توتر وانتقادات متبادلة تخيّم على العلاقة الأوكرانية ـ الألمانية

شولتس يمتنع عن زيارة كييف لتقديم دعمه الشخصي لزيلينسكي

شتاينماير الذي تعتبره كييف مسؤولاً عن سياسة التقارب الألماني - الروسي ورفضت استقباله (إ.ب.أ)
شتاينماير الذي تعتبره كييف مسؤولاً عن سياسة التقارب الألماني - الروسي ورفضت استقباله (إ.ب.أ)
TT

توتر وانتقادات متبادلة تخيّم على العلاقة الأوكرانية ـ الألمانية

شتاينماير الذي تعتبره كييف مسؤولاً عن سياسة التقارب الألماني - الروسي ورفضت استقباله (إ.ب.أ)
شتاينماير الذي تعتبره كييف مسؤولاً عن سياسة التقارب الألماني - الروسي ورفضت استقباله (إ.ب.أ)

رغم أن ألمانيا تعتبر نفسها من أكبر الدول الداعمة لأوكرانيا اقتصاديا وعسكريا في حربها مع روسيا، فإن العلاقة بين كييف وبرلين يخيم عليها التوتر والانتقادات المتبادلة. ولم تعد الانتقادات توجه خفية بين الطرفين، بل تحولت إلى تراشق علني ورفض قاطع بسبب سحب كييف دعوة للرئيس الألماني فرانك فالتز شتاينماير لزيارة أوكرانيا منتصف الشهر الماضي، والذي تعتبره كييف مسؤولا عن سياسة التقارب الألمانية الروسية لمستشار الألماني أولاف شولتس بزيارة كييف لتقديم دعمه الشخصي للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، كما فعل قبله مسؤولون أوروبيون وأميركيون كثر. والتي عمل عليها عندما كان وزيرا للخارجية في حكومة المستشار السابق غيرهارد شرودر. ومع أن أسبوعين قد مرا على تلك القصة، فإن الصدمة لدى ألمانيا لم تتلاش. وقد وصف شولتس الحادث في مقابلة أدلى بها ليل أول من أمس للقناة الألمانية الأولى بالقول إنه «كان حدثا لافتا»، وبأن الآن يقف عائقا أمام زيارته إلى العاصمة الأوكرانية. وذكر بأن كييف سحبت الدعوة من شتاينماير بعد أن كان قد انتخب لولاية رئاسية جديدة بأغلبية ساحقة، مضيفا: «لا يمكن التصرف بهذا الشكل». وأشار شولتس إلى أن برلين قدمت الكثير من المساعدات الاقتصادية والعسكرية التي ساعدت الجيش الأوكراني على الصمود لهذه الفترة في وجه خصم أقوى، ليعود ويضيف بتعجب: «ولكن رئيس ألمانيا غير مرحب به». ولكن السفير الأوكراني في برلين أندري ملنيك سارع للرد على شولتس والقول بأنه «لعب دور الضحية لا يناسب مسؤولا» في موقع شولتس، مضيفا بأن ما يحصل في أوكرانيا «هو أسوأ حرب إلغاء منذ الهجوم النازي». وتابع ميلنك يقول بأن الرئيس الأوكراني ما زال مستعدا للترحيب بشولتس في كييف، ولكن «ما هو أهم من أي زيارة رمزية لأعضاء الحكومة الألمانية، هو تطبيق القرار الذي اتخذ في البرلمان لتقديم أسلحة متطورة والإيفاء بالوعود السابقة». ومرر البرلمان الألماني (البوندستاغ) قراراً بأغلبية كبيرة الأسبوع الماضي يقضي بالموافقة على إرسال ألمانيا أسلحة ثقيلة ألمانية الصنع إلى أوكرانيا، في خطوة استغرقت أسابيع من المشاورات بين الأحزاب لإقناع الحزب الاشتراكي الحاكم الذي كان مترددا، بتزويد كييف بأسلحة ثقيلة.

