كان طفلها في طريقه للخروج إلى الحياة، لكنها لم تكن قادرة على الحركة. كانت إسراء خلف حميد، النازحة البالغة من العمر 27 سنة، تجلس على عتبة مسجد يقع على أطراف العاصمة العراقية بغداد وهي تتألم من الانقباضات. وفي الداخل كانت هناك 40 أسرة هربت من القتال الذي تدور رحاه في محافظة الأنبار الواقعة في الغرب خلال الشهر الماضي وتتخذ من المسجد مأوى مؤقتا لها.
وعلى الباب الرئيسي للمسجد يوجد قفل ضخم. ولم يكن مسموحا للأسر النازحة بمغادرة تلك الأماكن إلا في حالات الطوارئ. وقالت أسرة إسراء حميد إنهم كانوا يخشون التوجه إلى المستشفى وحدهم وكانوا بانتظار وصول سيارة الإسعاف على أي حال. وقال أنور حميد، شقيق زوجها: «نحن بحاجة إلى حماية لضمان حياتنا في الطريق».
يقدم هذا المشهد في حي الغزالية لمحة عن النكبة التي يواجهها أكثر النازحين العراقيين، فقد اضطر أكثر من 100 ألف شخص إلى هجر منازلهم بعد أن حمى وطيس القتال بين القوات التابعة للحكومة وتنظيم داعش في محافظة الأنبار في أبريل (نيسان)، والاتجاه إلى بغداد ومحافظات الجنوب.
لكن الوافدين الجدد الهاربين من حمامات الدماء في الأنبار وجدوا أنفسهم في مواجهة الشك والعداء. وربط بعض المسؤولين في بغداد بين تدفق النازحين وحدوث موجة من التفجيرات بسيارات مفخخة. ويشكو النازحون من تحرش قوات الأمن والجماعات المسلحة الشيعية ذات النفوذ بهم، حيث تشعر تلك الجماعات بالقلق من أن يكون هناك علاقة تربط بين القادمين إلى بغداد وتنظيم داعش.
وطبقا لدائرة الطب العدلي في بغداد هناك زيادة في عمليات القتل التي يشتبه في وجود أسباب طائفية وراءها. وقال خالد أحمد (41 سنة)، من حي التأميم في مدينة الرمادي والذي هرب مع زوجته وأطفاله الثلاثة خلال الشهر الماضي: «ما يحدث لنا هو موت بطيء: رعب، وجوع، ولا يوجد مال ولا مأوى. إذا مكثنا هناك سيقتلنا تنظيم داعش، وإذا مكثنا هنا ستقتلنا الجماعات المسلحة».
وتم الطلب من الأسر لدى وصولهم تقديم بطاقات الهوية الخاصة بهم إلى إدارة المسجد من أجل منعهم من التجول في أنحاء بغداد، التي تنتشر بها نقاط التفتيش والتي يتم الاطلاع بها على بطاقات الهوية. وقال إمام المسجد إن تلك الإجراءات الأمنية كانت بناء على طلب الشرطة. وقال ماجد حميد، إمام مسجد الغزالية، وهو حي يسكنه الشيعة والسنة، لكن يهيمن عليه السنة، ويشتهر بأنه شهد إراقة دماء أثناء الصراع الطائفي الذي وقع بعد الغزو الأميركي عام 2003: «لا يتم السماح لهم بالخروج من أجل سلامتهم. نحن نخشى أن يتم استهدافهم لأسباب طائفية. وتشعر الأسر بالرعب من المجهول». وبمرور الوقت تم عمل ترتيبات لمغادرة إسراء حميد للمسجد، ووصلت سيارة الإسعاف، فقد كانت في حالة مخاض لأكثر من أربع ساعات. وعندما وصلت إلى المستشفى أخيرا كان وليدها قد مات داخل بطنها. لم تحمّل أسرة إسراء المسجد مسؤولية ما حدث، فقد دفع ثمن علاج المرأة في المستشفى، لكنهم قالوا إن قصتها توضح الصعوبات التي يواجهها النازحون الجدد.
وقال سكان اثنين من الأحياء ذات الأغلبية الشيعية في العاصمة، وهما حي العامل وحي البياع، إنه تم طرد الأسر النازحة التي لاذت بالحي وكذلك استهداف أماكن سكناهم بمتفجرات مصممة لإصدار صوت هائل دون وقوع إصابات، على حد قولهم. ويقول السكان إنهم يشعرون بالقلق من اختراق المسلحين المتطرفين للمدينة من خلال الاندساس بين النازحين. وما يزيد الأمور سوءا هو تبني تنظيم داعش تنفيذ التفجيرات الأخيرة.
ومكثت عائلة حميد، التي تتكون من 14 فردا، خلال أول أسبوعين لها في بغداد لدى صديق في حي الزعفرانية، وهو من الأحياء ذات الأغلبية الشيعية. ويقولون إن قوات الأمن كانت تفتش منزل صديقهم بانتظام خلال تلك الفترة، وكانت تسألهم عن تحركاتهم. وغادرت عائلة حميد بعد ما سمعت عن واقعتين تم خلالهما قتل أفراد سنة من محافظة الأنبار في مكان آخر في بغداد. وقال أنور حميد: «لم يكن بإمكاننا البقاء هناك وتعريض أسرة صديقي إلى الخطر».
بدوره، كشف سعد معن، المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية، إجراء تحقيقات في 14 عملية قتل لنازحين من الأنبار على مدى الأسابيع القليلة الماضية. كما ازداد عدد الجثث مجهولة الهوية التي تصل إلى دائرة الطب العدلي، بحسب مديرها زياد علي، وهو ما يشير إلى تزايد عمليات القتل على الهوية. ورفض زياد ذكر العدد على وجه التحديد، لكنه قال إنه بدلا من استقبال جثة مجهولة الهوية يوميا تقريبًا، تزايد العدد بمقدار خمسة أمثال.
وفي الوقت الذي أدت فيه التفجيرات وعمليات القتل غير القانونية إلى تنامي التوترات، حشد الأفراد في مختلف أنحاء العاصمة من الطائفتين جهودهم من أجل مساعدة النازحين. وفي مسجد برهان الدين في حي الجامعة، قدمت مجموعة من المتطوعين الشيعة المزيد من مواد الإغاثة إلى 120 أسرة تقيم في الحي وتتمتع بحرية أكبر، لكن لا يزال عليهم طلب تصريح من أجل مغادرة مناطق إقامتهم. وكانت المروحيات تحلق فوق رؤوسهم على ارتفاع منخفض في واحد من الأيام القليلة الماضية. وقال رمزي جاسم أبو سيف، مدير المخيم: «هذا طبيعي لأسباب أمنية».
* خدمة «واشنطن بوست».
_ خاص بـ {الشرق الأوسط}