منذ نحو 15 عاماً، أنتجت فيلماً صغيراً عن يوم واحد في حياة ساعي بريد. لقد بدأ الأمر مبكراً، وبينما كنت أساعده في ترتيب حقيبته، تجاذبنا أطراف الحديث حول كرة القدم. لقد كان من مشجعي نادي تشيلسي، وسألته عما إذا كان لديه تذكرة موسمية لحضور مباريات «البلوز» على ملعب «ستامفورد بريدج»، ولن أنسى أبداً تعبيرات وجهه عندما وجهت له هذا السؤال، فقد كان الأمر يبدو وكأني سألته عن نوع السيارة الفيراري التي تنقله إلى مقر عمله! ورد قائلاً: «لا يمكنني تدبير مقابل شراء تذكرة لحضور مباريات تشيلسي، فأنا ساعي بريد».
لذلك، كان لدينا هنا نادٍ لكرة القدم مملوك لرجل أعمال روسي ثري بشكل خيالي، في الوقت الذي يستحيل فيه على عامل عادي أن يحضر مباريات الفريق بسبب ارتفاع أسعار تذاكر المباريات. أنا لا أعني بذلك إلقاء اللوم على رومان أبراموفيتش بسبب كل ما يحدث. فرغم أن مكاسبه المالية قد تكون غير مشروعة، فإنه ليس مسؤولاً بشكل مباشر عن تحديد أسعار تذاكر المباريات من قبل الأندية في جميع أنحاء البلاد بالشكل الذي يفوق قدرات العديد من مشجعي كرة القدم العاديين.
لكن دخوله إلى هذه اللعبة يسلط الضوء على خط الصدع الموجود في قلب المشكلة التي تواجهها كرة القدم على المستوى الاحترافي، وهي أن الأندية لا تستطيع إيجاد طريقة للعيش في حدود إمكانياتها، وهو الأمر الذي يؤدي إلى الشعور باليأس، الذي يؤدي دائماً إلى اتخاذ إجراءات يائسة في نهاية المطاف.
وتجب الإشارة إلى أن كل هيئة من الهيئات الثلاث التي تدير كرة القدم الإنجليزية - الدوري الإنجليزي الممتاز، ودوري كرة القدم الإنجليزية، والاتحاد الإنجليزي لكرة القدم - أجرت اختباراتها الخاصة للمالكين والمديرين، وعازمة على أن يكون الملاك المحتملون مناسبين ولائقين لهذا المنصب. لكن لا يزال من غير الواضح إلى أي مدى يجب أن يكون الشخص غير لائق أو غير مناسب حتى يفشل في هذا الاختبار. والآن، تتدخل الحكومة لتعيين جهة منظمة مستقلة لكرة القدم الإنجليزية تكون مهمتها هي إبعاد المالكين غير المناسبين وغير اللائقين وعدم السماح لهم بامتلاك أندية. وأقدم اقتراحي بشأن أول سؤال يجب أن تطرحه الجهة المنظمة المستقلة لكرة القدم الإنجليزية على أي مالك نادي كرة قدم محتمل، وهو: هل تريد امتلاك نادٍ لكرة القدم؟ فإذا كانت الإجابة بنعم، فأنا أخشى أنه يجب استبعاده على الفور، لأنه على الأرجح إما مجنون أو سيئ، أو لا يصلح أو غير مناسب!
فلا يوجد سبب مالي منطقي لامتلاك نادٍ لكرة القدم. ومهما كان دخل أي نادٍ مرتفعاً - سواء كان ذلك من صفقات حقوق البث التلفزيوني أو الأنشطة التجارية الأخرى - فإنها ستذهب بأكملها، أو حتى أكثر منها بكثير، إلى جيوب اللاعبين ووكلائهم في نهاية المطاف! وإلا كيف تفسرون المستويات الخيالية للديون التي تراكمت حتى على أعظم الأندية في العالم: مانشستر يونايتد نحو 500 مليون جنيه إسترليني؛ وبرشلونة أكثر من مليار جنيه إسترليني؟ فما نوع الشخص الذي يريد الدخول في مثل هذه الأعمال؟ ومهما تم هيكلة الديون بشكل ذكي، فإن الديون تظل ديوناً!