                                    شولتس يتوسط رئيستي وزراء فنلندا سانا مارين والسويد مادلينا أندرسون بعد اجتماع في برلين (إ.ب.أ)
وبدأت التوترات بين كييف وبرلين عندما أراد شتاينماير الذي ينتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي مثل شولتس، أن يسافر إلى كييف إلى جانب رؤساء بولندا ودول البلطيق الثلاثة في منتصف أبريل الماضي، ولكنه اضطر لإلغاء رحلته في اللحظات الأخيرة بعد تلقيه رسالة من السفارة الأوكرانية في برلين. وفهم الجانب الألماني بأن شتاينماير «غير مرحب به» في كييف، خاصةً بعد تصريحات لمسؤولين أوكرانيين يؤكدون استعدادهم للترحيب بالمستشار شولتس. وتسببت الخطوة بصدمة آنذاك لدى الجانب الألماني، إذ وصفها وزير الاقتصاد روبرت هابيك الذي ينتمي لحزب الخضر بأنها كانت «خطأ دبلوماسيا» من الطرف الأوكراني، «لأن الرئيس الألماني هو ألمانيا»، بحسب هابيك. ورغم أن رئيس الجمهورية في ألمانيا لا يتمتع بأي سلطة، فهو منصب شرفي والرئيس يعد ممثلا للدولة الألمانية. ولاحقا برر السفير الأوكراني في برلين رفض كييف استقبال شتاينماير، بالقول إنه «لا علاقة لذلك بمواقف الرئيس الألماني السابقة من روسيا ومدى إبعاد نفسه عنها حاليا»، بل إن أوكرانيا «تعتبر أن زيارة المستشار أهم في الوقت الحالي لأنه هو وأعضاء الحكومة يمكنهم أن يتخذوا القرارات اللازمة المتعلقة بالتسليح والعقوبات على روسيا».
وحاولت أوكرانيا منذ ذلك الحين تهدئة الوضع، وأكد وزير خارجيتها بأن كييف «تحترم ألمانيا كدولة وشريك ومن الواضح بأن رئيس الدولة هو رمز لها ونحن نحترمه». ورغم أن الحكومة الألمانية أكدت أيضاً أنها تسعى لتخفيف التوتر حول هذه المسألة وأنها على تواصل دائم مع الحكومة الأوكرانية، إلا أن تلك «الإهانة» لم تتخطاها برلين بعد. وحتى أن وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك أعلنت نيتها السفر إلى كييف منذ فبراير الماضي، ولكنها قالت إنها تريثت للسماح للرئيس بالزيارة أولا. وبعد أن فشلت تلك الزيارة، عادت زيارتها كذلك للتأجيل إلى موعد غير محدد.
وما زاد الوضع تعقيدا بالنسبة للمستشار الألماني، إعلان فريدريش ميرز زعيم حزب المعارضة الرئيس «الحزب المسيحي الديمقراطي» الذي كان ترأسه المستشارة السابقة أنجيلا ميركل، زيارته لكييف ولقائه بمسؤولين هناك، ولم يكن زولينيسكي واحدا منهم. ورغم أن مجموعة من البرلمان تضم نوابا عن الأحزاب الثلاثة الحاكمة زارت كييف الأسبوع الماضي، فإن أعضاء الحكومة لم يقوموا بعد بأي زيارة إلى العاصمة الأوكرانية رغم زيادة الضغوط الداخلية عليهم. وفي الأسابيع الماضية، زار كييف رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ووزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل، إضافة إلى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من بين آخرين، والتقوا جميعا بالرئيس الأوكراني هناك. والواقع أن كييف مستمرة بانتقاد برلين منذ بداية الأزمة، في البداية لترددها بتزويدها بالأسلحة الضرورية وكذلك لرفضها الموافقة على قرار أوروبي لحظر موارد الطاقة الروسية. وفي الأيام الماضية، تراجعت برلين عن قرار رفضها تقديم أسلحة ثقيلة لكييف، وكذلك عن قرارها رفض تأييد حظر كامل للطاقة. ولكنها وافقت على دعم حظر للنفط الروسي وليس الغاز الذي ما زال اعتمادها عليه كبيرا وسيستغرق التخلي عنه عامين على الأقل.
وقلصت ألمانيا اعتمادها على النفط الروسي بالثلثين تقريبا منذ بداية الحرب، وانخفضت نسبة الصادرات من النفط الروسي من ٣٥ في المائة قبل الحرب إلى ١٢ في المائة اليوم. واستعاضت برلين عن النفط الروسي بزيادة واردها من النفط النرويجي، وتستورد ألمانيا كذلك حاجاتها للنفط من كازاخستان والولايات المتحدة. ولكن مسألة الغاز أكثر تعقيدا وهي بسبب اعتمادها الأكبر عليه، ورغم أنها قلصت اعتمادها على الغاز الروسي منذ الحرب الأوكرانية بالثلث فهي ما زالت تستورد ٣٥ في المائة من حاجتها من الغاز من روسيا مقارنة بـ٥٥ في المائة قبل الحرب. وتعقد الحكومة الألمانية على مدى يومين خلوة في قصر ميزابيرغ في ضواحي برلين، لمناقشة الآثار الاقتصادية للحرب الأوكرانية والخطوات التي ما زال بإمكانها اتخاذها لزيادة الضغوط على روسيا. وقد دعت للمشاركة في تلك الخلوة اقتصاديين بارزين، إضافة إلى رئيستي وزراء فنلندا والسويد اللتين ناقشتا في اليوم الأول من الخلوة مساعيهما للانضمام لحلف شمالي الأطلسي وزيادة إنفاقهما العسكري ليصل إلى ٢ في المائة من الناتج الإجمالي، وهي النسبة التي يوصي بها الناتو للدول الأعضاء.


