«الأصولية العلمانية» في أوروبا والولايات المتحدة.. آيديولوجية تطرف متزايدة

تعزيز العنصرية ورفض «الآخر» يزيد من مخاطر التطرف

«الأصولية العلمانية» في أوروبا والولايات المتحدة.. آيديولوجية تطرف متزايدة
TT

«الأصولية العلمانية» في أوروبا والولايات المتحدة.. آيديولوجية تطرف متزايدة

«الأصولية العلمانية» في أوروبا والولايات المتحدة.. آيديولوجية تطرف متزايدة

في الوقت الذي تتعالى فيه الصيحات حول العالم منددة بالإرهاب كمنتج للأصوليات الدينية، أيًا كانت تلك الأديان، يبقى هناك خطر آخر متزايد، يتمثل في الإغراق في العلمانية، إلى الدرجة التي معها اكتسب المشهد تعبيرا جديدا: «الأصول العلمانية»، والتي باتت مخاطرها لا تقل ضراوة عن الأصوليات الأخرى. هل من تعريف أولي مبدئي لهذا الطرح الجديد من الطروحات الفكرية التي باتت ولا شك فيها تؤثر على سلامة الحالة الذهنية والنفسية للكثير من شعوب العالم؟
يحتاج الحديث عن الأصولية العلمانية إلى مباحث قائمة بذاتها فلسفيًا لا سيما وأن هناك تناقضا شكليا وجوهريا في المصطلح، فالأصولية عكس العلمانية، ذلك أن الأصوليين ينظرون للنسبي على أنه مطلق، بينما العلمانيون يقيسون النسبي بنسبيته وليس بمطلقيته.
ويعرف قاموس «اربن» الأصولية العلمانية بأنها: «التمسك بأيديولوجية معادية للدين، تسخر، وتزدري وتهجو فكرة وجود إله أو آلهة، أو الدين، ولا تهتم بمشاعر التزمت والتعصب والكراهية والاضطهاد التي يشعر بها الأتباع نتيجة ذلك».
ويمكننا القول إن العلمانية تنقسم إلى جزءين، علمانية كلية شاملة، وأخرى جزئية، ولأن الأوروبيين على نحو خاص قد عانوا من النار والمرار والدمار بعد الحرب العالمية الثانية، وفقدوا الكثير من قناعاتهم بالمطلقات وفي مقدمتها الأديان، لذا تسرب «فيروس» العلمانية الكلية إلى كافة منحنيات حياتهم لنصل إلى المشهد الحالي أوروبيًا.
على أن علامة الاستفهام في هذا المقام: «هل الإغراق في هذا الشكل من أشكال الأصولية العلمانية هو الطريق إلى مجابهة ومكافحة التطرف والإرهاب الأسود حول العالم؟».
لقد ارتفع هذا السؤال إلى عنان السماوات الأوروبية وعلى نحو خاص بعد حادثة «شارلي إبيدو» في فرنسا، بداية العام الحالي. وبعض الدوائر العلمانية المتشددة قد وجدت في المشهد المؤلم آنذاك فرصة تاريخية للربط بين الأصولية والإسلام بشكل كامل، وقد نسي أو وتناسى هؤلاء أن الأصولية الفاشية، والنازية كانتا السبب الأكبر في قتل نحو ستين مليون إنسان في الحرب الكونية الثانية فقط، دون الأولى، ودون بقية الحروب المشابهة.
ومؤخرًا تحدثت أستاذة العلوم السياسية في جامعة هوفسترا كارولين دوديك إلى موقع «ميدل إيست آي» عن شكل الأخطار، محللة المشهد، وموضحة إلى أي حد ومد يمثل هذا المنحى قنبلة موقوتة ومؤلا بل يعد مستودعا يستمد منه الإرهابيون الحقيقيون أعضاءه الجدد.
ترى البروفسور دوديك أن التعاطي مع الأقليات المسلمة في أوروبا بنظرة علمانية جافة مسطحة، بوصفهم مختلفين في الشكل ويتحدثون لغات مختلفة وينظر إليهم على أنهم غرباء، أمر يجعلهم مثل الثمار الناضجة التي يقطفها تنظيم داعش أو ما يشابهه. وهنا يقيم هؤلاء الشباب مجتمعهم على شبكة الإنترنت ووسائل الاتصال الاجتماعي، ويشعر بعض الشباب بأنه جزء من هذا المجتمع الإلكتروني ولا يشعرون بأنه جزء من المجتمع في فرنسا.
بتحليل دقيق للمشهد يمكن أن، يخرج المرء بنتيجة موضوعية مثيرة، ففي مواجهة القائلين بتهديد «الأصولية الإسلامية» للديمقراطيات والحريات الغربية، يبدو أن الأصولية العلمانية تقود إلى نفس المشهد، ولو بطريق آخر، عبر تعزيز العنصرية، وتعميق الأفكار العرقية، وتوسيع الشروخ الثقافية، والمذهبية، مما يجعل من الأديان والتدين في نهاية المشهد عوائق تحول دون التقدم البشري، عوضا عن أن تكون جسورًا للتواصل والتعارف بين الأمم والشعوب.
هل فرض العلمانية فرضًا عبر القوانين المشددة والرقابة الاستخباراتية تمثل الحل الأفضل في مواجهة الإرهاب الذي بات الجميع يخشاه؟
يبدو أن ذلك ليس هو الطريق الأكثر صوابًا، والعهدة هنا على العالم السياسي الفرنسي والمتخصص في الشؤون الإسلامية، أوليفييه روي صاحب مؤلف «الجهل المقدس»، والذي يرى أن «اللائكية الصلبة الاستبدادية» ليست الحل، بل ضرورة إعادة الثقافة إلى المدرسة وطرح نقاشات عقلانية في الصفوف المدرسية، فالعلمانية ليست الرد على الإرهاب.
ويبدو أن رؤية روي تتجاوز النقاش الجاري، إلى حال فئة من الشباب المسلم الذين ساروا نحو العدمية، وهؤلاء في تقديره لم تكن معضلتهم مع «الدين الإسلامي السمح»، بل مشكلة اجتماعية تتجاوز الدين، وعليه يجب تقديم نماذج مضادة. وهذا هو التحدي الذي تواجهه العلمانية في الغرب والأصولية في الشرق، مما يحتاج إلى الجهد المدرسي الأولي من بداية المشهد، فكما أن الخطاب الديني التقليدي ربما بات في حاجة ماسة للمراجعة، هكذا أيضا العلمانية السلطوية.
البعض يتساءل حول إذا كان المشهد العلماني المتطرف في الولايات المتحدة يختلف كثيرًا عن نظيره في «القارة العجوز» على حد تعبير وزير الدفاع الأميركي الأسبق دونالدر رامسفيلد. المعروف تاريخيًا أن الولايات المتحدة دولة علمانية الهوية، وبها فصل كامل بين السلطات المدنية، والقيادات الروحية، غير أن الحقيقة تتمثل في أن الولايات المتحدة دولة مغرقة في الهوى الديني، ومرد ذلك ومرجعه أن المهاجرين الأوائل الذين أطلقوا على أنفسهم «البيوريتايين» أو المتطهرين، قد اعتبروا تلك الأراضي الجديدة المكتشفة في الغرب بمثابة «أرض كنعان الجديدة» للهاربين من عبودية الأصولية الدينية في القرون الوسطى في أوروبا.
في أوائل الشهر الحالي نشر مركز «بيو للأبحاث» في واشنطن، وهو أحد أهم مراكز الأبحاث، نتائج أحدث استطلاع رأي يتناول أحوال الأديان والعلمانية في الولايات المتحدة. وقد جاءت النتائج مثيرة جدًا، فبعد حالة المد الديني اليميني الأصولي التي عرفتها الولايات المتحدة بعد عام 1967 وبشكل خاص بعد حرب الأيام الست مع العرب، نرى حالة من الارتداد إلى العلمانية مع تبعاتها واستحقاقاتها السلبية على اتباع الأديان التوحيدية بشكل عام.
للذكرى والتاريخ، تصاعد التيار الديني المسيحي المتهود أو المتصهين، وإن كان البعض يطلق عليه خطأ المسيحية الصهيونية (لأنهما ضدان لا يجتمعان)، بعد حرب يونيو (حزيران) 1967، في حين كان الأميركيون يعانون الويلات في مستنقع فيتنام، ولهذا قالوا إن «يد الرب» مع إسرائيل و«روح الرب» قد فارقت بلادهم.
ومع عصر الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، صار الصراع بين معسكري الخير والشر على أشده، فقد وجد رجال من أمثال القس جاري فالويل وروبرت باتسون المغرقين في أصوليتهما الدينية واللذين صورا ريغان بأنه المنقذ والمخلص للعالم من شر الاتحاد السوفياتي والشيوعية البغيضة. وعليه بدأت الإدارة الأميركية حملة «حرب النجوم أو الكواكب». وقد وصل التجلي الأكبر لهذه النهضة الأصولية المسيحية في زمن الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن، الذي ربط بين الدين والسياسة وتحدث عن «الحروب الصليبية» تزامنا مع غزو العراق.