لذلك، إذا كنت لا تشتري نادياً من أجل كسب المال، وستخسر المال بكل تأكيد، فلا بد أنك تقوم بذلك لسبب آخر! قد يكون هذا بسبب أنك شخص رائع تحب النادي، أو كرة القدم بشكل عام، وترغب في فعل الشيء الصحيح. فإذا كان الأمر كذلك، فهذا شيء عظيم. لكن إذا لم تكن كذلك، فأنا لست متأكداً مما يمكن للجهة المنظمة المستقلة لكرة القدم الإنجليزية أو أي شخص آخر فعله حيال ذلك. إن أمثال أصحاب المليارات الروس والصينيين التي لديها سجلات أقل من المستوى المطلوب لحقوق الإنسان، ستمتلك دائماً الثروات القادرة على إغراء أصحاب الأندية لبيعها. وسينتهي الأمر بالجماهير بأن تغض الطرف عن أي شيء آخر غير النجاح الذي يمكن لأنديتها أن تحققه بهذه الأموال.
فإذا كان مالك ناديك يريد بيعه مقابل، دعنا نقول، 250 مليون جنيه إسترليني، وكان هناك مشترٍ يريد الاستحواذ على النادي مقابل 250 مليون جنيه إسترليني، فلا أستطيع أن أرى كيف يمكن لجميع أعضاء الجهة المنظمة المستقلة لكرة القدم الإنجليزية التي تعارض ذلك أن تمنع مثل هذه الصفقة! فأي شخص على وشك شراء نادٍ مقابل 250 مليون جنيه إسترليني، أو عازم على إنفاق 250 مليون جنيه إسترليني، سيكون لديه الكثير لينفقه على المحامين أكثر من الجهة المنظمة المستقلة لكرة القدم الإنجليزية، أو أي شخص آخر، حتى يمكنه إبرام الصفقة التي يريدها.
إن مقترحات الجهة المنظمة المستقلة لكرة القدم الإنجليزية لإبعاد الأشخاص غير المرغوب فيهم عن الاستحواذ على الأندية مفصلة بما فيه الكفاية، فما تطلق عليه الجهة المنظمة اسم «اختبار النزاهة»! إن استخدام كلمة «النزاهة» يذكرني بالجدل الذي لا ينتهي في كرة القدم بشأن القوانين المتعلقة بلمسات اليد داخل منطقة الجزاء، حيث يتعين على الحكام أن يقرروا ما إذا كانت لمسة اليد «متعمدة» أم لا. فكيف يمكنهم أن يعرفوا ذلك؟ بالتأكيد، فإن الشخص الوحيد القادر على تحديد ما إذا كانت لمسة اليد متعمدة أو لا هو اللاعب الذي لمس الكرة بيده وليس أي شخص آخر، فهذا الأمر بينه وبين ربه فقط! لقد قيل لنا إن الجهة المنظمة ستصدر «حكماً شاملاً قائماً على الأدلة باستخدام رأي الخبراء لتقييم ما إذا كان المالك أو المدير هو الحارس المناسب لهذا النادي أم لا».
أتمنى التوفيق لهذه الجهة المنظمة، لكنْ لدي سؤالان أعتقد بكل جدية أنه يتعين عليها طرحهما على أي مالك محتمل: أولاً، هل تُقدر أنه عندما يتم إبرام الصفقة، فإنه لا يمكنك حقاً امتلاك نادٍ؟ فبغض النظر عما تقوله الوثائق القانونية، فأنت من الناحية الأخلاقية ستكون مجرد حارس على النادي، مكلف بحبه والاعتزاز به للجيل القادم فقط! ثانياً: هل تُقدر أنه لا يمكنك بيع النادي كما يحلو لك ولمن يدفع أعلى سعر؟ بل يتعين عليك أن بيعه إلى الشخص الذي يمكنه الاعتناء به بجدية مثلك!
كرة القدم الإنجليزية تحتاج إلى بذل المزيد لإنقاذها من نفسها
الهيئات التي تدير اللعبة لا يمكنها تحديد الأشخاص «المناسبين» لإدارة الأندية
كرة القدم الإنجليزية تحتاج إلى بذل المزيد لإنقاذها من نفسها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة