقه الأكبر بأن يبقى ملتزماً بالسياسات التي تركز على التنمية الاقتصادية.
وخلال الأيام السابقة مباشرة للانتخابات البرلمانية في مايو (أيار) 2013، نجح عمران خان في اجتذاب تأييد أعداد كبيرة خلال مؤتمرات انتخابية عقدها في أرجاء مختلفة من باكستان. ونجح خان في اجتذاب عناصر ذات ثقل سياسي وانضمت له. وتجلى الصعود السياسي لخان في نتائج استطلاع رأي أجري عام 2012 كشفت عن أنه واحد من أكثر السياسيين الباكستانيين شعبية على مستوى البلاد.
ولكن قُبيل عقد الانتخابات التشريعية في مايو 2013، تعرّض خان لإصابات في الرأس والظهر عندما سقط من فوق مسرح أثناء عقد مؤتمر انتخابي. وظهر خان على شاشات التلفزيون من داخل المستشفى قبيل ساعات من عقد الانتخابات ليوجه مناشدة أخيرة للناخبين. وأثمرت الانتخابات أكبر عدد أصوات لصالح حزب خان «تحريك الإنصاف»، ومع ذلك كان مجمل عدد المقاعد التي حصل عليها أقل عن نصف المقاعد التي حصل عليها حزب الرابطة الإسلامية، بقيادة نواز شريف.
يومذاك، اتهم خان حزب «الرابطة الإسلامية» بتزوير الانتخابات. ولكن لم تلقَ دعواته لإجراء تحقيق في الأمر استجابة، الأمر الذي دفع خان وقادة معارضين آخرين لقيادة مظاهرات على مدار أربعة أشهر نهاية عام 2014 من أجل الضغط على شريف كي يتنحى.
من ناحيته، كان شهباز شريف ينصح شقيقه الأكبر بألا يتخذ إجراءات قاسية ضد المظاهرات التي يؤججها عمران خان. وألقى خان خطباً أمام مسيرات وقاد مظاهرات في أجزاء مختلفة من باكستان تطالب باستقالة نواز شريف وإجراء تحقيق محايد حول التجاوزات المالية لنواز شريف وأفراد عائلته.
وأثمرت جهود خان عندما أعلنت المحكمة العليا أن نواز شريف غير مؤهل لتقلد منصب عام لأنه لم يقُل الصدق للشعب الباكستاني أثناء تقلده منصب رئيس الوزراء حول التجاوزات المالية لأفراد عائلته. وبالفعل، أطيح بنواز شريف من المنصب وصدر بحقه لاحقاً حكم بالسجن 10 سنوات. ويعود الفضل الأكبر وراء محاسبة نواز شريف إلى عمرات خان.
وفي انتخابات يوليو (تموز) 2018، ظهر حزب عمران خان كأكبر كتلة داخل البرلمان، في إشارة واضحة إلى أنه المرشح الأول لتشكيل الحكومة المقبلة في البلاد بمعاونة عدد من الأعضاء المستقلين داخل البرلمان.
داخل البرلمان، نجح شهباز شريف في أن يقض مضجع عمران خان. ونقلت وسائل الإعلام الباكستانية بإسهاب مقتطفات من خطبه أمام البرلمان. وخلال هذه الفترة، تمكن شهباز شريف من تعزيز مكانته السياسية، في الوقت الذي كان شقيقه الأكبر خارج البلاد، وبالتالي خارج المشهد.
في الوقت الراهن، يترأس شهباز شريف حكومة ائتلافية في وقت تنوي المعارضة التحريض على مظاهرات ضد الحكومة بعد إجازة العيد. يذكر هنا، أن شهباز شريف إداري وخبير تنموي، وليس زعيماً شعبياً. وبالتالي، سيجد صعوبة بالغة في مواجهة عمران خان الذي تتزايد شعبيته داخل المناطق الحضرية في باكستان.
ولذلك؛ يبدو أن شهباز شريف عاقد العزم على إنجاز فترة ولايته؛ الأمر الذي يعد بمثابة كابوس لعمران خان. وإذا نجح شهباز شريف في تعزيز قبضته على السلطة واستمر لأكثر من سنة، فإن هذا سيمنحه فرصة تعيين القائد الجديد لأركان الجيش في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي.