مقالات ذات صلة

روسيا تتهم أوكرانيا بقصف مطار عسكري بصواريخ أميركية... وتتوعد بالرد

أوروبا أظهرت الأقمار الاصطناعية أضراراً بمطار عسكري روسي في شبه جزيرة القرم جراء استهداف أوكراني يوم 16 مايو 2024 (أرشيفية - رويترز)

روسيا تتهم أوكرانيا بقصف مطار عسكري بصواريخ أميركية... وتتوعد بالرد

اتهمت روسيا أوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى أميركية الصنع لقصف مطار عسكري، اليوم (الأربعاء)، متوعدة كييف بأنها ستردّ على ذلك عبر «إجراءات مناسبة».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ رجال إنقاذ يعملون في موقع تعرض فيه مبنى لأضرار جسيمة بسبب ضربة صاروخية روسية أمس وسط هجوم روسيا على أوكرانيا في زابوريجيا11 ديسمبر 2024 (رويترز) play-circle 02:00

أميركا تحذّر روسيا من استخدام صاروخ جديد «مدمر» ضد أوكرانيا

قال مسؤول أميركي إن تقييماً استخباراتياً أميركياً، خلص إلى أن روسيا قد تستخدم صاروخها الباليستي الجديد المتوسط ​​المدى مدمر ضد أوكرانيا مرة أخرى قريباً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الرئيس الأوكراني زيلينسكي خلال لقائه ترمب في نيويورك الأسبوع الماضي (أ.ب)

ماسك ونجل ترمب يتفاعلان مع صورة تقارن زيلينسكي ببطل فيلم «وحدي في المنزل»

تفاعل الملياردير الأميركي إيلون ماسك ودونالد ترمب جونيور، نجل الرئيس المنتخب دونالد ترمب، مع صورة متداولة على منصة «إكس»

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا ألسنة لهب كثيفة تتصاعد من مبنى مدمر وسيارة محترقة في منطقة زابوريجيا الأوكرانية نتيجة قصف روسي (خدمة الطوارئ الأوكرانية- أ.ف.ب)

4 قتلى و19 جريحاً بضربة روسية على زابوريجيا الأوكرانية

قُتل 4 أشخاص على الأقل وأُصيب 19، الثلاثاء، في ضربة صاروخية روسية «دمَّرت» عيادة خاصة في مدينة زابوريجيا جنوب أوكرانيا، في حصيلة مرشحة للارتفاع.