وتشير نتائج استطلاع «بيو» هذا الشهر إلى أن نسبة الأميركيين الذين يعتبرون أنفسهم مسيحيين في قد انخفضت بمعدل 8 نقاط مئوية خلال سبع سنوات، ووصلت هذه النسبة الآن إلى نحو 71 في المائة، وارتفع تعداد غير المنتمين للأديان من 16 في المائة إلى 23 في المائة خلال نفس الفترة الزمنية.
حكمًا، تؤشر النتائج لاتجاه خطير ذلك أن ما يعرف بجيل الألفية (أي المولودين بين عامي 1981 – 1989) باتوا أقل ارتباطا بالتدين عن أجيال الستينات، وأجيال الحرب العالمية الثانية.
النتيجة الثانية والمباشرة لحالة «الانفلات العلماني» التي انتقل فيروسها من أوروبا هي أن عدد الملحدين وغير المنتمين للأديان، بات يتجاوز طوائف دينية شديدة الأهمية في الترتيب الديني الأميركي مثل الكاثوليك، فالملحدون صاروا يمثلون 23 في المائة، أما الكاثوليك 21 في المائة.
غير أن الأرقام السابقة تحتاج إلى تدقيق أكثر، ذلك أن أولئك الذين يظهرون عدم ارتباط بالأديان، قد لا يكونون ملحدين بالمعنى الحرفي للكلمة، ولكنهم يرون أن الدين وإن كان حقيقة بالنسبة لهم إلا أن مدى الارتباط الوجداني والعاطفي، وتأثيره على طرائق تفكيرهم، ومناحي حياتهم ضعيفة وتكاد تتلاشى. وعلى هذا الأساس هم مغرقون في علمانية أشد، ويعد الأميركيون البيض أكثر عرضة للقول إنهم لا دينيون بنسبة 24 في المائة مقارنة مع 20 في المائة من الأميركيين من أصل لاتيني، و18 في المائة من ذوي الأصول الأفريقية.
وقد يدفع المسلمون في الولايات المتحدة ثمنا لهذا التغير في المعادلة الدينية الأميركية، تحت ستار يربط بين العلمانية والحريات، ويخفي في ثناياه أصولية علمانية رافضة للآخر، لا تقل عن أصولية الفكر المتطرف الديني. على سبيل، هناك المثال الدور الذي تقوم به بعض المؤسسات الأميركية المغرقة في كراهتها للمسلمين تحت دعاوى الحرية الزائفة، ومنها ما يعرف بمبادرة «الدفاع عن الحرية الأميركية»، والتي لا هم ولا شاغل لها سوى تشويه صورة المسلمين في أميركا الشمالية. إذ إنها تروج بين الأميركيين لفكرة الخيانة التي يرتكبها المسؤولون الحكوميون على المستوى الوطني المحلي، وفي الولايات، ووسائل الإعلام، وغيرهم، في الاستسلام – على حد قولها – لحركة «الجهاد العالمي والتفوق الإسلامي».
ولعل تطرف مثل هذه المؤسسات هو ما دفع بمات دس المحلل السياسي السابق في مركز التقدم الأميركي، والرئيس الحالي لمؤسسة السلام في الشرق الأوسط إلى أن يصرح «بالتأكيد أصبح تشويه صورة المسلمين صناعة مربحة للمتعصبين ضد المسلمين حيث يتم إنفاق عشرات الملايين من الدولارات في هذه الصناعة»، والحديث عن هذه الجماعات أمر مستقل قائم بذاته ولنا معه عودة.
قد تكون الأصولية العلمانية هي اعتداء على الحرية الشخصية بنفس قدر انتهاك الأصولية الدينية لكرامة الإنسان، فالأصولي العلماني صاحب رؤية أحادية نسبية، يريد لها أن تنسحب على الجميع، حتى ولو كان العالم متعدد الأقطاب والمشارب وليس أحادي اللون.
ورغم أن الأصولية العلمانية لا علاقة لها بالنصوص المقدسة ولا تقرأها بعين التشدد والتعصب كالأصولية الدينية، فإنها تقع في الفخ نفسه عندما تتعاطى مع تراث التنوير الإنساني على أنه قوالب مقدسة وما عداها لا يعتد به.
وفي كتابه «الأنوار التي تعمي» يصل المفكر الفرنسي ريجيس دوبريه، إلى الوصفة السحرية: «لا نريد عقلانية أو علمانية جافة مسطحة تستبعد الدين كليًا بحجة أنه ظلاميات وفي ذات الوقت لا نبغي أصولية متعصبة تكفر الآخرين وتدعو إلى ذبحهم». هل من طريق إلى الحسنيين؟



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».