أميركا اللاتينية منقسمة إزاء التعايش مع ترمب «العائد»

الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
TT

أميركا اللاتينية منقسمة إزاء التعايش مع ترمب «العائد»

الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)

من شائع القول، أن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة يجب أن تكون مفتوحة لمشاركة جميع سكان العالم، لما لنتائجها من تأثير سياسي واقتصادي وأمني على الصعيد الدولي الواسع. لكن مما لا شك فيه أن أميركا اللاتينية التي تعد «الحديقة الخلفية» لواشنطن، والتي طالما كان ليد الإدارات الأميركية الطولى وأجهزة استخباراتها الدور الحاسم في تحديد خياراتها السياسية والاقتصادية، هي الأشد تأثراً بوجهة الرياح التي تهبّ من البيت الأبيض. «الصوت اللاتيني» كان هذه المرة موضع منافسة محتدمة بين الجمهوريين والديمقراطيين خلال الحملة الانتخابية، وكان راجحاً في كفّة المرشح الفائز، كما دلّ على أهميته قرار الرئيس العائد دونالد ترمب اختيار منافسه في الانتخابات الأولية، السيناتور الكوبي الأصل ماركو روبيو، لمنصب وزير الخارجية في الإدارة الجديدة. إلا أن ردود الفعل في بلدان أميركا اللاتينية على فوز دونالد ترمب بولاية رئاسية ثانية، جاءت متفاوتة ومتأرجحة بين القلق الدفين في أوساط الأنظمة اليسارية والتقدمية، والابتهاج الظاهر بين الحكومات والأحزاب المحافظة واليمينية المتطرفة.

أول المحتفلين بفوز الرئيس دونالد ترمب والمُنتشين لعودته إلى البيت الأبيض كان الرئيس الأرجنتيني اليميني المتطرف خافيير مَيلي الذي سارع، بعد أسبوع من إعلان الفوز، لملاقاته في مقره بولاية فلوريدا حيث أعرب له عن «استعداد الأرجنتين الكامل لمساعدته على تنفيذ برنامجه».

أيضاَ، المعارضة البرازيلية التي يقودها الرئيس اليميني المتطرف السابق جايير بولسونارو - الذي يخضع حالياً للمحاكمة بتهمة التحريض على قلب نظام الحكم وهو ممنوع من السفر خارج البلاد - لم تكن أقل ابتهاجاً من الرئيس الأرجنتيني أو المعارضة الفنزويلية التي عادت لتعقد الآمال مجدّداً على رفع منسوب الضغط الأميركي على نظام نيكولاس مادورو اليساري في فنزويلا والدفع باتجاه تغيير المعادلة السياسية لصالحها.

حذر في المكسيك

في المقابل، حاولت السلطات المكسيكية من جهتها إبداء موقف حذر على الرغم المخاوف التي تساورها من أن يفي الرئيس الأميركي العائد بالوعود التي قطعها خلال الحملة الانتخابية حول الهجرة والتجارة ومكافحة المخدرات، والتي تجعل من المكسيك أكثر بلدان المنطقة تعرّضاً لتداعيات السياسة الشعبوية المتشددة التي ستتبعها إدارته الثانية اعتباراً من العام المقبل. ومعلوم أن ترمب كان قد جعل من بناء «الجدار» على الحدود الفاصلة بين المكسيك والولايات المتحدة عنواناً لحملته الانتخابية الأولى وأحد ركائز حملته الثانية، إلى جانب خطابه العنصري المناهض للمهاجرين المكسيكيين الذين يشكلون الغالبية الساحقة من المهاجرين اللاتينيين إلى الولايات المتحدة. كذلك، كان ترمب قد هدد الرئيسة المكسيكية الاشتراكية الجديدة كلاوديا شاينباوم بفرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المائة على السلع المستوردة من المكسيك ما لم تمنع تدفق المهاجرين من أميركا الوسطى إلى الولايات المتحدة عبر أراضي المكسيك.

الرئيسة شاينباوم قلّلت من شأن تهديدات ترمب، وقالت إن بلادها - كالعادة - «ستتمكن من تجاوز الأزمة»، لكن لا أحد يشك في أن الدولة المرشحة لأكبر قدر من الضرر جرّاء عودة ترمب إلى البيت الأبيض هي المكسيك، أولاً نظراً لكونها الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، وثانياً لأن العلاقات بين البلدين المتجاورين هي أشبه بزواج لا طلاق فيه.