أوروبا صورة مركبة تابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية تعرضت لأضرار بسبب غارة بطائرة مسيرة على طريق في منطقة زابوريجيا في أوكرانيا 10 ديسمبر 2024 (رويترز)

مسيّرة تستهدف مركبة لوكالة الطاقة الذرية قرب محطة زابوريجيا النووية في أوكرانيا

قال مدير الطاقة الذرية إن مركبة تابعة للوكالة تعرضت لأضرار جسيمة بسبب هجوم بمسيرة على الطريق المؤدي إلى محطة زابوريجيا للطاقة النووية في أوكرانيا، الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (كييف)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
TT

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

ووفقاً للتقرير العالمي بشأن الاتجار بالأشخاص والصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإنه في عام 2022 -وهو أحدث عام تتوفر عنه بيانات على نطاق واسع- ارتفع عدد الضحايا المعروفين على مستوى العالم 25 في المائة فوق مستويات ما قبل جائحة «كوفيد- 19» في عام 2019. ولم يتكرر الانخفاض الحاد الذي شهده عام 2020 إلى حد بعيد في العام التالي، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وقال التقرير: «المجرمون يتاجرون بشكل متزايد بالبشر لاستخدامهم في العمل القسري، بما في ذلك إجبارهم على القيام بعمليات معقدة للاحتيال عبر الإنترنت والاحتيال الإلكتروني، في حين تواجه النساء والفتيات خطر الاستغلال الجنسي والعنف القائم على النوع»، مضيفاً أن الجريمة المنظمة هي المسؤولة الرئيسية عن ذلك.

وشكَّل الأطفال 38 في المائة من الضحايا الذين تمت معرفتهم، مقارنة مع 35 في المائة لأرقام عام 2020 التي شكَّلت أساس التقرير السابق.

وأظهر التقرير الأحدث أن النساء البالغات ما زلن يُشكِّلن أكبر مجموعة من الضحايا؛ إذ يُمثلن 39 في المائة من الحالات، يليهن الرجال بنسبة 23 في المائة، والفتيات بنسبة 22 في المائة، والأولاد بنسبة 16 في المائة.

وفي عام 2022؛ بلغ إجمالي عدد الضحايا 69 ألفاً و627 شخصاً.

وكان السبب الأكثر شيوعاً للاتجار بالنساء والفتيات هو الاستغلال الجنسي بنسبة 60 في المائة أو أكثر، يليه العمل القسري. وبالنسبة للرجال كان السبب العمل القسري، وللأولاد كان العمل القسري، و«أغراضاً أخرى» بالقدر نفسه تقريباً.

وتشمل تلك الأغراض الأخرى الإجرام القسري والتسول القسري. وذكر التقرير أن العدد المتزايد من الأولاد الذين تم تحديدهم كضحايا للاتجار يمكن أن يرتبط بازدياد أعداد القاصرين غير المصحوبين بذويهم الذين يصلون إلى أوروبا وأميركا الشمالية.

وكانت منطقة المنشأ التي شكلت أكبر عدد من الضحايا هي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بنسبة 26 في المائة، رغم وجود كثير من طرق الاتجار المختلفة.

وبينما يمكن أن يفسر تحسين الاكتشاف الأعداد المتزايدة، أفاد التقرير بأن من المحتمل أن يكون مزيجاً من ذلك ومزيداً من الاتجار بالبشر بشكل عام.

وكانت أكبر الزيادات في الحالات المكتشفة في أفريقيا جنوب الصحراء وأميركا الشمالية ومنطقة غرب وجنوب أوروبا، وفقاً للتقرير؛ إذ كانت تدفقات الهجرة عاملاً مهماً في المنطقتين الأخيرتين.