من جهة ثانية، كان لافتاً أن سوق المال (البورصة) المكسيكية لم تتعرّض لأي اهتزازات تذكر بعد إعلان فوز ترمب، خلافاً لما حصل بعد فوزه بالولاية الأولى عام 2016. وهو ما يدلّ على التأقلم مع أسلوبه والتكيّف معه، وأيضاً على متانة «اتفاقية التجارة الحرة» بين المكسيك وكندا والولايات المتحدة كإطار يحكم المبادلات التجارية بين البلدان الثلاثة.

المشهد البرازيلي

في البرازيل، كما سبقت الإشارة، كان الرئيس السابق جايير بولسونارو بين أوائل المهنئين بفوز دونالد ترمب. إذ أعرب عن ابتهاجه لهذا «النصر الأسطوري الذي منّ به الله تعالى على الولايات المتحدة والعالم»، في حين اكتفت حكومة الرئيس الحالي اليساري الحالي لويس إيناسيو (لولا) بالطقوس الدبلوماسية المألوفة، بعدما كان «لولا» قد أعلن صراحة دعمه لمرشحة الحزب الديمقراطي نائبة الرئيس المودّعة كمالا هاريس.

أكثر من هذا، تابع إدواردو بولسونارو، نجل الرئيس السابق والعضو في مجلس النواب البرازيلي، عملية فرز نتائج الانتخابات الأميركية في منزل ترمب بفلوريدا، حيث صرّح بعد إعلان الفوز: «ها نحن اليوم نشهد على قيامة مقاتل حقيقي يجسد انتصار الإرادة الشعبية على فلول النخب التي تحتقر قيمنا ومعتقداتنا وتقاليدنا». وبالمناسبة، لا يزال بولسونارو «الأب» عازماً على الترشّح للانتخابات الرئاسية البرازيلية في عام 2026. على الرغم من صدور حكم قضائي مُبرم يجرّده من حقوقه السياسية حتى عام 2030 بتهمة سوء استخدام السلطة والتحريض على الانقلاب.

بالتوازي، كان «لولا» قد تعرّض للانتقاد بسبب تأييده الصريح لهاريس، الذي ضيّق كثيراً هامش المناورة أمامه بعد هزيمتها. لكنه علّق بعد تهنئته ترمب: «الديمقراطية هي صوت الشعب الذي يجب احترامه».

اليوم يعتقد أنصار بولسونارو أن المشهد السياسي الأميركي الجديد، والدور الوازن الذي يلعبه الملياردير إيلون ماسك داخل إدارة ترمب، قد يشكّلان ضغطاً على الكونغرس البرازيلي والمحكمة العليا لإصدار عفو عن الرئيس البرازيلي السابق يتيح له الترشح في انتخابات عام 2026 الرئاسية. أما على الصعيد الاقتصادي، فتخشى البرازيل، في حال قرّر ترمب رفع الرسوم الجمركية وفرض إجراءات حمائية، خفض صادراتها إلى الولايات المتحدة وتراجعاً في قيمة موادها الخام. كذلك، من شأن إغلاق السوق الأميركية أمام السلع الصينية أن يؤدي إلى خفض الطلب على المواد الخام التي تشكّل عماد المبادلات التجارية البرازيلية. أما على الصعيد البيئي، فقد حذرت وزيرة البيئة البرازيلية مارينا سيلفا من أن الأسرة الدولية ستكون مضطرة لمضاعفة جهودها للحد من تداعيات أزمة المناخ إذا قرر ترمب المضي في تنفيذ سياساته البيئية السلبية المعلنة.

مَيلي متحمّس ومرتاح

الرئيس الأرجنتيني خافيير مَيلي، من جانبه، احتفى بفوز ترمب على وسائل التواصل الاجتماعي، وتعهد بالتعاون مع إدارته لتنفيذ برنامجه الانتخابي، معوّلاً على استثمارات أميركية ضخمة في القطاعات الإنتاجية الأرجنتينية. وانضمّ أيضاً إلى «التهاني» من معسكر اليمين الأرجنتيني الرئيس الأسبق ماوريسيو ماكري، الذي يشارك حزبه المحافظ في حكومة مَيلي الائتلافية، والذي سبق أن كان شريكاً لترمب في صفقات عقارية في الولايات المتحدة.

يُذكر أن ترمب كان قد لعب دوراً حاسماً في منح صندوق النقد الدولي قرضاً للأرجنتين بقيمة 44 مليار دولار أميركي عام 2018 ما زالت عاجزة عن سداده. وفي حين يأمل مَيلي بأن تساعده الإدارة الأميركية الجديدة بالحصول على قرض جديد من صندوق النقد يحتاج إليه الاقتصاد الأرجنتيني بشدة للخروج من أزمته الخانقة، فإنه يعرف جيداً أن ترمب سيكون بجانبه في «الحرب الثقافية» التي أعلنها على اليسار الدولي وأجندته التقدمية.

فنزويلا وكوبا

في الدول الأميركية اللاتينية الأخرى، علّق إدموندو غونزاليس أوروتيا، مرشح المعارضة في الانتخابات الرئاسية الفنزويلية - المنفي حالياً في إسبانيا والذي تدلّ كل المؤشرات على فوزه - علَّق على فوز ترمب بوصفه هو أيضاً الفائز الذي اعترفت به دول عدة بينها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فقال: «هذه إرادة الشعب الأميركي وأهمية التناوب على الحكم».

أما زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو، التي اضطرت للتنازل عن ترشيحها لصالح غونزاليس بعدما جرّدها القضاء من حقوقها السياسية - فقد هنأت ترمب بقولها: «نعرف أنك كنت عوناً لنا دائماً، والحكومة الديمقراطية التي اختارها الشعب الفنزويلي ستكون حليفاً موثوقاً لإدارتك».

من الجانب الآخر، اختارت الحكومة الفنزويلية اليسارية التزام الحذر في تعليقها الأول على فوز ترمب، وجاء في تهنئتها البروتوكولية: «نوجه التهنئة لشعب الولايات المتحدة على هذه الانتخابات. إن فنزويلا على استعداد دائماً لإقامة علاقات مع الإدارات الأميركية في إطار الحوار والرشد والاحترام». وأضاف البيان الذي صدر عن الرئاسة الفنزويلية مستحضراً خطابه المعهود: «إن الاعتراف بسيادة الشعوب وحقها في تقرير مصيرها هو الأساس لقيام عالم جديد يسوده التوازن بين الدول الحرة»، في إشارة إلى المفاوضات المتعثّرة منذ سنوات بين واشنطن وكاراكاس لإيجاد مخرج من الأزمة الفنزويلية التي تمرّ اليوم بأكثر مراحلها تعقيداً. وهنا تجدر الإشارة إلى أن ترمب كان قد فرض إبان ولايته الرئاسية الأولى ما يزيد عن مائة عقوبة على فنزويلا، وانتقد بشدة قرارات إدارة بايدن برفع بعضها. غير أنه ليس واضحاً بعد كيف ستكون مقاربته لهذا الملف، خاصة، أن فنزويلا يمكن أن تساعد على تلبية الاحتياجات الأميركية من الطاقة في ظروف دولية معاكسة بسبب الحرب في أوكرانيا والاضطرابات في الشرق الأوسط.

وبما يخصّ كوبا، تحمل ولاية ترمب الثانية في البيت الأبيض معها أيضاً «سحباً سوداء» فوق كوبا التي تتوقع تشديد العقوبات والمزيد منها. وكان ترمب قد حطّم جميع الأرقام القياسية في العقوبات التي فرضها على النظام الكوبي، وأدرجها على قائمة «الدول الراعية للإرهاب»، الأمر الذي يضفي صعوبات جمّة على علاقات الدولة الكوبية المالية مع الخارج. ويلفت أن الحكومة الكوبية - حتى كتابة هذه السطور - لم تعلّق بعد على فوز دونالد ترمب بولاية ثانية.

تحمل ولاية ترمب الثانية في البيت الأبيض

معها «سحباً سوداء» فوق كوبا

التي تتوقع تشديد العقوبات

الرئيس المكسيكية الاشتراكية كلاوديا شاينباوم (رويترز)

كولومبيا تثير موضوع غزة

كولومبيا أيضاً يسود فيها الترقّب الحذر لمعرفة الوجهة التي ستسير بها العلاقات بين ترمب والرئيس الكولومبي اليساري غوستافو بترو اللذين لا يجمع بينهما أي رابط شخصي أو عقائدي. بيد أن هذا لم يمنع بترو من توجيه رسالة تهنئة إلى الرئيس الأميركي العائد لعلها الأكثر صراحة في مضمونها السياسي والمواضيع التي ستتمحور حولها علاقات المعسكر التقدمي في أميركا اللاتينية مع الإدارة الأميركية اليمينية المتشددة الجديدة. وجاء في رسالة بترو: «إن السبيل الوحيد لإغلاق الحدود يمرّ عبر ازدهار بلدان الجنوب وإنهاء الحصار»، في إشارة واضحة إلى العقوبات الأميركية المفروضة على فنزويلا وكوبا. ثم تناولت الرسالة موضوع غزة، الذي يستأثر باهتمام كبير لدى الرئيس الكولومبي، وأوردت: «الخيار التقدمي في الولايات المتحدة لا يمكن أن يقبل بالإبادة التي تتعرّض لها غزة».

باقي اليمين يرحب

في المقابل، اكتفت رئيسة البيرو، دينا بولوارتي، التي منذ سنة لا تتمتع بتأييد سوى 8 في المائة من مواطنيها، بتوجيه رسالة تهنئة «للمرشح دونالد ترمب على فوزه في الانتخابات الديمقراطية التي أجريت في الولايات المتحدة»، بينما غرّد دانيال نوبوا، رئيس الإكوادور اليميني الذي تشهد بلاده أزمة سياسية وأمنية عميقة منذ أشهر، على حسابه مرحباً: «مستقبل زاهر ينتظر قارتنا بفوز دونالد ترمب».

وفي تشيلي - التي يحكمها اليسار - كان أول المهنئين خوسيه أنطونيو كاست، زعيم الحزب الجمهوري اليميني المتطرف الذي يطمح للفوز في الانتخابات الرئاسية العام المقبل. وفي المقلب الآخر، على الصعيد الرسمي بادر وزير الخارجية التشيلي ألبرتو فان كلافيرين إلى التهنئة المبكرة قائلاً: «نتيجة الانتخابات كانت واضحة وكاشفة على أكثر من صعيد. نقيم علاقة دولة مع الولايات المتحدة، والعلاقات هي بين الدول، ونطمح لأفضلها مع حكومة الرئيس ترمب الجديدة». أما الرئيس التشيلي اليساري غابريل بوريتش، الذي كان آخر المهنئين بين زعماء المنطقة، فجاء في رسالته: «تؤكد تشيلي التزامها توطيد العلاقات مع الولايات المتحدة من أجل تحقيق تنمية شاملة، واحترام حقوق الإنسان والعناية بالديمقراطية».

 

حقائق

واقع العلاقات والمخاوف في أميركا الوسطى

في أميركا الوسطى، وتحديداً السلفادور، وعلى الرغم من العلاقات الجيدة التي تربط رئيسها نجيب أبو كيلة (الفلسطيني الأصل) مع دونالد ترمب، كما تَبيّن خلال الولاية الأولى للرئيس الأميركي المنتخب، فإن ثمة مخاوف ملموسة من التهديدات التي أطلقها ترمب خلال حملته الانتخابية بطرد جماعي للمهاجرين غير الشرعيين. للعلم، فإن ملايين من مواطني السلفادور يعيشون في الولايات المتحدة بصورة غير شرعية، ويُشكِّلون مصدر الدعم الاقتصادي الأساسي لعائلاتهم في وطنهم الأم. وحقاً تعدّ تحويلات المهاجرين الواردة من الولايات المتحدة المحرّك الرئيسي لاقتصاد السلفادور، إذ بلغت في العام الماضي ما يزيد على 5 مليارات دولار.وراهناً، يسود الاعتقاد بين المراقبين الأميركيين اللاتينيين - على امتداد القارة - بأن دونالد ترمب، الذي استطاع خلال 8 سنوات أن يهدم المجتمع الأميركي ويعيد تشكيله على مزاجه وهواه، يشكّل اليوم - في أحسن الأحوال - مصدر قلق عميق بالنسبة لبلدان المنطقة. ويتوقع هؤلاء أن تكون التداعيات المحتملة لولايته مرهونةً بأمرين: الأول، مدى اعتماد هذه البلدان سياسياً واقتصادياً على الولايات المتحدة. والثاني، أين سيكون موقع أميركا اللاتينية بين أولويات السياسة عند الإدارة الجديدة في واشنطن.